الطفلة و السفّاح
![]() |
غلاف القصة المنشورة باللغة الانجليزية |
بحلول المساء .. كانت عائلة ايلين تنتظر عودتها من المخيّم الكشفي التابع لمدرستها .. لكنهم تفاجئوا بالشرطة تُخبرهم : بأن المشرف على الرحلة اضّطر لوقف التفتيش عنها , بعد أن تأخّر الوقت ..و لهذا أوكل العمل للشرطة , ليتسنّى له إعادة باقي الأولاد إلى منازلهم …
و قد انتشر هذا الخبر سريعاً بين سكان قريتها الريفية (الواقعة في أوروبا)
و على الفور !! تطوّع بعض شباب المنطقة للصعود إلى ذلك الجبل , مع والديها المذعورين و فرقة متخصصّة من الشرطة , لتبدأ عملية البحث عن الصغيرة المفقودة ايلين (ذات العشر سنوات).
و على سفح الجبل .. كانت ايلين تجوب الأحراش , و هي ترتعد من البرد و الخوف .. لا ينير طريقها سوى مصباحٍ صغير , بإنارته التي بدأت تخفت مع مرور الوقت .. إلى أن لمحت منزلاً خشبياً صغيراً مُحاطاً بأشجار الوادي .. فمسحت دموعها , و نزلت بإتجاه الكوخ المهجور .. و بعد أن وصلت إلى الباب , دفعته عنوة .. ثم دخلت .. و كان همّها الأول : هو دخول الحمام , فهي ترفض الدخول في العراء .. و عندما كانت هناك .. سمعت كأن شخصان يدخلان إلى المنزل : امرأة تصرخ برعب , بينما الرجل يشتمها بقسوة و يأمرها بالصمت … ففزعت ايلين ,و أسرعت نحو حوض الاستحمام و اختبأت خلف ستارته .. و ظلّت المرأة المسكينة تصرخ طالبةً النجدة لبعض الوقت , إلى أن خفت صوتها قبل أن يختفي تماماً ! ..و توقعت ايلين الأسوأ : بأن الرجل قام بخنقها ..
و بعد لحظات .. سمعت وقع أقدامه تقترب منها .. فأطفأت مصباحها .. و اختلست النظر من فتحة الستارة , لترى القاتل و هو يجرّ جثة المرأة فوق أرضية الحمام .. ثم قال بغضب , و هو يحاول إضاءة النور هناك..
– اللعنة على هذا البيت !! أليس فيه شيئاً يعمل ؟!
ثم خرج .. و عاد بعد قليل و هو يحمل قنديلاً , و وضعه فوق المغسلة ..فاستلقت ايلين في الحوض (بخفّة) كيّ لا يرى ظُلّها من خلف الستارة .. أما بيده الثانية , فكان يحمل منشاراً حديدياً صغيراً .. ثم شرع في تمزيق أوصال الجثة .. و كان صوت المنشار و هو يفصل اللحم عن العظم يثير الغثيان , لدرجة ان ايلين أغلقت إذنيها بقوة كيّ لا تسمعه , بينما كان جسدها الصغير ينتفض من شدّة الخوف..
و بعد دقائق .. سمعت القاتل يُحدّث نفسه (بصوت مسموع) :
– أوه , يالا غبائي ! كان عليّ تقطيعها داخل حوض الإستحمام , لما احدثتُ كل هذه الفوضى ! …….. لا بأس .. عندما اعود , انظف كل شيء .. و الآن !! لأضع الأجزاء المهمة داخل حافظة تبريد , كي لا تفسُد ..
ثم بعد مدة .. عاد و قال بسخرية (وهو يحدث نفسه) :
– ياه !! ما أجمل عيناك العسليتان .. ليت بإستطاعتي استبدالهم بدل عينايّ القبيحتان !
ثم رمى إحدى عينا الضحيّة بإتجاه حوض الإستحمام , لتتدحرج و تقف قرب قدم ايلين .. و بصعوبة بالغة استطاعت الصغيرة كبح صراخها , بعد ان افزعها منظر العين المقلوعة !
و بعد مدّة احسّتها ايلين و كأنها الدهر , انهى السفّاح اخيراً تقسيم الجثة و تفريق كل قطعة منها في كيس نفايات كبير الحجم (اسود اللون) .. ثم حملهم الواحد تلوّ الآخر الى خارج المنزل , و وضعهم داخل صندوق سيارته (المتوقفة بجانب الكوخ) بنيّة رميّ الأكياس بأمكنة مختلفة في أنحاء الجبل
و بعد ان سمعت الصغيرة صوت محرّك سيارته و هو يبتعد عن المكان .. تمسّكت بطرف الحوض , و جسمها يكاد لا يقوى على الوقوف .
لكن قبل ان تخرج من هناك .. دعست رِجلها بالغلط , عين الضحية (المقلوعة) ففقعتها .. و كان صوتها أشبه : بإنفجار بالون ماء ! فصرخت فزعة !! و قفزت الى خارج الحوض .. الاّ ان ملمس الدماء اللزجّ , جعلها تتعثّر لتسقط فوق بركة من الدماء .. فنهضت برعب , و ركضت الى خارج الكوخ , بعد ان اصطبغت ملابسها باللون الأحمر ! و ظلّت تركض في الأحراش بسرعةٍ جنونية ..
و بعد فترة من الركض المتواصل .. انتبهت لأضواءٍ قادمة من اسفل الجبل , فاختبأت على الفور بين الأشجار , خوفاً من عودة ذلك السفّاح .. و لم تخرج من هناك , الاّ بعد ان سمعت اصواتاً تناديها بإسمها :
– ايلين !!!! اين انت ؟!! عائلتك تبحث عنك !!
و هنا حاولت المسكينة ان تستجّمع قواها , لتصرخ بما تبقّى لها من قوى :
– انا هنا !!!!
قبل ان تخرُّ مغشيّاً عليها .
و في الوقت التي كانت سيارة الإسعاف تنقل ايلين (الغائبة عن الوعي) الى المستشفى (بعد ان هالهم منظر ثيابها المضرّجة بالدماء) .. كان السفاح قد انهى عمله في التخلّص من اكياس الجثة , و في طريق عودته للكوخ لإخفاء الدماء و باقي الآثار ..
و فور وضع الصغيرة على سرير المشفى , استيقظت فزعة و هي تقول :
– اوقفوا السفّاح !!
فاقترب منها المحقق , ليستفسر عن الموضوع
– ايلين !! من فعل بك هذا ؟ و اين هو الآن ؟
و في هذه الأثناء ..كان السفّاح قد انتبه على آثار القدم الصغيرة (الملوّثة بالدماء) و هي آتية من الحمام بإتجاه الباب الخارجي.. و قال بقلق :
– اللعنة !! من كان هنا ؟!
فأسرع نحو الحمام .. ليلاحظ على الفور , تغير وضعية ستارة الحوض .. و ما ان اقترب منه , حتى رأى العين المفقوعة !
– تباً !! كان يختبأ هنا ! و بالتأكيد شاهد كل ما فعلته !
و قبل ان يخرج من الحمام (غاضباً) , داس على شيءٍ قاسيٍ تحت قدميه .. فدنى القنديل منه ليراه
و في الوقت الذي كانت فيه ايلين تُدلي للمحقق بما رأته في ذلك الكوخ.. كان السفّاح يقرأ بطاقتها الكشفية (التي سقطت من ثيابها , اثر تعثّرها) ..
– ايلين فيليكس !! مدرسة الجيل الجديد ..
.. فقال بغيظ :
– يبدو ان عملي لم ينتهي بعد !!!
و بعد شهر من تلك الحادثة ..
عادت ايلين الى حياتها , لكنها لم تعد كما كانت ! فهي تُلازم غرفتها و لا تكلّم احداً .. كما اصبحت تصرفاتها عدوانية تجاه اهلها و زملائها في المدرسة .. اما الشرطة فكانت ما تزال تجوب انحاء الجبل , بحثاً عن ذلك الكوخ (الذي وصفته لهم ايلين) الاّ انهم لم يجدوا سوى الأكياس التي تحتوي على اطراف الجثة , دون ايجاد معظم اعضائها الداخلية ! و التي عرفوا لاحقاً , بأنها تعود لنادلة كانت تعمل في مطعمٍ مجاورٍ لمحطة بنزين .. و المشكلة ان اهل ايلين يرفضون تماماً ان تذهب ابنتهم مع الشرطة لتدلّهم على مكان الكوخ , لأن ذلك برأيهم : سيؤثر سلباً على حالتها النفسية المتردّية .. لكن مالا يعلمونه : بأن السفّاح يُلازم مدرسة ايلين كل يوم في انتظار اللحظة المناسبة لأختطافها و القضاء على الشاهدة الوحيدة , قبل ان تصفّ شكله للشرطة ..و التي على حسب معلوماته : بأنها لم تفعل ذلك بعد !
و في احدى الأيام .. كانت ايلين في حصّة الرسم .. و كان عليهم ان يرسموا قلباً لعيد الحب .. فجلست ايلين بعيدة عن الجميع , تلوّن رسمتها .. ثم اجتمع الطلاب حول طاولة المعلمة ليروها كرّاساتهم .. فأقتربت منهم ايلين ووضعت صورتها فوق رسماتهم , فسألتها المعلمة :
– ايلين ! لما اخترت تلوينه باللون الأحمر الغامق ؟!
فكشفت ايلين عن ذراعها الذي كان ينزف , بعد ان جرحته بالمقص .. فصرخ الطلاب برعب.. فقالت المعلمة (بدهشة) :
– لماذا جرحتي نفسك ؟!
– لأن الدم هو لون القلب الحقيقي .. فأنا رأيته في يد السفّاح , بعد ان قلعه من صدرها .. ماذا ؟ الم تعجبكم رسمتي ؟!
فقالت صديقتها ديانا (بلؤم و عصبية) :
– الم اقل لكم بأنها مجنونة !! عليك أن تذهبي الى المصحّ يا مخبولة !!
فنظرت إليها الطفلة ايلين بغضب..
فقالت المعلمة :
– كفى يا ديانا !! هيا ايلين , تعالي لنطهّر جرحك !
و أخذتها المعلمة الى غرفة التمريض , ليضمّدوا جرحها ..
ثم اتصلت المديرة بأمها لتأخذها الى البيت (بعد ان أرعبت أصدقائها) ..
و بعد ساعة ..
أتت أمها و طلبت من ايلين ان تنتظرها في الرواق , الى ان تُنهي حديثها مع المديرة .. لكن ايلين تنصّتت على الباب , و سمعت هذا الحوار :
– انا اقدّر بأنها مرّت بظروفٍ سيئة , لكن تصرفاتها تسوء مع الأيام .. و اهالي الطلاب خائفون على ابنائهم منها .. فهي البارحة , رمت كتبها على اصدقائها بنوبة غضب , و بالكاد استطعنا تهدأتها ! و قبلها بأيام , رمت حجراً على معلمة الرياضة .. هذا عدا عن الشتائم القذرة , التي لا ادري من اين ..
– اعرف يا حضرة المديرة .. و نحن نحاول علاج نوبات غضبها , و نأخذها جلستين في الإسبوع عند الطبيبة النفسية.. كما اننا ….
– دعيني اكلّمك بصراحة .. في حال بقيت ابنتكم على هذه الحالة , فأنا مضّطرة الى فصلها من المدرسة
و هنا .. غضبت ايلين من كلام المديرة , و خرجت بسرعة من المدرسة (دون ان تراها الناظرة) .. لكنها لا تعلم بأن القاتل كان ينتظرها في الخارج .. فأسرع خلفها , ثم ترجّل من سيارته و بيده القماشة المبلولة بالمخدّر.. و بثواني !! اختفت ايلين مجدداً !
و في تلك الليلة ..
استيقظت ايلين لتجد نفسها داخل حفرة في قبو منزل.. فرفعت رأسها الى الأعلى , لترى نفس السفاح و هو ينظر اليها .. فصرخت فزعة !! فقال مبتسماً :
– اخيراً استيقظت
– ساعدوني !!!!!
– لا تتعبي نفسك بالصراخ .. فنحن في مكانٍ بعيد ..
ثم اكمل السفّاح كلامه (من بعيد) , و هو يُعبّأ حقنة المخدّر ..
– اتدرين !! بسبب فضولك الزائد .. لم يعد بإمكاني الذهاب الى كوخي في الجبل .. فالشرطة مازالت تبحث هناك .. و مع اني مسحت كل اثار جريمتي الاّ ان الحرص واجب .. فأنا لن اسمح ابداً !! لطفلة تافهة مثلك ان تتسببّ في اعدامي !
فصرخت ايلين من داخل الحفرة :
– انا لم اخبرهم عنك !! و هم لا يعرفون شكلك
– لا يهم .. ستموتين بكل الأحوال
و قبل ان ينزل اليها (ليخدّرها) رنّ جواله (الموجود في الصالة) ..
– اوووف !! اهذا وقته ؟! …. اسمعي يا بنت !! ايّاك ان تفعلي ايّ شيء .. و الاّ و الله !! سأقتلك دون تخدير ..
ثم يُدني رأسه من فوق الحفرة (حاملاً بيده القنديل) و يقول لها :
– اتفهمين ماذا يعني ذلك ؟!! يعني ستشعرين بالألمٍ الشديد , تماماً كما حصل مع تلك المرأة .. أظنك تذكرين صراخها , اليس كذلك ؟!
ثم تركها و صعد درجات القبو , ليردّ على هاتفه (في الطابق الأرضي)
و بهذه اللحظات .. عرفت ايلين ان امامها فرصة اخيرة للنجاة .. فصارت تبحث حولها (بالأرض الترابية التي هي مسجونة بداخلها) في محاولة لأيجاد ايّ شيء يحميها من السفّاح , و قد سمح النور الخافت من القنديل (الذي تركه السفاح بأعلى الحفرة) ان ترى ذلك المسمار الطويل الصدئ المرمي بزاوية الحفرة.. فأخفته داخل قبضة يدها , التي كانت ترتجف بقوة
و بعد قليل ..عاد السفاح , و هو يقول :
– ممتاز !! و لأنك لم تصرخي , فسأكافأك بأن تموتي دون عذاب .. لكن لا تقلقي .. فأنت لن تختفي تماماً عن وجه الأرض .. لأني انوي بيع اعضائك الثمينة لصديقي الدكتور , كما فعلت مع تلك المرأة .. فجسدك الصغير يحوي كنوزاً لي ..
ثم حمل سلّماً خشبياً و انزله في الحفرة و بدأ بالنزول عليه , و هو يحمل حقنة المخدّر .. و قبل ان يلتفت اليها , أسرعت ايلين و غرزت المسمار في رقبته .. فصرخ السفّاح بقوة , بعد ان سقطت الحقنة من يده .. و على الفور !! اخذتها ايلين و حقنت ساقه .. فسقط على الأرض , بينما اسرعت هي بصعود السلم .. فحاول السفّاح بصعوبة ان يقف على رِجله المخدّرة , بينما يضغط بيده لوقف نزيف رقبته , و هو يشتم ايلين بغضب !!
و عرفت الصغيرة بأن في امكانه اللحاق بها , فأخذت القنديل (الذي تركه بأعلى الحفرة) و رمته على جسد السفّاح , ليتحوّل بثواني الى كتلة من النار , و صار يتلوّى من شدّة الألم , محاولاً اطفاء ناره بتمرّغه بالتراب (الموجود بأرضية الحفرة) .. لكن قبل ان ينطفأ تماماً , فاجأ ايلين بأنه استطاع الوقوف , و بدأ يصعد السلّم بإتجاهها .. فتركته و صعدت الأدراج (بإتجاه الطابق الأرضي) بعد ان اقفلت (خلفها) باب القبو بالمزلاج .. ليعلّق السفّاح في الأسفل!
ثم انطلقت هاربة من المنزل , و صدى شتائمه و صراخه المستغيث يتناهى الى سمعها .. و بينما كانت تركض في الشارع كالمجنونة , سمعت دويّ انفجاراً هائلاً (خلفها) .. و يبدو ان النار المشتعلة بجسد السفاح , وصلت الى احدى جرّات الغاز (المتروكة بإهمال في القبو) فأدّت الى انفجاره!
و بعد ساعة من سيرها , تائهة في الشوارع المظلمة ..وجدتها سيارة اطفاء , كانت في طريقها الى منزل السفّاح لإطفائه (بعد ان وصلتهم اخبارية بذلك) .. و على الفور !! اعادوها الى منزلها , ليستقبلها والداها المنهاران (بسبب اختفائها المفاجىء , منذ الصباح)
و بعد شهر على مقتل السفّاح ..
كانت امها تجلس مع صديقتها في الصالة , تتحدثان :
– الم تنطق بأيّ شيءٍ , حتى الآن ؟!
– لا !! يبدو ان الحوادث التي عاشتها ابنتي , جعلتها خرساء !
– ارجوكِ لا تبكي .. اكيد العلاج سينفعها .. هي فقط تحتاج لبعض الوقت !
– يارب !! لكن الى ذلك الوقت , علينا ان نُدخلها مدرسة الخرسان ..فمديرتها اعطتني ملفها , قبل ايام
– يالا هذه المديرة القاسية !! هذا بدل ان تراعي نفسيّة ايلين , و ما مرّت به!
– هي تخاف ان يكون تأثيرها سيئاً على باقي الطلاب ..فإيلين تصيبها نوبات غضب بين حينٍ و آخر .. حتى ان اليوم صباحاً , اصابتها هستيريا من نباح كلب جارتنا .. و بصعوبة بالغة , استطعنا انا ووالدها تهدّأتها !
و هنا !! رنّ جرس الباب..
– آه لحظة ! سأعود حالاً
و كانت جارتها (عند الباب) تسألها بقلق :
– عفواً عزيزتي .. لكن هل رأيتي كلبي ؟! بحثت عنه في كل مكان !
في هذه الأثناء , و في حديقة المنزل الخلفية..
كانت ايلين تطمر بالتراب , كلب الجارة الصغير (المقتول) .. و هي تحدّث نفسها (بلؤم) :
– اخيراً سأرتاح من نباحك المزعج !!
و بعد ان دفنته .. اخرجت دفتراً صغيراً و قلماً من جيبها .. و كان مدوناً عليه , الأسماء التالية :
السفّاح .. كلب الجارة … زميلتي ديانا .. مديرة المدرسة .. امي و ابي
و كان اسم السفّاح محذوفاً .. فشطبت بالقلم : كلب الجارة
ثم قالت (و هي تحدّث نفسها) :
– المهمة التالية … ديانا الغبية !!
و ابتسمت بخبث !
النهاية
تاريخ النشر : 2015-11-14