القسم : أدب الرعب والعام
طفلة في المصعد

للتواصل : [email protected]
***
ما أن تظهر ملامحه في الحارة , حتى يتراكض الأولاد هنا و هناك كرهاً لمرآه , و قد عُرف بكاره الأطفال ....فهذا الشاب ذو الملامح الحادّة التي لا توحي رؤيته على الأرتياح , عاش طفولة قاسية و معذّبة فاقداً لحنان الأم بموتها , و بعدم مسؤلية أبيه , و كره جدّه له ....
فكان كلما وجد الأولاد يلعبون الكرة بفرح , كان يأخذها منهم و يرمي بها بعيداً , و هو يصرخ في وجه الأولاد و ينهرهم , فهو لا يطيق سماع أصواتهم ...
و لهذا كان يكرهه الجميع , مما جعلت لقمة عيشه لا تسدّ الرمق , كما إن معظم الناس رفضت توظيفه لسوء سمعته ..
حتى وظيفته كساعي عند خال صديقه (المدير في إحدى الإدارات) طُرد منها اليوم و من دون سبب , لذلك ذهب الشاب المعروف بإسم عاصي لزيارة صديقه , ربما يتوسّط له عند خاله و يحلّ المشكلة , كيّ لا يصبح عالة دون مال ....
و صعد درجات سلّم البناية و طلب المصعد , و وصل الى الطابق الخامس حيث منزل رفيقه , لكن الجواب كان بعدم وجود رفيقه بالبيت ... فإستدار غاضباً , و عاد أدراجه الى باب المصعد الذي صعد الى فوق .. و بعصبية أخذ يكبس الزر لينزل بسرعة ..
و هنا !! توقف باب المصعد عنده , ففتحه بسرعة ليجد فيه فتاة صغيرة ذات السنوات الثمانية , تحمل لعبتها .. فأخذ يتأففّ , فهو لا يريد أن ينزل معها ..لأنه يكره الأطفال , و لا يطيق سماع أصواتهم المزعجة
لكنها قالت له :
- هيا يا عمّ إدخل ..المصعد كبير , يمكننا أن ننزل معاً
- (بغضب) : أفّ !! حسناً
فدخل لأنه كان مستعجل , و كبس زر الطابق الأرضي ....و ماهي الا لحظات حتى بدأ المصعد بالأهتزاز , ثم توقف نهائياً عن النزول ..
و هنا !! أضيء اتوماتيكياً , نورٌ خافت في ركن سقف المصعد ......
و فجأة !! تعالت صرخات الشاب الهستيرية , و البنت الصغيرة تراقبه بخوفٍ و قلق !
الشاب يصرخ خائفاً :
- إفتحوا الباب
و أخذ يطرق بقوّة على باب المصعد .. فحاولت البنت الصغيرة تهدئته :
- اهدأ يا عمّ , لقد إنقطعت الكهرباء !
- لا أستطيع التنفس .. أرجوكم إفتحوا الباب !!
ينادي البواب من خارج المصعد :
- من في الداخل ؟!!
فتجيبه الطفلة :
- عمّ أبوعلاء .. لقد علقنا
البواب : من معي ؟
- انا مها من الطابق السادس
- ابو علاء : مها أحمد ؟
- مها : نعم
- ابوعلاء : ألم يخبرك أحد إن المصعد معطل ؟!
و هنا يصرخ الشاب من جديد :
- ماذا يعني هذا ؟! أخرجني الآن !!!
- البواب أبوعلاء : من معك يا مها ؟!
- مها : رجلٌ لا أعرفه
و يتابع الشاب الصراخ .. فيقول له ابو علاء (من الخارج) :
- اهدأ يا رجل !! لقد أخفت البنت
الشاب بعصبية :
- إتصل بالمصلح فوراً !! ماذا تنتظر ؟!
- البواب : موعدنا معه بعد ساعة , لكني سأتصل به الآن ليأتي حالاً.. إصبر قليلاً....مها !! حاولي أن تهدئي من روعه , و سأجد حلاً
- مها : حسناً
و تابع الشاب الصراخ ...و بعد دقائق إنهار جاثياً على ركبتيه زائغاً البصر , و بدأ يتمتم بكلمات و بصوتٍ مخنوق :
- جدي ...أرجوك إفتح الباب
((و دارت في رأسه ذكريات اليوم الذي غّير حياته ...كان يومها في العاشرة من عمره عندما تجرّأ أول مرّة , بسؤال جدّه عن سبب ضربه له بسبب و بدون سبب ))
فردّ الجد غاضباً :
- أتريد أن تعرف لماذا أضربك ؟ حسنا !! سأقول لك
ثم سحب حفيده من يده , و الصغير يبكي و يناشده أن يتركه ..
و فتح الجد باب الخزانة الحديدية الصدئة , المرمية في أحد أركان باحة منزله , و الملتهبة من حرارة الشمس , و رماه داخلها ..
ثم صرخ فيه :
- الآن سأخبرك لماذا أكرهك !! لأنك في كل يوم تشبه أباك أكثر فأكثر , في شكله و حتى في أخلاقه السيئة !
- (يبكي) : هذا لا يبرر ضربي !!!
- و تجيبني ايضاً , يا قليل الأدب... الا تفهم !! أبوك قتل إبنتي
- (يصرخ مصدوماً) : لا !! هذا غير صحيح !
- بلى !! كان يضربها كالوحش , حتى في اليوم التي أنجبتك ..أتى لعندنا و طلب منها عقدها .. الشيء الوحيد الذي تبقى من ذهبها , فرفضت .. فجنّ جنونه.. فهو كان يريده للعب القمار..السافل !! لم يراعي انها نفساء ! و رماها من سريرها على الأرض بقوة .. و لم أستطع لا أنا و لا جدتك إيقافه ..و استطاع سحب العقد من رقبتها .. لكنه هرب , بعد أن رآى أمك فاقدة الوعيّ ..و لم يستطع الطبيب إنقاذها , بعد ان فشل بإيقاف النزيف !
آخ !! لو أعرف أين هرب , و الله لقتلته بيديّ !! و ها أنا عالقٌ مع إبنه .. إبن قاتل إبنتي !! و كلّه من جدتك (رحمها الله) .. ليتها تركتني أرميك في دار الأيتام , لكنت تخلّصت من هذا النسل الفاسد ! لكنها ماتت الآن , و تركتني معك !!
- بل يجب أن تحبني ..فأنا ذكرى لك من أمي !
فيصرخ الجد بغضب :
- لا !! أنت لا تشبه أمك بشيء , بل تشبه هو !! و لأني لم أستطع الانتقام منه , فسأعاقبك أنت بدلاً منه ...و الآن !! ستبقى هنا في الخزانة ..الى أن تتربّى .
ثم قفل الخزانة , و ابتعد و هو مازال يسبّ و يشتم ...
و ترك حفيده يصرخ من داخل الخزانة المعتمة بخوف :
- لا !! أرجوك يا جدي , الجوّ حار و الخزانة ساخنة... أرجوك إفتح الباب !!!
و كانت هذه الذكريات مازالت تدور في رأسه , حين قطعت أفكاره صوت البنت الصغيرة
و كان حينها يتمّتم بتعب :
- أرجوك يا جدي , إفتح الباب .. سأموت من الحرّ ... و الله أنا لست كأبي .. أنا لم أفعل شيئاً .. جدي !!
تقاطعه مها بدهشة :
-هل العم ابوعلاء .. جدك ؟!
الشاب و قد إنتبه على كلامه :
- أين أنا ؟!
- مازلنا في المصعد ...لما وجهك أحمرٌ هكذا ؟!
- من الحرّ
- بالعكس ! المصعد باردٌ جداً ...ما بك يا عم ؟ إنك تخيفني
- أنا فعلاً خائف
- أنت كبير !! يجب أن لا تخاف .. أنظر اليّ ..أنا أصغر منك بكثير , و مع هذا لست خائفة أبداً
- أنا فقط لا أحب ان أُحبس
ففاجئته بسؤالها :
- و هل كان جدك يحبسك ؟!
- ماذا ؟!... (بإرتباك).. نعم
- ربما لأنك كنت ولداً مشاغباً
- (يتنهد بحزن) لا أبداً
- اذاً لماذا لا تشكيه عند أمك و أبوك , و هما سيمنعانه ؟
- (مقاطعاً) أنا يتيم
- ماذا يعني هذا ؟
- ايّ ليس لديّ والدان
- حرام ! اكلاهما ماتوا ؟!
- أمي ماتت عندما أنجبتني , و أبي ..لا أدري أين هو(بصوتٍ منخفض) أتمنى أن يكون ميتاً
- (متفاجئة) لا تقلّ هذا الكلام ! هذا غلط ..هو يبقى أبوك
- لكنه كان سيئاً جداً مع أمي
- معلمة الدين تقول : إنه يجب أن نسامح كل من يخطىء معنا , و ندع الله يحاسبه عنّا
- (يتنهد بحزن) سامحه الله
- أرأيت !! هكذا أفضل... إمسك هذه
- ما هذه ؟
- إنها حلوى بطعم الحامض
- و ماذا أفعل بها ؟
- كلّها !! فأنا عندما أكون حزينة أو غاضبة من أخي الصغير , أو حتى خائفة من الأمتحان ..آكلها .. ثم أغمض عيني , و أفكّر بشيءٍ جميل ..وعندما تنتهي الحلوى , أفتح عينايّ و أصبح بألف خير .. صدّقني !! إنها حلوى سحرية .. خذّ جرّبها
و حينما سمعت الشاب يحطّم الحلوى بأسنانه , صرخت معاتبة :
- لا ليس هكذا !! عليك ان تمصّها بهدوء .. هيا خذّ حبة أخرى ..و الآن عليك أن تُغمض عيناك , و تُفكّر بشيءٍ جميل
- أنا ليس لديّ شيء جميل أفكّر فيه
- غير معقول ! ... كم عمرك ؟
- ثلاثين عاماً
- الا يوجد يومٌ جميل في كل هذه السنين ... هيا !! حاول من جديد
فأغمض عيناه , بينما كان يمصّ الحلوى .. ثم تذكر شيئاً , فابتسم ...
فقاطعته قائلة :
- هآ ...ارأيت !!
- ماذا ؟!
- لقد إبتسمت ... بماذا فكرت ؟
- تذكّرت اليوم الذي كان فيه جدي خارج المنزل ..و كنت في مثل عمرك تقريباً .. فأخذتني جدتي (رحمها الله) الى السوق , و لعّبتني بالمراجيح , و أشترت لي الحلوى... كان ذلك أجمل يومٍ في حياتي
- ارأيت !! الدنيا فيها أشياء جميلة ..علينا فقط أن نبحث عنها
- لما كلامك أكبر من عمرك ؟!
- (تضحك) هذا ما تقوله لي معلمتي أيضاً ..أتدري يا عم ..لم أعرف إسمك بعد ؟.. انا مها ..و انت ؟
- كان إسمي رضا .. لكن بعد وفاة جدتي , سمّاني جدي عاصي
- لكن رضا , أجمل من إسم عاصي !
- نعم أعرف
- وأين جدك الآن ؟
- لقد مات .. (بصوت منخفض) و الحمد الله
- إذاً !! سأناديك بعمو رضا
- رضا ! ... يآه... لم ينادني أحد بهذا الأسم منذ زمن , ذكّرتني بجدتي رحمها الله ....(و يسكت ثم يقول)... إخبريني الآن ..الى أين كنت ذاهبة ياعفريتة , في مثل هذا الوقت ؟
- لم يتأخر الوقت بعد ! كما إنني كنت ذاهبة لبنت الجيران في الطابق الأول لألعب معها , فإبنتي تحب اللعب مع إبنتها
- هآ... إذاً هذه إبنتك ..
و يشير الى اللعبة التي كانت تحملها
- نعم
- و ما إسمها ؟
- إسمها سلمى
- و بأيّ صفّ تدرس سلمى ؟
- سلمى مازالت طفلة ..الا ترى ؟!
- (يضحك) ...طيب , في أي صفّ تدرس أم سلمى ؟
- أنا في الصف الثاني ...و أنت بأيّ صفّ ؟
- أنا... (بحزن) كنت في الصف الخامس , عندما أخرجني جدي من المدرسة
- (بغضب) أفّ.... لما هو لئيمٌ معك هكذا ؟!
- كان يكره أبي
- وما دخلك أنت ؟!
- كان يقول إنني سأكون سيئاً مثله , عندما أكبر
- لا هذا غير صحيح !! ليس هناك أحداً مثل الآخر ... فأمي تقول : إن الله خلق كل إنسان مختلف عن غيره
- (يتنهد) صحيح و الله
- يعني أنت لا تعرف القراءة و الكتابة , يا عم
- بلى , أعرف قليلاً
- إذاً لما لا تعود الى المدرسة , بعد أن مات جدك
- لقد صرت كبيراً جداً على المدرسة
- لا هذا غير صحيح !! فجدي عمره ..لا أدري ..ربما مئة عام , فهو كبيرٌ جداً .. و مع هذا , دخل الى مدرسة الكبار , و صار يقرأ و يكتب ....هآ ما رأيك ؟
- لا أدري ..سأفكّر بلأمر
- طيب ماذا كنت تريد أن تكون , عندما كنت صغيراً ؟
- لا أذكر
- أعني , ماذا كنت تحب أن تفعل ؟
- كنت أحب اللعب بالكرة , لكن جدي كان يمنعني من رؤية باقي الأولاد , و يحبسني بالمنزل
- أفّ ...أنا أكره جدك هذا .. و الله لو لم يكن ميتاً , لضربته لك
فضحك رضا
- مها : إذاً أنت تحب الرياضة ؟
- نعم كثيراً
- إذاً ...لما لا تعمل عندنا في المدرسة ؟
- و ماذا أعمل ؟
- أستاذ الرياضة في مدرستي سافر للخارج , و هم يبحثون عن أستاذ آخر ...تعال لعندنا... و الله سيحبوك كل اصدقائي
- أنا لا أحد يحبني
- لماذا ؟!
- لأني شرير
- لا من قال هذا ...لحظة !! إذاً قلت لي جدك ثانية , (بعصبية) والله سأضربك أنت
فيضحك
و تتابع مها :
- أنت طيّب وأنا أحببتك كثيراً .. هيا قلّ إنك ستعمل في مدرستي !!
- حسناً , سأفكّر في الموضوع .. لكنك لم تخبريني بإسم المدرسة ؟
بحماس و فرح :
- مدرسة الأجيال !! إنها هناك في آخر الشارع ...هل عرفتها ؟
- نعم عرفتها
- جيد... يجب عليك ان تعمل , كيّ تشري الحلوى لأولادك
- أنا ليس عندي أولاد
- كيف ؟! كل الكبار لديهم أولاد ؟
- أنا لم أتزوج بعد
- لماذا ؟
- لأني قبيح .. و لا توجد من ترضى بي
- (مستغربة) لكنك جميلٌ جداً !
- (بإستغراب) جميل !
- نعم كثيراً .. إنك تشبه ذلك الممثل في التلفزيون (..) كأنك هو ...إذا كنت لا تصدقني , أنظر في مرآة
و على الضوء الخافت , إقترب رضا و نظر في مرآة المصعد , و هو مندهش :
- (بصوت منخفض) .. فعلاً .. شكلي لا بأس فيه !
- (مها متعجبة) الا يوجد مرآة في منزلك ؟!
- بلى... لكن هذه أول مرة أرى نفسي فيها هكذا !
و يقطع حديثهما صوت المصلّح , يتكلّم معهم من خلف المصعد و أمامه البواب :
- المصلّح : هآ قد أتيت !! سأصلحه بسرعة... كيف حالكم ؟
- مها : نحن بخير !!
- البواب أبوعلاء : و أنت يا رجل.. كيف حالك ؟
- (يبتسم) رضا : أصبحت بألف خير
- المصلّح : خمس دقائق و نخرجكم... أصبرا قليلاً !!
- رضا : حسناً
ثم اقتربت مها من رضا , و تنهدت بحزن
- رضا : ما بكِ ؟!
- أتدري ...حتى الآن لا أعرف ماذا سأصبح عندما أكبر
- يجب أن تكوني طبيبة نفسانية
- (مها مستغربة) : و ماذا أعمل ؟!
- كما فعلت معي الآن ..تكلمي مع المريض , و سيشفى بإذن الله بسرعة
- لكنك لست مريضاً !
- بلى , كنت مريض .. أما الآن و بفضلك , أصبحت أفضل بكثير
- لم تخبرني بعد ...هل سأراك في المدرسة غداً ؟
- (يبتسم) الأستاذ رضا ...و الله لم أتخيل نفسي يوماً , أن أكون معلماً !
- إذاً هل ستدرّس في مدرستي ؟
- من الجيد إنني خسرت عملي اليوم .. فمن كان يتصوّر , من ساعي الى معلم رياضة !
مها بفرح :
- يعني قبلت !!
- لا أستطيع أن أرفض , بعد كل هذا الإلحاحّ
يصرخ المصلح من خلف الباب :
- دقيقة وحدة و سينزل المصعد !!
- رضا : حسناً !!
- رضا : هآ يا مها... استذهبين الى صديقتك الآن ؟
- لا .. من الأفضل أن أعود الى البيت , لقد تأخر الوقت ..سأزورها مرة ثانية , فأنا جائعة ....آه صحيح !! تعال و كلّ عندنا , ستكون أمي الآن إنتهت من تحضير الغداء .. و الله أكلها لذيذٌ جداً
- لا يا مها , يجب أن أذهب .. لكن شكراً لك
ثم فُتح باب المصعد ...و سلّم رضا على مها , التي عادت الى المصعد لكي تعود لمنزلها في الطابق السادس ..و بعد أن شكر رضا المصلح و البواب ..
إقترب من باب البناية .. فناداه البواب :
- ابوعلاء : عفواً ..أنا لم أرك هنا من قبل ؟!
- رضا : أنا لست من سكان المبنى , كنت أزور صديقي في الطابق الخامس ..لكني لم أجده , سأزوره مرة أخرى
- لقد أخافني صراخك
- (يضحك) كنت خائفاً , لكن مها بكلامها اللطيف , هدّأتني
- نعم , جميع من في المبنى يحبها
- حماها الله
- لا تؤاخذنا يا سيد...
- رضا ...لا يهمّ ...و عفواً إذا كنا أتعبناك
- لا أبداً , هذا واجبي ...مع السلامة
- مع السلامة
و قبل أن يخرج من المبنى , نادته مها :
- عمو رضا !!
- رضا : الم تعودي الى بيتك بعد ؟! ستقلق أمك عليك
- مها : نسيت أن أعطيك هذه
- ما هذه ؟!
و أعطته كيس الحلوى بالحامض
- مها : إنها الحلوى , كلّ منها كلما كنت حزيناً .. لكن لا تنسى ان ...
- رضا (مقاطعاً ) سأغمض عيناي , و أفكر بشيءٍ جميل ...فهمت يا معلمتي
- ضروري !! و الاّ لن تقوم الحلوى بعملها السحري .. لكن بماذا ستفكّر هذه المرة .. أبجدتك أيضاً ؟
- لا .. بل باليوم الذي علقت فيه , مع أجمل بنت في العالم .... سأراك غداً في المدرسة
- إذاً سأناديك من اليوم , بالإستاذ رضا !!
فابتسم رضا وقبّل رأسها ....
و خرج الى الشارع , و في الطريق ..إقترب من الأولاد الذين كانوا يلعبون الكرة في الشارع .. فخافو منه !... فأخذ الكرة .. لكن هذه المرة , لم يرمها بعيداً كعادته .. بل لعب بها بمهارة و خفّة ..فصفّق له الأولاد (و هم مندهشون) .. ثم لعب معهم قليلاً , و بعدها سلّم عليهم ....
و مشى بعيداً , و قد إرتسمت على وجهه إبتسامة عريضة .. فقد شعر و كأنه وُلِد من جديد .. و لأول مرة , لم يعد ناقماً على الحياة ..
فتمّتم في قلبه قائلاً :
- شكراً يا حبيبتي مها
فكان كلما وجد الأولاد يلعبون الكرة بفرح , كان يأخذها منهم و يرمي بها بعيداً , و هو يصرخ في وجه الأولاد و ينهرهم , فهو لا يطيق سماع أصواتهم ...
و لهذا كان يكرهه الجميع , مما جعلت لقمة عيشه لا تسدّ الرمق , كما إن معظم الناس رفضت توظيفه لسوء سمعته ..
حتى وظيفته كساعي عند خال صديقه (المدير في إحدى الإدارات) طُرد منها اليوم و من دون سبب , لذلك ذهب الشاب المعروف بإسم عاصي لزيارة صديقه , ربما يتوسّط له عند خاله و يحلّ المشكلة , كيّ لا يصبح عالة دون مال ....
و صعد درجات سلّم البناية و طلب المصعد , و وصل الى الطابق الخامس حيث منزل رفيقه , لكن الجواب كان بعدم وجود رفيقه بالبيت ... فإستدار غاضباً , و عاد أدراجه الى باب المصعد الذي صعد الى فوق .. و بعصبية أخذ يكبس الزر لينزل بسرعة ..
و هنا !! توقف باب المصعد عنده , ففتحه بسرعة ليجد فيه فتاة صغيرة ذات السنوات الثمانية , تحمل لعبتها .. فأخذ يتأففّ , فهو لا يريد أن ينزل معها ..لأنه يكره الأطفال , و لا يطيق سماع أصواتهم المزعجة
لكنها قالت له :
- هيا يا عمّ إدخل ..المصعد كبير , يمكننا أن ننزل معاً
- (بغضب) : أفّ !! حسناً
فدخل لأنه كان مستعجل , و كبس زر الطابق الأرضي ....و ماهي الا لحظات حتى بدأ المصعد بالأهتزاز , ثم توقف نهائياً عن النزول ..
و هنا !! أضيء اتوماتيكياً , نورٌ خافت في ركن سقف المصعد ......
و فجأة !! تعالت صرخات الشاب الهستيرية , و البنت الصغيرة تراقبه بخوفٍ و قلق !
الشاب يصرخ خائفاً :
- إفتحوا الباب
و أخذ يطرق بقوّة على باب المصعد .. فحاولت البنت الصغيرة تهدئته :
- اهدأ يا عمّ , لقد إنقطعت الكهرباء !
- لا أستطيع التنفس .. أرجوكم إفتحوا الباب !!
ينادي البواب من خارج المصعد :
- من في الداخل ؟!!
فتجيبه الطفلة :
- عمّ أبوعلاء .. لقد علقنا
البواب : من معي ؟
- انا مها من الطابق السادس
- ابو علاء : مها أحمد ؟
- مها : نعم
- ابوعلاء : ألم يخبرك أحد إن المصعد معطل ؟!
و هنا يصرخ الشاب من جديد :
- ماذا يعني هذا ؟! أخرجني الآن !!!
- البواب أبوعلاء : من معك يا مها ؟!
- مها : رجلٌ لا أعرفه
و يتابع الشاب الصراخ .. فيقول له ابو علاء (من الخارج) :
- اهدأ يا رجل !! لقد أخفت البنت
الشاب بعصبية :
- إتصل بالمصلح فوراً !! ماذا تنتظر ؟!
- البواب : موعدنا معه بعد ساعة , لكني سأتصل به الآن ليأتي حالاً.. إصبر قليلاً....مها !! حاولي أن تهدئي من روعه , و سأجد حلاً
- مها : حسناً
و تابع الشاب الصراخ ...و بعد دقائق إنهار جاثياً على ركبتيه زائغاً البصر , و بدأ يتمتم بكلمات و بصوتٍ مخنوق :
- جدي ...أرجوك إفتح الباب
((و دارت في رأسه ذكريات اليوم الذي غّير حياته ...كان يومها في العاشرة من عمره عندما تجرّأ أول مرّة , بسؤال جدّه عن سبب ضربه له بسبب و بدون سبب ))
فردّ الجد غاضباً :
- أتريد أن تعرف لماذا أضربك ؟ حسنا !! سأقول لك
ثم سحب حفيده من يده , و الصغير يبكي و يناشده أن يتركه ..
و فتح الجد باب الخزانة الحديدية الصدئة , المرمية في أحد أركان باحة منزله , و الملتهبة من حرارة الشمس , و رماه داخلها ..
ثم صرخ فيه :
- الآن سأخبرك لماذا أكرهك !! لأنك في كل يوم تشبه أباك أكثر فأكثر , في شكله و حتى في أخلاقه السيئة !
- (يبكي) : هذا لا يبرر ضربي !!!
- و تجيبني ايضاً , يا قليل الأدب... الا تفهم !! أبوك قتل إبنتي
- (يصرخ مصدوماً) : لا !! هذا غير صحيح !
- بلى !! كان يضربها كالوحش , حتى في اليوم التي أنجبتك ..أتى لعندنا و طلب منها عقدها .. الشيء الوحيد الذي تبقى من ذهبها , فرفضت .. فجنّ جنونه.. فهو كان يريده للعب القمار..السافل !! لم يراعي انها نفساء ! و رماها من سريرها على الأرض بقوة .. و لم أستطع لا أنا و لا جدتك إيقافه ..و استطاع سحب العقد من رقبتها .. لكنه هرب , بعد أن رآى أمك فاقدة الوعيّ ..و لم يستطع الطبيب إنقاذها , بعد ان فشل بإيقاف النزيف !
آخ !! لو أعرف أين هرب , و الله لقتلته بيديّ !! و ها أنا عالقٌ مع إبنه .. إبن قاتل إبنتي !! و كلّه من جدتك (رحمها الله) .. ليتها تركتني أرميك في دار الأيتام , لكنت تخلّصت من هذا النسل الفاسد ! لكنها ماتت الآن , و تركتني معك !!
- بل يجب أن تحبني ..فأنا ذكرى لك من أمي !
فيصرخ الجد بغضب :
- لا !! أنت لا تشبه أمك بشيء , بل تشبه هو !! و لأني لم أستطع الانتقام منه , فسأعاقبك أنت بدلاً منه ...و الآن !! ستبقى هنا في الخزانة ..الى أن تتربّى .
ثم قفل الخزانة , و ابتعد و هو مازال يسبّ و يشتم ...
و ترك حفيده يصرخ من داخل الخزانة المعتمة بخوف :
- لا !! أرجوك يا جدي , الجوّ حار و الخزانة ساخنة... أرجوك إفتح الباب !!!
و كانت هذه الذكريات مازالت تدور في رأسه , حين قطعت أفكاره صوت البنت الصغيرة
و كان حينها يتمّتم بتعب :
- أرجوك يا جدي , إفتح الباب .. سأموت من الحرّ ... و الله أنا لست كأبي .. أنا لم أفعل شيئاً .. جدي !!
تقاطعه مها بدهشة :
-هل العم ابوعلاء .. جدك ؟!
الشاب و قد إنتبه على كلامه :
- أين أنا ؟!
- مازلنا في المصعد ...لما وجهك أحمرٌ هكذا ؟!
- من الحرّ
- بالعكس ! المصعد باردٌ جداً ...ما بك يا عم ؟ إنك تخيفني
- أنا فعلاً خائف
- أنت كبير !! يجب أن لا تخاف .. أنظر اليّ ..أنا أصغر منك بكثير , و مع هذا لست خائفة أبداً
- أنا فقط لا أحب ان أُحبس
ففاجئته بسؤالها :
- و هل كان جدك يحبسك ؟!
- ماذا ؟!... (بإرتباك).. نعم
- ربما لأنك كنت ولداً مشاغباً
- (يتنهد بحزن) لا أبداً
- اذاً لماذا لا تشكيه عند أمك و أبوك , و هما سيمنعانه ؟
- (مقاطعاً) أنا يتيم
- ماذا يعني هذا ؟
- ايّ ليس لديّ والدان
- حرام ! اكلاهما ماتوا ؟!
- أمي ماتت عندما أنجبتني , و أبي ..لا أدري أين هو(بصوتٍ منخفض) أتمنى أن يكون ميتاً
- (متفاجئة) لا تقلّ هذا الكلام ! هذا غلط ..هو يبقى أبوك
- لكنه كان سيئاً جداً مع أمي
- معلمة الدين تقول : إنه يجب أن نسامح كل من يخطىء معنا , و ندع الله يحاسبه عنّا
- (يتنهد بحزن) سامحه الله
- أرأيت !! هكذا أفضل... إمسك هذه
- ما هذه ؟
- إنها حلوى بطعم الحامض
- و ماذا أفعل بها ؟
- كلّها !! فأنا عندما أكون حزينة أو غاضبة من أخي الصغير , أو حتى خائفة من الأمتحان ..آكلها .. ثم أغمض عيني , و أفكّر بشيءٍ جميل ..وعندما تنتهي الحلوى , أفتح عينايّ و أصبح بألف خير .. صدّقني !! إنها حلوى سحرية .. خذّ جرّبها
و حينما سمعت الشاب يحطّم الحلوى بأسنانه , صرخت معاتبة :
- لا ليس هكذا !! عليك ان تمصّها بهدوء .. هيا خذّ حبة أخرى ..و الآن عليك أن تُغمض عيناك , و تُفكّر بشيءٍ جميل
- أنا ليس لديّ شيء جميل أفكّر فيه
- غير معقول ! ... كم عمرك ؟
- ثلاثين عاماً
- الا يوجد يومٌ جميل في كل هذه السنين ... هيا !! حاول من جديد
فأغمض عيناه , بينما كان يمصّ الحلوى .. ثم تذكر شيئاً , فابتسم ...
فقاطعته قائلة :
- هآ ...ارأيت !!
- ماذا ؟!
- لقد إبتسمت ... بماذا فكرت ؟
- تذكّرت اليوم الذي كان فيه جدي خارج المنزل ..و كنت في مثل عمرك تقريباً .. فأخذتني جدتي (رحمها الله) الى السوق , و لعّبتني بالمراجيح , و أشترت لي الحلوى... كان ذلك أجمل يومٍ في حياتي
- ارأيت !! الدنيا فيها أشياء جميلة ..علينا فقط أن نبحث عنها
- لما كلامك أكبر من عمرك ؟!
- (تضحك) هذا ما تقوله لي معلمتي أيضاً ..أتدري يا عم ..لم أعرف إسمك بعد ؟.. انا مها ..و انت ؟
- كان إسمي رضا .. لكن بعد وفاة جدتي , سمّاني جدي عاصي
- لكن رضا , أجمل من إسم عاصي !
- نعم أعرف
- وأين جدك الآن ؟
- لقد مات .. (بصوت منخفض) و الحمد الله
- إذاً !! سأناديك بعمو رضا
- رضا ! ... يآه... لم ينادني أحد بهذا الأسم منذ زمن , ذكّرتني بجدتي رحمها الله ....(و يسكت ثم يقول)... إخبريني الآن ..الى أين كنت ذاهبة ياعفريتة , في مثل هذا الوقت ؟
- لم يتأخر الوقت بعد ! كما إنني كنت ذاهبة لبنت الجيران في الطابق الأول لألعب معها , فإبنتي تحب اللعب مع إبنتها
- هآ... إذاً هذه إبنتك ..
و يشير الى اللعبة التي كانت تحملها
- نعم
- و ما إسمها ؟
- إسمها سلمى
- و بأيّ صفّ تدرس سلمى ؟
- سلمى مازالت طفلة ..الا ترى ؟!
- (يضحك) ...طيب , في أي صفّ تدرس أم سلمى ؟
- أنا في الصف الثاني ...و أنت بأيّ صفّ ؟
- أنا... (بحزن) كنت في الصف الخامس , عندما أخرجني جدي من المدرسة
- (بغضب) أفّ.... لما هو لئيمٌ معك هكذا ؟!
- كان يكره أبي
- وما دخلك أنت ؟!
- كان يقول إنني سأكون سيئاً مثله , عندما أكبر
- لا هذا غير صحيح !! ليس هناك أحداً مثل الآخر ... فأمي تقول : إن الله خلق كل إنسان مختلف عن غيره
- (يتنهد) صحيح و الله
- يعني أنت لا تعرف القراءة و الكتابة , يا عم
- بلى , أعرف قليلاً
- إذاً لما لا تعود الى المدرسة , بعد أن مات جدك
- لقد صرت كبيراً جداً على المدرسة
- لا هذا غير صحيح !! فجدي عمره ..لا أدري ..ربما مئة عام , فهو كبيرٌ جداً .. و مع هذا , دخل الى مدرسة الكبار , و صار يقرأ و يكتب ....هآ ما رأيك ؟
- لا أدري ..سأفكّر بلأمر
- طيب ماذا كنت تريد أن تكون , عندما كنت صغيراً ؟
- لا أذكر
- أعني , ماذا كنت تحب أن تفعل ؟
- كنت أحب اللعب بالكرة , لكن جدي كان يمنعني من رؤية باقي الأولاد , و يحبسني بالمنزل
- أفّ ...أنا أكره جدك هذا .. و الله لو لم يكن ميتاً , لضربته لك
فضحك رضا
- مها : إذاً أنت تحب الرياضة ؟
- نعم كثيراً
- إذاً ...لما لا تعمل عندنا في المدرسة ؟
- و ماذا أعمل ؟
- أستاذ الرياضة في مدرستي سافر للخارج , و هم يبحثون عن أستاذ آخر ...تعال لعندنا... و الله سيحبوك كل اصدقائي
- أنا لا أحد يحبني
- لماذا ؟!
- لأني شرير
- لا من قال هذا ...لحظة !! إذاً قلت لي جدك ثانية , (بعصبية) والله سأضربك أنت
فيضحك
و تتابع مها :
- أنت طيّب وأنا أحببتك كثيراً .. هيا قلّ إنك ستعمل في مدرستي !!
- حسناً , سأفكّر في الموضوع .. لكنك لم تخبريني بإسم المدرسة ؟
بحماس و فرح :
- مدرسة الأجيال !! إنها هناك في آخر الشارع ...هل عرفتها ؟
- نعم عرفتها
- جيد... يجب عليك ان تعمل , كيّ تشري الحلوى لأولادك
- أنا ليس عندي أولاد
- كيف ؟! كل الكبار لديهم أولاد ؟
- أنا لم أتزوج بعد
- لماذا ؟
- لأني قبيح .. و لا توجد من ترضى بي
- (مستغربة) لكنك جميلٌ جداً !
- (بإستغراب) جميل !
- نعم كثيراً .. إنك تشبه ذلك الممثل في التلفزيون (..) كأنك هو ...إذا كنت لا تصدقني , أنظر في مرآة
و على الضوء الخافت , إقترب رضا و نظر في مرآة المصعد , و هو مندهش :
- (بصوت منخفض) .. فعلاً .. شكلي لا بأس فيه !
- (مها متعجبة) الا يوجد مرآة في منزلك ؟!
- بلى... لكن هذه أول مرة أرى نفسي فيها هكذا !
و يقطع حديثهما صوت المصلّح , يتكلّم معهم من خلف المصعد و أمامه البواب :
- المصلّح : هآ قد أتيت !! سأصلحه بسرعة... كيف حالكم ؟
- مها : نحن بخير !!
- البواب أبوعلاء : و أنت يا رجل.. كيف حالك ؟
- (يبتسم) رضا : أصبحت بألف خير
- المصلّح : خمس دقائق و نخرجكم... أصبرا قليلاً !!
- رضا : حسناً
ثم اقتربت مها من رضا , و تنهدت بحزن
- رضا : ما بكِ ؟!
- أتدري ...حتى الآن لا أعرف ماذا سأصبح عندما أكبر
- يجب أن تكوني طبيبة نفسانية
- (مها مستغربة) : و ماذا أعمل ؟!
- كما فعلت معي الآن ..تكلمي مع المريض , و سيشفى بإذن الله بسرعة
- لكنك لست مريضاً !
- بلى , كنت مريض .. أما الآن و بفضلك , أصبحت أفضل بكثير
- لم تخبرني بعد ...هل سأراك في المدرسة غداً ؟
- (يبتسم) الأستاذ رضا ...و الله لم أتخيل نفسي يوماً , أن أكون معلماً !
- إذاً هل ستدرّس في مدرستي ؟
- من الجيد إنني خسرت عملي اليوم .. فمن كان يتصوّر , من ساعي الى معلم رياضة !
مها بفرح :
- يعني قبلت !!
- لا أستطيع أن أرفض , بعد كل هذا الإلحاحّ
يصرخ المصلح من خلف الباب :
- دقيقة وحدة و سينزل المصعد !!
- رضا : حسناً !!
- رضا : هآ يا مها... استذهبين الى صديقتك الآن ؟
- لا .. من الأفضل أن أعود الى البيت , لقد تأخر الوقت ..سأزورها مرة ثانية , فأنا جائعة ....آه صحيح !! تعال و كلّ عندنا , ستكون أمي الآن إنتهت من تحضير الغداء .. و الله أكلها لذيذٌ جداً
- لا يا مها , يجب أن أذهب .. لكن شكراً لك
ثم فُتح باب المصعد ...و سلّم رضا على مها , التي عادت الى المصعد لكي تعود لمنزلها في الطابق السادس ..و بعد أن شكر رضا المصلح و البواب ..
إقترب من باب البناية .. فناداه البواب :
- ابوعلاء : عفواً ..أنا لم أرك هنا من قبل ؟!
- رضا : أنا لست من سكان المبنى , كنت أزور صديقي في الطابق الخامس ..لكني لم أجده , سأزوره مرة أخرى
- لقد أخافني صراخك
- (يضحك) كنت خائفاً , لكن مها بكلامها اللطيف , هدّأتني
- نعم , جميع من في المبنى يحبها
- حماها الله
- لا تؤاخذنا يا سيد...
- رضا ...لا يهمّ ...و عفواً إذا كنا أتعبناك
- لا أبداً , هذا واجبي ...مع السلامة
- مع السلامة
و قبل أن يخرج من المبنى , نادته مها :
- عمو رضا !!
- رضا : الم تعودي الى بيتك بعد ؟! ستقلق أمك عليك
- مها : نسيت أن أعطيك هذه
- ما هذه ؟!
و أعطته كيس الحلوى بالحامض
- مها : إنها الحلوى , كلّ منها كلما كنت حزيناً .. لكن لا تنسى ان ...
- رضا (مقاطعاً ) سأغمض عيناي , و أفكر بشيءٍ جميل ...فهمت يا معلمتي
- ضروري !! و الاّ لن تقوم الحلوى بعملها السحري .. لكن بماذا ستفكّر هذه المرة .. أبجدتك أيضاً ؟
- لا .. بل باليوم الذي علقت فيه , مع أجمل بنت في العالم .... سأراك غداً في المدرسة
- إذاً سأناديك من اليوم , بالإستاذ رضا !!
فابتسم رضا وقبّل رأسها ....
و خرج الى الشارع , و في الطريق ..إقترب من الأولاد الذين كانوا يلعبون الكرة في الشارع .. فخافو منه !... فأخذ الكرة .. لكن هذه المرة , لم يرمها بعيداً كعادته .. بل لعب بها بمهارة و خفّة ..فصفّق له الأولاد (و هم مندهشون) .. ثم لعب معهم قليلاً , و بعدها سلّم عليهم ....
و مشى بعيداً , و قد إرتسمت على وجهه إبتسامة عريضة .. فقد شعر و كأنه وُلِد من جديد .. و لأول مرة , لم يعد ناقماً على الحياة ..
فتمّتم في قلبه قائلاً :
- شكراً يا حبيبتي مها
تاريخ النشر: 2016-02-04
للمزيد من مقالات الكاتب : امل شانوحة
التعليقات (28)
امل شانوحه - محررة - :
هذه آخر قصة قصيرة كتبتها للموقع , فباقي قصصي هي سيناريوهات افلام طويلة
و الى ان اتفرّغ للكتابة من جديد , سأهتم هذه الفترة بتنقيح قصصكم
ملاحظة :
بطلة هذه القصة : هي طفلة صغيرة , و لذلك تعمّدت ان يكون الحوار بسيطاً
آمل ان تنال اعجابكم
تحياتي لكم
مصطفي جمال:
اعجيني بساطة الحوار و القصة فالبداية احس بقسوة الحياة لكن كلما اقتربت من النهاية يظهر الشيء الجميل من الحياة ليست كل الحياة جميلة و ليست كل الحياة سيئة بل هي في المنتصف يظهر في القصة ايضا برائة الطفولة و كيف هي الطريقة الامثل للعلاج هو التكلم مع الاطفال فلديهم بساطة ي الحوار و كلام جميل و برئ كلما كبرنا في السن كلما صعبت الحياة خذ الامور ببساطة
"مروه":
احساس عالي جدا .. جميل:)
غريبة الاطوار:
شكرااا لك القصة رائعه جدا جدا
اعشق القصص التي تتكلم عن الامراض النفسية
عدوشه:
عزيزتي امل انتي رائعه مبدعه جدا تفوقت ع نفسك يا امول اتمنى لك مستقبل كتابي مزدهر والله يبعثلك الخير حبيبتي
هابي فايروس:
أبكتني'_'
مبدعه ي أمل..،
ناطحه السحاب:
من طريقه تنقيحك للقصص
تبين انك شديده الملاحظه ودقيقه..
بارعه ايضا في سد الثغرات ..متانيه
وتصبرين علي قصتك حتي تقتنعي انها باتت مكتمله..
نوع قصصك نختلف قليلا وله لون مميز خاص به
لا تحيدين عن نفس الاسلوب بكل مره وبكل قصه
عيبك!
تراعين ابسط قارئ وتهبطين للمستوي البسيط المباشر
وتقدمين كل الاستفسارات علي طبق من دهب..
مع ان القاعده تقول:دع القارئ يرقي لمستواك لا ان تهبط لمستواه!
.
اتمني ان اجد قصه لك وضعتي فيها كل قوتك وفصاحتك وحكمتك
كهرمان:
اعجبتني
اية:
استاذتي الحبيبة آمل و الله كنت انتظر قصة من قصصك، قصة تسعدني ففي البداية توقعت انها ستكون شبحا لكن قلبي اطمئن عندما انهيتها و كأن رغبتي بالحياة تجددت وااو حقا هائل احبك استاذتي انت قدوتي
كارمن:
قصة رائعة
حمزة عتيق:
الأطفال ببراءتهم يعلمون الكبار درسا لا ينسوه مدى الحياة .. شكراً لك أخت أمل .. بدون مجاملة لا أذكر أني قرأت قصة و ابتسمت فيها غير هذه ربما لاني أحب الأطفال .. تحياتي لك
الفارس الأسود:
رائعة
بائع النرجس:
سلمت يمناكى اختاه
نتمنى لكى مزيد من التقدم
سؤال عابر
أما فى شىء لنا فى الطريق
طلب أو رجاء أخير
نرجو من الإدارة عند حذف أى قصة بيان السبب حتى ترتاح قلوبنا
وشكرا على رحابة الصدر وأتمنى الرد
وتقبلوا نرجسى هدية متواضعة
بائع النرجس
محمد حمدي:
كادت عيناى ان تدمع من تأثير ما قرأت
جميلة القصة
القطة السوداء:
رااااائعة والله قصة رائعة
CHANYEOL -EXO-:
يا الهي هذه اجمل قصة قرأتها ، عندما قرأت عنوان القصة ظننتها قصة مرعبة ، لكن اتضح عكس ذلك ، بالفعل يجب ان لا يُحكَم الشخص فقط بالنظر إلى عمره ، اشكرك استاذة امل ، لقد قرأت جميع مواضيعك التي نشرتيها وقد احببتها جداً ، شكراً مرة اخرى ^_^
اميرة الرعب:
هذه اجمل واكثر القصص تأثيرا من اي قصة قرأتها شكرا لك وسلمت يداك عنجد بدأت ابكي ع اي حال شكرا لك مبدعة ♥♥♥
Darke maker:
قصة رائعة...
فعلا بعثتي في نغسي شيئا..لا اعرف ماهو..لكن احسست ان العالم الان بكل خير تعلمت ان انظر الى الحياة ب...بنظرة طفل شكرا جزيلا لك سيدة امل
محمد ابو العز:
احسنتي انسة امل لقد اعجبتني قصتك كثيرا لدرجة انني ابتسم في كل سطرا اقرأه .... كم احسدك على طريقة سردك واتمنى لو اصل لمستواك في الكتابة ...
تم نسخ القصة وارسالها لجميع الاهل والاصدقاء :)
شريف حسن:
القصة بأختصار روعة
seema:
جميل ماقرأت .. شكرا أمل .. أنتي فعلا اسم على مسمى ..
أتمنى أن يجد جميع المجرمون وأصحاب النفوس الضعيفه في هذا المجتمع أمثال مها .. ستصلح مالم يستطيع إصلاحه الكبار ..
مها أحمد هي ممثله مصريه .. أعتقد أن المصعد سيتعطل فور صعودها إليه #_#
غاده شايق:
السلام عليكم
القصة جميله ، بالرغم من البدايه الكئيبه الا ان نهايتها السعيده أثلجت قلبي ، عكس قصة القناص والاشباح كلها حزينه كئيبه حتى غلبني إبداء رأي .
المرء منا ضعيف كلمة صغيره طيبه تغير من مفاهيمنا ورؤيتنا للأشياء ، ومن يتغير للأحسن يستطيع ان يرسم بسمة على الوجوه ، الفكرة رائعه أعجبتني .
تحياتي...
عزف الحنآيـا:
يــاه كم هي جميلة وممتعـة قصتك استاذة أمل !!..
كم أحب الأطفال ومجالستهم والسمـاع لحديثهم المبهج !!..
قصتك جعلتني ابتسم لاشعورياً أحببتُ الطفلة مها ذكرتني ببعض المواقف الجميلة التي حدثت في طفولتي ..
شكراً لكِ أستاذتي الرائعة ..
دمتي بخير وبسعادة دائمة_
عاشقة كابوس:
قصة جميلة و خاصة تصوير براءة الطفلة من خلال حوارها البسيط، أحسنت بالفعل قصة ممتعة و جميلة
أبو مجد:
شكراً لك أيتها الرائعة أمل .....
صدقيني عندما أفتح هذا الموقع وأجد أحد كتاباتك أفرح وأبدأ بقراءته لأنني أعلم بأنه سيكون ممتعاً
وفقك الله
ساره:
جميل جدا
(اميرة الاساطير):
قصه رووووووووووووووووووووعه
سلمت يداك ^--^
ههههه اعتقدت ان الفتاه مسكونه بشبح الجده;-) لكن خاب ظني
استمررري ايتها الكاتبه المبدعه
اميرة الاحزان:
انتي ماهره اعجبت بأسلوبك استمري