الرصد
![]() |
الرصد هو الجن الذي يحرس الكنوز المدفونة منذ قرون |
ماهو الرصد ؟ هذا سألت صديقاً للعائلة فيما كنا نجلس حول النار بليلة باردة و قد قررنا أن نجتمع و نحكي قصصاً مرعبة ، ففي الجبل لا يوجد ما يرفه عنا ، لم يكن هناك انترنت و لا هواتف أو حتى مقاهي ، وبدأ صديقنا بسرد أحداث اقشعرت لها أبداننا فأبينا تلك اللليلة الخلود إلى النوم ..
الرصد هو الجن الذي يحرس الكنوز المدفونة منذ قرون ، هذا كان جوابه على سؤالي .. أخبرنا أن قريتنا منذ اجيال و قرون مضت كانت مفعمة بالآثار الرومانية و هي مليئة بالكنوز المطمورة في أراضيها ، و هو ما اكشتفه اهالينا على مر السنوات . فمنذ 20 عام عندما كان رعية الكنيسة تحفر لبناء صالة تابعة للكنيسة عثروا على مكتبة قديمة منذ العصر البيزنطي ، و توقفت أعمال الحفريات حينها منعاً لخدش أو تهديم الآثار و حفظ المكان كما هو ، و إن ذهبتم إلى قريتي ووصلتم إلى الباحة الخلفية للكنيسة سترون بقعة صغيرة محفوظة و بها رخامة قديمة و عليها كتابات بيزنطية كتب فيها .. المكتبة ..
و بالعودة إلى القصة .. ألحّينا على الصديق أن يبدأ بسرد قصته . فقال :
أعوام كثيرة مضت أذكر جيدا جدي في صغري و هو على كرسيه المدولب و نظرة الخوف تعتلي وجهه دوما ، كنت اتجنب البقاء معه بمفردي
كان جدي قد أصبح مهووسا بالبحث عن الكنز المفقود الذي سمع عنه من جده قبله ، و قد اقتنع اخيرا بفكرة البحث و الحفر حتى إيجاده ، و حينها كانت اعمال الحفر بسيطة عبارة عن جرافة صغيرة ذات إمكانات محدودة و بعض الرفوش و إزميل و شاكوش ، و قد وضع جدي مدخراته كلها لشراء تلك الجرافة..
في اليوم الاول الذي قرر فيه التقصي و الكشف عن الموقع الذي يريد النبش فيه أقنع قريبه بالذهاب معه ، وحين وصلا إلى عمق الوادي كانت الساعة قاربة ال 9 صباحا ، بدآ بالبحث عن موقع مناسب و ما لبث أن وصلا إلى البقعة التي اختاراها حتى بدأا بسماع أصوات غريبة ذات مصدر غير محدد ، ظنا اولا انه ثعلب جريح او كلب لم يهتما للامر ، اقترب جدي اكثر من البقعة فهبت فجأة ريح دفعت بجدي الى الوراء و ما ان عاد للوقوف على قدميه حتى توقفت الرياح .
صدما من الامر و لكنهما اكملا ، و هذه المرة صوت العويل اصبح اقرب الى الصراخ ، و كان قويا و مرعبا ، توقفا عن النبش بالبقعة و عادا مشوشين مما قد رأيا و حدث .. عند المساء كان جدي و قريبه قد جمعا ما يقارب الست رجال للمهمة الشاقة و المشوقة و لم يخبرهم جدي أو قريبه عما رأيا أو حدث ، فهما لم يعيرا الأمر اهمية .. في الصباح الباكر استيقظ جدي و لاقى الرجال و قد وصل الجميع إلى الوادي و معهم الجرافة و التي كان يقودها صديق جدي وهو عامل جرافة بالأساس .
بدأ الرجال بالأعمال و ما هي إلا دقائق حتى هبت رياح عاتية مما عاق على الرجال الرؤية حتى ، فاصبحوا يكافحون للتقدم و كما بدأت الرياح فجأة توقفت فجاة ، صدم الجميع من الأمر و لكن جدي اقنعهم بانه لاشيء يدعو للقلق لنكمل مهمتنا .. احد العاملين مع جدي بدأ بسماع اصوات غريبة و صراخ ما دفعه اخيرا الى العدول عن إكمال العمل و الهرولة سريعاً الى بيته ..
اقنع جدي باقي الرجال بالاكمال و لكنهم كانوا يكافحون بالحفر و الجرافة تكاد تلفظ انفاسها فتوقفوا اخيرا و اجلوا العمل الى اليوم التالي .. في المساء ذهب جدي لزيارة الصديق الذي خاف و ترك العمل لإقناعه بالعودة و هناك ما أخبره به أرعبه حيث قال له :
لقد سمعت صوت امرأة تصرخ و قد قالت لي و هي تصرخ اذهب أو تموت لم يعر الصوت أهمية في البداية و لكن الصوت عاد من جديد و قد كان اقرب من المرة الاولى.. اذهب او تموت… حينها ارتعبت و عدت مهرولا الى البيت
و انا في طريقي كنت لا ازال على حافة الوادي رأيت امرأة عارية و لها قرنان فذهلت من شدة الخوف و اخذت اركض باتجاه آخر و فجأة رأيتها امامي قلت من انت و لم تتبعينني ؟ قالت بصوتها الصارخ انا حارسة الكنز اذهب او تموت و عدت الى المنزل .
و لا اعرف كيف وصلت كنت اركض تارة و امشي تارة و ارى نفسي في مكاني و كاني لا أتحرك .. ارجوك يا صديقي توقف عن العمل هناك و إلا ستموتون ، لقد رايتها إنها الشيطان …
عاد جدي الى البيت و هو مرتعب و لكن لهفته للحصول على الكنز كانت اكبر من اي خوف
و هاقد وصل الرجال و جدي الى الموقع الذي تركوه ليجدوا الرفوش كلها مكسرة و الجرافة لا تعمل . أحبط جدي و لكنه لم ييأس و عاد بعد أسبوع و قد اتى معه ثلاثة فقط من الرجال فقد وصلت القصة الى مسامع الباقين و خافوا و تنازلوا عن الكنز و ما قد يأتي من خلاله ، و هذه المرة معهم الرفوش الجديدة و قد تم اصلاح الجرافة .. كانت الساعة قد قاربت الرابعة بعد الظهر و قد وصل عمق الحفر حوالي المتران فاذا بقائد الجرافة يعود لإكمال عمله و هنا حدث امر مروع ..
هبت الرياح بأعنف صورها حتى انها اقتلعت الجرافة من مغرزها في الارض و دفعتها هبوب الرياح الى الخلف حتى جثت على سقفها ما ادى الى مقتل السائق على الفور فقد طحن تحتها . تمسك الرجال الباقون و ضمنهم جدي بالصخور و هناك رأوا تلك المرأة العارية و لكنها اختفت بسرعة و زادت الرياح الى ان دفعت بالرجال الثلاث الى داخل الحفرة ارتطم راس واحد منهم بالصخور و آخر هبط على اسلاك حديدية اخترقت جسده و جدي سقط على ظهره داخل الحفرة لتسقط على رجليه صخرة و لكنه بقي حيا و فقد وعيه ليستيقظ بعدها على صراخ و عويل . نظر فوقه ووجد تلك الشيطانة العارية ذات القرنين صرخت به و قالت لا تعد او تموت . ففقد وعيه مجددا
استيقظ جدي هذه المرة و قد وجد نفسه في المركز الصحي في البلدة المجاورة و قد كان يعاني من الآم مبرحة و نزيف حاد و قد اخبره الطبيب حينها انهم اضطروا لبتر رجليه لوقف النزيف و إلا كان سيموت .. علم جدي بعدها بخبر وفاة الرجال و سرد عليهم القصة بحضور صديقه الذي هرب منذ اليوم الأول و باقي الرجال الذي ابوا ان يكملوا العمل بعد ما سمعوا القصة … عانى جدي بقيت حياته و اصبح منطويا و لا تعتلي وجهه إلا نظرات الرعب والخوف حتى اني لم اعد اذكر ابتسامته .. كانت جدتي تخبرني انها كانت تصحو مفزوعة على صراخ جدي في الليل و هو نائم و بعد ان توقظه كان يقول لها ان حارسة الكنز ستأتي لتأخذه فقد تركته ليحذر فقط ، و بعد تلك الحادثة ب ثلاث سنوات توفي جدي و هو جالس على كرسيه .
صمت قاتل خيم علينا في نهاية تلك القصة و قد نظرنا جميعا نحو ذلك الوادي و الرعب يملاء صدورنا ، لم يجرؤ احد على طرح اي سؤال او استفسار
عدت الى البيت و كنت طوال الطريق و انا أفكر بتلك الشيطانة و فجأة وجدت نفسي امشي و اركض و لكني مكاني ، فقد شلني الخوف و منزل صديقنا لا يبعد عن منزلي سوى مسافة 300 متر و اخيرا وصلت .. لم انم تلك الليلة ولا في الليالي التي تلت الى أن عدت الى منزلي في المدينة .
تاريخ النشر : 2018-10-21