أدب الرعب والعام

أبوكاليبس

بقلم : تقي الدين – الجزائر
[email protected]

وادي المدينة :

شمخت الأمطار معطفه الجلدي و هو ينظر دون حراك لجثة فتاة في الثامنة تستلقي بسلام فوق أحجار الوادي البيضاء و التي إنعكست عليها أضواء الشرطة المبهرجة ، بسرعة خلع نظارته و مرر كلتا يديه على عينيه الداكنتين ثم همس بغضب :
– “أي مختل لعين قد يفعل شيئا كهذا ؟”
– “مختل بطفولة بائسة محقق صمد”. قال رئيس المفتشين قطن و الماء يبلل شاربه الأسود الكثيف .
ببطئ إقترب صمد من الجثة و هو يمعن النظر في الشق العميق الذي قطع رقبتها ثم تراجع قائلا :
– “لنحمل الجثة قبل أن يستولي الحمقى أصحاب الميكروفونات على المكان و لنوسع نطاق التمشيط ليمتد حتى مقام الولي الصالح” .
– “سأخبرهم بذلك” ، قال الرئيس ثم أعقب :
– “أحد الضباط تعرف عليها ، إسمها إسمهان عمر ، تقطن في حي الثامن أوت ، لقد أرسلت بضع ضباط لمنزلها” .

نظر صمد بقلق للطريق السريع المحاذي للوادي ثم قال :
– “الأمر يبدو عشوائيا لكن لا يمكنني الجزم ، سأتوجه للمنزل و أحاول إستيعاب هذا ، عندما ينتهي الطبيب الشرعي ، إتصل بي” .
– “دوما عاطفي” ، قال رئيس المفتشين بسخرية .
– “تبا لك” ، رد صمد و هو يسير مبتعدا .

***

شقة صمد :

عيناه لم تغلقا طوال الليل و تركيزه كان منصبا على لوحة مزخرفة تصور رجلا وحيدا يقف وسط هضبة صفراء مقفرة ، بينما تسلل ضوء الشمس لغرفة نومه الضيقة رن هاتفه فأجاب مباشرة ليسمع صوت الرئيس :
– “تعال للمركز حالا” .

عبر شوارع المدينة قاد سيارته بشرود و ما إن عبر باب المركز الزجاجي حتى سحبه قطن لمكتبه قائلا :
– “لقد أنهى الطبيب الشرعي عمله و لا يوجد أي علامة لإعتداء جسدي أو إغتصاب ، فقط الذبح” .
– “و وقت الوفاة ؟ “، سأل صمد .
– “حوالي السادسة و النصف” ، أجاب الرئيس .

صمت صمد برهة ثم قال بنبرة خافتة :
– “بعد المغرب و مع بداية الظلام” .
أخذ الرئيس جلوسه فوق كرسيه الجلدي الأسود و قال :
– “لماذا ذهب عقلك الأسود السادي مباشرة لفكرة الجريمة الطائفية ؟” .
– “لا تفسير آخر” ، أجاب صمد بحدة ، واردف قائلا : “المختلون يؤذون الضحية قبل قتلها أما هذا السافل الحذق فقد نحر الفتاة ببساطة كأنها ذبيحة منزل جديد” .
– “حسنا” ، قال الرئيس ، “إنها قضيتك و إذا فشلت فسألقي بك تحت الحافلة … المحقق منصور و الذي عملت معه لفترة سمع بالأمر و قد تطوع للمساعدة بما يقدر بما أن هذا هو إختصاصه ، للأسف لا يمكنه القدوم هنا لذا إتصل به أو تواصل معه عبر الفيسبوك ، لربما يمكنه أن يضيف شيئا” .
– “أي يد إضافية ستكون عونا” ، قال صمد ثم أردف :
– “لكن أولا علي التحدث لمعلمتها في المدرسة ، إذا أنكرت أن الفتاة قد إشتكت من تحرشات أو تلصص أو تصرفات غريبة سأتواصل مع عمر” .

***

المدرسة :

عبر أروقة المدرسة الفارغة سار صمد تجاه مكتب الأساتذة الواسع أين جلست عند نهاية طاولة مستديرة ضخمة إمرأة ثلاثينية قصيرة الشعر لطيفة الملامح ، بسرعة تقدم صمد تجاهها قائلا بهدوء :
– “متأسف جدا لجلبك هنا سيدتي ، أعلم أن المدرسة مغلقة و أن الأمر صعب على الجميع لكن لن أطيل عليك” .
– “لا بأس” ، ردت و هي تبتسم بصعوبة .
– “قولي لي ، هل إشتكت إسمهان قط من شخص يضايقها ، أيا كان ؟” ، سأل صمد .
– “ليس على حد علمي” ، أجابت المعلمة ، وتابعت : “زميل أو إثنان في القسم لكن لا شيء كهذا” .
صمد عدل نظارته ليجعل مساحة بين الأسئلة ثم قال :
– “هل كانت تعاني من أي مشاكل في البيت ؟ “.
صمتت الأستاذة برهة لتتذكر ثم ردت :
– “علاماتها كانت جيدة ، كانت نشطة في القسم و تضحك دوما لذا لا أظن ذلك” .
– ماذا عنها هي ، سأل المحقق ، “هل كانت تصرفاتها غريبة بأي شكل ؟” .
– “لا” ، أجابت الأستاذة بإختصار .

لاحظ صمد الشحوب على وجهها بعد ردها ذاك فقال بلطف منهيا حديثه :
– “دعيني أعوضك عن تعبك رجاءا ، يمكنني على الأقل أن أقلك للمنزل” .
– “لا ، لا داعي” … ، حاولت الأستاذة الرفض لكنه أصر قائلا :
– “من فضلك ، لا يمكنني أن أدعك تركبين الحافلة مجددا ، أسبقيني و سأكون عندك بعد لحظة “.

بينما سارت الأستاذة مبتعدة سحب صمد هاتفه و راح يطبع فوق صندوق الحديث الصغير الخاص بالرسائل :
– “محقق جاسم ، معك المحقق صمد سالم من وحدة الأمن المركزي بالجنوب ، أظن أن الرئيس قد أعلمك بكل المستجدات لذا لنبدأ بالعمل ، إن كانت لديك أي فكرة لا تبخل علي بها و أنا في إنتظار ردك” .

***

مخفر الشرطة :

بالعودة للمركز ، كان صمد يجلس خلف أحد تلك المكاتب الصغيرة المتلاصقة و أصوات النقر و الهمهمات تخترق أذنيه ، كان ينتظر نغمة هاتفه لعلها تحمل معها ردا من منصور لكن إنتظاره طال ساعات و أطبق عليه الملل فسحب جواله محاولا تمرير بضع لحظات ليتفاجئ برسالة صوتية من الرئيس كان توقيت وصولها قبل بضع ساعات أين كان يقود الأستاذة لمنزلها ، بسرعة فتحها ليسمع :
– “صمد ، لا تأخذ هذا كضوء أخضر رسمي لكن إتضح أن الفتاة لديها خصائص مميزة رفضت أن أشاركك إياها حتى لا ندخل في متاهة الجرائم العقائدية لكنها ضمن خانة ما يسمون بالزهوريين أو شيئ من هذا القبيل على حد قول الطبيب ، عادة ما يستخدم المشعوذون أطرافا من أجسادهم أو …” .

صمد أوقف الرسالة بغضب و همس بينه و بين نفسه :
– “تبا يا رئيس !” .

بسرعة حاول الإتصال به لكنه لم يلقى ردا فجرب حظه مجددا ليحيله الهاتف مباشرة للبريد الصوتي ، بغضب رمى الهاتف فوق مكتبه و هو يحدق لمكتب رئيس المحققين الفارغ فأجفله صوت رنة هاتفه ليحمله مباشرة و يقرأ :
– “محقق صمد ، آسف جدا على ردي المتأخر ، نحن نعاني مع عاصفة قوية قد تصلكم بعد بضعة أيام لذا كونوا حذرين … بالنسبة للقضية علي أن أقول لك أنني لا أعرف الكثير حاليا لكن بدايتك يجب أن تكون في مكان يجمع بين تاريخ قديم و جو عفن و قذر ، كلما كان أكثر قذارة كان أفضل فهؤلاء الحمقى لا يحبون كل ما هو نقي” .

مباشرة تناهت لصمد صورة الحي الشعبي بمنازله العتيقة و التي أضحت مكبا للنفايات و مرتعا لكل من يستمتع برحلة كوكايين عجيبة ، بسرعة إنتفض من مكانه و قد سحب جهاز الراديو خاصته قائلا :
– “هنا المحقق صمد من الوحدة المركزية ، أحتاج عملية تدخل في الحي الشعبي لإشتباه وجود مخدرات و حيازة أسلحة” .

***

الحي الشعبي :

بعد قيادة لنصف ساعة وسط الزحمة وصل صمد للحي الشعبي ، البذلات الزرقاء لفرقة التدخل كانت تستولي عليه بأكمله و كل تلك الأبواب الخشبية العتيقة كانت مخلوعة ، بسرعة ترجل من السيارة و قد لمح شريط جريمة أصفر يحيط بأحد المنازل عند نهاية شارع ضيق بطريق ترابي فتحرك نحوه مهرولا لكن أحد الضباط أوقفه قائلا بتردد :
– “لا تهلع يا رجل … لكنها جثة رئيس المحققين بالداخل” .

بصدمة إعتلت وجهه دلف صمد ذلك المنزل الطيني العتيق ليشهد منظرا جعله يتصلب كسارية تحمل شراعا ، كان الرئيس مجردا من ملابسه و معلقا رأسا على عقب من قدميه بخطافين حديديين ، على رقبته جرح نحر ضخم كانت الدماء لا تزال تقطر منه فتقع على دلو أسود متسخ وضع خصيصا لذلك الغرض ، صمد تقدم بضع خطوات ليتأكد من صحة ما يراه ثم تراجع مباشرة للخارج و هو يشتم :
– “هؤلاء السفلة المختلون …”
لكن عجوزا طويل القامة ، أنيق الملابس أوقف نوبته قائلا :
– “تماسك أيها المحقق ، لازلنا نحتاجك” .
رفع صمد رأسه تجاه الرجل و رد بإمتعاض حالما رآه :
– “نعم أيها المفوض” .
– “جيد” ، قال العجوز ، “لندخل” .

خلف المفوض دخل صمد محاولا إبقاء تركيزه منصبا على التحقيق ، بصعوبة أبقى نظره بعيدا عن الجثة و قد لاحظ خلفها على الحائط مجموعة رسومات توثق عملية عبادة شيطان بإمتياز ، تيس بقرنين طويلين ، نجوم غريبة الشكل بزوايا غير متناسقة ، مثلثات متشابهة عجيبة كتب تحتها ( ثالوث الموت) ، طلاسم غير مفهومة و رسمة دقيقة توضح وحشا غريبا كلما أطال صمد النظر فيه كلما إزداد تعقيدا و تحته كتب بطريقة غرافيتي سوداوية ” الإله أبوكاليبس ” .

***

شقة صمد :

– “لقد كان غير مفهوم بأي شكل من الأشكال” ، قال صمد لعمر الذي حاول تهدأته عبر الهاتف :
– “حسنا ، فقط صفه كما رأيته و سأبحث في بعض المراجع عن الأساطير القديمة” .
صمد أخذ نفسا عميقا ثم قال :
– “لقد بدى كأنه شيء من أحد كتب لافكرافت أو مختل لعين آخر ، مخلوق بحري على ما أظن ، ضخم لدرجة مهيبة ، له قوام بشري لكن المجسات كانت تنبثق من كل مكان في جسده ، و رأسه … رأسه كان طويلا و محدبا من أعلى يشبه لحد ما هرما غير متجانس … عيونه كانت طويلة و عمودية و لم يملك أنفا و لا فما” .
– “حسنا” ، قال عمر بإختصار ثم أعقب :
– “مخلوق بحري في الجنوب يبدو شيئا من وحي خيال مدمن مبدع لكنني سأقصد المكتبة حالا و أرى ما يمكن أن أجده عن الأمر و أنت خذ قسطا من الراحة فقد عانيت الأمرين اليوم” .

أرخى المحقق جسده و أسند رأسه على حافة الأريكة و قد بدأ صوت المطر خارجا يتسلل لغرفة جلوسه ، جفونه بدأت تغلق ستارها و قد غلبه النوم لكن ظلا شبيها بأغصان شجرة ضخمة راح يخترق النافذة فإسترعى إهتمامه ، بحذر تحرك تجاه الزجاج و إستقرت عيناه جاحظتين دون حراك على منظر ذلك الوحش الغريب و هو يحدق له بجمود ، بقوة زفر فإنبثق من جانبي وجهه بخار أبيض مخيف دخل حتى شقته ، صمد أخذ خطوتين بطيئتين للخلف قبل أن يخطفه الوحش بعنف كدمية ليستيقظ مجفلا على صوت هاتفه يرن فأجاب :
– “محقق … معك المحقق صمد” .
بصوته المتزن تحدث المفوض :
– “لدينا جريمة أخرى في مقبرة حي الإستقلال ، تعال بسرعة” .

***

المقبرة :

عبر رياح العاصفة الحادة و الوابل المخيف شق صمد طريقه تجاه المقبرة ، ضباط الشرطة مرة أخرى كانوا قد إستعمروا المكان و أضوائهم الساطعة تنير أركانه ، تسلم صمد من أحد الرجال الذين كانوا يقفون عند المدخل معطف مطر أزرق إرتداه بسرعة و هو يسير خلفه حتى وصلا قبرا بشاهد رخامي مستطيل ضخم إستلقت أمامه جثث أربعة أطفال نحرت أعناقهم بدقة .

– “فتاتان و صبيان” ، قال الضابط لصمد بصعوبة و هو يصارع الرياح .
– “هل ترك الجاني أي شيئ خلفه ؟” ، سأل صمد بصوت عال.
– “فقط مثلث غريب على ظهر الشاهد” ، أجاب الشرطي .

سار صمد ناحية الشاهد و ألقى نظرة على الجهة الخلفية لذلك المستطيل الرخامي ، المثلث كان شبيها لذلك الذي رآه في مسرح جريمة رئيس المحققين ، بهدوء لمس الطلاء الذي كان حديثا ثم همس :
– “طفلة بريئة تقتل بدقة ، الرئيس قطن بفوضوية ثم عودة للبراءة مرة أخرى ، لماذا ؟” .
تحرك صمد بسرعة نحو الضابط و سأل :
– “لمن يعود هذا القبر” .
– “مصطفى عثمان ، أستاذ قديم تم طرده بحجة تشويه الدين ، بعد موته وجدنا مجموعة أغراض غريبة في منزله ، نجوم خماسية و أحاديث عن تضحيات و أمور أخرى” .

تلثم صمد بالصمت لحظات ثم راح يتمتم بحماس :
– “نجمة خماسية ، خمس تضحيات ، مقتل الرئيس قطن كان مختلفا ، لم يكن تضحية بل كان رسالة تحذير … لقد عرف أن الضحية الأولى كان تحمل صفات مميزة ، كان قريبا و قد إشتم الجاني ذلك” …

بخفة إستدار صمد للضابط و صرخ :
– “مثلث الموت … مثلث الموت … الجريمة الأولى بعيدة جدا عن الثانية”…

وسط حيرة الضابط سحب صمد هاتفه و ولج تطبيق الخريطة التي أظهرت شوارع المدينة ثم قال :
– “أعطني قلم تظليل” .

بسرعة سحب الشرطي القلم و ناوله إياه فرسم صمد فوق الخريطة على شاشة هاتفه المثلث بشكل عمودي لكنه مسحه بسرعة و أعاد رسمه أفقيا ثم قال و هو يشير بيده لوتر المثلث :
– “النقطتان تلتقيان ، الأولى عند الوادي قرب ضريح الولي الصالح و الثانية هنا …”
بإصبعه تتبع رأس المثلث الذي وقع على منطقة محاذية للطريق الشمالي تبعد بضع كيلومترات ثم سأل :
– “ماذا يوجد هنا ؟” .
– “لا شيء” ، رد الشرطي ، “مجرد منازل و أكواخ مهجورة” .
– “وسع نطاق التمشيط أيها الضابط” ، صرخ صيد و هو يهرول تجاه سيارته .

***

القرية الشمالية :

بين حفيف الأشجار و العتمة الساكنة قطع صمد طريقه نحو القرية ، مدخلها كان طريقا مهترئا حولته الأمطار لبركة طينية ضخمة أوقفت عجلات سيارته بعد بضعة أمتار ، تاركا الباب مفتوحا ترجل المحقق من عربته مصارعا مزيج الطبيعة الوحشي ذاك حتى وجد نفسه معزولا وسط مجموعة أكواخ و منازل قديمة برز أحدها عن أقرانه بضوء أصفر صغير يتأرجح داخله ، مهرولا إندفع صمد تجاه ذلك المنزل و بحذر و هدوء فتح الباب و المسدس بين يديه لكنه توقف عند العتبة دون حراك و راح يحدق بشيء من الصدمة نحو عمر الذي كان جالسا فوق كرسي خشبي عتيق و المصباح فوقه يتراقص مظهرا ذلك السلاح الضخم الذي كان يصوبه نحوه ، صمد تمسك بموقفه العدائي لكن عمر قال بهدوء غريب :
– “إنه مذخر برصاص أسرع من الصوت” .
المحقق تمعن في جسده الهزيل و وجهه الطويل الدال على أيام عصيبة ثم قال بشيء من السخرية :
– “كنت تعمل بجد مؤخرا ؟” .
عمر رد :
– “عندما يكون هناك إله قديم و يدعى  أبوكاليبس  … يهدد بإنهاء المدينة و ربما الدولة بأكملها و حتى العالم فإنك تفعل ما بوسعك” .
صمد تحرك لليسار متجنبا الصقيع الذي لفحه من الباب خلفه و قال :
– “تفعل ما بوسعك لماذا ؟” .
– “لتحمي عائلتك و نفسك ، أجاب عمر بنبرة عالية ، دعك من خرافات لافكرافت و خزعبلات النيكرونوميكون ، هذا ليس مخلوقا قادما من حافة الكون ، إنه شيطان قادم من أعماق الأرض … إله عبده الأقدمون لآلاف السنين و هو يريد إستعادة أرضه” .
– “إذا قدتني في الإتجاه الخاطئ طوال الوقت ؟” ، قال صمد ، “لكن لماذا الأطفال و لماذا رئيس المحققين ؟” .
– “بسيطة” ، قال عمر ، “خمسة أطفال … واحد لكل رأس في النجمة … لم نتمكن من إيجاد خمسة قبور لذا إضطررنا للعمل بإثنين و رئيس المحققين كان … ضررا جانبيا” .
– “إثنين ؟” ، قال صمد بحيرة .

بإبتسامة خبيثة رد عمر :
– “فقط لأن الفتاة الأولى لم تقتل قرب ضريح الولي لا يعني هذا أن دمائها لم تصل لقبره … غريب كيف نمجد أشخاصا لا نعرف عنهم سوى الإسم فهذا الولي الصالح كما يقال له كان يدعي أنه يشفي الأمراض و الأسقام و لأكون صريحا فقد كان يفعل ذلك لكن بقوة الجن طبعا و مع هذا لم يكترث أحد ليسأل” .
– “حسنا ، قال المحقق و هو يتنفس بصعوبة ، إذا كنت تتحكم بي طوال الوقت لماذا قد تقودني هنا ؟” .
– “لتنجو” ، أجاب عمر ببهجة غريبة ، “أنت ذكي يا صمد و لا تستسلم بسهولة ، نحتاج أشخاصا مثلك” .
– “نحتاج ؟” ، قال صمد بغضب ممتزج بالإرتباك ، “أنت مجنون بحق يا رجل … فقط تعال للمخفر و سنحل كل شيء” .

بهستيرية راح عمر يضحك و هو يقول :
– “لا وقت للمخفر أيها المحقق … تيك تك ، لقد حان الوقت!”

صوت ألف قنبلة تناهى لأذني صمد و الأرض تحته تحركت بعنف كأن الجبال حوله نسفت و تحطمت ، صافرة الإنذار القوية و صوت الرصاص إختلطا بهدير المطر الصاخب ، هرع المحقق خارجا غير مبال لعمر خلفه ليرى منظرا أعظم من الخيال ، أضواء المدافع كانت تبرز جزءا ضئيلا فقط من جسده و رأسه كان بين السحب ، مصدوما من هول المنظر قال :
– “إنه هو حقا … إنه أبوكاليبس” .

تقي الدين

الجزائر
guest
15 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى