سوء الحظ
![]() |
هذه كل أغراضكِ ، خذي الشنطة و تعالي معي لدار المسنين ! |
– بُني ، اذهب إلى المستوصف لشراء الحبوب الخاصة بالسكري فلقد نفذت .
أدرتُ رأسي نحوها و قلت بانزعاج :
– أووف ، ما إن تراني مرتاح حتى تتعمد إزعاجي ، أنا لن أذهب إلى مكان .
صمتت بعد ذلك و نظرت إليَّ بحزن ، و أخذتْ تجر كرسيها المتحرك بعيداً عني ، ” هذا أفضل لي ” ، هذه العجوز متطلباتها لا تنتهي ، يومٌ تطلب مني مساعدتها في النهوض من الكرسي المتحرك ، و يومٌ تطلب مني الذهاب إلى المشفى ، عسى الله يأخذ روحها و يريحني منها .
في صباح اليوم التالي ، وقفت أمام المرآة أسرح شعري الناعم وأضع فيه بعض الكريم ، لبستُ لباس العمل الرسمي وانطلقتُ إلى العمل ، أثناء العمل استدعاني المدير .. فنظر إليَّ جميع الموظفون ببغض شديد ، وقفتُ مبتسماً مزهواً بنفسي ، ففي كل مرة يستدعيني فيها المدير يقوم بترقيتي . مشيتُ بكل حظوة وفخر ، دخلتُ على المدير فاستدار بالكرسي ناحيتي و طلب مني الجلوس ، بعدها خاطبني بنبرة كلها جدية :
– اسمعني أحمد ، لا تنفعل ولا تغضب ، لكن زميلك جاسم يستحق هذا المنصب أكثر منك ، لذا اعذرني ، سترد من مدير فرع المخازن إلى موظف عادي !
ضغطتُ على أسناني بشدة ، ونظرتُ إلى المدير باحتقار.. بعد انتهاء الدوام خرجتُ منفعلاً فرآني زميلي محمد و قال ضاحكاً :
– شفيك مصدوم مع هالويه ، شسالفة ؟
أكملتُ طريقي و لم ألتفت له ، ” سحقاً .. وهل هذا الوقت مناسب للمزاح ؟! “
وصلتُ البيت فوجدت أمي في استقبالي ، نظرتُ لها من أعلى إلى أسفل و قلت غاضباً :
– لقد رجعتُ موظفاً عادياً وكله بسببكِ ، وجودكِ معي سبب لي سوء الحظ .
اتجهتُ إلى الطابق العلوي ، نزلتُ ومعي حقيبة سفر وضعتُ بها بعض الملابس ، أعطيتها لأمي و قلت صارخاً في وجهها :
– هذه كل أغراضكِ ، خذي الشنطة و تعالي معي لدار المسنين !
أمسكتْ بيدي وقبلتها و بكيتْ بحرقة متوسلة إليَّ أن لا آخذها ، إلا أنني أخذتها بالقوة .. أثناء عبور الشارع باغتتني شاحنة تمر بسرعة شديدة ، اندفعتْ أمي نحوي بكرسيها المتحرك و دفعتني بكل ما أوتيتْ من قوة ، سقطتُ على الأرض ، رفعتُ رأسي فرأيت الكرسي المتحرك يمشي لوحده ، أصابني الهلع ، نظرت بتوجس لأسفل فرأيت أمي غارقة في بحيرة دماء ، ركضتُ نحوها فتناثرت أشلائها و تطشر دمها عليَّ ، أسندت رأسي على صدرها وانهالت دموعي تجري كشالالات لا تتوقف ، صرت ألطم نفسي و أضرب رأسي بالأرض صارخاً ، بالقرب منها رأيت قلبها قد خرج من جسدها و قد حُفر عليه اسمي !
تاريخ النشر : 2017-03-09