دقات منتصف الليل
عزيزي جاك … أنا روز موعدنا منتصف الليل .. |
استيقظ عاهد من نومه مبكرا كعادته على رنين الهاتف ليجد صوت مديره الهادر يوبخه على عدم رده على الهاتف بالأمس عندما أراد أن ينقل له تعليماته بخصوص انجاز أعمال جديدة – للجريدة التي يعمل فيها – , وطبعا عاهد على عادته لم يكن متواجد ليرد على الهاتف . وازداد تقريع المدير له , ورد عاهد بصبر انه سيجد حلا لهذه المشكلة في القريب العاجل.
” جهاز للرد الآلي على الهاتف ” “أنسر ماشين ” ..
برقت الفكرة في رأس عاهد و قرر شراء آلة انسر ماشين حتى يتلقى عليها رسائل مديره الغاضب دوما و يبتعد عن التقريع و اللوم. ولكن كيف؟ وهو لا يملك المال اللازم لشراء آلة جديدة ..
“ولما تكون جديدة ؟ .. فلتكن مستعمله” .. قال عاهد هذه العبارة في نفسه و هو يرتدى ملابسه على عجل للذهاب إلى احد الأسواق الذي يبيع المستعمل.
اتجه عاهد إلى عده محال و لكنه لم يجد ضالته حتى وجد أمامه إحدى الحوانيت الصغيرة التي تقف على استحياء وسط المحال الأخرى , و رحب به رجل عجوز متغضن الوجه , محنى القامة , وعرض عليه بضاعة متنوعة من كتب قديمه و اسطوانات و ملابس باليه , نظر عاهد إلى هذه البضاعة المزجاة بضجر و هم بالخروج حتى تعلق بصره بكنزه الثمين الذي جاء يبحث عنه و التمعت عيناه من الفرحة لأنه وجد ضالته.
كانت آلة الانسر ماشين تبرق بصمت على إحدى الأرفف و عاهد لا يستطيع ابعاد نظره عنها و حاول البائع بشتى الطرق تحويل انتباهه عنها إلا ان عاهد صمم على شراء هذه الآلة بالتحديد , و تنهد العجوز الذي لم يجد بدا من تحقيق رغبه عاهد و هو يقول له : ” ومن يستطيع تغيير المصير .. خذها يا ولدى إنها لك ” .. قالها و هو ينظر بآسف الى التقويم , فاليوم هو الحادي و الثلاثين من ديسمبر. و اشتراها عاهد بثمن بخس و حملها بلهفة إلى منزله و قام بتوصيلها بتليفون منزله .
وسجل رسالة بصوته : ” أنا عاهد و أنا غير متواجد الآن من فضلك اترك رسالتك بعد سماع صوت الصفير” .. واستمع عاهد إلى صوته المسجل بسعادة و انشغل في عمله تاركا لآلة تسجيل الرسائل عملها.
تثاءب عاهد بشدة و هو يتحرك من مكانه للذهاب لفراشه مع دقات الساعة الثانيه عشر و مع الدقه الاخيره وجد عاهد الضوء الاحمر الصغير الموجود بآلة الانسر ماشين يومض بشده فضغط على زر الاستماع ووجد عبارة لديك رساله واحده : ” عزيزي جاك … أنا روز موعدنا منتصف الليل” …. ارتجف جسد عاهد وارتعدت فرائصه و لعن صاحب هذا المزاح الثقيل .
وحتى يتخلص من الخوف قام بفصل جهاز الانسر ماشين وقام بمسح الرسالة , لكنه وجد المصباح الاحمر يومض مرة أخرى و برقت عينا عاهد من الفزع و مد أصابعه المرتعشة ليضغط على زر الاستماع : “عزيزي جاك .. انا روز .. موعدنا منتصف الليل” ..
تجمد عاهد بمكانه فكيف تعمل آلة الرد على الهاتف و هي غير موصله بالهاتف ! .. و لكنه استجمع شجاعته و فصل عنها التيار الكهربائي و هو يتنفس الصعداء , ولكنه و جد المصباح الأحمر الصغير ما زال يبرق بوتيرة ثابتة معلنا عن وجود رسالة جديدة ! .. انكمش عاهد بمكانه و قد تجمدت أوصاله من الرعب فكيف تعمل الآلة بعد فصل التيار الكهربائي . ثم حانت لحظه الرعب الحقيقية و عاهد يستمع لخطوات بطيئة … ثقيلة … مهيبة …
قال عاهد بصوت مرتفع وقد بلغ به الخوف مبلغه مستحيل أني اهذى … لا توجد خطوات .. أني أتوهم كل هذا …
و مع آخر كلماته تجمد عاهد بمكانه و هو يرى أمامه امرأة ترتدي فستان كلاسيكي و تعتمر قبعة رقيقة مزينه بالزهور و تبتسم ابتسامه عذبه و هي تقول له : ” لن نفترق أبدا يا عزيزي ” ..
ومدت يدها وتأبطت ذراه ببساطه من اعتاد ذلك , واتسعت عيناه بدهشة و حدق عاهد في حجرته بذهول , لقد اختفت معالمها و بدا له منزل قديم بأثاث عتيق الطراز. كان من الواضح انه يرى بعينيها أو أن ذكرياتها قد انتقلت له.
” موعدنا مع آخر دقات منتصف الليل يا عزيزي .. أنهم لن يستطيعوا إبعادي عنك وان لم نستطع الحياة معا فلنموت معا “
.. قالت روز هذه العبارة و هي تتأبط ذراع شاب وسيم يرتدى حله كلاسيكيه و قبعة عريضة الحواف . ورد عليها جاك قائلا ” إن لم تجمعنا الحياة فعزاؤنا أن يجمعنا الموت ” ..
وعند منتصف الليل تماما ارتقى جاك و روز برج المنزل و تقدما معا إلى الحافة و أمسكت روز يد جاك و اتفقا على العد سويا ثم يحلقا معا في نفس اللحظة .. و بدأت روز العد :
واحد
اثنان
ثلاثة
وألقت روز بنفسها من عل و نظرت إلى جاك و هي تتهاوى فوجدته منكمشا في مكانه و قد جبن عن اللحاق بها وهرب بسرعة وهو يلعن الجبن و الخوف ووجد أن غريزة حب الحياة و التشبث بها أقوى من الموت حبا.
وعندما وصل جاك إلى منزله وجد رسالة على آلة الرد على الرسائل من روز و هي تذكره بموعدهما : “عزيزي جاك .. أنا روز .. موعدنا منتصف الليل” .. انهارت مقاومه جاك و هو يبكى و يمد يده المرتعشة لمحو الرسالة من آلة الانسر ماشين .
ومر عام كامل و في اليوم الحادي و الثلاثين من ديسمبر وجد جاك رسالة جديدة مسجله فاتسعت عيناه من الفزع و هو يتذكر أنها نفس الرسالة التي قام بمحوها العام الماضي , فاليوم هو الذكرى السنوية لانتحار روز .
وفى أول أيام السنة الجديدة التف الجيران صباحا حول جثه جاك الملقاة في الحديقة بعد أن ألقى بنفسه من أعلى المنزل و لم يعرف احد الحقيقة التي اعرفها أنا ..
وها أنا أسير ورائها كالمأخوذ … المسحور … المسلوب الإرادة ..
وأنا متأبط ذراعها و أرى ابتسامتها الرائعة وها أنا ذا أغادر شقتي و اصعد الدرج
واصعد
واصعد
واصعد
واضع قدمي على الحافة و أتشبث بيدها واحلق في السماء …..
“انتحار صحفي شاب ألقى بنفسه من فوق البناية التي يسكن بها و لا توجد شبهه جنائية و لم يعرف سبب انتحاره” ..
مط مدير عاهد بالجريدة شفتيه و هو يبلغ احد المحررين بالجريدة بالخبر لإدراجه بصفحه الحوادث في أول يوم من أيام السنة الجديدة .
تاريخ النشر : 2015-04-21