قتلة و مجرمون

روس أولبريخت: قصة إمبراطور السوق السوداء في الإنترنت المظلم

في عام 1991، شهد العالم تحولاً تاريخياً مع تحول الإنترنت إلى واقع متاح للجميع، وبحلول عام 1993، بدأ الناس في استكشاف هذا العالم الجديد. رغم غياب منصات مثل فيسبوك وتويتر التي نعتمد عليها اليوم، إلا أن تلك الأيام الأولى للإنترنت كانت مليئة بالسحر والجاذبية.
ومثل كل اختراع عظيم، كان للإنترنت وجه آخر، غامض ومخفي، يُعرف بالإنترنت المظلم. هذا الجانب لا يخضع لقوانين الدول أو الأخلاق العامة، وهو مكان يُتاجر فيه بكل ما هو غير متوقع ومحظور، من الأسلحة والمخدرات إلى الأعضاء البشرية والمواد الإباحية الشنيعة، وحتى القتلة المأجورين والعبيد!
وفي هذا العالم الخفي، برز رجل أصبح يُعرف بـ”بابلو الإنترنت”، مقارنةً ببابلو إسكوبار، ملك المخدرات الشهير. لم يكن دافعه المال فقط، بل كان يحركه مبدأ يؤمن به بشدة.. الحرية الشخصية والحق في اتخاذ القرارات دون تدخل الدولة، خاصةً فيما يتعلق باستهلاك المخدرات.
هذا الرجل هو روس أولبريخت، الذي أسس أول إمبراطورية داخل الإنترنت المظلم من شقته الصغيرة، مغيراً بذلك مجرى التاريخ الرقمي.

نشأة روس أولبريخت

ولد روس أولبريخت بالسابع والعشرين من مارس لعام 1984 بولاية تكساس الأمريكية لعائلة ذات أوضاع مادية ممتازة. عاش طفولة سعيدة وتخرج من جامعة تكساس بعمر 22 سنة بقسم الفيزياء، كما أنه أكمل تعليمه لاحقا وحصل على شهادة بعلم برمجة المواد والهندسة وعلم البلورات.

blank
روس أولبريخت

خلال فترة دراسته تبنى الفكر الأغوري أو Agorism، وهو فكر اقتصادي ليبرالي يهدف لإنشاء سوق حر بالكامل يباع ويشترى فيه كل شيء، حيث أن حياة الناس محكومة بالاقتصاد فلا بد أن يحصل الجميع على ما يشاؤون متى يشاؤون.

وبالطبع فإن هذا الفكر معادٍ للأنظمة، ويهدف لتدمير أي سلطة بالمجتمع غير سلطة الاقتصاد الحر، فكل شيء في السوق ولا شيء فوق السوق.

روس أولبريخت مع عائلته
روس أولبريخت مع عائلته .. كان شابا عاديا!

عموما، فإن روس اقتنع بهذه الأفكار وتبناها، وكان ينشرها بجامعته. وحينما كان يناقشه زملائه عن خطورة هذه الأفكار كان يرد عليهم أن السيارات تقتل الملايين سنوياً وتباع بالعلن، وأن الوجبات التي يبيعها ماكدونالدز تسبب السكر والسمنة والجلطات ومع ذلك تباع بالعلن فلماذا تمنع أمور وتباع أخرى؟

ظل روس مؤمنا بالأغورية طيلة حياته، وحينما تخرج من الجامعة قام ببناء عدة مشاريع لكنه فشل فيها لأنه لم يأخذها بجدية، فأصبحت حالته المادية تزداد سوءا يوما بعد يوم، خاصة أن عمله بمتجر الكتب الصغير لم يكن يدر له أي ربح، بل إن عشيقته جوليا بدأت تشتكي من تلك الأوضاع، خاصة وأنه كان يجلس معظم يومه أمام شاشة الحاسوب يناقش على المنتديات الفكر الأغوري بدلاً من البحث عن وظيفة أفضل.

بداية المشروع

أثناء إحدى النقاشات بالعام 2007 على أحد المنتديات سمع روس بالإنترنت المظلم وبدأ يتصفحه، فأثار إعجابه بشدة. ففي الإنترنت المظلم لا يوجد قيود ولا قوانين ولا رقابة، ومن شبه المستحيل معرفة هوية الشخص الحقيقية، وهو أمر كان موجودا بالإنترنت العادي سابقاً، لكنه فُقد بعد أن زادت سطوة الحكومات على الإنترنت.

وهنا انفجرت الفكرة برأسه! ماذا لو كان هناك موقع على الإنترنت المظلم مثل Ebay يبيع كل شيء لأي شخص؟ سوق حر بلا قوانين ولا أنظمة ولا قيود يمكن للفرد شراء وبيع ما يريد بلا أي رادع؟ كانت هذه الفكرة ممتازة ولم يتم تطبيقها سابقاً على الإنترنت المظلم، كما أنها ستحل مشاكله المادية.

لكن المشكلة في تلك الفكرة هي المال، كيف سيدفع الزبائن المال؟

رغم أنه من شبه المستحيل تتبع الشخص ومعرفة هويته بالإنترنت المظلم، إلا أنه من السهل تتبع الحوالات المالية، لأنها تخرج من حسابات بأسماء محددة مربوطة بهويات رسمية. وبالتالي لن يستطيع البائع أو المشتري الحفاظ على هويته وسيتم القبض عليه بسهولة.

وهنا ماتت الفكرة، لكنها عادت للحياة بالعام 2010 مع بدء انتشار عملة البتكوين، والتي كانت مناسبة جدا للإنترنت المظلم حيث أنه من شبه المستحيل تتبع مصدرها وحوالتها. ورغم انه لم يملك أي خبرة بالبرمجة، إلا أنه بدأ يدرسها ويدرس الأكواد، وبمساعدة من الإنترنت والكتب والعمل الجاد تعلم روس أولبريخت ما يكفي لإنشاء موقع على شبكة تور Tor والتي تعرف أنها أفضل شبكة بالإنترنت المظلم.

blank
البيتكوين: عملة من المستحيل تتبعها

وخلال الشهور التالية كان يعود من عمله ويجلس في غرفة نومه أمام شاشة الحاسوب لساعات طويلة يبني موقعه. ولم يكن يستريح إلا ساعتين باليوم ليشاهد مسلسلاته المفضلة مثل مسلسل Breaking bad والذي كان يحكي عن معلم كيمياء امتهن صناعة وتجارة المخدرات بدافع الحاجة. وبالطبع لم يخبر روس أي أحد بمشروعه سوى عشيقته جوليا والتي وثق بها.

blank
شعار شبكة تور

وأخيرا، وبعد عام كامل من العمل الطويل الشاق تمكن من بناء الموقع لكن المشكلة بقيت بالتسمية.. ماذا سيكون اسم هذا الموقع؟ فكر لفترة طويلة حتى وجد أفضل اسم لهذا الموقع ألا وهو Silk Road أو طريق الحرير.

هذا الطريق عُرف بأنه أقدم وأطول طريق تجاري بالعالم، استخدمه التجار الآسيويون لنقل بضائعهم لأوروبا، واستخدمه الأوروبيون لنقل بضائعهم لآسيا. ولطالما كان هذا الطريق محمياً بقوانين عرفية لدرجة أن المغول الذين قاموا بإبادة 10٪ من البشرية لم يقوموا بتدميره أو منع أي شخص من استخدامه أو أي بضاعة من مروره، كما أن هذا الطريق كان الطريق الذي عرّف شعوب العالم على المخدرات التي تأتي من آسيا.

أما بالنسبة لشعار الموقع، فقد اختار الجمل وراكبا يرتدي لباساً شبيها بالكوفية لأن الجِمال كانت أكثر حيوان يستخدم من قبل التجار. وقام بوضع قائمة بكل المخدرات المعروفة المعروضة لديه وصنفها حسب أسمائها وأنواعها، وأصبح الموقع رسميا على الإنترنت المظلم.

blank
اختار روس أولبريخت الجمل وراكبا يرتدي لباساً شبيها بالكوفية شعارا لموقعه

حينما قام روس بإنشاء الموقع واجه مشكلة، وهي أنه لم يكن لديه شيء للبيع حتى ذلك الوقت، كما أن الموقع لم تأتيه أي زيارة حتى يعرض الناس بضاعتهم. لكن وعلى عكس مشاريعه الأخرى، فقد كان جاداً بهذا المشروع لدرجة أنه قام بتأجير مستودع على أطراف تكساس واستخدمه لزراعة الفطر السحري وعرضه على الموقع للبيع. لكن.. وبعد مرور أسابيع لم تأتِ أي طلبية، وهو أمر منطقي للغاية. فإذا كان النصب على الإنترنت العادي أمرا منتشرا رغم القوانين وإمكانية معرفة هوية النصاب، فمالذي يجعل الإنترنت المظلم أفضل حيث لا توجد أي قوانين؟! مالذي يضمن للمشتري أن الموقع حقيقي؟

بعد عدة أسابيع لم يشتر أي أحد شيئاً منه، لذلك قام بالإعلان بشكل غير مباشر على منتديات المخدرات الأمريكية، حيث أنه أصبح ينشر بأنه زبون مهتم بشراء مخدر الفطر السحري من هذا الموقع، ويسأل إن جربه أحد ما سابقا، وقد نجحت الفكرة وبدأ الناس بالشراء وبدأ الموقع يزدهر.

blank
صفحة من أول سوق سوداء في الدارك ويب.. السيلك رود

كان روس يقوم بتغليف الطلبات باستخدام أدوات المكتبة، ويطبع عليها شعار الموقع من طابعة المكتبة، ويرسلها بظروف الكتب للبريد ومن البريد لمنزل المشتري. وكان هذا النظام ناجحا جدا فمن الذي يفتش شحنة أتت من مكتبة؟

نتيجة لذلك أصبح لموقعه سمعة عالية جدا فقد كان أول موقع من نوعه والأفضل. ومع الأيام بدأت أعداد الزبائن بالازدياد لدرجة أن روس أصبح مضطرا لتغليف شحنات جديدة يومياً، وكان يحصل على مئات الدولارات بشكل يومي من بيع الفطر السحري.

ومن حيث يأتي الزبائن يأتي الباعة، فأصبح تجار المخدرات من جميع أنحاء أمريكا يبيعون مخدراتهم على الموقع، وكان روس يأخذ نسبة 6.23٪ من مبيعاتهم عمولة للبيع. ونتيجة لذلك قام روس أولبريخت ببناء نظام لتقييم بضاعة البائع، حيث يمكن للمشتري أن يقيم بضاعة البائع من خمس نجوم!

كانت تلك الأيام أسعد أيام حياته، وخلال مدة قصيرة سدد كل ديونه.. بل إنه أصبح ثريا رغم أن عملة البتكوين بذلك الوقت كانت مجهولة لمعظم الناس وتحويلها لنقود حقيقية أمر بالغ الصعوبة.

شهرة الموقع

استهل روس أولبريخت البيع في الموقع بالفطر السحري وهو مخدر نباتي معروف وسهل الزراعة. لكن ومع توافد الباعة أصبحت جميع أنواع المخدرات متوفرة، بل إنه اضطر لبناء قسم جديد، لأن هناك باعة عرضوا مخدرات لم يسمع بها أحد من قبل، كما أن بعض المستخدمين سجلوا من دول أخرى مما يعني أن الموقع وجد طريقه للعالمية.

وأصبح البائع هو الذي يُعنى بموضوع النقل، لذلك فإن روس توقف عن بيع المخدرات بشكل شخصي، وأصبح كل عمله هو تصحيح أخطاء وأعطال الموقع، وهو عمل شاق وخطير جدا خاصة بالنسبة لرجل غير متمكن من لغات البرمجة. فنحن هنا نتحدث عن موقع يبيع المخدرات فحرف واحد خاطئ بالكود وينكشف كل شيء!

لم يكن لدى الحكومة الأمريكية أي علم عن هذا الموقع، لكن ومع الأيام تم القبض على مئات المدمنين حول أمريكا، وحينما تم استجوابهم عن البائع الذي اشتروا منه هذه المخدرات جميعهم أجابوا بالإجابة ذاتها..”طريق الحرير”.

اكتشفت الحكومة الأمريكية الموقع حينها، لكنها لم تستطع أن تفعل أي شيء، لأن الموقع يعمل على شبكة “تور” وهي شبكة من شبه المستحيل اكتشاف هوية الشخص فيها.

وبدأت حينئذ الصحف والقنوات الإعلامية تكتب عن سيلك رود أو طريق الحرير والذي يُعد أول موقع انترنت للسوق السوداء. وازدادت شهرة الموقع أكثر، وأصبح مدخول روس يقدر بألوف الدولارات يوميا.

blank
أصبح مدخول روس أولبريخت من موقع سيلك رود يعود عليه بآلاف الدولارات


كما أن بعض الباعة بدأوا ببيع أسلحة ممسوحة الأرقام التسلسلية، ولا يعرف صاحبها أو مالكها. وامتلاك مثل هذه الأسلحة يعد جريمة بأمريكا. لكن روس لم يرفض الموضوع لأن الأمر أقل من عادي، حيث أن امتلاك السلاح هو حرية شخصية للفرد وهو أمر لا يتعارض مع مبادئ الأغورية.

على شفا حفرة من الاعتقال

بدأت جوليا بالجدال مع حبيبها روس بشأن الموقع، وطلبت منه إغلاقه قائلة له أن هذا الموقع مؤذٍ وإن تجار المخدرات هناك يبيعون بضاعة رديئة قد تؤدي لقتل الإنسان حتى بجرعات خفيفة.

رد عليها أن هناك نظام تقييم، وإن التاجر الذي يحصل على تقييم سيئ من الزبائن لن يشتري منه أحد مجدداً.
فردت عليه حينها “كيف يقومون بتقييم التاجر إن كانوا ميتين؟”

عموما وبعد أن بدأ الموقع يبيع الأسلحة وصل الجدال بينهما لمرحلة الصراخ، وقد ترجته جوليا أن يفكر بضمير قائلة له: “من الذي يرغب بشراء سلاح بشكل مجهول؟” ناهيك أن هذه الأسلحة ممسوحة الأرقام وهي عادة ما تستخدم من قبل المجرمين والقتلة المأجورين.

إلا أن روس أولبريخت أصر على أن الأمر عادي جدا، وبدأ يجادلها عن المبادئ الأغورية، وأن الحكومة ليس لها الحق بمنع أي مواطن من امتلاك سلاح غير قابل للتتبع.

خرجت حينها جوليا غاضبة من الشقة، وذهبت إلى صديقتها “إيريكا” وأخبرتها بكل شيء، وهنا أدرك روس أن أكبر خطأ يرتكبه الرجل هو أن يقول سره لامرأة حتى لو كانت عزيزة عليه.

فبعد أن أخبرت جوليا إيريكا، دخلت الأخيرة للموقع واشترت بعض المخدرات ولكنها أسعفت للمشفى بعد استهلاكها بسبب أخذها جرعة زائدة. وبعد أن خرجت أتت إلى شقتهما ودخلت بقتال معهما لدرجة أن روس اضطر لطردها خارج الشقة.

بعد عودة إيريكا إلى منزلها نشرت منشورا على حساب الفيسبوك الخاص بروس قائلة فيه: “أنا متأكدة أن السلطات ترغب بمعرفة موقع المخدرات الذي يديره روس أولبريخت”

عند رؤية روس للمنشور انهار وبدأ بالبكاء. لقد كانت ألوف الأفكار تتخبط بذهنه، فمن جهة عرف أنه أخطأ وأخبر امرأة بسره، ومن جهة أخرى فإن المرأة هي عشيقته وقد خانت ثقته. لقد كان أمرا مرعبا، فبمجرد ما إن يرى أي شخص هذا المنشور سيتم القبض عليه! فقام فورا بحذفه من حسابه، واتصل عليها يبكي ويترجاها ألا تقول لأي أحد عن هذا الموقع وقد وعدته فعلا بذلك.

بعد أن تخطى الأزمة، دخل بشجار عنيف مع عشيقته جوليا لأنها خانت الثقة وأخبرت صديقتها عن الموقع، وتعالى الصراخ بينهما فقامت الأخيرة بتخييره بين الموقع وبينها، فاختار روس الموقع وتركها.

الوحدة والمال

خلال الأيام القادمة، ظل روس خائفاً مرعوباً مما جرى. ماذا لو رأى شرطي هذا المنشور؟ ماذا لو تم إبلاغ أي أحد عنه؟ كيف سيعرف من قام برؤية المنشور؟ كل هذه الأسئلة أنسته حقيقة أنه أضحى مليونيرا، ومع المال لا يوجد متاعب ولا قلق. وبمجرد أن تذكر هذه الحقيقة سافر لتصفية ذهنه وإزالة خوفه.

قام بالسفر وزار عدة دول، وشارك بعدة احتفالات ثقافية من باب الترفيه. وخلال تلك المدة كان روس يدير الموقع عن طريق شبكة الانترنت الخاصة بالمقاهي العامة. وكان دوما يجلس في زاوية لا يوجد فيها كاميرا مراقبة ولا يمكن لأحد أن يمر من خلفه ليرى ما يجري على الشاشة. كما أن مهارته بالبرمجة تطورت، فقام ببرمجة حاسوبه بحيث أنه يستطيع إيقاف تشغيل الشاشة بضغطة زر.

كان من الواضح أن مخاوفه لم تختف بل زادت، خاصة حينما قام بالاستقرار والتنقل بين دول آسيوية تعاقب تاجر المخدرات بالإعدام بشكل مباشر دون أي إمكانية لتخفيف الحكم. فلو تم الإمساك به في تلك الدول فتلك هي النهاية.

لكنه تشجع واستمر، خاصة أن تلك الدول نامية وكان الانترنت فيها شيئا حديثاً، ولم تعرف الحكومات كيف تقوم بمراقبته.

ومع انتشار الموقع وزيادة الزيارات بدأت تظهر الأعطال فيه، وأصبح قراصنة الانترنت او “الهاكرز” يقومون بالسرقة منه. بل إن أحدهم قام بتهديده قائلاً له أنه عرف هويته وسيبلغ الشرطة عنه إذا لم يدفع له المال. لم يكن روس أولبريخت متأكداً من حقيقة التهديد، ولم يكن لديه خيار سوى أن يدفع المال لضمان سلامته.

نتيجة لكل هذه الضغوط النفسية التي عاشها قام بتوظيف مجموعة من الموظفين الذين ساعدوه بإدارة الموقع من جميع الجوانب، وبالطبع فإنه كان يدفع لهم بعملة البتكوين والمخدرات.

كل الموظفين كانوا زبائن أو باعة بالموقع، ومعظمهم عملوا معه ليس لأجل المال، بل لأنهم آمنوا بالفكر الأغوري.. وقد اختارهم روس بعناية شديدة. فأصبح موقعه يحوي أكثر من 300 ألف مستخدم و عشرة موظفين.

من موقع لتجارة المخدرات إلى سوق سوداء

حين أنشأ روس الموقع كان لأنه آمن بالفكر الأغوري، الأمر بالنسبة له لم يكن لأجل المال فحسب، إنما دفاعا عن فكره الأغوري الليبرالي، لكن هذا الموقع حقق نجاحاً أكثر مما توقع، وأصبحت ملامحه تتغير كل يوم، ولم تعد ملامح موقع مخدرات إنما لسوق سوداء كاملة.

فالموقع كان يبيع المخدرات فحسب، ولاحقا أصبح يبيع الأسلحة الخفيفة ثم المتوسطة، أما بعدها فقد أصبح يبيع برامج الاختراق، جوازات سفر مزورة، هويات مزروة، خدمات هجمات الانترنت، عملات مزورة، مواد وسموم كيميائية. بل أن بعض الباعة قد بدأوا ببيع أعضاء بشرية أخذت من أصحابها “بالتراضي”.

لقد تحول هذا الموقع من موقع بسيط لبيع مخدرات خفيفة إلى أول موقع يمثل السوق السوداء بشكل كامل وقد كان روس هو مالك السوق بأسره!

الكثير من الزبائن والباعة كانوا مؤمنين بالفكر الأغوري، بل إنهم كونوا صداقة مع روس أولبريخت لدرجة أن الأخير قام بإضافة قسم اجتماعي شبيه بموقع فيسبوك على الموقع. يحوي القسم على عدة أفرع أحدها هو “فيلم الأسبوع” حيث أصبح يقوم بدعوتهم لمشاهدة فيلم كل أسبوع وجميع هذه الأفلام هي أفلام ثورية تحض على إنهاء سلطة الحكومة مثل فيلم V for vandeta.

ولعل هذه الصداقة وشعوره أنه ليس وحيدا في هذا العالم الكبير هدأت من مخاوفه لدرجة أنه أصبح يحارب المواقع المنافسة التي ظهرت بعد موقعه بعدة طرق. إحداها القيام بمسابقات يمنح الفائز فيها مخدرات مجانية ويكتب عن تجربته، لكن المسابقات توقفت مؤقتا بعد أن مات أحد الفائزين بجرعة زائدة من جائزته، فعلق روس على موته ساخراً “ربما كانت الجائزة الأفضل له هي الذهاب به لمستشفى الإقلاع”

Dread pirate robert

بعد أن تحسنت حالته النفسية وأصبح يشعر أنه لا يقف وحيدا في هذا العالم كون علاقة صداقة مع زبون على الموقع يدعى “فرايتي جون”.

جون كان يقوم بتبليغ روس عن ثغرات الموقع بشكل مجاني، وما أثار إعجاب روس حقاً أن جون أبلغ عن ثغرة كان بإمكانه استغلالها لسرقة مئات الألوف من الموقع، لكنه لم يقم بسرقة أي قرش. وفي كل مرة يقوم روس بعرض المال عليه لمكافأته كان جون يرفض قائلا له أنه مؤمن بالفكر الأغوري، وأن الموقع بالنسبة له ليس مجرد أداة لشراء الممنوعات، إنما يمثل إيدولوجية.

نتيجة لذلك تطورت الصداقة بين الإثنين وأصبحت قوية لدرجة أنهم كانوا يتحدثون بشكل يومي، كما أن جون لم يكن مدمنا على المخدرات، إنما تاجر ولديه خبرة عالية بالقانون وكيف يتهرب منه ولأنه خبير بلغات البرمجة قام روس بتوظيفه بالنهاية.

كان كل منهما من أشد المعجبين برواية The Princess bride، وفي تلك الرواية هناك شخصية تعرف باسم القرصان الرهيب روبرت أو Dread pirate robert وهي ليست بشخصية بحد ذاتها، إنما لقب يذهب من شخص إلى آخر. حيث أن هذا القرصان الرهيب عمره قرون طويلة وهو خالد لا يموت.

اقترح جون على روس أن يستخدم ذات الفكرة، حيث يقوم بتغيير اسمه بالموقع من المدير إلى Dread pirate robert وفي حال تم الإمساك به، فبإمكانه الادعاء أنه حصل على هذا اللقب من شخص سابق وأن هذا اللقب ينتقل كل فترة لرجل آخر، وأن هذا الموقع ليس له صاحب أو مالك دائم. و كل ذلك حتى يتجنب عقوبة الإعدام، ويحصل على حكم مخفف لأربع سنوات وربما أقل.

وفي حالة الإمساك به فإن جون سيكمل عمله بالموقع حتى تثبت القصة. وهذه الفكرة أعجبت روس كثيراً، فأصبح لاحقاً يعرف بالموقع باسم Dread pirate robert وعاد لأمريكا وقد أخذ شخصية القرصان الرهيب روبرت على محمل الجد.

خلال عودته شك أن أحد موظفيه قام بسرقة مبلغ قدره 350 ألف دولار، فقام روس بتعيين قاتل مأجور لقتله. دون معرفة أن من قام بسرقة المبلغ هو عميل للمخابرات الأمريكية، كما أن الموظف تم اعتقاله بعد أن اشترى مخدرات من الموقع و بالتالي لم يكن يستطيع تسجيل الدخول والتحدث مع روس أو Dread pirate robert لتبرئة اسمه.

قام روس بتعيين قاتل مأجور، طلب القاتل 40 ألف دولار مقدما، و40 أخرى بعد إنهاء المهمة. وفعلا قام روس بدفعها دون معرفته أن هذا القاتل لم يكن سوى عميل آخر للمخابرات الأمريكية وأنه قام بتزييف قتل الموظف!

قام بعدها بطلب قتل 5 أشخاص آخرين بعضهم كانوا مخترقين طلبوا منه المال مقابل عدم فضح هويته، لكن القتلة المأجورين الذين عينهم كانوا مجرد محتالين سرقوا ماله وتقاسموه مع المخترقين دون أن يقتلوا أحداً. كما أن أحد موظفي الإستخبارات الأمريكية المسؤول عن التحقيق عن هويته قام بالتعاون معه ومنحه تسريبات عن قضيته بمقابل مادي، وقد كان روس يدفع له بشكل سخي دون معرفته أن هذا الضابط لم يكن يسرب له أي معلومة مهمة.

روس كان بالتأكيد شجاعا وصبوراً بما يكفي لبدء أول موقع للسوق السوداء، لكنه لم يكن يعرف دهاليز العالم الإجرامي لذلك فإنه كان ساذجا للغاية وسهل السرقة والتلاعب كما أن حالته النفسية قد أدت لزيادة الأمر سوءاً.

حينما عاد مجددا إلى أمريكا ازداد عدد مستخدمي الموقع إلى مليون، وهذا العدد مهول مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإنترنت كانت حكراً على الطبقة المتوسطة في معظم العالم. كما أنه كان يحصل على 71 ألف دولار بشكل يومي من مبيعات الموقع رغم العمولة القليلة والرواتب العالية التي يدفعها للموظفين بالموقع والسرقات المتكررة. وطبعا دون ذكر أن هذه الأموال كانت بعملة البتكوين، والتي خزنها بمحافظ باردة وخبأها بأماكن مختلفة. أي أن ثروته كانت تزداد باليوم الواحد مع ازدياد قيمة هذه العملة الوهمية.

ثقته بنفسه زادت، وأصبح لديه مال لا يعرف أين وكيف ينفقه، لكنه مع ذلك أصبح يتمنى أن يكون مليارديرا بعمر الثلاثين، وهو أمر ممكن للغاية مع ازدياد حجم الموقع وارتفاع أسعار البتكوين، وقد ازدادت ثقته بنفسه حينما قام الخبراء بتقدير سعر موقع سيلك رود بمليار دولار أمريكي! كان روس حينئذ في جمهورية الدومنيكا، وقد ضحك كثيرا حين سماعه أن قيمة موقعه أكبر من ميزانية بلاد بأسرها.

بداية التحقيقات الفيدرالية

ذات يوم، قام أحد المراهقين بشراء مخدرات ملوثة مصنوعة بالصين، وقد أصابته نوبة هلع وظل يركض حتى قفز من نافذة الفندق التي كان يجلس فيها ومات إثر السقوط. موت هذا المراهق أدى لصدمة قوية لدى روس، حيث أنه لم يتوقع أن مراهقاً تعلم كيف يشتري البتكوين، وتمكن من إيجاد موقعه على الإنترنت المظلم واشترى منه المخدرات. علما أن عملة البتكوين في ذلك الوقت لم تكن قابلة للتداول بالمنصات وشرائها أمر صعب للغاية. ولعل هذا الموقف أثر بنفسه كثيرا، حيث أن موقعه هذا كان موجهاً للكبار الذين يعرفون ما يفعلون وليس للمراهقين.

لم يكن روس أولبريخت الوحيد الذي صدم، بل الحكومة الأمريكية أيضا، والتي ضاعفت جهود البحث عن مالك الموقع والذي يعرف باسم Dread pirate robert، إلا أنهم فشلوا بذلك رغم كل محاولاتهم. فقد كانت الحكومة تقوم باعتقال الباعة والمشترين لكن أحدا لم يعرف هوية مالك الموقع Dread pirate robert.

لكنهم وبعد بحوث مضنية ومطولة على الإنترنت تمكنوا من معرفة السيرفر الذي يعمل عليه الموقع وذلك عن طريق مجموعة من الثغرات. وكان هذا السيرفر بدولة آيسلندا لكنهم لم يتمكنوا من تحديد عنوان الإنترنت لDread pirate robert.

فروس أو كما يعرف باسم Dread pirate robert كان يعمل على الموقع من مقاهي الانترنت والمكتبات وليس من شقته. لقد كان يستخدم عنوان انترنت عام ومتغير بشكل يومي. فحتى لو تم كسر تشفير الموقع وشبكة Tor التي يعمل عليها، فلن يستطيعوا تحديد هويته من عنوان الشبكة التي يتصفح منها لأنها شبكة عامة يتصفح منها العشرات يومياً.

قامت الدولة الأمريكية بزيادة جهودها ووظفت أقوى وأفضل موظفي الأجهزة التالية للقبض عليه:
1- جهاز CIA
2- جهاز FBI
3- دائرة الكحول والتبغ والأسلحة
4- جهاز شرطة المخدرات
5- مصلحة الضرائب الأمريكية

ولاحقا أصبح الإنتربول الدولي يبحث عن Dread pirate robert بعد أن أصبح استخدام الموقع عالمياً. ومع ذلك لم يجدوا أي أثر له ولم يتمكنوا من العثور على أي خيط يفيدهم بالقضية او يدلهم على هويته الحقيقية لمدة سنتين.

نتيجة لذلك، فإن روس كان مطمئناً وكان معه الحق في ذلك. فأن تبدأ من الصفر دون خبرة وأن تنشأ شبكة كاملة للسوق السوداء دون أي معرفة بالبرمجة، ومع ذلك تتمكن من الهرب كل هذه المدة رغم لن أقوى أجهزة الاستخبارات العالمية تبحث عنك يعني استحالة العثور عليك.

لكن غير المتوقع حدث بالنهاية.

بداية النهاية

أحد موظفي مصلحة الضرائب الأمريكية يدعى “غاري ألفورد” وكلت له مهمة العثور على أي عملية غسيل أموال تتعلق بموقع طريق الحرير او صاحبه المعروف باسم Dread pirate robert.

وبالطبع فحتى الحكومة الأمريكية لم تعرف بعملة البتكوين، وأنه من شبه المستحيل تعقبها لكنها لم تهتم لهذه النقطة، فبالنهاية فإن هذه العملة وهمية ولا تشتري أي شيء بالعالم الحقيقي، وكان على الموقع تحويل بعض هذه الأموال إلى دولارات.

غاري لم يتمكن من العثور على أي شيء، لكنه قرر الدخول بالبحث على طريقته الخاصة، ورغم أنه كان كان مجرد موظف عادي، ولم يملك أي خبرة بالبرمجة، لكنه اقترح القيام بفكرة جهنمية قد تنجح.. وهي البحث عن أول مرة ذكر فيها موقع طريق الحرير على الإنترنت. وقد وجد المنشورات التي نشرها روس أولبريخت سابقاً على مواقع المخدرات يسأل الناس عن الموقع وإذا كان صادقاً أم كاذباً في سبيل عمل دعاية غير مباشرة لموقعه.

وجد أن معظم الناشرين بهذه المواقع والمنتديات حملوا نفس الإسم وهو ألتويد Altoid، ومن غير المنطقي أن أكثر من شخص يملك ذات الإسم يقوم بعمل دعاية غير مباشرة لموقع بدأ حديثاً.

لكن هذه المنشورات لم تبد أنها منشورات دعائية، بل من مدمن يرغب بالعثور على مخدرات فحسب. لكن شخصا بالإسم ذاته قام بنشر منشور دعائي رسمي لطريق الحرير على موقع مختص بعملة البتكوين، وهنا ظهر أول خيط بالقضية!

الشخص المدعو بالأسم “ألتويد” ليس مجرد مدمن، فلا يوجد مدمن يدفع المال لتوظيف أشخاص لمساعدته بشراء مخدرات لينتشي بها.

ألتويد كان تاجراً، لكن من هو التاجر الذي يقوم بعمل دعاية مجانية لموقع جديد دون أي مقابل؟ وبالتالي فإن ألتويد هو أحد أكبر المساهمين أو ربما يكون المؤسس ذاته للموقع.

المشكلة كانت أن هذه المواقع لا تطلب أي بريد إلكتروني، و بالتالي من شبه المستحيل تعقب هذا المستخدم المجهول خاصة بعد كل هذه السنين. لكن الإسم تكرر ظهوره بعدة مواقع مختلفة، أحدها كان موقعا لتوظيف المبرمجين، حيث أن شخصاً يحمل ذات الإسم طلب موظفين ضليعين بمعرفة عملة البتكوين، وهذه المرة ترك بريده الإلكتروني وما كان عنوان هذا البريد برأيك عزيزي القارئ؟

كان العنوان [email protected] وهو البريد الشخصي لروس بل وباسمه الحقيقي أيضا!

حينما قام غاري بالبحث عن الإسم بالبريد وجد قناة اليوتيوب الخاصة بروس مع عدة منتديات كان ينشر فيها. وجميع منشوراته كانت تتحدث عن كيف أن الحكومة ليس لها أي حق بمنع المخدرات، وكيف أن الأغورية هي فكر ناجح وممتاز وتحكي عن السوق الحر الذي لا يملك أية قوانين سوى قوانين المشتري والبائع.

الأهم من ذلك هي طريقة الكلام، كل من روس أولبريخت و Dread pirate robert يقومون بكتابة كلمة نعم بهذا الشكل Yea وكلاهما يتحدثان بشكل مختصر كما أن لهجتهما الكتابية متطابقة.

كل هذه النقاط كانت مجرد صدفة بنظر الحكومة الأمريكية، خاصة بعد أن قاموا برؤية صور روس أولبريخت وعرفوا أنه مجرد شاب عشريني. كما أنه كان مواطن عادي ولم يسبق له أن دخل السجن ولو لمرة بتهمة المخدرات.

لكن ومع استخدام محركات البحث المتقدمة تمكنوا من العثور على دليل قاطع أن روس لديه صلة مباشرة بالموقع وقد يكون هو نفسه Dread pirate robert.

كان هذا الدليل هو منشور على موقع Stack overflow وهو موقع مختص بمساعدة الناس بكتابة الأكواد البرمجية. حيث أن روس كتب باسمه الحقيقي منشوراً يطلب من الخبراء مساعدته لكتابة أكواد لشبكة تور، لكنه قام بتغيير اسمه لاحقاً إلى فروستي Frosty وهو أمر أثار الريبة.

ما أثار الشكوك أكثر هو أن اسم الحساب الذي تم إنشاء استضافة الموقع عليه هو Frosty مما يعني أن الأمر أكثر من مصادفة. حينها تمت مراقبة روس واكتشفوا أنه يعيش قرب المقاهي والمكتبات التي يدخل منها Dread pirate robert للموقع.. وهنا بدأت الأمور بالوضوح.

اعتقال روس أولبريخت

تمت مراقبة روس للقبض عليه بالجرم المشهود وهو يسجل الدخول للموقع باسم Dread pirate robert. الشرطة الذين قاموا بمراقبته كان لديهم خبرة بالبرمجة، وقالوا أن روس يستخدم نظاما مشفرا وأن هذا النظام يمكن تعديله لمحو وتدمير كل بيانات الجهاز بضغطة زر واحدة، فإذا شعر روس بأنه مراقب سيقوم بتدمير الجهاز ومحو الأدلة ولن تأخذ العملية منه أكثر من ثانية، مما يعني أنه يستطيع تدمير الأدلة والهرب ببساطة.

كما أن هذا النظام يمكن تعديله بطريقة صندوق دافنشي، فإذا أغلق لابد من إدخال كلمة السر، وفي حال أدخلت كلمة السر 3 مرات بالخطأ فإنه سيتم محو جميع البيانات. لذلك كان عليهم أخذ الجهاز أثناء عمله ودون علمه.

في يوم 1 أكتوبر من العام 2013 ذهب روس إلى المقهى ليعمل على الموقع لكن المقهى كان مزدحما ومكانه المفضل كان مشغولا، لذلك ابتاع قهوته وذهب للمكتبة دون علمه أن زبائن المقهى والمكتبة لم يكونوا إلا ضباط من المخابرات متخفين بلباس مدني.

وجد مكانه المفضل بالمكتبة فارغاً فجلس فيه وقام بفتح الجهاز المحمول وسجل دخوله وبدأ بالعمل على الموقع. وبعد أن فتح جهازه تم تصوير الشاشة من بعد وقد كانت الصورة واضحة.. هذا الموقع هو موقع طريق الحرير فعلا وهذه الصفحة هي صفحة Dread pirate robert!!

تم إرسال الأمر لهم لبدء العملية، وقام أحد الضباط بافتعال مشاجرة مع زميلته مدعين أنهما زوجين، بدأ بشتمها وتصاعدت أصواتهما فقام روس بالالتفاف للحظة ليرى ماالذي يجري خلفه.. وحين أعاد الالتفات أمامه مجددا رأى أن هناك فتاة قامت بأخذ حاسوبه والهرب به. ولم يملك من الوقت الكافي ليصرخ عليها لتعيده، فلم يجد نفسه إلا و مجموعة من الضباط يثبتونه أرضاً ويقيدونه.. في تلك اللحظة عرف روس أولبريخت أنها النهاية.

روس أولبريخت بالمحكمة

بعد تفتيش الجهاز المحمول وجدت الحكومة فيه كل شيء من معلومات ورسائل يعود عمرها لأكثر من 5 أعوام. كما أنها استخدمت حسابه للقبض على مئات تجار المخدرات حول أمريكا وقامت بأخذ معلومات عن تجار آخرين حول العالم.

ادعى روس أنه كان مجرد موظف لدى الموقع وأن Dread pirate robert مجرد لقب يمنح من شخص لآخر. لكنه لم يقم بمحو الرسائل بينه وبين جون والذي اقترح عليه هذا الفكرة من الأساس، لأن هذه الرسائل كانت تؤنس وحدته وتذكره أنه ليس وحيداً بهذا العالم. كما أنه كان يكتب مذكراته اليومية والتي أظهرت أنه كان يدير الموقع من البداية، وأظهرت كذلك تحويلات البتكوين لضباط المخابرات الفاسدين والقتلة المأجورين والموظفين في الموقع.

أما المحامون فادعوا أن روس باع الموقع منذ زمن طويل لشخص يعرف باسم Dread pirate robert وقد قام الأخير بزرع كل الأدلة ضد روس بجهازه حتى يقدمه كبشاً فداء للحكومة الأمريكية.

لكن لم تكن أي من أقواله او أقوال محاميه منطقية إطلاقاً، خاصة أن الموقع توقف عن العمل بعد اعتقال روس لذلك حصل على حكمين بالسجن المؤبد دون إطلاق سراح مشروط.. ويعد الحكم هو الأكبر من في مجال الجرائم الالكترونية.

روس أولبريخت ترك ثروة قدرت بمبلغ 50000 بتكوين وتعادل اليوم أكثر من 3.1 مليار دولار أمريكي! وهذا المبلغ هو ما صادرته الحكومة الأمريكية حيث أن هناك الألوف من عملات البتكوين التي قام بتخزينها سحابياً أو تخبئتها بمحافظ باردة.

نهاية أول سوق سوداء إلكترونية

بقي خبر اعتقاله سرا بالبداية وظلت المخابرات الأمريكية تسجل الدخول للموقع وتستدرج الزبائن والباعة والموظفين. لكن الأمر لم يدم طويلا، حيث أن المستخدمين لاحظوا تغيراً بطريقة وأسلوب كلام Dread pirate robert وانسحبوا من الموقع. وعلى الرغم من ذلك تم اعتقال والحصول على أسماء ومعلومات المئات منهم حول العالم لتنتهي حينها سيرة أول سوق سوداء إلكترونية بعد 4 سنوات من إطلاقها.

لكن وبعد إغلاق وسقوط الموقع الأول ظهر موقع آخر يعرف باسم طريق الحرير 2، ثم ظهرت مئات المواقع الأخرى وهو أمر أسعد روس كثيرا لأنه وبنظره فإن الأغورية فكرة والفكرة لا تموت وقد أصبح روس أولبريخت حينها رمزاً للمؤمنين بالفكر الأغوري.

blank
حكم عليه بالسجن المؤبد

روس أولبريخت اجتماعياً

قام عشرات الألوف من المدمنين والمؤمنين بالفكر الأغوري بالتظاهر حول العالم مطالبين الحكومة الأمريكية بالإفراج عن روس، كما أنهم يجتمعون سنوياً في ذكرى اعتقاله لأنه أصبح رمزا لهم.

روس أولبريخت مع والدته
روس أولبريخت مع والدته من داخل السجن

أما عائلته فقد قالت أن روس بريء، وليس له أي علاقة بالموقع خاصة لأنه لم يعرف كتابة لغات البرمجة. وحتى اللحظة لا يستطيعون تصديق حقيقة أن روس كان صاحب أول سوق سوداء إلكترونية في العالم

في العام 2015 صدر فيلم وثائقي بعنوان the deep web يتناول جزء منه قضية روس أولبريخت، وفي العام 2021 صدر فيلم Silk road والذي يحكي عن قصة حياة روس وموقعه وكيف سقطت أول إمبراطورية مخدرات على الإنترنت.

blank
blank

واليوم، يقضي روس ما تبقى من حياته خلف قضبان السجن. وحتى اللحظة الحالية فهو غير نادم على مافعل. باستثناء أنه أبدى الحزن على المراهق الذي مات بعد أن اشترى مخدرات من موقعه، أما عن باقي الأمور فهو لم يبد أي ندم إطلاقا.

ولو أن روس قد باع الموقع بالبتكوين في ذلك الوقت فإن ثروته اليوم ستبلغ 62 مليار دولار أمريكي مما سيجعله من بين أغنى 15 شخصا بالعالم.

ما رأيك إذن عزيزي القارئ بقصة روس أولبريخت؟ وهل تعتقد أنه يستحق كل هذه العقوبة؟ ولماذا لا يتوقف المجرمون حتى بعد حصولهم على أموال لا يعرفون كيف ينفقونها؟ وهل أنت مؤمن بفكرة الأغورية؟

المصدر
Wikipedia1Wikipedia2Investopediafastercapital مصادر أخرى

آريو

-كاتب من سوريا - الكاتب الأفضل في كابوس لشهر اغسطس 2022
guest
20 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى