أدب الرعب والعام
في ورودهِ دِماءٌ مالحةٌ
![]() |
أتاكَ الوَردُ مَحبُوباً مَصُونًا كمَعشوقٍ تكَنّفَهُ الصّدودُ |
“أتاكَ الوَردُ مَحبُوباً مَصُونًا .. كمَعشوقٍ تكَنّفَهُ الصّدودُ “.
على سفحٍ جبلٍ صدحت من قلعةٍ فخمةٍ ضوضاء عالية ، عجت بقهقهات و رقص النبلاء من الطبقاتِ الراقيـةِ ، دغدغت أناملُ الهيامِ لُبَ قُروي من عامةِ الشعـب لأميرةِ المملكة ، فأقسمَ على لمسِ كفيها حتى لو كلفَ تهوره هذا فنائهُ في زنزانةِ قصرها البائسةِ.
أخذ معه عربةً خشبيةً طافحةً بكل أنواعِ المشروبات والعصائر و تقدم للقلعةِ بحجةِ أنه مأمور من دُوقٍ القصرِ بذلكَ ، فأفسحوا له مجالاً للدخول و هنا رفرفَ وجدانهُ إعلانًا بانتهاء الشوطِ الأولِ.
بدهائهِ و مكرهِ و أكاذيبه الأنيقة أقنعَ حراس بوابةِ القاعةِ بتوزيع المشروباتِ محدثاً إياهم عن علاقتهِ الوطيدةِ بولي العهدِ والأسرةِ الحاكمةِ و أنه فضل عيش عيشةٍ متواضعة على عيشة القصر ، إلا أنهم تراجعوا في الثانية الأخيرة و طلبوا دليلاً واضحاً ، فما كان للشاب إلا تمويههم و اقتحام القاعة جاذباً أنظار الجميع حوله ، و دخول الحراس للقبض عليهِ رغمَ مقاومتهِ إياهم زاد الطين بلة ، حتى قاطعَ ضجتهم صوتُ الأميرة التي تقدمت نحوه بخطواتٍ حذرةٍ ، تأملَ حركاتها و خطواتها و نظراتِ عيناها حتى تلك الشامةُ التي تزين أسفل شفاهها ، فُتنَ بهَا فنسي أسمهٌ غارقاً في تفاصيلها !.
بكل جرأةٍ دعاهَا للرقصِ ، و لولا حب الملكِ لابنته لدعاه هو لضربه بسيفهِ ، أخرست الأميرة الألسن الساخرةَ الضاحكةَ بصوتهَا المخملي العميقِ “موافقة بشرطٍ واحدٍ، أحضر لي وردةً حمراءَ كحمرةِ الغسق”.
ذُهلَ الشاب من طلبها العسير ، فهم في فصل الشتاء الخضلِ ، رغم ذلك لم يسمح لسنارة اليأس باصطياده و قبل بكلُ رحابةٍ صدرٍ وغادرَ ، بحث هنا وهناك و قلبَ المملكة رأساً على عقب و لم يلتقط بصره طلب الأميرة.
هناك أحبطَ و خاب أملهُ فاستسلمَ عائداً لمنزله ، حتى لمحَ عصفوراً حط على كتفه فراح يشكي له همهُ و كمدهُ ، ثم رفع وردةً بيده لتقابل العصفورَ قائلاً ” هذا ما وجدته يا صديقي ، وردةٌ بيضاءٌ تنادي لعزاءٍ على روحي الميتة ” خطفَ العصفور الوردة بمنقاره و رماها على الأرض ثم أتى بغضن مكسورٍ من شجرة الصنوبر وغرسه في قلبه حتى تلونت الوردة البيضاء القضة بدمائهِ ، كل ذلك تحت أنظار الشاب الذي لم يأبه بتضحية العصفور، أخذ الوردة مسروراً راكضًا للأميرة ، دخل القاعة مجدداً ثم نطق لاهثًا
” ها قد نفذت شرطكِ و وفيت بوعدي ، فهل لي برقصةِ يا مولاتي ؟” رفع الوردة نحوها جاثًا على ركبته منتظراً ردها ، فلامست أناملها يده الباردة ساحبة الوردة ثم رمتها فسَحقتها أسفل قدمها متابعةً “صعلوك أهوج ، لم أرى يوماً بليداً بحماقتك ، هل صدقت فعلاً أن من بمقامي ستقبلُ بفلاحٍ متسول ؟ ” ثم استدارت لأحد أبناء النبلاء لإتمام رقصتها الشامتَةِ ، طأطأ الشابُ رأسه تعبيراً عن تحطم رقبة كبريائهِ لتتناثر أخيراً حباتُ اللؤلؤِ المالحةِ من محجريهما على بتلات وردتهِ الذابلة.
النهاية ……
تاريخ النشر : 2021-03-25