أدب الرعب والعام

المنزل

 
بقلم : قيصر الرعب – السودان

 

واتفقنا علي ان ندخل المنزل المهجور

أراه أمامي ذالك المنزل الذي يبدو كوحش أسطوري قابع منذ أمد بعيد في هذا المكان .

* * *

انا (محمود)طالب ادرس في جامعة (….)هذه القصة حدثت لي وانا في العام الدراسي الثاني في الجامعة وكنت في ذالك الوقت احب ان ادخل اي مكان مسكون او شوهد فيه شبح (انتم تعرفون هذه الطباع الفضولية ) وطبعا لم اكون صداقات كثيرة فقط عندي صديق واحد اسمه (احمد) وهذا الصديق كان زميلي في الدراسة وقد تحدثنا عن ما كل منا مهتم به واكتشفت انه ملم كثيرا بأمور الجان واكتشف اني ملم بأمور الاشباح والاساطير وبعد ذالك اصبحنا اصدقاء اتى الي (احمد) ذات مرة بوجه الشاحب ..

– “يقال ان هنالك بيت مسكون قبالة الجامعة ”

– “تعنى ذالك البيت العتيق المهجور ”

– “نعم قال لي احد الاساتذة انه خرج من الجامعة في الساعة التاسعة وشاهد اضواء تخرج من البيت .. انه يمثل فندقا خمسة نجوم للجن ”

واتفقنا علي ان ندخل المنزل المهجور في نهاية العام الدراسي الاول ولكن لم استطع بسبب كتاب ملعون ان ادخله وهذه قصة ربما احكيها لكم المرة القادمة واتفقنا ان ندخله في العام الدراسي الثاني .

وها نحن في هذه الليلة المظلمة وقرص القمر الفضي يبعث ضوءه – أو ضوء الشمس الذي ينعكس عليه كي لا استفز جمهور العلماء – إلى الأرض أمام الباب الخلفي للمنزل وهو يؤدي مباشرة إلى داخل المنزل – لأنه ليس هنالك سور من الجهة الخلفية – اخذ (احمد) يعالج قفل الباب بأحتراف كأنه احد اللصوص المحترفين وسمعنا صوت (الكليك!) المميز وفتح الباب ودخلنا ومعنا كشافين .

بيت واسع فخم مغبر وكان هنالك عدة غرف وافترقنا انا و(احمد) نبحث عن شبح او اي شئ مريب…. كل الغرف متشابهة تقريبا ….وهذا مطبخ ….وهذا حمام ….وفتحت باب يقود الي القبو نزلت على الدرج – الذي ما انفك يصدر صريرا –

ستسألونني الآن .. الم تكن خائفا؟ .. أقول لكم لا لم اكن خائفا ….اعرف كيف سينتهي التفتيش مجرد منزل مغبر فقط وليس فيه شئ ولكن اصدقكم القول أنني كنت متوترا كالقوس…..وها هو ذا القبو ليس فيه الكثير سوى بعض الاوتاد المدببة يبدو انها كانت مغروسة لتشكل سورا ذات يوم وبعض الصور الملقاة في اهمال علي الارض التقطت صورة منها انها لرجل في العقد الرابع من العمر ولكن اشعر بأن وجهه مألوف قلبت الصورة في يدي فأرى بوضوح التاريخ الذي كتب في الجهة المقابلة من الصورة 1895 , والتقطت مزيدا من الصور كلها لنفس الرجل ويبدو انه كان مالك هذا المنزل في عام 1895!! .. حقا ان هذا البيت عتيق جدا!! .

خرجت من القبو اجتزت الغرف التي اطلعت عليها وانا اتسائل لماذا تأخر (احمد) كل هذا الوقت , اتهجت الى الجهة التي يفترض ان يبحث فيها ودخلت اول غرفة على اليسار , غرفة نوم عادية وزجاج نافذتها محطم بسبب الأوغاد الذين يمطرون المنزل بوابل من الحجارة كل يوم .

دخلت الغرفة المقابلة لها واجفلت لان شيئا بالداخل تحرك عندما دخلت وجهت الكشاف الي الغرفة فأرى مرآة على طول الحائط تقريبا – هذا هو الشئ الذي كان يتحرك انه انعكاسي عندما فتحت الباب – واجفلت مرة اخرى لأني سمعت صوتا يهمم وكأنه يتلذذ بشيء ما , وجهت الكشاف الى مصدر الصوت …. انه (احمد) ! .. يقف ووجه الى النافذة ..

– “هل تتأمل النجوم عندك ؟هل وجدت شيئا غريبا ؟”

– “هممممممم”اصدر نفس الصوت السابق

نظرت الى المرآة المغبرة , ان هذا غريب مرآة على طول الحائط تقريبا , ان هذا ذوق غريب لابد ان هذه الغرفة كانت غرفة فتاة .

تأملت الغرفة في المرآة …. ما هذا ؟ .. اين انعكاس (احمد)! .. المرآة مغبرة ولكن ليس لدرجة ان لا ترى انعكاسك فيها . نظرت الى مكان احمد لعله خرج من الغرفة لكنه ما زال في موضعه! نظرت الى المرآة مرة اخرى كي اتأكد من انني لا اتوهم .. نعم ان انعكاس (احمد) ليس في المرآة وهنا بدأت اشك هل صديقي طيف لا يظهر انعكاسه في المرآة ولكن يمكنني لمسه اذن هو ليس طيف فما هو .. جالت في ذهني هذه الافكار

التفت الى (احمد) عازما على اخباره بما جال في ذهني ..

– “احمد ان انعكا….”

لم أتمم جملتي لأن (احمد) -عندما استدار ليواجهني- كانت عيناه بلون الدم وازداد وجهه شحوبا و طالت اظفاره وانيابه والأدهى انه كان يمسك بفأر يتلذذ بامتصاص دمه!! رمى الفأر – بعد ان اصبح هذا الاخير مثل ليمونة تم عصرها جيدا- وأتجه نحوى وهو يردد “دماء…دماء…دمآآآء” ..

هكذا اذن صديقي مصاص دماء .. لماذا لم افكر في هذا وتحركت قدماي قبل ان يصل الأمر من العقل الى القدمين بالجري (تذكرت ان في القبو خشب سور قد يصلح في قتل مصاص دماء) وأصبحت الامور كأنها حشد من اللقطات السريعة اخرجها مخرج افلام رعب موهوب .

انا اركض نحو القبو … (احمد)يتبعني … التقط وتد من الخشب المتناثر على الارضية … (احمد) يدخل القبو …ارفع الوتد الى مستوى صدري … (احمد)يأتي مندفعا جدا وهو يصرخ دمآآآء… وفي اللحظة التالية ينغرس الوتد في قلبه بقوة اندفاعه هو لا انا … يتلوى على الأرض … يحاول انتزاع الوتد من صدره .

الان اشعر بشعور غريب لم اشعر به من قبل وانا اراقبه يتلوى على الارض.

هنا حدث شئ غريب .. دخل (صالح ) و.. ماذا (صالح) من؟ .. بالطبع أب (احمد) .. الم أخبركم! .

ورأى المشهد المروع واتجه الى ابنه , نظر اليه نظرة واتصل بسيارة الاسعاف ووصلت سريعا -اي في ساعة ونصف – وفي ذلك الوقت قصصت له ما حدث وانا ارتجف واتعلثم في الكلام ثم نظر الي وقال:

– “اسمع يا بني انت طالب طب اليس كذالك ”

– “نعم”

– ” اذا انت تعرف مرض البروفيريا(*) ”

– “هل تعني ان (احمد) مصاب بهذا المرض”

– “اجل انه مصاب به وقد عرفت انه هنا لانه اخبرني انه ذاهب مع صديقه الى المنزل امام الجامعة وبعد مدة تذكرت المرض الذي يعاني منه ولن يجد دماء غير دماء صديقه الذي معه”

نظرت له بعينين دامعتين ..

– “اقسم اني لم اقصد…”

– “نعم….نعم اعرف يا بني”

ذهبنا الي المستشفى الذي نقل اليه (احمد) في الواقع حالة (احمد) واضحة وتد في القلب والموت محتم , قابلنا الدكتور المختص بحالة (احمد) والاخبار السيئة واضحة في عينيه “البقية في حياتكم ” , اشاح (صالح) بوجهه وعرفت انه يداري دموع الحزن وسمعته يتمتم ” انا لله وانا اليه راجعون ” . تكلمت مع الطبيب مدة من الزمن ثم هز رأسه بمعنى لا ،، غريب … غريب

وبعد أداء واجباتي نحو (احمد) لكم ان تتخيلو كيف قضيت ايامي لقد قضيت ايام اسود من قلوب جميع كفار قريش .

بعد عدة ايام من الحادثة جاء (صالح) الي وقال انه يريد ان يذهب الي المنزل الذي وقعت فيه الحادثة لان (احمد) اضاع شيئا ثمينا في المنزل ويجب ان اذهب معه لكني لا اريد ان اذهب مجددا الي المنزل ولكنه كان مصرا .

وها انا من جديد امام الباب الخلفي للمنزل الباب موارب دخلنا ومعنا الكشافين و اشرت له الى الغرفة التي ظننت فيها ان (احمد) مصاص دماء اتجه اليها واتجهت انا الى القبو .. التقطت بعضا من الصور الملقاة في الارض و اتجهت الى الغرفة التي يبحث فيها (صالح) …وجدته منهمكا في البحث

– “هل وجدت الذي تبحث عنه ”

– “لا ”

– “اعتقد انك لا تبحث عن شئ بل تريدني انا !!”

نظر لي في غباء فأردفت : ” نعم تريدني لانك تريد الانتقام لإبنك مصاص الدماء ”

– “كلام فارغ .. ثم اني اخبرتك انه مصاب بالبروف..”

– “نعم نعم اعرف انه مصاب بالبروفيريا لكنك تكذب لقد سألت الطبيب المختص بحالة (احمد) وكما انه لا يوجد مرض في الأرض يجعل انعكاس الشخص يختفي من المرآة .. واظنك انت كنت مالك هذا المنزل في عام 1895”

والقيت بالصور – التي كانت في القبو – امامه

نظر الي ثم نظر الى الصور وقال شيئا على غرار يخلق من الشبه اربعين .

أشرت الى المرآة التي على طول الحائط تقريبا ونظر ولم يجد انعكاسه؟!

– “لا داعي للأنكار لكن لدى سؤال لماذا اتيت في ذالك اليوم ؟”

“لقد قال لي بأنه ذاهب مع صديقه الى منزل مهجور وهي فرصة نادرة لأرواء عطشه من الدماء ولقد اكتشفت بالصدفة ان جهازينا العصبيين كأنهما واحد واظن ان هذا تطور عظيم لدينا وانت حين غرست الوتد في قلبه شعرت بذلك ،، انت فتى ذكي جدا لكنك احمق لماذا لم تهرب حين عرفت حقيقتي؟”

– “لم اهرب لأنني اريد …اريد ان اصبح مصاص دماء !! اريد الخلود واريد القوة ”

– “انا لم اكن اريد الانتقام بل كنت اريد بعض الدماء فقط وبما انك تريد ان تصبح مصاص دماء فلقد وفرت علي جهد كبيرا ”

وبدأ في الاقتراب , احنيت رأسي لتظهر اوردتي وأغمضت عيني … يقترب … يقترب … ويقترب … أشعر بأنفاسه فوق عنقي .

هنا انغرس نصل السكين الفضي البراق حتى مقبضه في قلبه ووقع وهو يقول بصوت خفيض وهو يتألم : “لماذا ….لماذا؟”

ان مصاصي الدماء حمقى لقد صدقني الاحمق , لقد شككت فيه منذ ان اتى يريد ان اذهب معه بحجة واهية .

وخرجت من المنزل وانا اقول بقى واحد ….واحد فقط .

* * *

خبر في صفحة (الجريمة اليوم ) في صحيفة (….):

شهد اليوم اكتشاف جريمة قتل المهندس (صالح محمد) في منزل مهجور ويقول العقيد (…)

“ان القاتل أزال كل بصماته وتم القتل بطريقة قطع الرأس والوتد في القلب ويبدو ان منفذ الجريمة مخبول ولازالت الشرطة تبحث

عن هذا القاتل المخبول

“الدكتور (….)استاذ علم الجريمة يحدثنا عن الخلل الاجتماعي الذي ادى الي …..”

* * *

خبر في صفحة (عجائب وغرائب)من مجلة (….) :

تم بالأمس اكتشاف حادثة غريبة مجنون نبش قبر (احمد صالح محمد) وغرس وتد في قلبه وقطع رأسه بأداة حادة وتم حشو فمه بالثوم اكتشف الحادثة الخفير(….) هل يمكن ان يكون هذا المجنون يحي طقوس قتل مصاصي الدماء كما في القرون الوسطى وكما تم ….”.

——————

ملاحظة :البروفيريا(*): في عام 1985افترض الدكتور(ديفيد دولفن) نظرية ان مصاصي الدماء في الفلكور والاساطير القديمة هم بالفعل مرضى البروفيريا واستند في نظريته على ان الاسنان البارزة وتجنب اشعة الشمس وشرب الدماء والتغير في الشكل التي يشتهر بها مصاصي الدماء هي اعراض وعلامات يمكن ان تظهر عند مرضى البروفيريا واكتشف لاحقا ان اسوأ اشكال البروفيريا التي تم الأستناد عليه لتفسير ظاهرة مصاصي الدماء هو شكل جد نادر ولم يتم تشخيص سوى 200 حالة الى اليوم كما ان من يعاني من هذا المرض يكون عنده حساسية حادة للشمس ينتج عنها تشوهات مستديمة على جلد الوجه في حين انه مصاصي الدماء في اروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كانوا يجولون خلال ساعات النهار ولو كانوا فعلا مرضى بالبروفيريا لما تعرضوا لأشعة الشمس , كما ان مرضى البروفيريا لا يشتهون الدماء ولن يفيد المريض شرب الدم ولن يقلل من حدة الاعراض عنده .

 

تاريخ النشر : 2015-05-10

guest
44 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى