عجائب و غرائب

أدولف ساكس : رجل بسبعين ألف روح

“من بعمره مُدة، لا تُعيقه شدة “. هذا المثل الشعبي قد أصبح عنوان حياة، حياةُ شخص وضع بصمته على صفحات التاريخ حتى يومنا هذا. وبدون إطالة أو إسهاب، دعوني أعرفكم وأحدثكم عن ” أدولف ساكس ” وحياته المثيرة والحافلة.

قبل عدة أيام كنت قد ذهبت بزيارة عائلية، وبالطبع كانت للأحاديث ومجاذبتها حصة الأسد منها. كان رب العائلة جندياً قد خدم مدة خمس عشرة عاماً في الجيش، وقد حدثنا عن مواقف بطويلة، وعن مواقف أخرى كان قد أقسم أنه قد مات فيها لكنه نجى بطريقة او بأخرى .تلك المواقف كان مبالغا فيها لدرجة كبيرة، ولم أخجل منه، بل لمَّحت بذلك فرد علي:

“يا بني، كل إنسان في هذه الدنيا له يومه، وأحدٌ لن يموت قبل ذلك اليوم .”

ظل ذلك التساؤل يثير اهتمامي، هل يمكن أن يموت الإنسان قبل يومه؟

لقد قرأت عن جريمة قتل مايكل مالوي، وسمعت بقصة راسبوتين، لكني لطالما لم أقتنع، فلا بد من وجود تفسيرات كثيرة توضح وتشرح وقد تقنع أيضاً.


إقرأ أيضا : مايكل مالوي : الرجل الذي رفض الموت.

وبينما كنت شارداً سارحاً فيما أخبركم به، سألني ابنه العازف الهاوي إذا ما كنت أعرف عن آلة الساكسفون وقصة مخترعها “أدولف ساكس” . وحينما أجبته بأني لم أسمع بقصته، قرر أن يخبرني بها، وقد أصبت بالدهشة وقررت أن أقرأ عنها أكثر وأكثر.

لقد تعرض أدولف ساكس للكثير من المواقف والتي كانت عبارة عن موت محتوم ولا مفر منه، لكنه نجى!.

إذن دعونا نعرف أكثر عن القصة.

وُلِد وفي فمه ملعقة ذهب.. أدولف ساكس

 ولد بطل مقالنا في مدينة “دينات” في هولندا (وهي مدينة تقع ببلجيكا حالياً) ،تحديداً في السادس من نوفمبر من العام 1814.
كانت عائلته عائلة معروفة بصناعتها للآلات الموسيقية فكان كل من والداه جوزيف وماري ساكس معروفين بالمنطقة ولكل عازف يعزف البوق الفرنسي، لكن طفلهم قد زاد من شهرتهم لدى الجميع.

بدأت أول حادثة لأدولف ساكس حينما كان طفلاً رضيعاً. لقد كانت عائلته تعيش بمبنى من عدة طوابق ولم تنتبه لرضيعها وغفلت عنه، فبدأ يحبو باتجاه نافذة الطابق الثالث وسقط منها ضارباً رأسه على الرصيف. وعلى سماع صوت السقوط هرعت العائلة لترى رضيعها قد أغمي عليه فهرعت به للمشفى. حيث أخبرهم الطبيب أن ابنهم بغيبوبة، وأنها النهاية فنحن نتحدث عن طفل يبلغ من العمر أشهراً معدودة سقط من الطابق الثالث وضرب رأسه على الرصيف.

blank
سقط من نافذة الطابق الثالث وله من العمر أشهر معدودة ونجى!!


ولكن لم يمض إلا أسبوع واحد حتى استيقظ أدولف بحالة سليمة قويمة!. عندها أقسمت العائلة حينها ألا تزيح نظرها عنه للحظة بعد هذه المعجزة، لكنها حنثت بقسمها.

مازال الوقت مبكراً على الموت…



كان أدولف ساكس قد بلغ الثالثة من عمره، وصادف أنه رأى كأسا وقد بدا له أنه كأس حليب على طاولة عمل والده، وقد قام بشربه ثم بدأ بالصراخ من الألم. هرع والده فوراً إليه وسأله عما حدث له. لكن الصبي لم يجبه من شدة الألم فنظر الأب إلى الطاولة ورأى الكأس فارغاً واستنتج مباشرة ما حدث ليهرع بابنه إلى المشفى. لقد كان ذلك الكأس مليئاً بحمض الكبريتيك وهو واحد من أقوى أنواع الأسيد وأكثرها قوة. حيث يستطيع أن يجعل فخذ الدجاج يتبخر بالهواء خلال دقائق من شدة قوته.

blank
نجى أدولف ساكس من شربه لحمض الكبريتك أو ما يعرف بحمض النار وبقي حيا!!



حينما عرف الطبيب بأمر الزجاجة، لم يتردد في إخبار والده أنها النهاية، وماهي إلا مسألة دقائق قبل أن تذوب معدته وتنزل سوائلها وتحرق أعضائه الداخلية. على أي حال مكث أدولف ساكس في المشفى لعدَة أيام.. ثم خرج سليماً معافىً وسط دهشة الطبيب الذي كان قد انصدم من حقيقة أن هذا الأسيد لم يقتل طفلاً عمره 3 سنوات فقط .

مجدداً وبعد نجاته بمعجزة للمرة الثانية أقسمت العائلة أنها لن تزيح نظرها عنه ، ومجدداً حنثت بقسمها.


إقرأ أيضا : راسبوتين .. شيطان في زي راهب

حدث هذا عندما هذا  قررت العائلة أن تقوم بتجديد الأثاث بغرفة من غرف المنزل، فقامت برش الورنيش على جميع الأثاث. ومن ثم قامت بإغلاق جميع النوافذ وباب الغرفة وذهبت للنوم دون أن تعرف أن طفلهم كان نائما بالغرفة. وفي اليوم التالي استيقظ الجميع على صوت سعال طفل العائلة وهو محبوس في تلك الغرفة المغلقة مع أثاث قد دُهن حديثاً بالورنيش. في المشفى أخبر الطبيب ان طفل عائلة ساكس مصاب بالتسمم والاختناق. وهذه المرة هي النهاية الرسمية لحياة أدولف ساكس فحتى الحرفيين نادرا ما ينجون من التسمم بالورنيش.

blank
أدولف ساكس شابا

حسناً لقد نجى! .. وتكرر الأمر لاحقاً مرتين!، لم يصب بالاختناق إطلاقاً خلالها لكن وللمرة الثالثة قد أقسمت العائلة أنها لن تزيح نظرها عن ابنها مجدداً. ولا داعي لأخبركم عمَا حدث بعدها.


حنثت العائلة بقسمها مجدداً، وحدث هذا بعد أن ابتلع الطفل إبرة خياطة، ونجى منها.                                            

عائلة أدولف ساكس: أيمان لغو لا مؤاخذة فيها

في حياة أدولف ساكس يُذكر أنه كان يلعب بورشة والده قرب برميل مليء بالبارود.. وقد انفجر البرميل مُرسلاً أدولف إلى آخر الغرفة لدرجة أن صوت اصطدامه بالحائط كان مسموعا مثل صوت الانفجار.

إن أكثر ما يقتل الناس ليس الانفجار، بل شظايا الانفجار والغازات النابعة منه. تلك الغازات تدخل بقوة إلى رئة الإنسان وتمزقها، وتفجر اوعيته الدموية نظراً لقوتها وسرعتها. لكن أدولف لم يصب باي شظية ولم تنفجر رئتيه رغم أنه كان قرب البرميل لكنه مع ذلك أصيب بحروق قوية. وبالنسبة لطفل فهذه الحروق ستكون قاتلة، لكنه نجى!.

وللمرة الخامسة أقسمت عائلته أنها لن تزيح نظرها عنه، وللمرة الخامسة. حسناً لا أحتاج لإكمال الجملة.. لقد كان الصبي يلعب بالمطبخ وقد تعثر وسقط بكتفه على مقلاة حارة وأصيب بحروق بليغة، ونجى منها.

لديه ملاك يحرسه: عائلة أدولف ساكس تستسلم

قررت العائلة بعدما شاهدت من مصائب حلت على رأس ابنها وبنفس الوقت كيف كان ينجو منها ويستل حياته من مخاطرها استلال الشعرة من العجين، ألا تقسم بحماية ابنها مجدداً . فبالنهاية لا يمكن لشخص طبيعي النجاة من كل هذا إلا أن يكون لديه ملاك حارس يحميه هكذا قالت والدته.

إلا أنه حينما كان يافعاً كان قد خرج ذات مرة يتمشى بجانب النهر. وشاء القدر أن تسقط قطعة قرميد من سقف إحدى المنازل قرب النهر على رأسه لتفقده الوعي وليخُرَ بالنهر. ولكن لحسن حظه المعتاد، قام أحد الناس بالهرع لمساعدته وقام بمنحه تنفساً اصطناعياً. لقد أغمي عليه وسقط بالنهر لعدة دقائق، لكن ومع ذلك قد نجى! وبهذا استحق لقب (أدولف الشبح) عن جدارة فقد اعتقد الناس حينها أن شخصية أدولف ساكس لا تموت. لنقل أيضاً أنه قهر السرطان حيث أنه وبعدما أُصيب بسرطان اللثة بعمر 54 سنة، نجى منه أيضاً وشفي تماماً بعد 5 سنين من المصارعة معه.

blank
أصيب بسرطان اللثة ونجى منه أيضا!
إقرأ أيضا : تارار .. الرجل الذي لا يشبع

ختاماً..

تخيلوا.. سقط أدولف ساكس من الدور الثالث، وضرب رأسه بالرصيف. تعرض للاختناق والتسمم بالورنيش ثلاث مرات. ابتلع إبرة خياطة وشرب كأساً من حمض الكبريتيك، تعرض لانفجار برميل بارود. وسقط في النهر مغميا عليه ، وأصيب بالسرطان ونجى!! .

blank
الساكسفون : أحد اختراعات أدولف ساكس ويبدو أنه اشتق من اسمه

وقد تتوقع يا عزيزي القارئ أنه وبكل الظروف التي مر فيها فقد مات بعمر مبكر، لكنه لم يفعل. حيث أنه عاش 79 عاماً. اخترع خلالها عدة آلات موسيقية أهمها الساكسفون . وعزف بالكثير من الأماكن وكتب عشرات النوتات والأغاني ودرب مئات الموسيقيين ونشر لنفسه سيرة كبيرة خلدت ذكراه بشيء أكبر من استحالة موته. ووضع لنفسه اسما لن ينسى بالتاريخ الموسيقي.

ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المزيد من المواضيع المرعبة والمثيرة؟ اضغط هنا
المصدر
wikipediahistorianandrew

آريو

-كاتب من سوريا - الكاتب الأفضل في كابوس لشهر اغسطس 2022
guest
13 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى