أدب الرعب والعام
السفينة الشبح
للتواصل : [email protected]
![]() |
كانت السفينة تمر أمامهم و بمحاذاة سفينتنا و تسير بسرعة بطيئة مع أشرعتها و هيكلها القديم الطراز |
لم يستطع البحارة كبح جماح أنفسهم الباردة خاصةً بعد مضي ما يزيد من شهر على الإبحار في عباب المحيط الواسع المظلم و ليس هناك إلا زرقة السماء و المياه ليل نهار.
هناك من أُصيب بالدهشة و فغر فاه و كأن الحجاب أزيل عن عينيه ، أما الآخرون فقد أرتموا داخل المياه الباردة و لم يهتموا لبرد فبراير و لا مصيرهم غير مصدقين ما أمامهم.
كانت السفينة تمر أمامهم و بمحاذاة سفينتنا و تسير بسرعة بطيئة مع أشرعتها و هيكلها القديم الطراز ، لكن ما كان يظهر فوق سطحها كان مختلف تماماً و مثيراً للاهتمام خاصةً للبحارة ، إنه أغرب من الخيال.
كل البحارة داخلها عبارة عن نساء حسناوات لم أرى في حياتي جمالاً كهذا ، عيون كبيرة متسعة تظهر من بعيد ، و شعر طويل متدلي على طول الكتفين ، و ابتسامات و ضحكات آخذة تسحر لب أي بشر ، و أجساد كبيرة مكتنزة داخل ألبسة حريرية مختلفة الألوان والأشكال ، مزركشة و لامعة ، فتظهر لوحة الجمال مكتملة مع اكتمال البدر و منظر انعكاسه على المياه ، حتى ربانتهم كانت أنثى تحمل رباباً بيدها و تعزف لهن لحناً لم أسمع مثله طوال حياتي.
كل هذا جعل البحارة كلهم بحالة غريبة و أنهم سحروا فعلاً ، فالمنظر نوّم كل ذرة تركيز و حذر فيهم و جعلهم لا يبالون بكلام ربانهم المحنك “كاسر” الذي سار يصرخ بكل جهده : عودوا يا أبنائي ، عودوا إن كل ذلك سراب ، و كان العرق يتصبب من جبهته العريضة و كأنه يقف على حافة الشمس ، وعيناه تتسعان إلى أبعد قطر و كأنه كان يرى ما لا نرى نحن ، لم يكترث أحد لكلامه بل و كأنهم لم يسمعوه أصلاً ، و هناك من وصل للسفينة الأخرى و بدأ يتسلقها ، و هناك من لا زال يسبح ، و آخرون يستعدون للارتماء ، و استطرد قائلاً : هذه السفينة مجرد شبح ، مستحيل ، أنظر إلى الضباب فوقها ، ألا تلاحظ أنه لا يوجد ضباب أصلاً و الجو صحو و الضباب يحيط بها وحدها من فوق !.
سرت بداخل جسدي قشعريرة غريبة من الهلع بعدما زعزعني كلام الربان ، لأنه كان منطقياً جداً و هو معروف على كل الأصعدة أنه من أبرع البحارة في البلد و سافر مئات المرات إلى أبعد الأقطار و في كل الاتجاهات من دون فشل ، و قد كنت قد سمعت من قبل حكايات على لسان بعض البحارة المتقاعدين عن السفن الأشباح داخل المحيطات و قد حكوا حكايات تفوق الخيال.
صعد الكثير من البحارة و هم مسحورون بجمال النساء البحارة إلى السطح و استقبلتهم الحسناوات بالعناق و الضحكات ، و الربان لا زال لم يتوقف عن الصراخ و لم يتخلى عن جعل بحارته يستفيقون من هذا السحر ، حتى سمعته يتلو بأعلى صوته ” وَ اتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ” ، فجأة تحولت الحسناوات إلى سحالي مخيفة ذوات أعين دموية و شعر مقرف و حراشف فوق جلدها المزغب و سارت تلتوي حول أعناق و رؤوس البحارة و تخنقهم ، و في لحظة غيّرت سرعتها إلى سرعة جنونية لم أرى مثلها في حياتي و اختفت وسط صيحات البحارة المذعورين و بين هالتها الضبابية اختفت إلى اللانهاية.
النهاية ……
تاريخ النشر : 2021-03-17