حب تخطفه الاقدار الجزء 2
شعر معها حسام بأن سعادة عمره الضائعة كلها عوضتها هذه القبلة |
يذهب للجامعة صبيحة اليوم الثاني متأنقاً ومرشوشاً بعطر تيسير الفواح ، يمر من أمام بعض البنات ، يسمع همسة جوانا : يا له من شخص مسكين ، لم يستطع تجاوز موت أمه وأبوه.
يسرع من أمامهن خشية سماع كلام قاس أخر.
يذهب لزاوية مبنى الجامعة وحده ، يتذكر طفولته الحزينة ، تنهمر بعض الدموع تلقائياً ، يشعر بيد تربت كتفه ، كانت رنا التي أخذت منديل أبيض بيدها وشرعت تمسح دموعه ، تأخذه بيدها ويدخلان قاعة المحاضرة معاً.
بعد اكمال المحاضرة أخذ الطلاب فترة أستراحة ، خرج حسام ليطلب علبتان كولا له ولرنا .
يجلسان يتحادثان ، يخبرها حسام بكل ما عاناه وبقصته ، تتعاطف معه رنا وتخبره أنها تشعر بالحزن الشديد لأجله ، يكملان يومهما الدراسي ، يتفقان على اللقاء في المكتبة عصراً ، يصل سكنه ، لاحظ حسام كتاب علم ما وراء الطبيعة الذي اشتراه ، يأخذه وينهمك في قراءته ، توقف عند فصل من الكتاب ، كان يتحدث عن الجن ، الجن العمارة التي تسكن البيوت مع الناس وتشاطرهم اياها ، تذكر المخلوقات التي كان يشاهدها في بيت عمته ، تساءل عن ما اذا كان هناك جن يشاطرهم سكنهم الطلابي ، يقلب الكتاب صفحة صفحة ، يجد معلومات كثيرة ويسترسل في أفكاره التي قطعها رنين هاتفه ، كانت رنا.
نظر لساعته فوجد أنه تأخر ، أعتذر منها وقال لها بأنه سيكون عندها حالاً.
وصل المكتبة ووجد رنا جالسة في مكانها المعتاد ، بدأ يشرح لها الدروس ، مع بعض الضحكات والحب المتوقد ، بعد ساعة من المذاكرة قاطعت رنا حسام قائلة: ما رأيك أن نكتفي اليوم ونخرج لنتمشى قليلاً.
يجيبها حسام : لا مشكلة.
يخرج حسام معها ، وفجأة أمسكت بيده وهما يسيران بالشارع ، نظر لها حسام بحب وشوق ، تجاذبا اطراف الحديث وتكلما عن هواية بعضهم البعض واهتماماتهم ، مرا من جانب العم خالد وطلبا منه ساندويشتان ، أبتسم خالد وأعطاهما طلبهما.
يجتازان مسافة بعيدة سيراً على الأقدام وهما يتحدثان ويشتريان من هنا وهناك ، حل وقت المغرب عادا الاثنان و وصل حسام لسكنه.
كان بيتها في حي آخر ، أراد حسام أن يأتي معها حتى يوصلها لبيتها ، لكنها شكرته وقالت : أنه قريب من هنا.
يدخل سكنه ويصعد غرفته ، يمر طفلان من جانبه ، غريب ماذا يفعلان في السكن ! حدث حسام نفسه ، دخل غرفته ليجد تيسير واضعاً سماعة كبيرة على أذنه وهو يستمع لأغاني هاني شاكر التي يعشقها بقوة.
يساله حسام عن الطفلان ، فيجيبه بأنه لم يرى أي أحد.
يشعر بالغرابة ، يأخذ هاتفه ويبدا فوراً بمراسلة رنا ، أراد تمهيد الموقف لأجل الاعتراف بحبه وأنه يريد الارتباط بها.
لم تكن صورتها وضحكتها تفارق خياله ، كانت بلسم شافي لكل جروحه ، يرسل لها مسجاً لكنها لم ترد ، كانت مغلقة .
أغلق هاتفه وخلد للنوم.
في اليوم الثاني ذهب للجامعة وهو في شوق من أجل أن يجد رنا ، لكنها لم تأتي ، لم تأتي ذلك اليوم الى الجامعة ، شعر بالضيق الشديد ، لم يعر المحاضرات
اهتماماً ، حتى أن أستاذه سأله عن الشيء الذي يشغل باله.
كانت عيونها ووجها الجميل ما يراه فقط وصوتها المخملي العذب ما يسمعه فقط ، أنتهى اليوم المدرسي وخرج مسرعاً ليأخذ هاتفه ويتصل برنا ، لم تجبه ، شعر بالخوف عليها ، أتصل مراراً وتكراراً ، لم ترد ، أراد الذهاب الى بيتها لكنه لم يعرف أين هو ، وليس لديها صديقة ليسالها عنها ، وبينما هو كذلك اتاه اتصال ، كانت رنا.
أجاب بلهفة شديدة : أهلا عزيزتي .
كانت أول عزيزتي يقولها .
رنا بضحكة خفيفة : يبدو أنك افتقدتني اليوم.
حسام : نعم ، لماذا لم تأتي اليوم الجامعة ؟
أجابته : انشغلت اليوم ، ممكن نلتقي بالمكتبة ؟
قال لها : حالاً .
وصل و كانت بانتظاره بجمالها الأخاذ وروحها اللطيفة ، وما أن وصل حتى جذبته الى زاوية المكتبة بعيداً عن أعين الناس ، وقبلته قبلة طويلة ومميزة شعر معها حسام بأن سعادة عمره الضائعة كلها عوضتها هذه القبلة ، افلتته وانطلقت مسرعة والخجل يملئ وجهها وخرجت من المكتبة فيما حسام في مكانه لم يصدق ما حدث لتو.
يعود حسام لسكنه والسعادة تغمره ، يصل لغرفته ويجد صديقه تيسير ، يتناول عشاءه ، لم يأخذ كتاب كعادته ليقرأه ولكن أخذ هاتفه ، أراد مراسلة رنا ، لكن لم يجد واتساب مشغل في رقمها ، غريب لما حذفته ، يبدو أنها خجلة ، أبتسم حسام.
أقفل هاتفه وأخذ كتاب ما وراء الطبيعة ، قراء منه قليلاً ونام.
استيقظ على طرق باب غرفته ليلاً ، فتح الباب ، لم يجد أحداً ، أيقظ تيسير ، أخبره بذلك ، تيسير أجاب بأنه لم يسمع شيء .
عاد لنومه وعاد يحلم برنا ، أنها حب حياته ، العشق الذي يكنه لها لم يكن يتوقعه في حياته ، هل أتصل بعمتي لأخبرها أني وجدت فتاة مناسبة للزواج ؟ لا لن أفعل حتى اطلب يد رنا أولاً ، هكذا قال حسام.
استيقظ في اليوم الثاني ، أخذ حمامه بسرعة ، ذهب ليلقي لأخذ الساندويتش من العم خالد ، وذهب للجامعة ، مرت ساعة ولم تأت رنا ، شعر بالانزعاج قليلاً ، عرف أنها لن تأتي اليوم أيضاً ، أكمل يومه الدراسي على أحر من الجمر ، خرج يتصل برنا ، لكنه لم يجد رقمها ، غريب .
شعر بشيء من الغضب الممزوج بالخوف ، أنطلق الى المكتبة العامة عله يجدها هناك لكن لا شيء ، سأل صاحب المكتبة عنها لكنها أجابه : لا يا سيدي ليس هناك فتاة بهذه المواصفات دخلت مكتبتي.
رد حسان مندهشاً : الفتاة التي كانت تأتي معي يومياً ، أسمها رنا ، فيجيبه صاحب المكتبة : لم أرى فتاة معك طوال وجودي هنا ، أراك تقرا وحدك وتكلم نفسك أحياناً ، لكني لا اتدخل في الامر.
يشعر بالجنون ، يا للهول ما الذي يجري ؟
يزداد ضغط الادرينالين في شرايينه ، يذهب الى سكنه الطلابي ، يدخل غرفته لكنه لم يجد تيسير ، لم يجد اغراضه حتى !
يسأل الطلاب في الغرف المجاورة ليجيبوه بسخرية : أنت تعاني من مرض نفسي ، لم يكن لأحد أن يشاركك بهذه الغرفة ، أنت تعيش وحدك منذ بداية العام ، لا يوجد طالب أسمه تيسير !
يذهب بسرعة الى عميد الجامعة ويطلب منه كشف الطلاب ، يستغرب من طلبه ولكنه أعطاه كشف بأسماء الطلاب في الجامعة ، لم يرد أسم تيسير بينهم ، شعر بالصدمة ! لكن بين أسماء البنات كان يوجد أسم رنا محمود ، شعر بانفراجه صدر واسعة .
عاد لسكنه وهو بين أمرين عظيمين ، أختفاء تيسير ، لكن ورود أسم رنا بين أسماء البنات خفف من فزعه والمه ، باتت الليلة عليه وكأنها سنين طويلة.
استيقظ بسرعة ، انطلق الى الجامعة متجاوزاً العم خالد ولم يشتر منه الساندويتش ، وصل الى الجامعة ، دخل أحد الصفوف وأخذ يسال عن رنا محمود ، أتاه الجواب من الزاوية ، ماذا تريد مني ؟
التفت ليجد فتاة معاقة من أرجلها على كرسي ، لم تكن رنا حبيبته ، شعر بصدمة عنيفة حتى كاد يغمى عليه.
خرج من جامعته وذهب وهو يكاد يجن !
الف سؤال يدور برأسه ؟
كيف يعقل هذا ؟
هل انا مجنون ؟
لا لا ، لا زالت ضحكتها تتردد في أذني ، وتيسير صديقي ليس تخيل ذاك الضرب الذي ضربته عندما تشاجرنا يوماً.
يا الهي ، أين أنتِ يا رنا لا ؟ أطيق الحياة بدونك.
ظل يتخبط في المكاتب والشوارع حتى وصل الى مكان العم خالد ، تذكر أنه أشترى منه ساندويتش عندما كانت رنا برفقته ، سأله حسام : يا عام خالد.
هل تذكر الفتاة التي كانت برفقتي قبل ايام؟
أجابه : من يمكنه أن ينسى تلك العيون الخضراء ؟!
شعر بالفرح والامل ، وسأله : اذا انت تتذكرها ؟
التفت له العم خالد : عفواً يا بني ، ماذا قلت لم افهمك !
لم يطق حسام الأمر وذهب والدموع تنساب من عيناه ، وصل الى غرفته ، قطع كتبه كلها ، صرخ وبكى بكاء مرير ، رأى سكين صغير في أعلى طاولته ، أخذه وبدأ يشق يده مقطعاً أوردته ، أغمي عليه .
استيقظ و وجد نفسه في المستشفى ، وعمته بجانبه وزوجها وأولادها ، لقد سمع الطلاب صراخه ودخلوا غرفته واتصلوا بالإسعاف ، تمنى لو أنه مات ، سألته عمته عن ماذا حصل ؟ له لكنه لم يجيب ، رأى يد تلوح له من باب غرفة المشفى ، أنها ليست غريبة ، أراد أن ينهض لكنه لم يكن لينهض وهو مليء بالأنابيب المغذية ومخدر الاطراف ، جاء الدكتور يطمأن على صحته ، شعر حسام بغمة شديدة وحزن ، لازالت رنا تجوب خياله ، أحبها أكثر من حياته ، خرجت عمته من غرفته ، سمعها تحادث الطبيب ، كان يقول :
يبدوا أن حسام بحاجة لعلاج نفسي عاجل ، حالته لا تعجبني البتة !
النهاية ….
تاريخ النشر : 2017-12-18