تجارب ومواقف غريبة
قاعة السينما المسكونة 2
للتواصل : zatrra@yahoo;fr
![]() |
خُيّل إلي أني لو كنت أخذت القطعة مكانه لصرت إلى ما صار اليه |
طلبت من السيد “ب ل” أن يُكمل سرد قصته الغريبة ، فقال :
أنني تحاشيت أن أنظر إلى جموع المتفرجين وهي تغادر القاعة لا لشيء سوى أني كنت لا أريد أن أرى مرة أخرى تلك العيون الغريبة وتلك النظرات القاتلة ، وقد طلبت من صديقي بعدها بأن لا يتأخر عن عمله كالعادة و أن لا يحرجني بأن أبيع التذاكر خلال مماطلته ، فقلت له ” نعم ، و لكن ما الذي حدث لصديقك القابض ، هل رأى ذلك الشخص الغريب ؟.
فتبسم ثم قال ” لا ، أبداً لم يقابله ، بل ذلك الشخص لم يعد مرة أخرى ، ولكن الغريب بالأمر هي تلك القطعة النقدية التي استبدلها صديقي .
فقلت مستغربا “القطعة النقدية أم الشخص الغريب ؟.
فقال صديقي ” بل القطعة التي فعلت الأعاجيب”.
بعد مرور حوالي شهرين لأحظت فرقاً جذرياً في تصرفات وسلوكيات صديقي إذ كان دائماً يأتي إلى العمل مبتسماً و رائحة العطور الثمينة تنبعث من ذاته فتملاء مدخل الباب الكبير وكشك بيع التذاكر و أحياناً كنت أباغته فى الكشك فأجده يغني و ينقر على الطاولة.
فقلت مقاطعاً “هل أُصيب بجنون ؟ “.
فقال ضاحكا ” لا ، بل أصبح ثرياً “.
قلت مندهشاً “ماذا ، ثرياً و كيف ؟.
فقال ” أصبر”.
و بدأ القابض يرتدي بدلة في الزوال وبدلة في المساء ، وكان أحياناً يقول بجد ” اذا كنت بحاجة إلى بعض المال فسأقرضك و سدد كما تشاء و وقتما تشاء”.
فكنت أجيب باستغراب و مازحاً “هل أنت جاد ؟ “.
فكان يقول “نعم”.
ثم سمعت ذات يوم بأن الإدارة تعمل على ترقيته وسمعت من مصدر موثوق بأنه بدأ يبحث عن سيارة ليقتنيها .
وضربت الأخماس في الأسداس ولم أفهم شيئاً ،
ما سر هذا الانقلاب الكبير ؟ أي حظ سعيد !
لقد ضحكت الحياة لصاحبنا .
فعزمت أن أبادره بالسؤال ذات يوم ” هلا تفضلت وقلت لي ما سر هذا التحول الجذري الذى أنت فيه ؟ “.
فقال ” ألا تعلم أنها القطعة النقدية ، كان عليك ألا تبدلينها أبد يا صديقي”.
فقلت وقد شعرت ببعض الغيظ ” أنا لا أحسدك ولم أعر لتلك القطعة أي اهتمام ، على العموم حظ سعيد”.
واستمر صديقي على هذا المنوال عدة شهور وكان يزداد سعة و زيادة في الرزق وقد انتقل إلى وظيفة أخرى و كان يزورني بين الحين والأخر ويعرض علي المساعدة المالية ،
وكنت قد نسيت الموضوع بل رأيتني في بعض الأيام أدخل الكشك وأبيع التذاكر ، ولعبت الحياة لعبتها ودارت الأفلاك دورتها وعاد صديقي إلى حيث عمله السابق بائع التذاكر ، ولا أخفي عليم بأني استغربت الأمر وبادرني بالإجابة قبل أن أسأله “إنها الوشاية إلى المدير ‘ لقد كانوا يكتبون تقارير مختلفة عني”.
وها أنت كما ترى ، ولم استطع أن اهضم الموضوع ، كنت أشعر أنه يخفي عني شيئاً ما
، و مع مرور الأيام سرعان ما لاحظت أن هندامه غير متناسق وتسريحة شعرة منكوشة ولم أعد أشم منه رائحة فارهة ، حتى طلب مني ذات ليلة عندما انتهينا من العمل بأن أقرضه بعض المال ، وكانت دهشتي كبيرة فوافقت فوراً ، فسألته مرة أخرى عن سبب هذا التحول الغريب ؟.
فقال متأسفاً ” إنها زوجتي ، عندما أتذكر ذلك أرغب في قتلها ، إنها منحوسة “.
فقلت ” لم أفهم ! “.
فقال ” لقد وضعت تلك القطعة النقدية في جيب محفظتي الصغير وكان دائماً يمتلاء بالنقود ، فكتمت السر حتى عن أهلي وقد عشت شهوراً في غبطة وسعادة وكنت اشتري السمك الطازج واللحم ثم بدأت أفكر في فتح دكان تجاري ……الخ ، لكن و لسوء طالعي دخلت بيتي واستلقيت أتابع البرامج على الشاشة حتى دخلت زوجتي تطلب مني أن أعطيها دراهم لتشتري البيض ، فقلت لها : خذي ما شئت من المحفظة إنها في معطفي ، فقامت بفتح الجيب الخلفي للمحفظة وأخرجت القطعة النقدية وأعطتها لابني واشترى بها البيض الملعون ،
وبعدها تذكرت فجأة القطعة فقمت فوراً من السرير وفتشت المحفظة و أنا ارتعش ولم أجدها ، كانت سلسة الجيب الخلفي مفتوحة وبدأت اصرخ واضرب الأشياء بقدمي ، فجاءت زوجتي مسرعة تستقصي الأمر كونها ظنت أني قد جُننت ، فقلت لها القصة كاملة ومنذ ذلك اليوم وحالتي تزداد سوءاً “.
وشعرت بالأسف الشديد و بت أفكر في صديقي المسكين ، و خُيّل إلي أني لو كنت أخذت القطعة مكانه لصرت إلى ما صار اليه ، وبعدها تم توقيفه عن العمل بسبب كثرة غيابه وتأخره.
وسكت السيد “ب ل” عن سرد قصته ثم حول نظراته إلى القاعة السينمائية وتنفس الصعداء ، و كأن القصة وقعت بالأمس القريب
تاريخ النشر : 2020-06-29