قتلة و مجرمون

الفتاة تحت السرير

بقلم : اياد العطار

الفتاة تحت السرير
يا ترى كيف تكون الحياة تحت السرير ؟ ..

هل جربت يوما أن تقامر مع الحياة ؟ .. أظنك فعلت , لا بل جميعنا فعلنا , اتخذنا قرارات لا نأمن عواقبها, سلكنا دروب لا نعلم إلى أين ستؤول , مشينا وارتبطنا بأشخاص لا ندري إلى أين سيقودوننا , دخلنا في مشاريع لا نضمن نتائجها … لابد من المخاطرة , لابد من أن تهز النرد وترميه حتى لو لم تكن من أهل القمار , قد تربح مرة , وتخسر مرات , هكذا هي الحياة , نمضي في دروبها ما بين الأمل والرجاء , والخوف والتوجس , تحملنا الغاية إلى أخرى , مسرعين لا نلتفت ولا نبالي , نكاد ندوس الآخرين بأقدامنا , نريد الفوز مهما كان الثمن … لكننا ننسى أو نتناسى في خضم هذا الكفاح المرير , حقيقة مرة , وهي أن لا أحد يفوز في هذه اللعبة الكبرى , فهناك في آخر الدرب .. لا يوجد شيء .. سوى حفرة .. وبعض التراب .

وقصتنا لهذا اليوم عن المقامرة , عن فتاة أرادت أن تمتحن القدر , وعن ذئاب متربصة بأولئك السذج الذين يظنون بأن للخسارة حدود . كل شيء بدأ في صباح يوم عادي وجميل من شهر أيار/ مايو عام 1977 . كولين ستان , ذات العشرين ربيعا , كانت جالسة بأمان الله في منزلها ببلدة يوجين بولاية اوريغون عندما رن الهاتف فجأة , على الخط أتى صوت صديقة قديمة تعيش في مدينة إيستوود بولاية كاليفورنيا . بعد التحية والسلام أخبرتها تلك الصديقة بأن عيد ميلادها سيصادف غدا , وبأنها ستقيم حفلة , وتود لو تكون كولين حاضرة , لكنها تعلم بأن ذلك شبه مستحيل لبعد المسافة .

هذا كل ما في الأمر , مكالمة سريعة من صديقة قديمة كان يمكن أن تنتهي بعبارات مجاملة مختصرة . لكن الأمر لم يجري على هذا النحو للأسف , فما أن وضعت كولين السماعة حتى برقت فكرة مجنونة في ذهنها :

ماذا لو ذهبت إلى منزل صديقتها وفاجأتها بحضورها .. كم سيكون ذلك جميلا ؟! ..

بالفعل كان سيكون جميلا .. لو لم تكن المسافة التي تفصل بين منزلي الصديقتين هي أكثر من أربعمائة ميل , ولو لم تكن كولين عاطلة عن العمل ولا تملك بنسا واحدا في جيبها . لكن ذلك لم يردعها , فهي تعلم بأن هناك طرقا أخرى للسفر من دون الحاجة لابتياع تذكرة , كالوقوف على قارعة الطريق والحصول على توصيلة مجانية من سائقي الشاحنات والسيارات الصغيرة المارة .

الفتاة تحت السرير
السبعينات .. عقد الجنون ! ..

طريقة سهلة , لكنها محفوفة بالمخاطر , وهي تعلم ذلك جيدا , فقد قرأت وسمعت عن حوادث مروعة تعرض لها بعض أولئك المسافرين بالمجان من اغتصاب وقتل .. ومع هذا قررت أن تقامر . ولم يكن قرارها هذا غريبا لو تذكرنا بأننا هنا نتكلم عن سبعينات القرن الماضي , وأظن من عاشوا تلك الحقبة يعلمون جيدا كم كانت مجنونة ومتطرفة في كل شيء .. نمط الحياة والزي والهندام والموسيقى والغناء الخ .. كانت حقبة تمرد فيها الشباب على كل شيء , أرادوا التحرر مما اعتبروه قيما عفا عليها الزمان . كانت الطرقات تغص بالـ " هيبيين " بشعورهم وذقونهم الطويلة وملابسهم المبهرجة وموسيقاهم الحالمة , كانوا مسافرين من دون هدف , يتعلقون بالسيارات ويخيمون في أي مكان , يتعاطون المخدرات والجنس بلا وازع .

كولين ستان كانت شابة بعقلية تلك الحقبة , ولم يكن لديها شيء ليبقيها في المنزل , كانت قد ولدت في كاليفورنيا , تطلق والديها في سن مبكرة وعاش كل منهما في منزل منفصل بنفس الحي . لم تكمل دراستها الثانوية وتزوجت في السابعة عشر من شاب يكبرها بخمسة أعوام لكنهما لم يعيشا معا لفترة طويلة وسرعان ما افترقا فذهبت لتعيش مع بعض الأصدقاء في بلدة يوجين . كانت تحب المغامرة والسفر , ولم تكن تلك المرة الأولى التي تقف فيها على قارعة طريق وتسافر بصحبة سائقين غرباء , وقد حسبت نفسها من أصحاب الخبرة بالسفر الجوال , فكانت لا تركب إلا مع من تشعر بأنه يمكن الوثوق به وبأنه لن يطمع بشابة جميلة مثلها . لكنها ما علمت بأن المظاهر كثيرا ما تكون خادعة , وأن الذئاب البشرية تجيد التخفي بزي الحملان .

الفتاة تحت السرير
وقفت على جانب الطريق من اجل توصيلة ..

هكذا تركت فتاتنا المنزل وهي لا تحمل معها سوى حقيبة صغيرة فيها بعض الملابس وكيس نوم . وقفت على جانب طريق خارجي يقطع ضواحي البلدة وراحت تتأمل المركبات الغادية والرائحة وتدقق في الوجوه جيدا , تستمع لنبض قلبها وتعتمد على فراستها ونباهتها لتحدد من يمكن الصعود معه ومن يجب تجنبه , وقد صدق حدسها مرتين , مرة مع سائق شاحنة عجوز أوصلها إلى نصف المسافة وأشترى لها وجبة عشاء على حسابه , ومرة أخرى مع امرأة تسافر لوحدها في شاحنة صغيرة قطعت معها ربع المسافة حتى لم يعد يفصلها عن هدفها سوى أقل من مئة ميل . لم تكن الآن بحاجة سوى لتوصيلة واحدة فقط وتكون عند باب صديقتها . فوقفت من جديد على حافة الطريق ترقب المركبات المارة وتتأمل الوجوه , ولم يطل الوقت حتى توقف لها سائق شاحنة كبيرة , لكنها رفضت الصعود , لم ترتح للسائق , ثم توقف لها رجل أنيق يقود سيارة حديثة لكنها أبت أن تصعد أيضا , لم تعجبها نظراته فتراجعت مبتعدة . أخيرا توقف لها باص صغير – ميكروباص – يقوده شاب ذو ملامح هادئة وإلى جواره تجلس شابة جميلة تحمل طفلا , لم تتردد كولين بالصعود هذه المرة , بالطبع لم يكن لرجل يقود برفقة امرأة وطفل أن يؤذيها .

الفتاة تحت السرير
ظنت بأنها محظوظة ..

السائق قدم نفسه على أنه كاميرون هوكر , 23 عاما , والشابة إلى جواره هي زوجته جانيس , 19 عاما , أما الطفل فهو أبنهما الرضيع ذو السبعة أشهر . الزوجين تبادلا حديثا وديا مع كولين التي شعرت لوهلة بأنها محظوظة جدا لحصولها على توصيلة من قبل هكذا أسرة لطيفة , لكن لم يطل الوقت حتى تبدد ذلك الشعور وحل محله إحساس ثقيل بعدم الارتياح , فقد لاحظت بأن كاميرون يحدق إليها بغرابة ويتفحصها بدقة بواسطة مرآة السائق , لكنها لم تقل شيء ولم تستشعر خطرا لوجود جانيس والطفل في السيارة .

بعد أن مضوا لبضعة أميال توقف كاميرون عند محطة وقود وأنشغل بملء الخزان بينما ذهبت جانيس إلى المتجر المرفق بالمحطة وتوجهت كولين إلى الحمام , كان ذلك الإحساس بعدم الراحة ما يزال ملازما لها , وكان هناك صوت داخلي يرن في رأسها ويدعوها بأن تترك تلك التوصيلة وأن تخرج الآن فورا من الباب الخلفي للمحطة ولا تنظر إلى الوراء أبدا .. ليتها استمعت إلى ذلك الصوت أو الهاجس الداخلي , لكنها لم تفعل للأسف .

حين عادت كولين إلى السيارة قدمت لها جانيس قطعة حلوى كانت قد أشترتها للتو من المتجر , فشكرتها كولين بابتسامة عريضة , لكنها من الداخل لم تكن مرتاحة للنظرة التي رمقتها بها جانيس . كان القلق والخوف قد أستبد بها الآن , وودت لو تستطيع مغادرة السيارة , لكن فات الأوان , فكاميرون انتهى من ملء خزانه بالوقود وسرعان ما أخذ مكانه خلف المقود ثم أنطلق بالسيارة لا يلوي على شيء .

لم يتحدث أحد هذه المرة , عم سكون ثقيل , ومن حين لآخر كان كاميرون وجانيس يتبادلان نظرات مريبة كأنهما يتفاهمان بصمت حول شيء ما . كم ودت كولين لو تعرف ماذا يجول في رأسيهما , لكنهما لم يتكلما أبدا , ولم ينقطع حبل ذلك الصمت المقلق حتى خاطبها كاميرون فجأة قائلا بأن هناك كهف ثلجي قريب يودان زيارته وبأنهما لن يتأخرا عنده كثيرا , فوافقت كولين بأن ترافقها على مضض , وهل كانت تملك خيارا آخر ؟ .. وأنعطف كاميرون بالسيارة إلى طريق فرعي ترابي سار فيه لحوالي عشرة دقائق حتى لم يعد بالإمكان رؤية الطريق العام ورائهم , ثم أوقف السيارة , ولشدة دهشة كولين فقد رأت جانيس تقفز من السيارة وهي تحتضن طفلها ثم تجري لمسافة وتتوقف بعيدا كأنها تتوقع حدوث شيء خطير . وبأسرع من لمح البصر شاهدت سكينا كبيرة توضع على عنقها وسمعت كاميرون يخاطبها مهددا : " إياك أن تنبسي بكلمة وإلا ذبحتك ودفنتك هنا .. تصرفي بهدوء ولن يصيبك مكروه " .

بدأت كولين تبكي كطفلة , توسلته أن لا يؤذيها , فطمأنها بأنه لن يفعل مادامت تطيعه , فاستسلمت له أملا بالنجاة , وأخرج هو حبلا قيد به يديها ورجليها ثم ذهب إلى مؤخرة السيارة وعاد بصندوق خشبي مكعب الشكل في أسفله ثقب تلوح منه لفائف كالأحشاء , قام بحشر رأسها داخل ذلك الصندوق , فأظلمت الدنيا في عينها وأحست بضيق شديد , ثم سمعت الباب الأمامي وهو يفتح ويغلق فعلمت بأن جانيس صعدت إلى السيارة التي لم تلبث أن انطلقت نحو المجهول .

السادي المجنون

الفتاة تحت السرير
كاميرون هوكر ..

كاميرون هوكر ولد بمدينة ريد بلوف في كاليفورنيا , عمل في مصنع محلي للأخشاب بعد أن أتم دراسته الثانوية . كان طويل القامة ذو بنية قوية وشخصية انطوائية . تعرف عام 1972 على فتاة مراهقة في الخامسة عشر من عمرها تدعى جانيس , كانت مصابة بالصرع , وقد أثر ذلك على شخصيتها ونفسيتها ونظرتها للآخرين , رأت في كاميرون فارس أحلامها وكانت مستعدة لفعل أي شيء من أجله , وقد أستغل هو هذه النقطة أبشع استغلال . كان مدمنا على المجلات الإباحية , منحرفا ذو رغبات سادية مريضة . عمل على إخضاع جانيس لرغباته منذ أول لقاء , أقنعها بأن يقوم بتقييدها بالحبال ثم قام بربطها إلى شجرة ومارس الجنس معها على تلك الحالة . وسرعان ما أصبح هذا النوع من الجنس المنحرف طابعا مميزا لعلاقتهما . ولأنه أرادها تحت تصرفه طوال الوقت فقد تزوجها رسميا وانتقلت للعيش معه في منزل مستأجر . وقد شرع بالحال في غسل دماغها , وأوهمها بالكثير من الترهات عن نفسه , ولأنها كانت من النوع الضعيف المهزوز فلم يطل الوقت حتى استسلمت له تماما , وهناك في قبو المنزل راح يعلقها بالحبال ويضربها بالسياط وينتهك جسدها بألعاب وأدوات جنسية غريبة … ولم تكن هي تمانع رغم اشمئزازها وألمها , كانت تريد إرضاءه مع أنها لم تفهم يوما ما اللذة من كل هذا ! .. لكنها طالبته بالتوقف بعد أن أنجبت منه طفلا , قالت بأنها تعبت وتريد قضاء الوقت بالعناية بطفلها بدلا من إشباع نزواته السادية , لكنه لم يوافق على طلبها إلا بحالة واحدة , وهي أن يجد بديلا لها , فرفضت هي الفكرة بشدة في بادئ الأمر , لكنه كان بارعا في إقناعها واللعب بأفكارها ومشاعرها , قال بأنه يفعل ذلك من أجلها لا من اجله , وبأن الفتاة البديلة ستكون بمصاف العبيد , وأقسم بأنه لن يمارس الجنس معها أبدا وإنما سيستعملها فقط لتفريغ رغباته السادية .

وهكذا أتفق الزوجان على أن يقوما بخطف فتاة لتكون عبدة * أو جارية لكاميرون . وكانت الضحية الأولى فتاة تدعى "ماريا سبانهيك" التقطاها من على ناصية شارع مظلم بحجة إيصالها لكنها انتهت إلى قبو منزلهما . هناك تعرضت للجلد والضرب المبرح لعدة أيام , ويبدو أن كاميرون قد أفرط في تعذيبها ففارقت الحياة وقاموا برمي جثتها في بقعة صحراوية نائية .

أما الضحية الثانية فكانت بطلة قصتنا .. كولين ستان .

قبو الرعب

الفتاة تحت السرير
المكعب الذي وضعه في رأس كولين ..

الزوجان توقفا لقرابة الساعة عند مطعم , تناولا غدائهما بهدوء بينما كانت كولين تقبع في مؤخرة السيارة يحيط برأسها مكعب خشبي ثقيل ووساوس وهواجس لا أول لها ولا أخر . حين انتهى الزوجان من طعامهما عادا إلى السيارة وانطلقا بها , وبعد حوالي نصف ساعة توقفت السيارة مجددا . كولين سمعت صوت خاطفها وهو يخاطبها محذرا : "لا تنبسي بكلمة " , ثم قام بإنزالها من السيارة وسار بها لمسافة قصيرة قبل أن يتوقف ويقوم برفع ذلك المكعب البغيض عن رأسها فأحست براحة كبيرة ونظرت حولها فرأت نفسها تقف داخل حجرة صغيرة فيها بعض الأثاث البسيط المتواضع وكان كاميرون يقف قبالتها , لكنها لم ترى جانيس ولا الطفل .

كولين بكت وتوسلت , طلبت منه أن يطلق سراحها , لكنه لم يرد عليها , أمسك بيدها وأخذها نحو باب جانبي ونزل بها بضعة درجات إلى قبو بارد كئيب , هناك رأت كولين حبالا تتدلى من السقف , وقيود وسياط وأقنعة وألعاب جنسية متناثرة هنا وهناك . وفي الوسط توجد طاولة ذات عجلات أمرها أن تصعد فوقها , ولما استوت عليها راح يربط معصميها إلى بعض الحبال المتدلية من السقف , ثم نزع عنها ملابسها فأصبحت عارية تماما , ووضع عصابة سوداء على عينيها . وحين انتهى من كل ذلك شد الحبال إلى الأعلى ثم قام بدفع الطاولة التي تحت قدميها بعيدا فغدت معلقة في الهواء ترفس بقدميها وأحست فورا بألم فظيع في ذراعيها , وأخذت تصرخ طلبا للرحمة والنجدة , فسمعت كاميرون يقول لها بعصبية : "اصرخي .. هيا اصرخي كما تشائين .. هيا ادفعيني لكي أذبحك بالسكين كما فعلت مع آخر ضحية أثارت جلبة في القبو " .

حين سمعت ذلك تملكها رعب شديد فحاولت قدر الإمكان أن تكتم آهاتها , لكنها ما كادت تغلق فمها حتى أحست بشيء حاد كالسكين يلسع جلدها , ومع كل لسعة كانت تشعر كأن نارا تشب تحت جلدها , فراحت تصرخ وتتلوى من جديد , ولم تكن العصابة على عينيها مشدودة بإحكام , فاختلست النظر عبر فسحة في أسفلها وشاهدت شيئا كالسلك أسود يتردد تحت قدميها , فعلمت أنه يجلدها بالسوط , وكان الألم ممضا .

الفتاة تحت السرير
قام بتعليقها وجلدها ..

أستمر كاميرون بجلدها لعدة دقائق ثم توقف وسمعت خطواته تبتعد كأنه يغادر القبو , فاختلست النظر من العصابة ولمحت تحت قدميها مجلة إباحية مفتوحة على صفحة فيها صورة لامرأة عارية معلقة بالسقف وهي تتعرض للجلد , فعلمت بأنه يطبق عليها ما يراه في المجلة , ولم يطل الوقت حتى سمعته يعود مجددا , لكنه لم يكن وحده هذه المرة , كانت هناك ضحكات نسائية مكتومة ثم آهات وهنات مشحونة بالنشوة واللذة , فاختلست النظر مجددا , وهالها ما شاهدته , كان كاميرون وجانيس يتمددان على الأرض تحت قدميها مباشرة وهما عرايا يمارسان الجنس ! .

رباه  ما بال هؤلاء القوم ؟ .. هل هم مجانين ؟ .. لماذا يفعلون بي هذا وما الذي فعلته أنا لأستحق كل هذا ؟ . تساءلت كولين مع نفسها وهي تغالب دموعها وألمها .

ولم يطل الوقت حتى غادرت جانيس القبو فأرخى كاميرون الحبال رويدا رويدا حتى لامست قدماها الأرض ثم فك قيودها ونزع العصابة عن عينيها , فراحت كولين المسكينة تتحسس جسدها وهي تدب الأرض بقدمها من فرط الألم كلما مررت أصابعها على الندوب الملتهبة التي خلفها السوط على جلدها الناعم . ومن جديد توسلت خاطفها أن يطلق سراحها , وعدته بأن لا تخبر أحدا بما جرى لها وأقسمت بأنها لن تذهب للشرطة وستنسى كل ما حصل كأنه لم يكن .

لكن أطلاق سراحها كان آخر شيء يفكر فيه كاميرون , كانت صيده الثمين , الجارية التي طالما حلم بامتلاكها , فأخذها ودفعها عنوة إلى داخل صندوق خشبي مستطيل الشكل , كان أشد ضيقا من التابوت , لا يتيح لها تحريك جسدها , وليته اكتفى بذلك , بل أتى بذلك المكعب اللعين ذو اللفائف ووضعه على رأسها مجددا , فشعرت بضيق شديد وراحت تبكي وتصرخ طلبا للنجدة , فأتى بقيد ثقيل ووضعه على صدرها لكي يكتم أنفاسها تماما ويسكت صراخها , وعلى هذه الحالة تركها وحيدة , لا لساعة ولا لساعتين , بل لقرابة يوم كامل لم تذق المسكينة خلاله طعم النوم ولا عرفت السكينة .

الفتاة تحت السرير
التابوت الذي حبسها فيه ..

تصور عزيزي القارئ نفسك داخل ذلك الصندوق الرهيب .. لا تستطيع الحركة , ولا حتى أن تحك جلدك , وأنت تقبع في ظلام دامس , خائف ومرعوب , بالكاد تستطيع التنفس .. كم كنت ستتحمل برأيك ؟ .. اجزم بأن معظم الناس ما كانوا سيصمدون كما صمدت كولين . – أنا شخصيا بالكاد تحملت خمسة دقائق داخل جهاز الرنين المغناطيسي الطبي وكدت أن أصرخ لكي يخرجوني – . لكن كولين تمسكت بالحياة بشراسة . وقد سألها أحد الصحفيين بعد سنوات طويلة على محنتها قائلا : "كيف تحملتِ البقاء على ذلك الوضع لكل تلك الساعات الطويلة ؟" . فأجابت بأن شيئين فقط أمداها بالصبر والتحمل , أيمانها بالله , وأملها بأن ترى أهلها مجددا .   

حين فتح كاميرون الصندوق مجددا بعد أكثر من عشرين ساعة لم يكن متأكدا بأنه سيعثر على كولين حية , ولشدة دهشته كانت ما تزال تتنفس , والعجيب أنه حين أبعد ذلك المكعب اللعين عن رأسها لم تصرخ ولا حتى بكت , كانت في الحقيقة قد استنفذت كل ما لديها من آهات ودموع خلال الساعات التي قضتها وحيدة داخل ذلك الصندوق , كانت منهكة ومستنزفة تماما .

أخرجها من الصندوق وهي بالكاد تستطيع الوقوف , سقاها بعض الماء , وأطعمها القليل من البطاطا المهروسة ثم علقها بالحبال من جديد وشرع يجلدها بالسوط , عذبها لقرابة الساعة , وحين انتهى من إفراغ مكنونات رأسه المريض على جسدها أرخى الحبال وأنزلها ثم أعادها إلى التابوت كأنه يعيد لعبة إلى علبتها وغادر القبو .

بالتدريج أصبح ذلك هو الروتين اليومي لحياة كولين , تقبع في التابوت لأكثر من عشرين ساعة يوميا ثم يخرجها لفترة قصيرة لكي تقضي حاجتها وتتناول بعض الطعام وتتعرض للتعذيب .

ولم يكن ما يفعله معها اعتباطيا كما قد تظن عزيزي القارئ , بل كان قد خطط لكل هذا جيدا , أراد أن يروضها , أن يدمر خلايا دماغها , أن يمسح ذاكرتها , أن لا يبقى في ذهنها شيء سواه , وأن يكون سخطه ورضاه هو محور حياتها .

بعد شهر على هذا الروتين الفظيع سمح لها بالاستحمام للمرة الأولى , ووضعها في صندوق اكبر قليلا , وصار يبقيها خارجه لفترة أطول , وكذلك راح يعذبها أكثر , صار يخترع أنواعا جديدة من التعذيب ليصبها عليها , يكوي جلدها بأسياخ حارة , يصعقها بالكهرباء , ويبقي رأسها تحت الماء حتى تكاد تلفظ أنفاسها .

كل يوم كان يكتشف طريقة جديدة لتعذيبها , وكل يوم تكتشف هي طريقة جديدة للتعامل مع جنونه , فلقد تعلمت بأن تطيعه في كل ما يريد ولا تجادله أبدا , وتعلمت بأن بكاءها وتوسلها يستفز ميوله السادية فيجعله يتمادى في تعذيبها , فأصبحت أكثر تحكما بمشاعرها , تحاول قدر الإمكان أن لا تظهر على وجهها أي انطباعات .

وكان كاميرون حتى ذلك الوقت ملتزما بالعهد الذي قطعه لزوجته بأن لا يمارس الجنس معها , لكنه على ما يبدو لم يعد قادرا على تحمل رؤية جسدها العاري أمامه كل يوم من دون أن يبلغ منها حاجته , فصار يجبرها بالتدريج على أمور ذات طابع جنسي , واعترضت جانيس على ذلك في بادئ الأمر , إلا أنها علمت بالنهاية أنها لا تستطيع منعه فسلمت للأمر الواقع على مضض , وبدأ هو يغتصب كولين , صار ذلك جزءا من عذابها اليومي . وأصبح يأخذها أحيانا إلى حجرة نومه ليمارس الجنس معها فوق فراش الزوجية , كان يجد متعة كبرى بالأذى النفسي الذي يلحق جانيس جراء ذلك .

عقد العبودية

الفتاة تحت السرير
تحولت إلى جارية ..

بعد شهور على اختطاف كولين , وبعد أن استسلمت لمصيرها تماما وصارت كالعجينة في يده يشكلها كيفما يشاء , أتى كاميرون ذات يوم وهو يحمل بيده ورقة قدمها لكولين وطلب منها قراءتها , كانت الورقة عبارة عن عقد , كأي عقد لشراء سيارة أو منزل , وقد نص هذا العقد على أن كولين هي ملك صرف لكاميرون , يفعل بها ما يشاء وليس لها أن تعترض أو تجادل , هي جارية عنده , يمتلك روحها وجسدها , وله الحق في أن يبيعها أو يؤجرها للآخرين أو أن يستفاد ماديا من تشغيلها في أي وظيفة أو عمل يرتئيه.

كان العقد صادرا عن شركة تدعى "شركة العبيد" , قال كاميرون بأنها شركة ضخمة ومتنفذة جدا تعمل بالسر على أدارة العبيد داخل الولايات المتحدة الأمريكية , وبأنه أشترى منهم هذا العقد مقابل 1500 دولار , وأن العبيد الذين يخضعون لعقود الشركة يصبحون تحت مراقبة مستمرة وعلى مدار الساعة من قبل عملاء وجواسيس الشركة , وأنه في حال حاول أيا منهم الهرب أو عدم إطاعة أوامر أسياده فأن الشركة ستأخذهم وتسلمهم لأشخاص في منتهى القسوة يقتلونه بأبشع صورة , وقد لا يكتفون بقتل العبد , بل قد يقتلون جميع أفراد عائلته معه .

وبحسب هذا العقد الغريب فأن كولين أصبحت تدعى من الآن فصاعدا العبدة "كاي" , ولا يحق لها أن تخاطب كاميرون إلا بعبارة "سيدي" . وقد أوهمها بأن جانيس هي الأخرى عبدة لديه وأنها وقعت عقدا مماثلا معه قبل سنوات .

كاميرون طلب من كولين أن توقع العقد ففعلت , وقد سألها أحد الصحفيين بعد سنوات عن كيفية توقيعها على هكذا ترهات وكيف صدقت بأن هناك فعلا شركة لإدارة العبيد ومصادقة عقودهم ؟ .. فأجابت بأنها لم تكن تمتلك الإرادة وحق الاختيار لكي ترفض التوقيع , فإمضاءها على العقد كان تحصيل حاصل , أما كيف صدقت بوجود "الشركة" فكان بسبب خضوعها التام عقليا وجسديا لكاميرون , لقد نجح في غسل دماغها عبر شهور من التعذيب والحبس المطول في ذلك الصندوق المظلم . لقد آمنت من كل قلبها بوجود "الشركة" وصارت تخشاها أكثر من كاميرون نفسه , لا بل أن كاميرون أصبح بنظرها منقذا ومخلصا ورجلا في منتهى الطيبة قياسا بما ستفعله بها الشركة فيما لو خالفت نصوص العقد أو حاولت يوما الهرب , ولهذا حرصت من ذلك الحين فصاعدا على إطاعة أوامره ونيل رضاه . وقام هو بوضع طوق في عنقها , كأطواق الكلاب , مكتوب عليها أسمها كجارية "كاي" وأعطاها بطاقة تعريف أوهمها بأنها صادرة عن "الشركة" تثبت بأنها مملوكة بالكامل لكاميرون.

الوحدة القاتلة

الفتاة تحت السرير
يا ترى هل يتذكرها أحد ؟ ..

ومرت الأيام مسرعة , وما أسرع مرورها حين تغدو الحياة بلا طعم أو معنى فتصبح الأيام متشابهة , لا فرق ما بين الغد والأمس ولا الاثنين والخميس . وحلت ليلة رأس السنة , عيد الميلاد ذاك كان الأكثر حزنا في حياة كولين , قضته وحيدة في ظلام دامس وصمت مطبق داخل ذلك التابوت اللعين . تذكرت عائلتها , أمها وأبوها وشقيقاتها , يا ترى هل يفكرون فيها ؟ .. هل يسألون ويبحثون عنها ؟ .. كانت دموعها تنساب حارة على وجناتها الذابلة , ولم يكن عقلها يخلو من تشويش , فقد ضاع عليها تسلسل الأحداث , تحاول عبثا أن تتذكر ما الذي حل بها وتسأل نفسها بحيرة : "ماذا أفعل هنا ؟ " … آخر ما تذكره هو أنها كانت في طريقها إلى حفلة عيد ميلاد , فكيف بحق السماء انتهت إلى هذا المكان البشع المظلم ؟! .

وانقضت سنة وكل شيء على حاله , كولين تكيفت مع حياتها , أنعدم إحساسها بالوقت وما عادت السياط تؤلمها . ولم يعد أحد أيضا يتذكرها , أصدقاءها قلقوا عليها بعد أن غابت لعدة أيام , اتصلوا بصديقتها في إيستوود فأخبرتهم بأنها لم تصل عندها , اتصلوا بعائلتها ولم يكن لديهم خبر منها , فاتصلوا بالشرطة , ولم يكن لدى الشرطة جواب حول مصير الفتاة , ظن المحققون بأنها ربما قتلت على يد سائق شاحنة مخمور أو لعلها انضمت إلى طائفة دينية سرية . وبمرور الوقت نسيها الجميع , ظنوا بأن موتها محققا , الوحيدة التي لم تتوقف عن السؤال هي أمها , كل أسبوع كانت تذهب لمكتب "الشريف" لعلها تجد خبرا , لكن من دون جدوى .

فسحة من الحرية

الفتاة تحت السرير
صورة للصندوق تحت السرير .. هنا عاشت لسنوات ..

في عام 1978 أنتقل كاميرون مع جانيس للعيش في منزل متحرك , هناك قام بتصميم سجن جديد لكولين , هذه المرة صنع صندوقا خشبيا أدغمه في قاعدة سرير نومه . كانت كولين تقضي قرابة 23 ساعة يوميا في ذلك الصندوق وفوقها مباشرة يتمدد كل من كاميرون وجانيس على حشية مائية **, كانت تسمع كل سكناتهما وحركاتهما , وكانت هناك في الأسفل عندما ولدت جانيس طفلها الثاني فوق ذلك السرير .

التابوت الجديد كان أوسع قليلا من سابقه , لكنه يغدو حارا خانقا في فصل الصيف . ولم تكن كولين تتناول غير وجبة واحدة في اليوم هي عبارة عن فضلات الطعام , وكانت تقضي حاجتها في نونية *** . ولم تكن تخرج من زنزانتها الخشبية إلا عندما يريد كولين تعذيبها أو اغتصابها . كان وجودها أسفل سريره يدغدغ مشاعره السادية , يجعله يشعر كالملك , فهناك امرأتان خاضعتان له تماما , واحدة تحت السرير والأخرى فوقه ! .

وعلى هذه الحالة المزرية مرت سنتان أخريان فقدت كولين خلالهما ثلث وزنها وتساقط شعرها . لكن في عام 1980 , أي بعد ثلاث سنوات على واقعة اختطافها , بدأ كاميرون يخفف قيوده عليها قليلا , ربما شعر بأنها أصبحت مروضة تماما . فصار بإمكانها البقاء لفترة أطول خارج السرير , وأصبحت تطبخ وتنظف وتعتني بأطفال جانيس .

ولكي يتأكد كاميرون من أنها مسلوبة الإرادة بالكامل فقد قام بامتحانها , سمح لها بالخروج إلى باحة المنزل لتنظيفه وراح يراقبها من بعيد , كان بإمكانها ترك المنزل والخروج إلى الشارع بسهولة , كان بإمكانها أن تصرخ وتطلب النجدة , لكنها لم تحاول فعل أيا من ذلك ولم تفكر مطلقا بالهرب , كان رعب "الشركة" مسيطرا على عقلها وحواسها , فزاد سرور كاميرون لهذه النتيجة , وصار يسمح لها بالبقاء خارج التابوت فأصبحت تنام تحت السلم .

الجيران بدءوا يعتادون على رؤية كولين , كثيرا ما كانوا يتبادلون التحية معها عبر السور الخشبي وهي تنظف باحة المنزل , ولم يرتب أحدا منهم بأي شيء غير طبيعي , ظنوا بأنها مربية أطفال جانيس . وقد بلغت ثقة كاميرون بسيطرته على كولين حدا جعله يسمح لها بالمشي في الشارع , كانت تذهب في جولات خارج المنزل , وفي كل مرة كانت تعود . لا بل أصبحت تذهب أحيانا إلى الحانة برفقة جانيس .

هذه الحرية الزائدة لم تعفي كولين طبعا من التعذيب , كان كاميرون يأخذها إلى القبو يوميا , وحين تخطأ في أمر ما كان يعاقبها بالصعق بالكهرباء , وقد يضربها أو يشتمها أو يبصق عليها أو يجعلها تنام على بلاط الحمام البارد , وكان قد علمها بأنه لا يحق لها الكلام قبل أن تستأذنه باعتباره سيدها , فكان عليها أن ترفع يدها إذا ما أرادت قول شيء , وويل لها لو فتحت فمها من دون استئذان .

وكان عليها الاعتناء بأطفال كاميرون طوال اليوم خصوصا بعد أن وجدت جانيس وظيفة في شركة فأصبحت تقضي طيلة النهار في الخارج وتعود ليلا متعبة . وفي أيام العطل كان كاميرون يأخذها إلى استراحة الشاحنات على الطريق السريع لكي تتسول المال من السائقين . كان يريد الاستفادة منها إلى أقصى حد .

لعل اغرب ما في قصة كولين هو أن كاميرون سمح لها بزيارة عائلتها , لا بل أخذها هو بنفسه لزيارة والديها وقدم نفسه لهما على انه خطيبها , كان فرح العائلة عارما بعودة أبنتهم , لكن هالهم التغير الكبير الذي طرأ عليها , كانت نحيلة شاحبة منكسرة . وتركها كاميرون مع أهلها على أن يعود لاصطحابها لاحقا . العجيب أن كولين قضت يوما كاملا برفقة والديها وشقيقاتها من دون أن تقول كلمة واحدة حول ما جرى لها في السنوات الثلاث المنصرمة , لم تقدم لهم أي معلومة , وكانت ترد على أسئلتهم الكثيرة بشكل مقتضب , أخبرتهم بأن خطيبها , أي كاميرون , يعمل في شركة كمبيوتر وبأنهما في غاية السعادة معا , لكنها تملصت من أعطاء عنوان سكنها أو رقم هاتفها , كان كلامها غامضا ومريبا بحسب شقيقتها , لكنهم لم يلحوا عليها بالسؤال , لقد خشوا أن يغضبوها فلا يروها مرة أخرى . وفي اليوم التالي أخذتها أمها إلى الكنيسة المحلية حيث التقت بالأقارب والأصدقاء , وحين رجعت من الكنيسة كان كاميرون بانتظارها , عاد ليأخذها , وكان الوداع حارا ومؤثرا , والتقطت لهما شقيقتها صورة فوتوغرافية بدوا فيها بغاية السعادة كأي حبيبين , وقد وعد كاميرون أهلها بأنه سيأتي بها لتزورهم ثانية قريبا , وهو وعد لم يفي به أبدا .

الفتاة تحت السرير
الصورة التي التقطتها شقيقتها ..

في الواقع كانت تلك الزيارة أكثر شيء محير في قصة كولين بأسرها , إذ كان بإمكانها أن تنهي مأساتها بكلمة واحدة منها , لكنها لم تفعل , وحين سألها صحفي بعد سنوات عن سبب عدم إخبار عائلتها عن حقيقة ما جري معها , قالت بأن خوفها من "الشركة" كان مسيطرا على إدراكها وجميع حواسها , كان كاميرون قد أخبرها خلال الطريق إلى منزل عائلتها بأن هناك عشرات العملاء للشركة يراقبونها الآن , وأن هؤلاء العملاء سيحيطون بمنزل عائلتها على مدار الساعة وبأنها لم تكلمت بحرف واحد عما يجرى فأن العملاء سيقتحمون المنزل على الفور ويقتلون العائلة برمتها .

بعد أسابيع قليلة على تلك الزيارة فقدت جانيس وظيفتها , وساءت علاقتها بكولين , بدأت تغار منها وتشعر بأنها تستحوذ على اهتمام كاميرون أكثر منها , فأخذت تؤلبه عليها , وكان هو نفسه قد شعر بأنه منحها حرية أكثر من اللازم , لذلك قرر أن يعود للطريقة القديمة , فقام أولا بإجبارها على الذهاب إلى الجيران وتوديعهم بحجة أنها ستترك العمل وتعود لبلدتها , ثم جعلها تودع أطفاله , وحين ظن الجميع بأنها سترحل فعلا أعادها إلى التابوت تحت السرير . وهناك قضت ثلاث سنوات مريرة أخرى .

جانيس تنتفض

الفتاة تحت السرير
صورة نادرة لجانيس ..

في عام 1983 بدأ كاميرون يتحدث أمام جانيس عن رغبته باقتناء المزيد من العبيد , أراد ثلاث إلى أربع فتيات أخريات مثل كولين , لم يكن مجرد كلام , إذ شرع بتهيئة مستلزمات ذلك , فأخذ يحفر في الحديقة الخلفية حفرة كبيرة لتكون بمثابة الزنزانة يحتفظ فيها بعبيده , وصار يخرج كولين ليلا من التابوت لكي تعمل حتى الصباح في الحفر , وحين انتهى العمل بعد عدة شهور كانت كولين هي أول من دشن تلك الزنزانة , لكنها سرعان ما فاضت بالمياه فألغى كاميرون الفكرة برمتها وأعاد كولين لتابوتها .

وفي مطلع 1984 بدء كاميرون يعطي كولين مزيدا من الحرية مجددا , فأعاد تقديمها لأطفاله والجيران , وأخذت تخرج إلى الشارع , حتى أنها حصلت على وظيفة كمنظفة في فندق محلي , وطبعا كان راتبها يذهب لجيب كاميرون الذي اخبرها بأنه سيجمع لها المال لكي يشتري لها منزلا مجاور لمنزله .

في هذه الأثناء كانت هناك تغييرات جوهرية تطرأ على جانيس , أصبحت كثيرة التردد على الكنيسة المحلية , ونتيجة لتعمقها في الأمور الدينية صار الشعور بالذنب يتآكلها بسبب دورها في ما جرى ويجري لكولين . أخذت نقمتها تزداد يوما بعد آخر على كاميرون , خصوصا بعدما اخبرها بأنه يريد أن يتخذ من كولين خليلة وينجب منها أطفالا , وكذلك حديثه المستمر عن رغبته في الحصول على المزيد من الجواري . أما أهم تغيير طرأ على جانيس فهو أنها بدأت تفقد ثقتها في ادعاءاته , خرجت من قوقعة الأوهام أخيرا , هي في الحقيقة كانت ما تزال مؤمنة بوجود "الشركة" , لكنها أصبحت على ثقة بأن كاميرون ليس عضوا في تلك الشركة وأن تلك العقود جميعها مزيفة . 
جميع عوامل النقمة تضافرت حتى وصلت بجانيس إلى الانفجار . ذات يوم ذهبت إلى محل عمل كولين وأخبرتها بصراحة بأن كاميرون كاذب وبأنه ليس عضوا في "الشركة" .

كانت تلك صدمة كبيرة لكولين , صدمة أيقظتها من الوهم الذي زرعه كاميرون في رأسها . وفي الحال اتصلت بوالدها وطلبت منه أن يرسل لها ثمن تذكرة حافلة لكي تعود إلى المنزل , فهي لا تمتلك بنسا واحدا لأن كاميرون كان يأخذ مالها أولا بأول . فحول لها والدها المال بالحال . وقبل أن تصعد الحافلة التي ستعود بها إلى الديار اتصلت عن طريق هاتف عمومي بكاميرون , أخبرته بأنها راحلة ولن تعود , فحاول تهديدها وتخويفها بالشركة , فأخبرته بأنها تعلم الحقيقة الآن وبأن التهديد لم يعد ينفع معها , فراح يبكي كالأطفال ويتوسلها أن تعود إليه , لكنها أنهت المكالمة واستقلت الحافلة ..

أخيرا .. بعد سبعة أعوام مريرة .. ستعود إلى المنزل .

الوهم يتهاوى

الفتاة تحت السرير
عالم الاكاذيب بدأ يتهاوى ..

الغريب في قصة كولين هو أنها لم تتقدم ببلاغ إلى الشرطة ضد كاميرون ولم تخبر أهلها بحقيقة ما جرى لها على يده حتى بعد أن تحررت منه , أخبرت عائلتها كذبا بأنها فسخت خطبتها معه , كان كاميرون مازال مسيطرا على عقلها , وخلال الأسابيع التالية تبادلا الكثير من المكالمات , كان يترجاها أن تعود , وكانت ترفض ذلك .

في الحقيقة ما أطاح بكاميرون بالنهاية لم يكن كولين , بل زوجته جانيس , إذ اعترفت لقس الكنيسة بكل شيء , فأتصل هو , بموافقتها , بأحد محققي الشرطة . وهكذا أنفضح السر وظهرت الحقيقة . وذهبت الشرطة مع جانيس إلى البقعة التي زعمت أنها وكاميرون قاما برمي جثة "ماريا سبانهيك" فيها , وهي الفتاة التي أختطفها كاميرون قبل اختطافه لكولين , لكنهم للأسف لم يعثروا على شيء , إلا أن ذلك لم يفت بعضدهم , فكولين مازالت حية , وكانت هي دليلهم الأكبر للإيقاع بكاميرون .

وكان كاميرون خلال الأسابيع التي تلت رحيل كولين قد شرع بإتلاف جميع ما يمكن أن يدينه , خصوصا الصور , إذ كان من عادته أن يلتقط صورا لكولين خلال تعليقها بالحبال وتعذيبها . لكن جانيس كانت قد احتفظت ببعض تلك الصور وقدمتها للشرطة كدليل , كما أن المحققين عثروا خلال تفتيشهم لمنزل كاميرون على أداوت تعذيب وصناديق خشبية كان يستعملها لحبس كولين , وعثروا أيضا على عقد العبودية المزيف . والأهم من كل ذلك هو أنهم اتصلوا بكولين وهيئوا لها طبيبا نفسيا لكي تستعيد توازنها , وبعد فترة قصيرة استطاعوا حملها على التكلم فاعترفت بكل شيء .

أصبحت القضية الآن متكاملة الأركان فألقي القبض على كاميرون , وبدأت الصحافة تكتب بإسهاب عن القصة التي وصفت آنذاك بالعجيبة , وبأن "لا مثيل لها" في سجلات الشرطة الاتحادية الأمريكية . وراح الناس يتابعون باهتمام واحدة من أغرب القصص التي سمعوها في حياتهم , كان الجميع غاضبين . كيف يمكن أن تتعرض فتاة شابة لكل هذه القسوة لمدة سبع سنين من دون أن يتم اكتشاف الأمر ؟ .. وطالب الكثيرون بإعدام كاميرون .

جانيس خشيت أن تتم محاكمتها هي الأخرى بتهمة التواطؤ مع زوجها , فتوصلت إلى أتفاق مع المدعي العام بموجبه يتم إعفاءها من أية مسائلة قانونية على أن تشهد ضد زوجها في المحكمة وتساعد في إدانته .

الفتاة تحت السرير
خلال المحاكمة ..

وخلال المحاكمة حاول محامو كاميرون إبراز الأمر كما لو أن ما جرى لكولين كان بالتوافق , إذ زعم كاميرون بأن جميع ما فعله بكلولين من تعليق وضرب وحبس كان برضاها , وأنه تمت المبالغة في تصوير قسوته معها , فعلى العكس كان لطيفا معها إلى أبعد الحدود , وأنهما في الحقيقة واقعان في حب بعضهما وقد اتفقا على الزواج بعد أن يقوم كاميرون بتطليق جانيس , ولإثبات ذلك قدم كاميرون للمحكمة عدة رسائل بخط يد كولين تعترف فيها بحبها العارم له . أما بالنسبة لقصة "الشركة" وعقد العبودية فقال بأنها مجرد مزحة استوحاها من قصة خيالية كان قد قرأها في جريدة محلية .

المحاكمة استمرت لعدة جلسات , لكن فصل الخطاب بالقضية برمتها كانت شهادة كولين , وكانت قد مرت أكثر من سنة على مغادرتها لمنزل كاميرون , خضعت خلالها لعلاج نفسي مكثف فاستعادت جزءا كبيرا من توازنها . وراحت تسرد للمحكمة تفاصيل ما تعرضت له على يد كاميرون , وكيف أنه لم يكتفي بتعذيبها وإذلالها بل قام بغسل دماغها وفقا لخطة أعدها مسبقا . وأن حديث العبودية و"الشركة" لم يكن مزحة أبدا بل كان تجسيدا حيا لسادية وقسوة كاميرون وأستخدمه بشكل بشع لتخويفها وإخضاعها , وبالنسبة للرسائل التي قدمها كاميرون للمحكمة كدليل على حب كولين له , قالت كولين أنها حقيقية لكنها ليست نابعة من قلبها وإنما كتبتها مضطرة , إذ كان قد أجبرها على كتابتها لكي يستخدمها لاحقا كدليل لبراءته في حال افتضاح أمره , كما أنها كانت مضطرة دائما لتملقه لكي تحظى بمعاملة جيدة وتتجنب العودة إلى الصندوق .

الفتاة تحت السرير
كولين ستان اليوم ..

شهادة كولين كانت أمرا مؤلما بحق , الكثير من الحضور انخرطوا بالبكاء وهم يستمعون لتفاصيل يصعب تصورها , كان هناك شعور طاغي بالغضب من قبل الناس والصحافة والحكومة , وكان هناك شبه أتفاق على أن لا ينجو كاميرون بفعلته , خصوصا وأنه لم يبدي أي ندم خلال محاكمته , بل خال ما فعله أمرا جيدا يستحق عليه الشكر والثناء ! .

أخيرا , في عام 1985 , وجدت هيئة المحلفين بأجمعها كاميرون هوكر مذنبا بجميع التهم الموجهة إليه , وأصدر القاضي حكما مشددا عليه بالسجن لمدة 104 من دون الحق بطلب العفو قبل عام 2023 .

طويت القضية , وعادت كولين ستان لتمارس حياتها الطبيعية , أكملت دراستها وعلاجها النفسي , تزوجت وتطلقت ولديها اليوم ابنة شابة . وهي تعيش تحت أسم مزيف لحمايتها من تطفل الصحافة . وتعد ناشطة جدا في قضايا الاختطاف والاغتصاب , إذ تحاول دوما أن تقدم الدعم والمشورة للنساء اللواتي مررن بمحنة مشابهة لما مرت هي به .

بالنسبة لجانيس فلا يعرف الكثير عن مصيرها وأطفالها , والعلاقة مقطوعة تماما بينها وبين كولين .

في عام 2105 تقدم كاميرون بطلب للحصول على العفو بحجة معاناته من مشاكل جسدية وعقلية , وكانت كولين من أشد المعارضين لحصوله على عفو , وقادت حملة كبيرة ضده , وشعرت بسعادة كبيرة حين تم رفض طلبه بحيث لا يحق له التقدم بطلب عفو آخر إلا في عام 2030 . قالت للصحفيين : "جلسة الاستماع كانت جيدة وأنا سعيدة حقا بالنتائج . هو لم يبدي أي ندم , لقد ضيع حياته من الأساس , 30 عاما في السجن ولم يفعل أي شيء لكي يحسن أو يغير نفسه أو يسأل نفسه لماذا فعل ذلك . أنا لا أعلم ما هي المشاكل الصحية والعقلية التي يعاني منها , لكني لا أعتقد بأنه عجوز طيب وأنه لن يكرر ما فعله سابقا " .

ختاما ..

قد يقول البعض بأن كولين ستان حمقاء تستحق ما جرى لها وهي التي جلبته لنفسها , لكن هذا غير صحيح , يجب أن لا نلقي باللوم على الضحية ونترك الجاني , المذنب الحقيقي هو كاميرون ومن هم على شاكلته من المرضى النفسيون الذين ما برحوا ينغصون على الآخرين حياتهم , أمثال هؤلاء ستقابلهم كثيرا خلال حياتك , ليس شرطا في هيئة سفاح مغتصب , بل ربما في هيئة أب ظالم , زوج سافل , صديق سوء , مدير حقير , عالم مضلل , سياسي فاسد , حاكم أحمق … سيسعون للسيطرة عليك , أن يخضعوك ويضعوك " تحت السرير " . وهذه هي إحدى الحقائق المحبطة عن الحياة على كوكب الأرض , فهناك مخاطر جمة وأوغاد كثيرون , وأمامك ثلاث خيارات , أما أن تكون من الأخيار فتتعرض للتعليق والجلد , أو أن تنضم أنت نفسك لجيش الأوغاد – وهو الخيار الأسهل – , أو أن تكون مع هؤلاء حينا ومع أولئك حينا آخر , وهذا ما يفعله معظم الناس . المشكلة الكبرى في كل هذه المعمعة هي أنه لا يمكن التمييز بين الأخيار والأوغاد بسهولة , فمعظم الأوغاد يعتقدون بأنهم أخيار! .

———————

* في العربية يقال للمرأة المملوكة (أَمة) لكننا فضلنا استعمال كلمة عبدة أو جارية لأنها مطروقة أكثر ولعدم تشابهها مع كلمات أخرى .
** سرير محشو بالماء بدلا من القطن أو الأسفنج الصناعي .
** النونية أو القصرية : وعاء من البلاستك أو المعدن يستعمل لقضاء الحاجة – التبرز والتبول – عادة ما يستخدمه الأطفال الصغار وكذلك المرضي غير القادرين على الحركة .

المصادر :

The Case of the Seven-Year Sex Slave
Cameron Hooker … has been denied parole
Kidnapping of Colleen Stan .. Wikipedia
Exclusive: Woman Imprisoned in Coffin for 7 Years
Girl in the box
Hitchhiker kept as sex slave for seven years

تاريخ النشر 01 / 05 /2015

guest
129 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى