أدب الرعب والعام

المريض رقم ١٢

بقلم : مشاعل رمضان – السعودية

المريض رقم ١٢
إنه العجوز.. إنه رقم ١٢ مقرفصًا في زاوية الغرفة

سئمت التعامل معهم، أرى وجوههم البائسة في كل مكان، رائحة المكان تبعث على الكآبة والهم، بالرغم أنه لم يمضي على عملي هنا أكثر من بعض أشهر..

أتعجب من حال العاملين هنا ،كيف بإمكانهم التحمل ؟!

فأنا أصبحت أخاف من ظلي ،أخاف كثيرًا.

 

شعور غريب يعتريني كلما مررت من غرفة المريض رقم “١٢”، بغيض ذلك العجوز الذي يقطنها بلثة عارية من الأسنان مع لحية مخضبة بالحناء عاضًا كم سترته بنواجذه ولعابه يسيل أينما وقعت قدماه .

يلاحقني دوما ويتمتم بما لا أفهم

حقًا أتمنى أن أقتله..

 

تبًا لقد غفوت !، إن مناوبتي الليله يجب أن أتجول في المشفى تحسبًا لأي طارئ ،إن المكان مرعب فلم تكد تخلو مناوباتي السابقة من بعض الظواهر التي لا يوجد تفسير لها.

إختفاء بعض المرضى من غرفهم وعودتهم لها بعد فترة ،تحرك المعدات من أماكنها وأصوات لا مصدر لها.

أعد الثواني حتى تنتهي هذه المناوبة اللعينه!

مررت بغرف المرضى جميعهم حتى وصلت للغرفة رقم ١٢.

دقات قلبي تتسارع بشكل مفاجئ، أتصبب عرقًا من رأسي حتى أخمص قدماي، ما بالي إنه مجرد مريض آخر.

استجمعت قوتي وفتحت الباب فإذا بإضاءة الممر تتسلل إلى الداخل، ألقيت نظرةً خاطفة إلى السرير فلم أجده!

ما إن وقعت عيناي على زاوية الغرفة حتى سرت قشعريرة في جسدي، تيبست أطرافي وشا جسدي عن الحركه، اأنس هو ام جن ؟!

إنه العجوز.. إنه رقم ١٢ مقرفصًا في زاوية الغرفة، عيناه حمراء كالدم، ابتسامة خبيثة تعلو وجهه.

خلال ثواني تلاشى وكأنه لم يكن ..

اقنعت نفسي بأنني أتوهم بسبب قلة النوم ،وبدأت البحث عنه في الطابق الأول وصولا للثالث فلم أجد له أثرًا، وعندما هممت بالنزول فإذ بصوت مخيف يهمس في أذني :”مجنون” فالتففت فلم أجد أحدًا..

بدأت الأصوات تعلو في المكان.

ضحك غليظ، بكاء أطفال،صراخ نساء، ولا مصدر لها..

إنه ذلك الحقير!، أيريد تعذيبي ام يريدني أن أصاب بالجنون ؟!

ألا يكفيه ما أنا فيه من هلع؟..بالتأكيد يريد أن يقتلني.. يقتلني خوفًا!

تناولت سكينًا وهرعت إلى غرفته، متأكد بأنه سيعود ،لن أجعله يظفر بقتلي سأقتله أولًا .

يرتفع الصوت أكثر فأكثر … “مجنون، مجنون،مجنون”…

ترتفع أشعة الشمس فتوقظني، يبدو أنني غفوت مرة ثانية، تنفست الصعداء فقد انتهت مناوبتي، سأذهب إلى المنزل لأنعم بقسط من الراحة..

رفعت جسدي المتثاقل بصعوبة من الأرض ودلقت إلى الممر متجهًا إلى المخرج ،استوقفني احد الممرضين

قائلا بحزم: “إلى أين تخال نفسك ذاهبًا؟” وناولني منديلا.

أجبته بنفاذ صبر:”إلى أين مثلا؟!، إلى المنزل”

بغضب شديد قال: كل يوم !!، ألا تمل يا رجل عشر سنوات مرت، هيا بناإلى غرفتك الآن!.

عشر سنوات؟…غرفتي؟… أي غرفة ياهذا ؟

أجاب: غرفتك، رقم ١٢.

وقعت عيناي حينها على مرآة معلقة أمامي فما رأيت إلا عجوزًا بغيضًا بلحية مخضبة بالحناء وفم فارغ إلا من اللعاب.

وهمسٌ من حولي “مجنون،مجنون”.

تاريخ النشر : 2015-04-15

مشاعل رمضان

السعودية
guest
55 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى