الجدة موسز .. قصة نجاح بعد الثمانين!
![]() |
لو كان لديك حلم فلا تقل ابدا أنَّ الأوان قد فات |
نشأتها وطفولتها
![]() |
الجدة موسز في طفولتها |
اسمها آنا ماري روبرتسون ، ولدت عام 1860 في مزرعة قريبة من مدينة نيويوك في عائلة تعدادها كبير ، حيث كان لها أربع شقيقاتٍ وخمسة أشقاء ، نشأت في بيئةٍ ريفيةٍ محدودة الطموح ، تلقَّت تعليماً بسيطاً لفترةٍ قصيرة من حياتها مارست خلاله الرسم معتمدةً على ألوانٍ بدائية الصنع ، لكن سرعان ما شغلتها ظروف الحياة القاسية عن ولعها بالرسم حيث كان جلُّ همها أن تستيقظ باكراً لتباشر أعمالها اليومية التي أُلقيَت على كاهلها في سنٍّ مبكرةٍ جداً ، فقد تركت منزل أهلها في عمر الثانية عشرة لتعمل في البيوت المجاورة لمنزلهم كمدبرة منزل .
شبابها وزواجها
بقيت آنا ماري تخدم الأسر الغنيَّة وتقوم بأعمال الطهي والخياطة لمدة خمسة عشر عاماً ، إلى أن التقت في عام 1887 بـ توماس موسز وتزوجت به واستقرت معه في فرجينيا ، حيث عملا بالفلاحة في عدَّة مزارع هناك . لها خمسة أطفال وفي المقابل خسرت خمسة آخرين بعد ولادتهم ..
عادت في العام 1905 إلى نيويورك – مسقط رأسها – برفقة زوجها ، وأداروا هناك إحدى المزارع ، كانت موسز مبدعةً في بيتها وزينته بأعمالها الفنية حيث مارست الرسم بطريقة أخرى وهي التطريز ، فقد كانت تنشئ رسوماتٍ وصوراً من خيوط الغزل وكل من رآها من الأهل أو الأصدقاء أُعجِب بها
العودة إلى ممارسة الرسم
![]() |
صورة قديمة لموسز مع اثنتان من بناتها |
في عام 1927 توفّي زوج السيدة موسز نتيجة إصابته بأزمةٍ قلبية ، فبقيت موسز تعمل في المزرعة ، إلا أنه مع تقدّمها في السن وجدت نفسها لم تعد قادرةً على أعمال الفلاحة التي تتطلب جهداً كبيراً ، فتولَّى ابنها وزوجته إدارة المزرعة بينما أخذت هي تشغل وقت فراغها بالتطريز ، لكن في سن السادسة والسبعين أصيبت بالتهاب مفاصل منعها من الخياطة ، فعرضت عليها شقيقتها أن تمارس الرسم بدلاً عنه ، و هنا تم إيقاظ تلك الموهبة الغافية التي تتمتع بها موسز وشغلتها عنها أعمال الفلاحة وظروف الحياة الصعبة على مدار أكثر من سبعة عقود ..
و أخيراً ، الموهبة تخرج إلى النور
امتازت رسومات موسز ببساطتها وواقعيتها ، كانت تحب أن تصوِّر من خلال لوحاتها الطبيعة بمختلف فصولها والحياة الريفية في أمريكا والأعياد الشعبية ومناسباتٍ أخرى استمدَّتها من ذاكرتها وطفولتها ، وعلى الرغم من بساطة لوحاتها التي قد ينتقدها البعض بأنها غير احترافية ، إلا أنها تشعر الناظر إليها بالحميميَّة والحنين ، وهذا ما جعلها محببة إلى النفس . في البداية كانت تعرض رسوماتها على أهلها وأصدقائها ، ومن ثم بدأت ببيعها على المحلَّات والمتاجر المجاورة ، وتتراوح أسعار لوحاتها بين دولارين إلى عشرة دولارات للوحة الصغيرة ، وقد يصل ثمن بعض لوحاتها إلى مبلغ 55 دولار .
المجد والشهرة بعد سن الثمانين !
![]() |
لوحة العاصفة .. رسوماتها بسيطة لكنها محببة وفيها لمسة خاصة |
لم يتوقَّف الأمر على انتشار لوحات موسز على الصعيد المحلَّي فحسب ، بل جاءت الشهرة تسعى إليها سعياً في عام 1938 من خلال السيد لويس كالدور ، وهو أحد المهتمّين بالفن ، حيث شدَّت انتباهه إحدى لوحاتها المعلَّقة في جدار صيدلية ، فأعجب بها وسأل عمَّن رسمها ، قاده السؤال للذهاب إلى مزرعة الجدة موسز ، وهناك عرضت عليه الجدّة الطيّبة المزيد من اللوحات فاشتراها جميعها ، وفي عام 1939 وضع لها ثلاث لوحات في معرض للرسامين المغمورين في متحف الفن الحديث بنيويورك ومن هذا المعرض لمع اسم الجدة موسز في سماء الفن ، حيث أُعجب الجميع بموهبتها.
![]() |
لوحة الحريق |
وبعدها في عام 1940 تم إقامة معرض خاص بها ، وبحلول عام 1942 كان الطلب يتزايد على لوحاتها وتمت طباعتها على بطاقات الأعياد والطوابع الأمريكية ، الأمر الذي زاد في انتشارها وتضاعف عدد معجبيها .
عرضت لوحاتها في جميع أنحاء أمريكا وأوروبا سواءً بمعارض فردية أو جماعية ، وكانت لوحاتها تباع بمبالغ كبيرة جداً ، وأعلى مبيعاتها وصل إلى مبلغ 1.22 مليون دولار .
وفاتها بعد سنين من الإبداع والإنجاز
![]() |
لوحة الشتاء |
توفيت الجدة موسز في عام 1961 عن عمر ناهز الواحد بعد المائة مخلِّفةً وراءها إرثاً كبيراً من اللوحات ” حوالي ألفين لوحة ” ، فقد كانت ذات إنتاج غزير ونشاط مذهل ، ربما بذلك كانت تعوِّض عن السنين التي قضتها في عمل المزارع .
لوحاتها حاليَّاً معروضة في متاحف شهيرة في أنحاء العالم وقد نالت في حياتها عدَّة جوائز وحازت على عدَّة تكريمات ، وكانت قد كتبت في عام 1952 قصة حياتها ونجاحها أوضحت فيه أن مشجعها الأول على الرسم هو والدها ..
![]() |
لوحة العرس |
هذه السيدة الريفية البسيطة والجدة التي تظهر الطيبة على وجهها لم تحترف الفن ، بل اعتمدت فقط على موهبتها وطوَّرت نفسها بنفسها لتخبرنا أنَّ النجاح لا يحتاج دائماً إلى شهادات وخبرات ، بل هو إرادة و تصميم ؛ و رغبة
ختاماً
![]() |
السيدة موسز فلاحة عجوز بسيطة اصبحت من المشاهير |
سن السادسة والسبعين ـ والذي بدأت فيه الجدة موسز مزاولة الرسم ـ بالنسبة للكثيرين ليس سن التقاعد عن العمل فحسب بل التقاعد عن الحياة برمَّتِها .
قصَّة نجاح الجدة موسز بصراحة ألهمتني شخصيَّاً وأيقظت بداخلي رغبة دفينة وهي احتراف الرسم والإبداع فيه . دراستي لمجال بعيد كل البعد عن الفن جعلني أهمل موهبتي تدريجيَّاً ، بل لم أعد أرسم منذ سنوات كثيرة إلا ما ندر . لكن ما حدث مع موسز ولَّد فيَّ الأمل مجدداً . وأنت أيضاً عزيزي القارئ لا تفقد الأمل ، ولو كان لديك حلماً ما ، لا تقل أنَّ الأوان قد فات على تحقيقه ، فمن يعلم ما تخبئه الأيام لك . فالحظ ليس بالضرورة أن يبتسم في أول عمرك ، بل قد تكون ابتسامته مخبأة لك في مرحلة ما من حياتك لم تدركها بعد . صحيح أن لدينا مثلاً شهيراً يقول ” كل شي بوقته حلو ” لكن الإبداع والنجاح لا وقت ولا حدود لهما ؛ هذا ما يجب أن تؤمن به .
المصادر :
– Grandma Moses
– Grandma Moses Biography
– Grandma Moses – 38 artworks – WikiArt.org
تاريخ النشر : 2019-04-03