روح هائمة
![]() |
كانت تشبه باقي الأطفال مازالت نظرتها طفولية |
الروح لا يعلم بأمرها سوي خالقها ، هذه القصة من وحي الخيال الغرض منها الترفيه والعظة .
بلحظة يمكن أن تتبدل الحياة إلى موت ، من عالم إلى عالم آخر ، ربما يصبح الأمر مرعباً للبعض وممتعاً للبعض الآخر ويبقى السؤال متى تلك اللحظة ؟ … هذا ما حدث مع بطلة قصتنا ، فلنتابع الآن .
عندما تشعر وكأنك هائم بين عالمين ، قلبك قابع بعالم و روحك بعالم آخر ، بينما جسدك لم يعد له وجود ، بالأحرى لم تعد لك سيطرة عليه وكأنه لم يعد ملكاً لك بعد الآن .
– أمي ، أنا هنا .. أمي .
كيف لا تستطيع سماعي ؟
– حسنا ، وقعي على تلك الأوراق سيدتي .
ذلك هو الطبيب يعطي أمي أوراقاً لا أدري ما هي بينما دموع أمي كادت أن تتلفها ، اقتربت لأنظر و يا ليتني لم أفعل ، إنهم يطلبون من أمي أن توقع على تلك الأوراق حتى يوقفوا الأجهزة التي تبقيني على قيد الحياة .
لعلكم تتساءلون ما الذي يحدث ومن أنا ، حسناً ، أنا أدعى ” بيسان ” في العشرين من العمر ، كنت أغادر المنزل مسرعة بعد مشاحنة كبيرة مع أمي ، ركبت سيارتي وأسرعت بها متجاهلة كل شيء حولي ، حتى تلك السيارة التي كانت تتقدم نحوي مطلقة صوتها لتحذرني ، كان قد فات الأوان ، اصطدمت سيارتينا ببعضما ، ولا أدري كيف رأيت جسدي حينها ، كان غارقاً بالدماء بينما كان الجميع يركض نحوه ، وكأني أنظر لشخص أخر يشبهني قد تعرض لحادث للتو .
ظننت أني قد فارقت الحياة حينها كما ظن الجميع ذلك ، لكني لم أذهب للنور كما يقولون أو أي شيء من هذا ، جسدي قابع بغيبوبة بينما أنا أكتفي فقط بالنظر إليه حتى حفظت ملامحه أو بالأحرى ملامحي ، شعر الأطباء بالملل من طول غيبوبتي التي ظلت لعام ، وجسدي الذي لا يستجيب لشيء وكأنه ليس به حياة ، ماعدا قلبي الذي يستمر بالخفقان ، أنه فقط يدق ويدق أليس هذا كافيا لهم ؟
ليس لهم الحق بمنعي من الحياة ، ليس لهم الحق بإعدامي ، مازلت علي قيد الحياة ، لم لا ينصتون إلي ؟ غرقت بدموعي التي لم يشعر بها أحد كما لم يشعروا بوجودي ، لا أدري لماذا أنا موجودة إن كان جسدي قد مات كما يقولون ، كيف يا بيسان ، كيف سيعلمون أني مازلت على قيد الحياة ، أنا فقط مجرد روح ، وهل هناك من البشر من يرى الأرواح أو حتى يستطيع سماعها ؟
أراها الآن ، أمي تخط بيدها التوقيع بعد محاولات ومحاولات من التوسل للأطباء قد باءت بالفشل ، إنهم يستمعون دائماً لتوسلاتها وتمر الأيام تليها الشهور ولا شيء يحدث ، ربما أنا بالفعل قد فارقت هذه الحياة كما يقولون ، كفى عناداً واستسلمي ، ظللت أردد تلك الكلمات لنفسي حتى أصدقها بالرغم من أن ذلك كان صعباً بالنسبة لي لكني قد مللت ، مللت من الجلوس و النظر لجسدي التي تخترقه المحاليل من هنا والأجهزة من هناك ، أشعر وكأني أعذبه فقط ، تركت أمي توقع الأوراق ودموعها تغرقها بينما قلبها يتقطع ، لا أدري كيف سمعت لوهلة دقات قلبها تتسارع وتتباطأ وكأنها تتألم ، إنها بالفعل كذلك ، فأنا ابنتها الوحيدة التي لطالما دللتها ، أحبتها وأحاطتها بجناحيها حتى تحميها من الأغراب ، لا زلت أذكر مشاجرتي الأخيرة معها قبل أن أتعرض للحادث ، كم أتمنى لو تستطيع سماعي حتى اعتذر منها .
تقدمت بخطواتي تجاه جسدي الذي وكأنه يرقد بسلام ، تحسست تلك الندبة علي رقبتي من الحادث ثم أمسكت يداي وكأني أودع نفسي ، ومعها تلك الحياة التي قد اعتدت علي كوني شبحاً فيها ، الأمر ليس بتلك الصعوبة ، فكونك شبحاً له مميزات أيضاً ، حسناً ما علينا ، أشعر وكأنني بدأت أحب الأمر ، ضحكت من تلك الفكرة حينها قاطعني دخول الطبيب وبعض الأشخاص معه ، تسللت من خلالي تلك الممرضة وبدأت بسحب المحاليل من يدي ، وذاك ينزع غطاء الأكسجين والأجهزة تتوقف بينما جسدي ساكن كما هو وكأنه لا يهتم بما يفعلون .
نظرت إلى يداي وجسدي قد بدأ بالاختفاء شيئا فشيئا ، أمسكت يد والدتي فوجدتها تنظر بجانبها وكأنها قد شعرت بي ، حينها قد اختفيت بالكامل .
بعد فترة ….
– ما هذا الصوت ؟ أين أنا ؟
المكان مظلم للغاية ، أشعر وكأنني في قبر ، حينها سمعت ضحكات فتاة صغيرة ثم تابعت قائلة :
– أنت بالفعل كذلك ، هيا اخرجي ، ألا تريدين اللعب قليلاً ؟
أشعر وكأنني بحلم ، ما هذا الذي بجانبي ؟ إنها عظام !! ، حينها صرخت لأجد تلك الفتاة قد سحبتني من يدي .
– لماذا تصرخين ؟ ربما يسمعك العامة .
– العامة ؟
– نعم ، أقصد الأحياء ، ألا تتذكرين؟ أنت ميتة .
– إذاً لقد كانوا على حق ؟ هكذا كنت أهمس لنفسي ، بينما تلك الفتاة لم تفهم ما أقصد فالتزمت الصمت ، جلست أمام شاهد قبري أتأمل القبور من حولي ، الأمر ليس مرعباً لتلك الدرجة ، ربما لأنني شبح ؟
– بماذا تهمسين ؟
لا شيء ، نظرت إليها أتمعنها فلم أر أشباحاً من قبل سواي ، حسناً وبأفلام الرعب ، ظننتها ستكون مثلهم شعرها يغطي وجهها لتخرج من قبر وتجرني إليه ، ما الذي أقوله ؟ ، لقد كانت تشبه باقي الأطفال مازالت نظرتها طفولية ، شعرها أسود و ينسدل على ظهرها ، ترتدي فستاناً جميلاً ، لا زالت تحتفظ بجمالها ، تبدو وكأنها بالخامسة من عمرها ، أشعر وكأني أن لامست يداها سأتجمد بدوري .
– أنت تدعين بيسان ، صحيح ؟ قالتها وهي تنظر لشاهد قبري .
– نعم ، وأنت يا صغيرة ، ما اسمك ؟
– أنا أدعى ” ليلى ” .
– جميلة كاسمك ، منذ متى وأنت ميتة ؟
لم تبادلني الرد بل أشارت فقط لشاهد قبرها ، تأملت التاريخ الذي وكأنه مر عليه دهر من عدم رؤيته ، لكنه لم يمر سوى عام فقط ، نظرت إليها فوجدتها جلست تتأمل المارة بحزن ، ظننت أنني قد أخطأت بشيء ما فذهبت إليها ، جلست بجانبها ثم بادرت بالاعتذار ، عم الصمت قليلاً لتبادر قائلة :
– أنا فقط أشعر بالاشتياق لأمي ، لقد كانت تستمر بزيارتي دائماً حتى اختفت منذ بعض الوقت ولم تعد تأتي ، نظرت إلى بعيون دامعة متابعة …
– ألم تعد تحبني ؟
ضممتها إلى متجاهلة أننا الآن أشباح نجلس بمقبرة والليل مخيم علينا ، إن عدت بالزمن لم أكن لأصدق أبدا أني سأمر بشيء كهذا ، تابعت …
– بالطبع لازالت تحبك ، ربما هناك شيء ما يمنعها .
