ألغاز تاريخية

لوري إريكا – تعددت الهويات و النهاية واحدة

بقلم : حسين سالم عبشل – اليمن
للتواصل : [email protected]

لقد أسست لوري منزلها على أساس الخداع فأنهار كل شيء و فقدت حياتها
لقد أسست لوري منزلها على أساس الخداع فأنهار كل شيء و فقدت حياتها

 
إن الزواج الناجح يقوم على الصدق بين الزوجين فهو اللبنة الأساسية في بناء عش الزوجية السعيد ، و لكن أحياناً يتعمّد شريك الحياة إخفاء بعض التفاصيل حول ماضيه عن الأخر،  ربما بسبب الخوف من عدم التوافق بينهما ، و بهذا يكون الزواج مهدداً بالانهيار ، إن إخفاء الحقائق و الكذب على الأخر أمر محزن حقاً ، إن دفن الحقيقة في رمال الكذب يجعلها تتحول إلى لغم ينفجر عند الاقتراب منه ، و هذا ما حدث فعلاً مع بطلة قصتنا السيدة لوري إريكا أو كما عُرفت بين الناس .
ابتدأت قصة حبهما عام 2003 م عندما كان السيد جون بلايك راف في ندوة لدراسة الإنجيل و هناك شد انتباهه فتاة تجلس في أحد الصفوف ، كانت فتاة ذات ملامح لاتينية و شعر أسود طويل ، و عند خروج الحاضرون من القاعة حاول السيد راف اللحاق بها و عندما صار أمامها و بكلمات متلعثمة دعاها إلى المقهى لشرب القهوة ، و في المقهى تعرف كلاً منهما على الأخر ، أبتدأ جون بلايك بالتعريف عن نفسه فهو وريث عائلة راف التي تعد من أغنى عائلات شرق ولاية تكساس ، و قد صارحها بإعجابه بها ، و بعد تردد عرّفت  تلك الفتاة  بنفسها باسم لوري إريكا و أخبرته أن أصلها يعود إلى ولاية أريزونا و أن والدها كان وسيطاً فاشلاً في البورصة و قد خسر كل أمواله و أنها انتقلت إلى تكساس بعد وفاة والديها حيث كافحت و أكملت تعليمها حتى تخرجت من الجامعة بشهادة إدارة أعمال ، و أخبرته أنها لا تريد الحديث في ماضيها المؤلم مرةً أخرى ، بالفعل احترم بلايك رغبتها و لم يسألها عن ماضيها أبداً و مع الوقت توطدت علاقتهما و قرر بلايك أن يصطحب لوري لزيارة عائلته في منزلهم الفخم لكي يتعرفوا عليها ، و لكن المقابلة كانت باردة جداً فعائلة راف لم تتقبل وجود أمرأة من طبقة أدنى ، و خلال وجبة العشاء تعرضت لوري للإحراج بسبب وابل من الأسئلة التي أمطرتها عليها السيدة ناسي راف والدة بلايك مما جعلها في وضع محرج ، و لكن بلايك حاول تدارك الأمر و استطاع أن يحرف الحوار عن مساره بطريقة كوميدية ليحفظ ما تبقى من ماء وجهها .

blank
صور لوري و هي ما زالت شابة 
بعد وجبة العشاء الساخنة و التي انبعثت منها روائح الاستعلاء و الغرور ، قررت لوري ترك بلايك و أخبرته أن علاقتهما لا يمكن أن تستمر بسبب الفوارق المجتمعية و الطبقية بينهما ، و لكنه استطاع  إقناعها بالهروب معه و العيش بشكل مستقل عن عائلته ، كان ذلك في يناير عام 2004 م و في إحدى كنائس مدينة دالاس وقف الحبيبان لتبادل نذور الزواج و كانا سعيدان للغاية بالرغم من عدم حضور أي أحد من عائلتيهما ، و انتقلا للعيش في مدينة ليونارد المجاورة .

blank
صورة تجمع لوري مع زوجها جون بلايك

عاش الزوجان حياة سعيدة و لكن سعادتهما لم تستمر ، فبعد مرور بضعة سنوات اشتاق الزوجان إلى طفل ينعش حياتهما التي بدأت بالخفوت ، و لكن لوري أجهضت عدة مرات مما دفعهما إلى اللجوء إلى تقنية الحقن المجهري ، و التي تكللت العملية بالنجاح و رُزق الزوجان بطفلة عام 2008 م ، أحاطت لوري طفلتها بعناية فائقة تجاوزت حدود عاطفة الأمومة ، حتى أنها كانت تصطحب طفلتها إلى الحمام و لا تسمح لأحد بلمسها ، شعر بلايك بالغضب الشديد من لوري التي أهملته و لم تعد تهتم به ، و بتحريض من أسرته عاد بلايك إلى منزل أسرته في مدينة لونجفيو و هناك رفع دعوى طلاق ضد لوري  و طالب بحق حضانة طفلته .

 
انتحار لوري :
لم تطق لوري فراق طفلتها الوحيدة و عاشت حالة نفسية سيئة ، حيث وصفها جيرانها أنها كانت تتجول مع طفلتها و قد ظهرت عليهما علامات سوء التغذية ، كما أنها أهملت نظافة المنزل الذي تكدست حوله أكياس القمامة .

blank
صورة لوري قبل أنتحارها بفترة قصيرة 
و في 24 ديسمبر عام 2010 م عثرت الشرطة على جثة لوري في سيارتها مضرجة بدمائها ،  و بعد التحقيق تبين أن لوري قد انتحرت بطلقة رصاص بعد أن تركت رسالتين انتحار ، إحداهما بعنوان ” إلى زوجي الرائع”   و الأخرى عبارة عن ملف يضم 11 صفحة بعنوان”   إلى طفلتي العزيزة أرجو قرأتها عندما تبلغين 18 عام ”  ، شعر بلايك بالحزن الشديد و ذرف دموع القهر و الندم في جنازتها و اعتبر نفسه أنه السبب في انتحارها .
 
الغموض يلف شخصية لوري :

و بعد انتهاء مراسم الجنازة حاول بعض أفراد العائلة إقناع بلايك بتفتيش منزل لوري لعلهم يجدوا شيئاً يكشف ماضيها الغامض ، و لكن بلايك قرر تأجيل الزيارة لبضعة أيام حتى يستفيق من الصدمة  ، و في نهاية الأسبوع انطلق ال راف إلى منزل لوري في ليونارد و قد هالهم منظر أكياس القمامة المتراكمة حول المكان ، و عند دخولهم المنزل لأحظ الجميع أكوام الملابس المتسخة و صفوف الأطباق المتسخة ببقايا الطعام المتعفن ، و على الفور توجه بلايك إلى خزنة الملابس و وجد فيها بعض الوثائق الممزقة و في إحدى الزوايا لاحظ صندوق صغير مغلق بإحكام و لكنه قام بفتحه مستعيناً بمفك براغي ، كان الصندوق يحتوي على هويات مزورة تحمل أسماء مختلفة و عليها صور الراحلة لوري .

blank
مجموعة بطاقات هوية كانت بحوزة لوري و تحمل أسماء مختلفة 

هذا بالإضافة إلى شهادة ميلاد بيكي سو تورنر و أمر قضائي بتغيير أسمها ،  و قصاصات ورقية عليها خربشة و أرقام بلا معنى ، شعر بلايك بالدهشة مما رأى و انهالت عليه عبارات الشماتة و اللوم من أفراد عائلته كونه خالف قوانين العائلة و تزوج من أمرأة لا يعرف ماضيها .

blank
ورقة من مذكرات لوري و عليها خربشة و أرقام غير مفهومة 
البحث عن الحقيقة :
عزم بلايك على كشف حقيقة زوجته السابقة مهما كلفه الأمر و انفق مبالغ ضخمة في سبيل الوصول إلى الحقيقة ، و قد نشرت الصحف مقالات عنها عام 2011 م أملاً في أن يجدوا بصيص نور يكشف غموض هويتها ، من بين الاتصالات الواردة أدعى شخص مجهول أنه تعرف على صورتها المنشورة بالصحيفة و أدعى أنها كانت تعمل راقصة تعري في أحد الملاهي الليلية في بداية التسعينات ، و قد أثبت التشريح صدق ادعاه كون جثة لوري تحمل أثار عملية تجميل لثدييها و لكن هذا لم يكن كافياً ، حاول بلايك استخدام نفوذه عبر صديق له يعمل في الكونجرس و طلب منه البحث عن شهادة ميلاد باسم بيكي سو تورنر و التي تبين أنها تعود إلى طفلة ذات عامين توفيت مع شقيقيها بحريق ألتهم منزلهم في مدينة واشنطن عام 1971م ، و من بين ما كتبت لوري في مذكراتها أسم بين بيركنز و الذي تبين أنه أسم محامي أمريكي من أصول أفريقية و عندما تم استجوابه بخصوص لوري أنكر معرفته بها و أكد أنه يستقبل قضايا من أبناء جلدته فقط ، زاد الأمر تعقيداً و غرق بلايك في دوامة الغموض حتى أصابه اليأس و كاد يتوقف عن البحث .
 
الوصول إلى الحقيقة :
في عام 2013 م تلقى بلايك اتصال مهم من سيدة ادعت أنها سوف تساعده في كشف غموض هوية زوجته ، كانت تلك السيدة كولين فيتزبتريك عالمة الفيزياء النووية و خبيرة علم الأنساب البشري ، و طلبت أخذ عينات من بلايك و أبنته لكشف حمض لوري النووي .

blank
استطاعت كولين الحصول على الشفرة الجينية لحمض لوري النووي 

 
لم تكن مهمة كولين سهلة فمن يُعتقد أنهم أقارب لوري قليلون جداً و رفض أغلبهم أجراء الفحص ، و بعد جهد مكثف و وقت طويل  وجدت كولين ضالتها في أحد أقارب لوري و استطاعت كولين الكشف عن أصل لوري عام  2016  م ، و تبين أن أسمها الحقيقي كيمبرلي ماكلين كاسيدي و قد ترعرعت في ولاية فيلادلفيا ، و بهذا تم إلغاء أسم كيمبرلي ماكلين من قائمة المفقودين في الولاية .

 
تاريخ حياة كيمبرلي ماكلين المخفي:
وُلدت كيمبرلي ماكلين في 16 أكتوبر عام 1968 م في ولاية فيلالفيا ، و لكنها لم تنسجم مع زوج  والدتها و قررت الهرب من المنزل ،  و استطاعت الحصول على شهادة ميلاد الطفلة بيكي سو تورنر التي توفيت في حريق التهم منزلها عام 1971 م .

blank
صور قديمة لكيمبرلي أثناء مرحلة المراهقة 

استخدمت كيمبرلي تلك الشهادة في الحصول على بطاقة هوية من ولاية أيداهو ثم انتقلت للعيش في ولاية تكساس حيث غيّرت هويتها بشكل قانوني إلى لوري إريكا كينيدي ، و حصلت على شهادة إدارة أعمال من جامعة تكساس ، ثم تعرفت على جون بلايك و أمضت حياتها كما عرفنا سابقاً.

 
لماذا تعمدت كيمبرلي إخفاء هويتها الحقيقية ؟.
في اعتقادي أن كيمبرلي لم تكن جاسوسة أو مجرمة ، و لكنها كانت مجرد أمرأة أرادت أن تطوي صفحة ماضيها الكئيب و تبدأ حياة جديدة مع الشخص الذي أحبت ، و لكن ظلال ماضيها الكئيب عاد ليخيم على حياتها و يلثمها بالسواد ، إن ما قامت به كيمبرلي جريمة يعاقب عليها القانون باعتبارها قامت بسرقة و تزوير هوية رسمية و لم يثبت عليها أي جرم أخر .  
 
العبرة من حياة كيمبرلي ماكلين المأساوية :
لقد اقترفت كيمبرلي جريمة في حق نفسها قبل أن تخالف القانون و دفعت ثمناً باهضاً  ، و لكن الكثير يقترف نفس الجريمة و للأسف لا تتم معاقبتهم ، ففي عصر التواصل الاجتماعي يستخدم البعض أسماء وهمية و هويات مزيفة و يشعلون الفتن المناطقية و الطائفية ، و هناك من الجنسين من يحاول إيقاع الطرف الأخر بحبال الحب و الغرام الكاذبة ، تلك الجرائم قد لا يعاقب عليها القانون لكن كونوا على ثقة أن هؤلاء المجرمون لن يفلتوا بجريمتهم فقضبان الندم و القلق سوف تحاصرهم و سوف تحيل حياتهم إلى جحيم .
 
المصادر :

 

تاريخ النشر : 2020-04-11

guest
33 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى