إن الزواج الناجح يقوم على الصدق بين الزوجين فهو اللبنة الأساسية في بناء عش الزوجية السعيد ، و لكن أحياناً يتعمّد شريك الحياة إخفاء بعض التفاصيل حول ماضيه عن الأخر، ربما بسبب الخوف من عدم التوافق بينهما ، و بهذا يكون الزواج مهدداً بالانهيار ، إن إخفاء الحقائق و الكذب على الأخر أمر محزن حقاً ، إن دفن الحقيقة في رمال الكذب يجعلها تتحول إلى لغم ينفجر عند الاقتراب منه ، و هذا ما حدث فعلاً مع بطلة قصتنا السيدة لوري إريكا أو كما عُرفت بين الناس .
ابتدأت قصة حبهما عام 2003 م عندما كان السيد جون بلايك راف في ندوة لدراسة الإنجيل و هناك شد انتباهه فتاة تجلس في أحد الصفوف ، كانت فتاة ذات ملامح لاتينية و شعر أسود طويل ، و عند خروج الحاضرون من القاعة حاول السيد راف اللحاق بها و عندما صار أمامها و بكلمات متلعثمة دعاها إلى المقهى لشرب القهوة ، و في المقهى تعرف كلاً منهما على الأخر ، أبتدأ جون بلايك بالتعريف عن نفسه فهو وريث عائلة راف التي تعد من أغنى عائلات شرق ولاية تكساس ، و قد صارحها بإعجابه بها ، و بعد تردد عرّفت تلك الفتاة بنفسها باسم لوري إريكا و أخبرته أن أصلها يعود إلى ولاية أريزونا و أن والدها كان وسيطاً فاشلاً في البورصة و قد خسر كل أمواله و أنها انتقلت إلى تكساس بعد وفاة والديها حيث كافحت و أكملت تعليمها حتى تخرجت من الجامعة بشهادة إدارة أعمال ، و أخبرته أنها لا تريد الحديث في ماضيها المؤلم مرةً أخرى ، بالفعل احترم بلايك رغبتها و لم يسألها عن ماضيها أبداً و مع الوقت توطدت علاقتهما و قرر بلايك أن يصطحب لوري لزيارة عائلته في منزلهم الفخم لكي يتعرفوا عليها ، و لكن المقابلة كانت باردة جداً فعائلة راف لم تتقبل وجود أمرأة من طبقة أدنى ، و خلال وجبة العشاء تعرضت لوري للإحراج بسبب وابل من الأسئلة التي أمطرتها عليها السيدة ناسي راف والدة بلايك مما جعلها في وضع محرج ، و لكن بلايك حاول تدارك الأمر و استطاع أن يحرف الحوار عن مساره بطريقة كوميدية ليحفظ ما تبقى من ماء وجهها .
 |
صور لوري و هي ما زالت شابة |
بعد وجبة العشاء الساخنة و التي انبعثت منها روائح الاستعلاء و الغرور ، قررت لوري ترك بلايك و أخبرته أن علاقتهما لا يمكن أن تستمر بسبب الفوارق المجتمعية و الطبقية بينهما ، و لكنه استطاع إقناعها بالهروب معه و العيش بشكل مستقل عن عائلته ، كان ذلك في يناير عام 2004 م و في إحدى كنائس مدينة دالاس وقف الحبيبان لتبادل نذور الزواج و كانا سعيدان للغاية بالرغم من عدم حضور أي أحد من عائلتيهما ، و انتقلا للعيش في مدينة ليونارد المجاورة .
 |
صورة تجمع لوري مع زوجها جون بلايك |
عاش الزوجان حياة سعيدة و لكن سعادتهما لم تستمر ، فبعد مرور بضعة سنوات اشتاق الزوجان إلى طفل ينعش حياتهما التي بدأت بالخفوت ، و لكن لوري أجهضت عدة مرات مما دفعهما إلى اللجوء إلى تقنية الحقن المجهري ، و التي تكللت العملية بالنجاح و رُزق الزوجان بطفلة عام 2008 م ، أحاطت لوري طفلتها بعناية فائقة تجاوزت حدود عاطفة الأمومة ، حتى أنها كانت تصطحب طفلتها إلى الحمام و لا تسمح لأحد بلمسها ، شعر بلايك بالغضب الشديد من لوري التي أهملته و لم تعد تهتم به ، و بتحريض من أسرته عاد بلايك إلى منزل أسرته في مدينة لونجفيو و هناك رفع دعوى طلاق ضد لوري و طالب بحق حضانة طفلته .
انتحار لوري :
لم تطق لوري فراق طفلتها الوحيدة و عاشت حالة نفسية سيئة ، حيث وصفها جيرانها أنها كانت تتجول مع طفلتها و قد ظهرت عليهما علامات سوء التغذية ، كما أنها أهملت نظافة المنزل الذي تكدست حوله أكياس القمامة .
 |
صورة لوري قبل أنتحارها بفترة قصيرة |
و في 24 ديسمبر عام 2010 م عثرت الشرطة على جثة لوري في سيارتها مضرجة بدمائها ، و بعد التحقيق تبين أن لوري قد انتحرت بطلقة رصاص بعد أن تركت رسالتين انتحار ، إحداهما بعنوان ” إلى زوجي الرائع” و الأخرى عبارة عن ملف يضم 11 صفحة بعنوان” إلى طفلتي العزيزة أرجو قرأتها عندما تبلغين 18 عام ” ، شعر بلايك بالحزن الشديد و ذرف دموع القهر و الندم في جنازتها و اعتبر نفسه أنه السبب في انتحارها .
الغموض يلف شخصية لوري : و بعد انتهاء مراسم الجنازة حاول بعض أفراد العائلة إقناع بلايك بتفتيش منزل لوري لعلهم يجدوا شيئاً يكشف ماضيها الغامض ، و لكن بلايك قرر تأجيل الزيارة لبضعة أيام حتى يستفيق من الصدمة ، و في نهاية الأسبوع انطلق ال راف إلى منزل لوري في ليونارد و قد هالهم منظر أكياس القمامة المتراكمة حول المكان ، و عند دخولهم المنزل لأحظ الجميع أكوام الملابس المتسخة و صفوف الأطباق المتسخة ببقايا الطعام المتعفن ، و على الفور توجه بلايك إلى خزنة الملابس و وجد فيها بعض الوثائق الممزقة و في إحدى الزوايا لاحظ صندوق صغير مغلق بإحكام و لكنه قام بفتحه مستعيناً بمفك براغي ، كان الصندوق يحتوي على هويات مزورة تحمل أسماء مختلفة و عليها صور الراحلة لوري .
 |
مجموعة بطاقات هوية كانت بحوزة لوري و تحمل أسماء مختلفة |
هذا بالإضافة إلى شهادة ميلاد بيكي سو تورنر و أمر قضائي بتغيير أسمها ، و قصاصات ورقية عليها خربشة و أرقام بلا معنى ، شعر بلايك بالدهشة مما رأى و انهالت عليه عبارات الشماتة و اللوم من أفراد عائلته كونه خالف قوانين العائلة و تزوج من أمرأة لا يعرف ماضيها .
 |
ورقة من مذكرات لوري و عليها خربشة و أرقام غير مفهومة |
البحث عن الحقيقة :
عزم بلايك على كشف حقيقة زوجته السابقة مهما كلفه الأمر و انفق مبالغ ضخمة في سبيل الوصول إلى الحقيقة ، و قد نشرت الصحف مقالات عنها عام 2011 م أملاً في أن يجدوا بصيص نور يكشف غموض هويتها ، من بين الاتصالات الواردة أدعى شخص مجهول أنه تعرف على صورتها المنشورة بالصحيفة و أدعى أنها كانت تعمل راقصة تعري في أحد الملاهي الليلية في بداية التسعينات ، و قد أثبت التشريح صدق ادعاه كون جثة لوري تحمل أثار عملية تجميل لثدييها و لكن هذا لم يكن كافياً ، حاول بلايك استخدام نفوذه عبر صديق له يعمل في الكونجرس و طلب منه البحث عن شهادة ميلاد باسم بيكي سو تورنر و التي تبين أنها تعود إلى طفلة ذات عامين توفيت مع شقيقيها بحريق ألتهم منزلهم في مدينة واشنطن عام 1971م ، و من بين ما كتبت لوري في مذكراتها أسم بين بيركنز و الذي تبين أنه أسم محامي أمريكي من أصول أفريقية و عندما تم استجوابه بخصوص لوري أنكر معرفته بها و أكد أنه يستقبل قضايا من أبناء جلدته فقط ، زاد الأمر تعقيداً و غرق بلايك في دوامة الغموض حتى أصابه اليأس و كاد يتوقف عن البحث .
الوصول إلى الحقيقة :
في عام 2013 م تلقى بلايك اتصال مهم من سيدة ادعت أنها سوف تساعده في كشف غموض هوية زوجته ، كانت تلك السيدة كولين فيتزبتريك عالمة الفيزياء النووية و خبيرة علم الأنساب البشري ، و طلبت أخذ عينات من بلايك و أبنته لكشف حمض لوري النووي .
 |
استطاعت كولين الحصول على الشفرة الجينية لحمض لوري النووي |
لم تكن مهمة كولين سهلة فمن يُعتقد أنهم أقارب لوري قليلون جداً و رفض أغلبهم أجراء الفحص ، و بعد جهد مكثف و وقت طويل وجدت كولين ضالتها في أحد أقارب لوري و استطاعت كولين الكشف عن أصل لوري عام 2016 م ، و تبين أن أسمها الحقيقي كيمبرلي ماكلين كاسيدي و قد ترعرعت في ولاية فيلادلفيا ، و بهذا تم إلغاء أسم كيمبرلي ماكلين من قائمة المفقودين في الولاية .
تاريخ حياة كيمبرلي ماكلين المخفي:
وُلدت كيمبرلي ماكلين في 16 أكتوبر عام 1968 م في ولاية فيلالفيا ، و لكنها لم تنسجم مع زوج والدتها و قررت الهرب من المنزل ، و استطاعت الحصول على شهادة ميلاد الطفلة بيكي سو تورنر التي توفيت في حريق التهم منزلها عام 1971 م .
 |
صور قديمة لكيمبرلي أثناء مرحلة المراهقة |
استخدمت كيمبرلي تلك الشهادة في الحصول على بطاقة هوية من ولاية أيداهو ثم انتقلت للعيش في ولاية تكساس حيث غيّرت هويتها بشكل قانوني إلى لوري إريكا كينيدي ، و حصلت على شهادة إدارة أعمال من جامعة تكساس ، ثم تعرفت على جون بلايك و أمضت حياتها كما عرفنا سابقاً.
لماذا تعمدت كيمبرلي إخفاء هويتها الحقيقية ؟.
في اعتقادي أن كيمبرلي لم تكن جاسوسة أو مجرمة ، و لكنها كانت مجرد أمرأة أرادت أن تطوي صفحة ماضيها الكئيب و تبدأ حياة جديدة مع الشخص الذي أحبت ، و لكن ظلال ماضيها الكئيب عاد ليخيم على حياتها و يلثمها بالسواد ، إن ما قامت به كيمبرلي جريمة يعاقب عليها القانون باعتبارها قامت بسرقة و تزوير هوية رسمية و لم يثبت عليها أي جرم أخر .
العبرة من حياة كيمبرلي ماكلين المأساوية :
لقد اقترفت كيمبرلي جريمة في حق نفسها قبل أن تخالف القانون و دفعت ثمناً باهضاً ، و لكن الكثير يقترف نفس الجريمة و للأسف لا تتم معاقبتهم ، ففي عصر التواصل الاجتماعي يستخدم البعض أسماء وهمية و هويات مزيفة و يشعلون الفتن المناطقية و الطائفية ، و هناك من الجنسين من يحاول إيقاع الطرف الأخر بحبال الحب و الغرام الكاذبة ، تلك الجرائم قد لا يعاقب عليها القانون لكن كونوا على ثقة أن هؤلاء المجرمون لن يفلتوا بجريمتهم فقضبان الندم و القلق سوف تحاصرهم و سوف تحيل حياتهم إلى جحيم .
المصادر :