حدثوني عن السحار فقالوا كلاماً عجبا
![]() |
السحار كائن مسحور هيئته غريبة متعطش للدماء |
السحار هو كائن اختلفت الروايات في وصفه ، فتارة هو كائن مسحور هيئته غريبة متعطش للدماء ، و تارة هو رجل عادي عافت نفسه كل شي عدا لحوم البشر ، أما المقولة الأكثر شهرة أنهم قبيلة كامله شكلهم بشري خلا الذيل الطويل الذي يبرعون في إخفائه ، لهم أسنان قاطعة و أظافر حادة ، تعتريهم رغبات عارمة في التلذذ بلحوم البشر و دمائهم .
أول قصه حقيقية عنهم سمعتها من والدي حين أخبرني : أنه في شبابه كان له زميل في العمل كبير في السن أخبر والدي أنه في شبابه ذات ليلة مقمرة كان على ظهر حماره يقطع درباً طويلاً يتوسط غابة كثيفة موحشة تفصل بين قريتين – و ضع في حسابك عزيزي القارئ أن الكهرباء وقتها لم تعد عن كونها اختراع يُسمع به الناس ، أما السيارات فقد اقتصرت على بعض شاحنات النقل الجماعي للأفراد و البضائع و يملكها قلة قليلة جداً من الناس – فأثناء سير صديقنا هذا شعر بعينين تراقبانه من داخل الغابة ، و سرعان ما هجم عليه ذلك المدعو السحار و بقوة قلب و ساعد قاوم صديقنا بقوة الحيلولة دون أن يكون عشاءً سهلاً للسحار ،
و في خضم تلك المصارعة الحرة سمعا ضجيج شاحنة و سرعان ما ظهرت أنوارها فهرب السحار سريعاً للغابة ، فالمعروف أنه لا يتعرض لأكثر من شخصين ، و فرح ركاب تلك الشاحنة بنجاة صديقنا أكثر منه و مدوا له أياديهم ليصعد معهم ، و لكنه أراد أن يركب حماره معهم تلك الشاحنة المكتظة بالناس ، فعلت الأصوات و كثر اللغط و أثر صديقنا مواصلة مشواره على ظهر حماره الذي ليس له مساحة في الشاحنة رغم محاولات أولئك الركاب لثنيه عما أراد فهم بلا شك يعلمون أن ذلك الكائن ما زال يراقب عشاءه من عمق الغابة ، و أخيراً بعد تعنت صاحبنا قام أحد الركاب بإعطائه خنجراً لكي يدافع به عن نفسه ، و علا هدير الشاحنة و هي تبتعد يتبعها صوت حوافر الحمار الرتيب ،
حسناً كما توقعتم ما أن ابتعدت الشاحنة حتى عاد السحار يهاجم صاحبنا الذي عاجله بطعنة واحده ، وما أن رأى السحار الدم يتدفق منه حتى عوى و علا صوت صراخه و هو عائد إلى الغابة ، فمن المعروف أن السحاحير تخاف الأسلحة البيضاء ذات النصل الحاد ، و واصل صديقنا في نشوة الظافر على ظهر حماره .
فحدث أن رغبت أحداهن في العودة لقريتها و لم ترغب في السهر حتى الصباح و أصرت على العودة لسبب لا أتذكره ، فقامت مجموعة من الشباب بمرافقتها في رحله العودة حتى ظهرت قريتها من بعيد و أصبحت قريبة و الطريق حسب ما رأوه آمن ، و هم يريدون العودة ليكملوا الحفل فودعوها و عادو للحفل ، و واصلت الفتاة السير نحو بيتها في طرف القرية و الذي كان بعضاً من الغرف مبنية من الطين و يحيط بها سياج منخفض مصنوع من أعواد الأشجار الشوكية ، حسنا ًلم تخطئوا الظن هذه المرة أيضاً فالمدعو أبو حريره كان يراقبهم من حيث لا يرونه ، وما أن أبتعد الشباب حتى كشر عن أنيابه و صار يعدو كأسد مفترس نحو عشاءه الثمين و ذيله يتبعه ،
و ما أن سمعت الفتاة وقع أقدامه حتى حملت طرف ثوبها في فمها و أطلقت ساقيها للريح في ماراثون أم الموت أو الحياة ، حتى أنها لم تدرك أنها تخلت عن نعليها ، بل لم تشعر بكل تلك الأشواك تحت رجليها و صارت تصرخ ، و ما أن وصلت سياج البيت الذي يستحيل عليها في حالتها الطبيعية أن تقفز فوقه مهما كانت المغريات ، فها هي تقفز الآن فوقه كأمهر رياضي ، وما أن وصلت بيتها و رأت أهلها الذين هرعوا على صراخها حتى فقدت الوعي ، و أسرع أهل القرية خلف أبو حريره الذي ولى هارباً ، أما تلك الفتاة فقد فقدت السيطرة على جسدها وكان أهلها يغمسون قطعه القطن بالماء و يضعونها على فمها لتشرب قطره قطرة ، لا اعلم كم استغرقت من الوقت ، لكنها في الأخير شُفيت و تعافت و الحمد لله.
لكن ما استرعى تركيزه أكثر هو رمح صغير معلق على الحائط ، فهذا الرمح يدوي الصنع لم يكن شكله غريباً أبداً ، بل كان مألوف جداً أنه رمحه فقد صنعه في بداية شبابه ، و عندما لأحظ المريض نظرات الدهشة على وجه ضيفه سأله ، فأخبره صديقنا الصياد : أن ذلك الرمح يعود له ، فتغيرت ملامح الرجل و قال لضيفه : هل ضربت به تمساحاً وقت كذا عام كذا في المكان الفلاني ؟ فأجاب الضيف بدهشه : نعم ، قد كان ما قلت ، فأخبره المريض باختصار شديد : أنه هو ذلك التمساح و أن سبب مرضه هي تلك الضربة بهذا الرمح و أنه قد سامحه ، و لكن عليه ألا يسأل و أن يغادر فوراً قبل أن يأتي أهل المنزل لأن لهم رأي أخر ، فغادر صديقنا الصياد المنزل مذعوراً ، بل غادر المنطقة كلها .
ولكم أعزائي القُرّاء حرية الحكم على مصداقية هذه القصص ، فأنا أراها مستحيلة لكنها ممكنه في عالم لا نعلم عنه إلا القلة القليلة يفاجئنا كل يوم حتى صرت لا استغرب أي شيء ، و دمتم بخير.
تاريخ النشر : 2021-01-20