صمتنا قليلاً حين بادرت قائلة …
– لم لا تذهبين أنت لرؤيتها ، تستطيعين فعل ذلك صحيح؟
– نعم ، لكني لا أعلم أين هو منزلي ، لقد انتقلوا لمنزل جديد ولم أعد أعلم أين هو ؟
– حسنا ، لا تحزني ، ستأتي والدتك قريباً.
جعلني ذلك الحديث أتذكر والدتي ، شعرت بالاشتياق لها كثيراً ، أتساءل كيف حالها الآن ؟
شعرت بنسمة باردة تأتي من داخل المقابر ، تحديداً من شاهد قبر يقبع بالخلف ، ما إن نظرت ناحيته أتعجب ذلك الصوت الذي يأتي منه ، كان أشبه بصوت رياح رغم أن الجو كان لطيفاً ، حتى شعرت بيد ليلى تتمسك بي وكأنها خائفة من شيء ما.
– ماذا بكي ؟ لم أنت خائفة هكذا ؟
– إنها تلك العجوز المشعوذة ، تستمر بإخافتي كل ليلة ، تخرج دائماً حينما أكون وحدي وتستمر باللعب بخصلات شعري وهي تبتسم ، إنها ترعبني .
نظرت إلي بابتسامة متابعة ..
– لكنك معي ، لهذا لن تأتي .
تابعت النظر قليلاً إليه متعجبة ، أشباح تخيف أشباح ؟ ذكرني الأمر بفيلم رعب رأيته من قبل ، عن شبح فتاة صغيرة كانت تخاف من شبح والدها الذي قتلها ، ربما تلك العجوز لم تكن تحب الأطفال بحياتها ، أو ربما كانت تغار من جمالهم ، لا أدري كيف واتتني تلك الفكرة ، فقد تذكرت لتوي فيلماً أيضا يشبه ذلك ، كانت مشعوذة تأكل الأطفال الصغار للحفاظ علي جمالها ، شيء بشع .
كم أشتاق للمنزل ولطعام أمي ، صوت التلفاز ، وذلك المنبه الذي كان يزعجني كل صباح ، على الأقل كان يشعرني أني على قيد الحياة ، خاصة عندما أحطمه ، ما هذه الحياة وما هذا العالم ؟
مرت أيام تلتها أيام أخرى ومازلت بالمقابر ، لم يحدث شيء ، لم أستيقظ لأجد كل هذا مجرد حلم ، ما ساعدني على تخطي الأمر هي ليلى ، كانت مرحة ، عفوية ، وكأنها سعيدة بوجود أحد معها يشاركها تلك الوحدة ، قررت الذهاب لرؤية أمي فقد اشتقت إليها ، كما اشتقت لكل شيء يذكرني بحياتي ، منزلي ، غرفتي … أمي .
حل الصباح وشعرت بأشعة الشمس على وجهي ، بالأحرى وهي تخترق وجهي ، لا يهم لقد كان شعوراً جميلاً ، شعور تملؤه الحرية ، غادرت متوجهة لمنزلي بينما تركت ” ليلى ” مستلقية وسط الورود بالحديقة وهي تتأمل الفراشات التي تحلق حولها ، اقتربت من منزلي وتباعدت خطواتي للداخل وأنا أتأمل أركان منزلي ، كم اشتقت إليه ، وهاهي والدتي تعد الغداء ، ليتني أستطيع تذوقه ، ماذا أفعل ، لقد كانت طباخة ماهرة و لا تزال ، ظللت اليوم بأكمله بالمنزل أراقب أمي تارة وأتسلل بالمنزل تارة وهكذا ، تناسيت تماماً أمر ” ليلى ” ، بالأحرى تناسيت أني الآن شبح لم أعد على قيد الحياة ، ودعت والدتي وتركتها وهي نائمة بينما عدت أدراجي للمقابر .
اقتربت خطواتي عائدة للمقابر حين سمعت أنين شخص ما ، نظرت فوجدت ” ليلى ” تناديني بنبرة بكاء و وجدت أمامها شخصا ما .
– أنت ، ابتعد عنها .
لقد كانت تلك العجوز التي حدثتني عنها ليلى ، كانت بشعة بثياب رثة ، ما إن رأتني حتى ركضت بين المقابر إلى أن اختفت ، ويبدو أنها استغلت غيابي لتخيفها ، اقتربت من ليلى وضممتها إلى محاولة تهدئتها.
– لا تبكي ، لن أتركك وحدك مرة أخري .
نظرت إليها بابتسامة متابعة :
– حسناً ، ما رأيك لو نبحث عن منزلك ؟ تشتاقين لوالدتك صحيح ؟
لم تبادلني الرد بل اكتفت بإيماء رأسها وهي تبتسم ، أتساءل هل هناك أشباح بتلك البراءة ؟ ، ظللت أذهب لأمي بأحلامها أطلب منها المساعدة لإيجاد منزلها ، فأنا شبح لا أستطيع تقديم شيء على عكسها ، شعرت أمي بالفضول من كثرة أحلامها تلك فقررت الذهاب للمنزل الذي أريته لها بمنامها ، وبالفعل ذهبت هناك .
بينما سبقتها أنا وليلى ، أراها الآن تنزل من السيارة وهي تنظر للمكان بتعجب ، أنه نسخة عن الذي شاهدته بالحلم ، اقتربت لتدق الباب، لحظات وخرجت فتاة صغيرة .
– مرحبا يا صغيرة ، أين والدتك ؟
ركضت الفتاة بالداخل بينما خرجت والدتها للحديث مع أمي .
– مرحبا ، أريد السؤال عن شخصاً ما كان يسكن بهذا المنزل ، أنه يدعي
– نعم ، لقد اشترينا هذا المنزل منه ، هل أنتيقريبة لهم ؟
شعرت أمي ببعض الغرابة ، يبدو أن حلمها هذا ربما رسالة مني أو شيء من هذا ( هكذا كانت تحدث نفسها ) حتى شعرت تلك المرأة ببعض الغرابة من صمتها فقاطعت شرودها متابعة …
– هل هناك شيء ما ، سيدتي ؟
– نعم ، أتساءل لو تعلمين مكان منزلهم الجديد ؟
صمتت المرأة قليلاً تفكر ثم سارعت قائلة :
– لدي فقط رقم هاتفهم ، انتظري سأحضره لك
.
أخذت أمي رقم الهاتف ثم غادرت بينما سبقتها أنا وليلى للمنزل .
– أهذه غرفتك ؟
– نعم ، هل تعجبك .
– إنها جميلة ( قالتها وهي تركض هنا وهناك بينما اكتفيت بالضحك عليها ) .
نظرت من نافذة غرفتي فوجدت أمي قد وصلت ، ما إن دخلت غرفتها حتى أمسكت الهاتف واتصلت بهم ، ظلت تتحدث معهم قليلاً ثم وجدتها تكتب العنوان بورقة ، نظرت إلى الورقة ثم إلي ليلى التي برز خداها من كثرة الابتسام ، كم هي مضحكة .
ودعت والدتي بقبلة على خدها بالرغم من أني أعلم أنها لن تشعر بها ثم غادرت أنا وليلي إلى ذلك العنوان ، لقد كانت ليلى متحمسة وكنت سعيدة لأجلها ، أخيراً وصلنا للعنوان ، كان منزلا قديما وصغيرا ، لا أدري هل كان العنوان صحيح أم ماذا ؟ ، تسللت خطواتي للداخل بينما أمسك بيد ليلى لأجد رجلاً يجلس على كرسي وعلى وجهه علامات الحزن ، أفلتت ليلى يدي ووجدتها تركض تجاهه ، يبدو أنه والدها ، كان يبدو مألوفاً لي ..
كان ممسكاً بعدة أوراق ويتحدث بالهاتف .
– أريد فقط اقتراض بعض المال ، أرجوك أنا بحاجة إليه .
أغلق الهاتف بعصبية ثم ألقاه بعيداً بينما يحبس دموعه ، نظرت إلى تلك الأوراق أتفقدها فوجدتها فواتير مشفى ، نظرت بجانبي فلم أجد ليلى ، تسللت للغرفة المقابلة لي فوجدتها تجلس بجانب امرأة نائمة ويبدو عليها التعب كثيراً ، علمت الآن لماذا لم تستطع زيارة ليلى ، لقد كانت تصارع المرض ، ويبدو أنهم قد باعوا منزلهم واشتروا هذا المنزل الصغير من أجل علاج والدتها .
ظللت أتأمل تلك الصور بجانبها ، كانت ليلى سعيدة بها و بجانبها والداها ، لم أشعر وكأني رأيتهم من قبل ؟ لكن أين ؟ .
– لا ، مستحيل .
تذكرت الحادثة لقد رأيت والدها يقود السيارة المواجهة لي ، هل أنا السبب بموت ” ليلى ” ، نظرت إليها بينما دموعي انهمرت كالمطر ، خرجت مسرعة تاركة ليلى بالمنزل ، شعرت كأني أحتاج للصراخ ، احتاج أن اخرج ذلك الألم الذي استولي على قلبي ، أنا السبب بما يحدث لتلك العائلة ، أنا السبب بموت” ليلى ” وأبعادها عن والدها ، أنا السبب بوحدتها وسط القبور .
شعرت بيد تمسك بيدي ، لقد كانت ” ليلى ” دفعتها بعيداً عني وأنا أصرخ بها …
– ابتعدي عني .
ملامحها وكأنها قد شعرت بالخوف مني ، عادت لمنزلها وهي تبكي بينما تأنيب الضمير كان يقتلني ، عدت لمنزلي عازمة ألا أراها مرة أخرى ، لقد وجدت ما كانت تبحث عنه ولم تعد بحاجة إلي ، يكفيني ما أنا به
.
مرت أيام وأنا أعاند تفكيري وقلقي على ” ليلى ” ، أتصرف وكأني لا أعرف أحداً بهذا الاسم ، كنت قلقة من أن تكون قد عادت للمقابر بحثاً عني وأصابها شيء ، أو قد تكون بحاجة إلي ، غادرت وظللت منتظرة خارج المنزل قليلاً ، كان الصمت يخيم على المكان .
تسللت للداخل تحديداً لغرفة والدة ليلى فوجدتها هناك ، كانت تجلس بجانب والدتها بينما والدها يجلس بزاوية الغرفة يراقب زوجته بعيون دامعة ولم يشعر بأن طفلته معهم بالغرفة ، لمحتني ليلى فنظرت إلى ثم أدارت وجهها لوالدتها متجاهلة وجودي ، اقتربت منها وأنا أتلمس خصلات شعرها بينما أزاحت يدي متابعة :
– دعيني وشأني .
– سامحيني ، لم أقصد ما فعلته بك .
لا أدري أكنت أعتذر عن الصراخ عليها أم لأني من كنت السبب بموتها ؟
لم تبادلني الرد بل ظلت صامتة فشعرت بأن وجودي غير مرحب به فهممت بالمغادرة إلى أن وجدتها تمسك يدي بابتسامة جعلتني أشعر بالخجل من نفسي ، شعرت وكأني أقتل القتيل وأسير بجنازته كما يقولون، حتى لو كان بغير قصد ، ما حدث قد حدث والزمن لا يستطيع إعادة نفسه .
استسلمت لذلك الصراع بداخلي ، فليحدث ما يحدث ، جلست أنا وليلى بزاوية مقابلة لوالدتها ، بينما كانت تستيقظ كانت ليلى تجلس بجانبي تكتفي فقط بالنظر إلى والدتها ، حين شعرت وكأن والدتها تنظر إلي وإلى ليلى وتبتسم ، طردت تلك الأفكار من عقلي فلا يمكن أن تشعر بوجودنا حتى تحقق ما كنت أخشى منه ، وجدت والدتها تمد يدها ناحية طفلتها ، بينما ليلى تنظر إلي بتعجب .
– ليلي ، أهذه أنت يا صغيرتي ؟ قالتها وعيناها تغرق بالدموع.
نظرت إلى ليلى التي اقتربت بدورها من والدتها وهي تلامس يداها متابعة :
– تستطيعين رؤيتي يا أمي ؟ .
– نعم يا صغيرتي .
علمت بتلك اللحظة شيئاً ما ، شيئاً لم أكن أبدا لأخبر ليلى به ، فكيف سأخبرها أن والدتها تحتضر الآن ؟ ، تركتها وهي تضم والدتها بينما انتظرت خارج الغرفة ، فلم أر أحداً ما يحتضر من قبل ولا أظن أني سأستطيع.
لم يمر سوى قليلاً من الوقت حتى سمعت بكاء من بالداخل ، بينما كانت ليلى تنظر بتعجب لوالدتها التي أصبحت مجرد جسد بلا روح ، انتظرت كثيراً حتى تخرج ليلى ، لكنها لم تفعل ، شعرت بالقلق عليها فجذبني فضولي لأدخل الغرفة لكنها لم تكن هناك
بحثت عنها كثيراً فلم أجدها وازداد قلقي ، أين ذهبت ؟ هل حدث لها شيء ؟ ، حسنا ما الذي سيحدث إنها شبح ، حاولت تهدئة نفسي قليلاً وذهبت لانتظارها بالمقابر ربما ستأتي ، انتظرت كثيراً حتى شعرت بالملل ، ما إن شردت قليلاً حتى سمعتها بجانبي :
– ذهبتِ سريعاً .
– أين كنتِ ؟ لقد شعرت بالقلق عليكِ .
– لا تقلقي أنا بخير ، سكتت لبرهة ثم تابعت ، لقد جئت لأودعك .
– تودعيني ؟ تابعت بتعجب ، لماذا هل ستغادرين لمكان ما ؟
– لا ، بل أنت من ستغادرين .
ضحكت بسخرية من قولها لكن ملامحها الجادة جعلتني أتوقف ، جلست بجانبي ثم تابعت الحديث قائلة :
– هل تتذكرين الحادثة ؟ أنا من كنت بالسيارة الأخرى ، أنا وأمي وأبي ، ما بين ليلة وضحاها وجدت نفسي هنا ، بين المقابر ، شعرت بالكراهية تجاهك لأنك السبب بما حدث فأردت أن تعيشي بعالمي لأنتقم منك .
كانت تتابع حديثها بينما أنا متعجبة مما أسمع :
– لقد ساعدتني كثيراً ، ولم أعد أحمل أي كره تجاهك ، لقد أوهمتك أنهم يفصلون عنك تلك الأجهزة حتى أستطيع إحضارك إلى هنا ، لكن يبدو أن الأمر سيتحقق بالفعل .
– ماذا ؟ ما هذا الذي تتحدثين عنه ؟
لم تبادلني الرد بل أمسكت يداي متابعة :
– بالرغم من أني سأشتاق إليكِ ، لكن يجب عليكِ العودة الآن .
– أشعر وكأن الأرض تدور بي ، ما تلك الأصوات ؟ لا أستطيع التنفس .
– ضعوا القناع سريعاً ، أعيدوا الأجهزة .
– أمي .
كانت أمي وهي تركض نحوي أخر شيء رأيته ، لا أدري أكان حلماً أم ماذا ؟
– ما هذا الصوت ، إنه يعلو ، يبدو وكأنه صوت جهاز لضربات القلب ، أين أنا ؟
– أنتِ بالمشفى يا عزيزتي .
– أين ليلى ؟
– ليلى من ؟
تأملت حولي أنا بالفعل بالمشفى وأمي تجلس بجانبي ، والأطباء من حولها ينظرون إلي بتعجب ، لعلكم تتساءلون لماذا ؟ ، استيقظت بعد لحظات قليلة من فصل الأجهزة عني ، هل كل هذا كان حلماً ؟ ، لا أدري .
أجمع الأطباء على أني بخير لكن للاحتياط ظللت بضعة أيام ، حملت ما كان لي بغرفتي التي بالمشفى ، ساعدتني أمي ثم غادرنا ، نظرت لسيارتي التي كانت تنتظرني بالأسفل ، بعض الإصلاحات وقد عادت جديدة ، تولت أمي القيادة بينما لم أكن أشعر بالارتياح بها ، فهي تذكرني بما حدث .
وصلت أخيراً لمنزلي ، كم أشعر بالاشتياق إليه وإلى غرفتي، دخلت غرفتي التي كانت مرتبة ، ظللت أنظر إليها بتأمل وكأنني أعيد حفظ هيئتها ، سريري وحاسوبي والمرآة ، كنت قد نسيت شكلي تماماً ، تحسست بتعجب تلك الندبة على رقبتي ، أنها من الحادث لكني قد رأيتها من قبل ، كيف إذا كان مجرد حلم ؟ سمعت أمي وهي تناديني للغداء ، كم أنا جائعة ، وأخيراً سآكل شيئاً بدلا من تلك المحاليل ، كانت المائدة مجهزة بكل شيء أحبه ، بدأت بتناول الطعام وأنا أنظر لأمي التي تعلو ابتسامتها على وجهها من رجوعي ، قاطعتني متابعة :
– هل تعلمين ؟ لقد كنت أراكِ بمنامي كثيراً .
كنتِ تحدثيني عن فتاة أسمها ليلى .
هنا شعرت وكأن الطعام قد وقف بحلقي ولم أعد أستطع التنفس ، ماذا هل سأستيقظ مرة أخرى وأجد نفسي مجرد شبح كان يحلم ؟ هذا ما كان ينقصني .
بدلت ملابسي واستأذنت من أمي للذهاب قليلاً للخارج ، ركبت سيارة أجرة بالرغم من وجود سيارتي ، لكني أخشي أن يتكرر الأمر مرة أخري ، ربما أصبحت عقدة لدي ، لا أدري .
توقف السائق أمام المقابر ، المكان الذي أشعر وكأني قد حفظت أركانه شاهداً شاهد ، تسللت خطواتي بين القبور لأتوقف عند واحد منهم ، قد كتب عليه ” ليلى ” ، ابتسمت بسخرية وأنا أتأمل تلك الأشجار التي كنت قد اعتدت على الجلوس أسفلها ، ذلك النسيم الذي كان يداعب وجهي ، شعرت بنسيم يتسلل ليدي ، نظرت بجانبي فوجدتها ليلى كانت تمسك يدي برفق .
– هل اشتقتِ إلي ؟ قالتها وهي تنظر بابتسامة أمامها .
ابتسمت بدوري متابعة :
– إذاً ، هل كان حلماً أم ماذا ؟
– شيء من هذا القبيل .
– هل ستكونين بخير ؟
– نعم ، أمي معي الآن لهذا لن تزعجني تلك العجوز مجددا ( قالتها وهي تضحك ) .
– هل ستأتين لزيارتي مجدداً ؟.
جثوت على قدماي وأنا أضمها كمن يضم الهواء بيديه ، تابعت بنبرة يملأها البكاء :
– بالطبع يا صغيرتي ، سآتي دوماً .
ضحكت متابعة :
– سأرحب بك بأي وقت هنا ، مكانك موجود .
أغمضت عيني والدموع تتسلل منها قائلة :
– سأشتاق إليكِ كثيراً .
فتحت عيني لأجدها قد اختفت ، ظللت لوهلة استرجع ذكرياتي التي كانت تجمعني بها هنا ، لقد كانت حياتي وأنا شبح ممتعة أكثر من تلك التي أحياها ، كم تضحكني تلك الأفكار ، لكن يكفي وجود أمي إلى جانبي ، هي من تجعل لحياتي معنى ، كان بإمكان” ليلى ” أن تستمر بانتقامها لو لم تعيدني وكان الأمر ليصبح حقيقة لكنها لم تفعل ، كم سأشتاق لضحكاتها ، هممت بالمغادرة حين تراءى لنظري شاهد العجوز ولحسن حظي ولسوء حظها كان هناك فأسا أسفل الشجرة المجاورة ، أمسكته وحطمت شاهدها المتهالك حتى أصبح حطاماً ، غادرت بابتسامة متابعة :
– ارقدي بسلام يا صغيرتي .
شعرت وكأني خرجت من تلك الحادثة بحياة جديدة ، قلب جديد وروح جديدة ، وأيضاً صديقة جديدة ، تعلمت وكأن حياتي يمكن أن تنتهي بلحظة ، لأصبح ما بين ليلة وضحاها بماضي كان ، لهذا لا تستحق الحياة أن احزن أو أتشاءم أو حتى أتشاجر مع أحد ربما تكون تلك أخر لحظاتي ، ظللت أتردد على زيارتها ، لكني لم أعد أراها أو أشعر بها بالجوار ، أراها فقط بأحلامي ، يبدو أنها قد تحررت من كونها شبح وذهبت لعالم آخر حيث السعادة ، بلا وحدة و بلا حزن و بلا أشباح مخيفة ، ولم تعد مجرد روح هائمة .
” النهاية “
تاريخ النشر : 2017-09-01