الفيلسوف
فلسفة بكاء الرجل
![]() |
البكاء سلوك تلقائي يستخدم للتعبير عن المشاعر والعواطف |
يقول الدكتور ألان مورفي ، من جامعة فلوريدا الأميركية ، إن البكاء استجابة طبيعية لما يحدث لدى الإنسان من توتر أو لما يحل به من حزن أو ألم ، فالأنسان يحمل في داخله أجهزة بالغة الدقة تُعرف بشبكة الأعصاب ، و التي تمتد من رأس الإنسان إلى قدميه ، و أعجب هذه الأجهزة و أدقها هي شبكة الأعصاب التي تتحكم بالعين ، و يضيف ” كل الاستجابات التلقائية من السهل فهمها ، لكن هناك استجابة واحدة مرتبطة بالعين يصُعب تفسيرها ، و هي استجابة البكاء”.
![]() |
القنوات الدمعية في العين مرتبطة بشبكة أعصاب معقدة مرتبطة بالدماغ |
لم أستطع يوماً ما أن اكتشاف العلاقة بين بكائي الحار و ارتياحي النفسي ، حتى أنني أواجه مواقف كثيرة بالبكاء ، حتى و إن كانت بنظر البعض بسيطة و تافهة ، أغتسل من داخلي من غبار شحنات سالبة تتربص بقلبي و تقضم من سعادتي ، مواقف يومية مكررة أو مشكلات جسيمة في ما يتعلق بالحياة.
لذلك أن تكون إنساناً مثالياً هو بالتأكيد رغبة كل شخص على هذه الأرض ، بالطبع ، لكل شخص معاييره الخاصة حول كيف يمكن أن يصبح إنساناً مثالياً ، لدي أيضاً معايير خاصة بي حول الفهم الإنساني المثالي الذي أعتنقه ، فلسفتي هي فلسفة الدموع.
كبشر ، لدينا بالتأكيد ما يُسمى بالغدة المسيلة للدموع ، هذه الغدة الدمعية هي التي تستمر في إنتاج الدموع ، بهذه الطريقة لن تجف أعيننا ولن نكون قادرين على رؤية مدى جمال أو سوء العالم.
لا تُرى الغدد الدمعية بشكل مباشر و لا الدموع و مع ذلك فإن ما يميز الدموع و الغدد هو أن الدموع ستكون مرئية من حين لآخر ، على سبيل المثال ، عندما نكون سعداء للغاية فإننا نبكي عن غير قصد. كذلك أيضاً عندما نشعر بالحزن ، سنبكي على الفور و نطلق دموعنا.
![]() |
عندما نيكي نشعر بالارتياح |
بمجرد أن تبدأ العيون في التحسن أو – لا سمح الله – الدمع ينزل على الخد ، لن تكون شخصاً قوياً بعد الآن ، يُنظر إلى البكاء و خاصة بين الرجال على أنه علامة ضعف في العديد من الثقافات ، لما هذا ؟ عندما يكون رد فعل جسدي طبيعي و أول شيء نفعله كأطفال و نحن ندخل العالم ؟ نبكي ، أوليس صحيحاً ؟ إذاً سأحاول في هذا المقال تسليط الضوء على موضوع ( هل من الخطأ بكاء الرجل؟ ) من وجهة نظري الخاصة .
![]() |
هذا الفتى يعزف الموسيقى خزناً على فراق معلمه |
طبعاً ليس من الخطأ أن يبكي الرجل ! في الواقع إنه أمر حيوي ، إذا كان الشخص لا يبكي عندما يحتاج إلى البكاء فإنه سيعاني و سيسبب المشكلات لنفسه ، قد يبدأ بالاكتئاب و قد ينتحر الشخص أو ينفجر بغضب تجاه الآخرين و من حوله ، و قد يُصاب بقرحة أو سرطان – نعم ، السرطان مرتبط بالفعل بالتوتر – و قد يُصاب بالصداع النصفي.
![]() |
حتى رؤساء الدول يبكون حزناً أو كدموع التماسيح |
دائماً ما تتردد على مسامعي جملة ( الرجال لا يبكون ).
و لكن من وجهة نظري أن الرجل الحقيقي الذي لا يخاف مما قد يقوله الآخرون عنه عندما يبكي ، و لا يرفض الصراخ من العار أو الخوف مما قد يراه الآخرون.
إن الإساءة العاطفية للذكر بسبب البكاء فعلاً أمر خاطئ للغاية و يخضع الذكر و يشجع على الاكتئاب والميول الانتحارية ، فضلاً عن مشاكل الغضب ، حقيقة أن الذكور يستمرون في قمع مشاعرهم و تعذيب أولئك الذين يظهرون مشاعرهم ، يضمن استمرار هذا الخطأ.
![]() |
و قد يبكي الرجل تحت المطر ليخفي دموعه |
نعم ، أنا أدرك تماماً أن بعض الإناث المسيئات لفظياً وعاطفياً يسيئون معاملة الذكور لمجرد بكائهم وإظهار مشاعرهم ، وأنا أعلم أن هذا أمر مؤلم للغاية و – لأكون صريحة – أنه أمر شرير بنظري.
![]() |
بعض الإناث المسيئات لفظياً وعاطفياً يسيئون معاملة الذكور لمجرد بكائهم وإظهار مشاعرهم |
من الطبيعي أن يبكي الشخص عندما يحزن ويتألم – لكلا الجنسين – يجب أن يُنظر إليه على أنه طبيعي ، وعدم القدرة على البكاء أمر غير طبيعي ، تماماً كما أن الخوف من البكاء خوفاً من سوء المعاملة عندما يفعل ذلك ، هو أمر مرهق للغاية وهذه الإساءة لها تأثير غير مباشر لمدى الحياة.
هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نبكي ، و حتى مجرد قصة حزينة – على الشاشة أو الصفحات أو المسرح وما إلى ذلك – يمكن أن تجلب الدموع إذا تأثرنا بما فيه الكفاية ، لا عيب أبداً في أن تكون على أتصال فعلياً بمشاعر الشخص.
عندما يُولد مولود جديد فمن الطبيعي البكاء ، عندما نحصل أخيراً على نتيجة اختبار إيجابية بعد الانتظار لفترة طويلة ، عندما يعود طفلك إلى المنزل مرة أخرى بعد سنوات من الانفصال ، عندما يتعافى صديقك من المرض .
![]() |
عندما يُولد مولود جديد فمن الطبيعي البكاء |
(الرجال الحقيقيون يبكون ) والأهم من ذلك أنهم لا يخجلون من القيام بذلك ، هم يمتلكون دموعهم ، إنهم يحتضنون عواطفهم. والشخص الذي يمكنه احتضان كل مشاعره يمكن أن يكون شخصاً كاملاً – سواء كان ذكراً أو أنثى ، إذا لم يتمكنوا من البكاء فهناك شيء مفقود .
“كن رجلاً بما فيه الكفاية ، لا تبكي”.
“الرجال ليسوا عاطفين ، لذلك لا تتصرف كالنساء!”.
“الرجال أقوياء لا يذرفون الدموع”.
كل هذه مجرد أشياء قليلة ، يتعلمها أولادنا منذ الصغر ، لقد تعلموا أن يكونوا أقوياء ذهنياً و بدنياً ، حتى يصبح قلبه من حجر يأبى التعبير عما بداخله ، تتم مقارنتهم بالنساء “الضعيفات” في أوقات الانهيار العاطفي والإعاقات الجسدية ، لذا فإن رجالنا ، يكبرون ليكونوا أقوى المخلوقات البشرية ، على الأقل هذا ما يعتقده العالم !.
![]() |
لا تبكي يا صغيري فأبوك سقط في ساحة المعركة احبس دموعك أنت رجل |
تتطور تصورات مختلفة في رؤوس الآخرين عن الرجال بأنه يجب أن يكونوا “بلا عاطفة” و لكن بنظري ذرف الدموع لا يجعلك ضعيفاً ، الرجال الذين لا يذرفون الدموع لا يجعلهم بلا عاطفة أيضاً ، ولكنني سأوضح الأمر ، أن هناك طرق مختلفة يعبر بها كل شخص عن مشاعره ، قد يكون على شكل دموع أو غضب أو قد يكون من خلال التزام الصمت لفترة ، المهم بالنسبة لنا هو تغير فهمنا.
![]() |
رغم شجاعة الجنود في المعركة الا أنهم يذرفون الدموع على فقدان رفاقهم |
أولاً ، يجب تغيير تصور الرجال “الأقوياء عاطفياً” في أذهاننا الذي نعتبره مناسباً جداً “بلا عاطفة” ، لا بأس في أن تكون قوياً عاطفياً و لكن أن تكون مخدراً عاطفياً هذا ليس جيداً من الأساس ، و أن الهموم المتراكمة ستجعلك تتأكل تدريجياً من الداخل ، فأحياناً تنسى من أنت فيجتاح قلبك الظلمة الحالكة .
لقد رأيت أمثلة من الرجال في صورة أبي ، أخي ، الذين وأجهوا الكثير في الحياة والذين يعانون من المشاكل كل يوم ، إلا إنهم لا يبكون عليه كل يوم ، لكنني أعلم أنهم أصيبوا في الداخل ، ربما لأنهم تعلموا منذ البداية ، و ليس لأنهم صُنعوا أقوياء بما يكفي لمواجهة مثل هذه الأشياء في الحياة.
![]() |
يحاول الرجال اخفاء دموعهم مهما عانوا من المشاكل |
إذا كنت رجلاً و لم تكن قوياً عاطفياً فلا بأس بذلك ، أصرخ بصوت عال ، اتركه ، فلن يجعلك ضعيفًا ، الناس سيحكمون عليك مهما حدث قد يسمونك بأسماء و لكن ما لم يساعدك البكاء على التنفيس عن الكم الهائل من الضيق الموجود بداخلك ، كل هذا لا يهم ، صدقني لا يوجد شيء أصدق من العيون التي تذرف الدموع ، يربط الناس هذا بالنساء ولكنه صحيح أيضاً بالنسبة للرجال.
ليس من الخطأ أن تبكي ، بغض النظر عما إذا كنت رجلاً أو أمرأة ، إلا إذا كان البكاء يجعلك تشعر بتحسن و أخف وزناً وأكثر سعادة.
في حين أن العادة الشائعة هي انتقاد الأشخاص الذين يبكون على قلة قوتهم و تشويه سمعتهم و الاستهزاء بهم ، فإن الإسلام يرفع من يبكي إلى أعلى مرتبة ، إذا كان هناك أي شيء ، فإن إحدى علامات ذروة الإنسان هي قدرته على البكاء.
![]() |
البكاء نعمة فالدموع تغسل العين و تطهرها من الأوساخ |
لذلك ، فإن العبوس على بكاء الرجال هو الاستهزاء بإحدى بركات الله ، لهذا السبب أن قلة الدموع “علامة على سوء الحظ” عندما يفحص المرء شذرات الحكمة هذه ، من الواضح أننا يجب أن نكون شاكرين لله لأننا في داخلنا نذرف دمعة واحدة على الأقل ، إذا كنا نفتقر إلى هذه القدرة يجب علينا إعادة فحص أنفسنا لنرى لماذا لم يمنحنا الله هذه الخاصية ؟ من الواضح أن البكاء صفة إيجابية مقابل صفة سلبية.
من وجهة نظر روحية وأخلاقية ، يجادل الكثيرون بأن السبب الجذري لمعظم الأفعال الخاطئة للرجال يرجع إلى قسوة القلب ، وهو أمر له تعاليم واسعة.
إن المعاناة من هذا المرض الروحي تقتل شفقة الإنسان حيث لن يكون لديه / لديها تعاطف أو القدرة على الاستماع إلى البوصلة الأخلاقية الفطرية.
و في النهاية أريد أن أقول أن :
دائماً ما تناقش الشخصيات والنصوص الرئيسية لكل دين تقريباً البكاء كسمة إيجابية ، من بوذا إلى جورو ناناك ، إلى الأنبياء الإبراهيميين ، إذا بكت هذه الشخصيات السمحة في تاريخ البشرية فلا شك في أنها يمكن أن تكون شيئاً جيداً فقط ، و من ثم حان الوقت لتغيير طريقة تفكيرنا وننظر إلى البكاء على أنه فضيلة وليس مرضاً ، في المرة القادمة التي يبكي فيها شخص ما أمامك أحتضنه وشجعه ولا تجعله يشعر بالضعف لفعل ذلك ، فإن البكاء هو علامة على التواضع والاستنارة ، و القلب رقيق.
![]() |
البكاء من خشية الله سبحانه أمر ايجابي و يدل على الخشوع |
و يُعرف البكاء علمياً بأنه إحدى مفردات الطبيعة البشرية ، و سلوك تلقائي يستخدم للتعبير عن المشاعر والعواطف ، أو كردة فعل طبيعية للجسم بسبب رائحة معينة مثل البصل ، أو تلوث في المحيط الخارجي كالأتربة والغبار، ويبدأ الإنسان بالبكاء من اللحظات الأولى لولادته ، بغض النظر عن الأسباب والمحفزات.
يبدو أن كثير من الرجال ممن سألتهم عن ما إذا كان البكاء يعزز صحتهم النفسية ؟ استاءوا من سؤالي هذا ، والغريب أن جميعهم رددوا على مسامعي سؤال في الاتجاه المضاد ، فعوضاً عن الإجابة عن سؤالي وجدتهم يتساءلون : و هل يبكي الرجل ؟.
![]() |
يتعلم الرجل العربي خصوصاً منذ طفولته أن البكاء غير لائق به |
مع أنني أعلم الإجابة ، حيث يتعلم الرجل العربي خصوصاً منذ طفولته أن البكاء غير لائق به ، و هو وانتهاك لرجولته التي يجب أن تتسم بـ”الخشونة والحكمة” ، لكنه ضرورة للتخلص من شدة الضغوط النفسية ، وأشار بعض الرجال إلى أنهم يحسدون النساء على هذه الصفة لأنها تخفف الكثير من الأحزان والمتاعب.
و من هذا المنطلق أحببت أن أطرح السؤال في الموقع مرة أخرى ، لعلى ألقى من يجيبني بكل صراحة من الأخوة الكرام ، ليس لأهانتهم والعياذ بالله ، فقط لفضولي الشديد ، لأنني قد أوضحت رأيي في الأعلى.
هل من العيب بكاء الرجال ؟ شاركوني بآرائكم .
تاريخ النشر : 2020-11-16