من منا لم يشاهد القصة البدوية الملحمية للدراما الشامية الشهيرة والغنية عن التعريف “رأس غليص” . و التي اشتهرت لسنوات عديدة مع أنها دراما بدوية قديمة فكان لها نسختان . تم إنتاج النسخة الأولى في عام 1976م على مدار 13 حلقة وتأتي النسخة الثانية في عام 2006 م . وبالبحث نجد أن غليص شخصية حقيقية أردنية عاشت قبل ستين عاماً . وهو غليص بن رماح ، صاحب المثل الأشهر ( رأس غليص ) ، شيخ ابن شيخ ، و فارس ابن فارس . فلماذا يكرهه الجميع دون استثناء ؟ .
غليص بن رماح
غليص من أحد سكان أهل البادية المتواجدة في بلاد الشام . وهو ينتمي إلى قبيلة حرب أحد أعرق القبائل في تلك المنطقة آنذاك . تميز بأنه من الأشخاص الأقوياء والذي يمتلك ذكاء كبيرا . ويتميز بمراوغته وتحايله حيث كان دائماً يخطط للانتقام في قصة ثأر قديمة . وكانت شعبيته بين الناس وسكان أهل البادية غير جيدة وسمعته غير طيبة ولم يكن محبوباً بينهم .
نشأ غليص على يد والده الشيخ رماح ” شيخ القبيلة” . عُرِف عنه واشتهر على عكس ابنه بطيبة قلبه وحسن سيرته وبقناعته وحكمته وحنكته، وإجارته الملهوف والمكروب .
طفولة مريرة
في إحدى الأيام بمنتصف الليالي الباردة التجأ أحد الأغراب بعد أن اقترف ذنباً كبيراً إلى خيمة الشيخ رماح والد غليص . وبروح الأخوة والشهامة استقبله رماح بكل رحابة صدر فحماه وحباه كما هي عادة العرب . ولكن الرجال الذين يلحقون الرجل عرفوا أنه يمكث في بيت الشيخ الذي رفض بدوره رفضاً قاطعاً أن يسلمهم ضيفه . وبسبب رفضه اقتحموا بيته وقتلوا رماح والضيف المشؤوم أمام ناظري الطفل المسكين غليص الذي لم يبلغ عامه التاسع .
إقرأ أيضا : الذئب عند البدو بين المدح و الذم
ولصغر سنه خسر زعامة قبيلته لصالح عمه شقيق والده الأصغر . و مما ساعد في ثبات السيادة لعمه هو زواجه من زوجه أخيه رماح والدة غليص . سنوات الذل جعلت من الطفل غليص رجلاً عديم الرحمة و الشفقة ، و بات همه الوحيد ، الهروب من القبيلة ليثأر لوالده . و تحقق الهروب بمساعدة أحد الرعيان و اختفى غليص لمدة عشر سنوات . شب فيها عوده و عاد طالباً الثأر ممن ظلموا والده العزيز .
عودة الشيخ غليص بن رماح
على الرغم من قسوته ، إلا أن طباع النخوة و الكرم التي ورثها من والده رماح طُبعت في كيانه . فقرر جمع جيش مكون من المُطالبين بالدم و المنبوذين و من يطلبون جيرته و حمايته . فأجار و حمى ، و أكرم و أعطى ، و زاد عدد مناصريه حتى باتت لديه القدرة على أخذ الثأر لوالده .
الثأر
في البداية قام الشيخ غليص باستعادة حقه الشرعي من عمه في القبيلة . ويقال : بأنه وصل مضارب القبيلة بعد وفاة عمه ، فاستعاد مشيخة القبيلة بدون هدر أي دماء عزيزة . و لكن حتى تلك اللحظة لم يحقق غليص ثأر أبيه رماح فأخذ يجوب الأرض بلا سبب .
يقال بأن قاتل والده هو الشيخ رجب ( المصادر تختلف حول الاسم ) . الذي سارع بالهرب حالما علم بعودة غليص مع جيش ضخم . و تكفل غليص بحملات الثأر لكل من يقاتل معه كمكافئة لهم . فثأر لمقتل صديق له بإحدى الغزوات ، وأحرق الخيام “بيوت الشعر” و قتل رجال القبائل و سبى النساء . و أكمل طريق الثأر بين الصحارى وخصوصاً بعدما استجار إليه أحد الرجال وطُلب منه الثأر له لمن ظلموهُ . و بدأت وحشية غليص تظهر في كل غزوة ، وعاث بالأرض فسادًا . فما أن يدخل على أرض خصبة يحرق كل ما فيها، ويقال أنه عندما تنظر إليه ترى الشر في عينيه . أصبح هو بنفسه مطَالباً بالثأر ولديه أعداء كثر .
إقرأ أيضا :حيوان الشيب ! .. كابوس البدو والرعاة في الصحراء
و بحسب الروايات ، فإنه وصل إلى قاتل والده . و لكنه تفاجأ بعدد الرجال المقاتلين الذين يحرسونه و تحصين المضارب حساباً له . إضافة لوفاة قاتل أبيه وفاة طبيعية و تولي ابنه مشيخة القبيلة . فما كان له إلا الحيلة ، فتنكر في زي بائع جوال و بحث عن بيت كبير القبيلة و قتله غدرا و سبى زوجته . و أثناء هروبه ليلاً سقطت زوجة القتيل أرضاً و ارتطم رأسها بحجر فأغمي عليها . فظنها ماتت فتركها و أكمل رحيله ، و عند استيقاظها . جرت نحو القبيلة تصرخ و تطالب بالثأر لزوجها و سبيها ، وأعلنت اسم غليص علانية بعد أن عرفته .
اختفاء غليص
على مدار عدة سنوات ، حاولت الكثير من القبائل العثور على غليص ، و لكن ذكائه أنقذه في كل مرة . حتى اجتمعت قبائل العرب على خيمة غليص و وهجموا عليه ، و حتى حينها لم يظفروا به . و يقال بإنه كان برحلة صيد و عندما عاد ، أخبره أحد الرعيان بأن جيشه قد تقهقر و لم يتبق منه شيء . فعاد غليص أدراجه و اختفى حتى أشيعت وفاته في العام ١٩٦٩ في الأردن و لا إثبات حتى اللحظة .
ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس ، لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع ، وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .