أدب الرعب والعام

أشباح الإخوة الستة

بقلم : كوثر”ب” – المغرب
للتواصل : [email protected]

إنه هو! منزل الأخوة الذين قتل بعضهم البعض من أجل جرة ذهب!
إنه هو! منزل الأخوة الذين قتل بعضهم البعض من أجل جرة ذهب!

كانت الساعة تشير إلى الثالثة إلا ربع صباحا ، كان السكون يعم الأرجاء ، وحفيف أوراق الأشجار في الغابة المجاورة يعزف لحنا مخيفا بشكل متناغم مع صوت أمواج البحر، لم يكن ذلك الصوت مفزعا إلا في المرة الأولى التي زرت فيها بيت جدتي “كاثرين” ، وبعدها مباشرة يمكنني أن أخبركم أنني كنت قد تعودت عليه وصرت لا أنام إلا على أنغامه، كما الطفل الصغير الذي لا يطيب نومه إلا بغناء أمه لأغنيته المفضلة.

لكن تلك الليلة كانت مختلفة عن الليالي التي سبقتها ، فهذه أول مرة أقضي فيها الليل وحيدة في هذا المنزل… المنزل الذي لطالما سمعت عنه قصصا يشيب لها الولدان وتقشعر لها الأبدان.

ولكنني لم أحظى صراحة بفرصة رؤية ذلك الشيء أو سماعه أو حتى الشعور به ، فطيلة السنوات العشرين التي كنت أقضيها كإجازة في ضيافة جدتي لم أشعر بشيء غريب كما تعودت أذني ان تسمع من العائلة والجيران… ولحدود تلك الليلة كنت أحسب أن كل ما سمعت وكل ما قيل مجرد إشاعات وقصص خيالية لا أقل ولا أكثر.

***

كان بيت الجدة كاثرين رحبا واسعا كالقصر، إمتلكته عائلة أبي لما يزيد عن قرن من الزمان ، كان ذا اعمدة عالية وبوابة خشبية عتيقة تصدر صوت صرير مزعج كلما فتحت أو غلقت ، كانت النوافذ هي الأخرى من الخشب البني الداكن طولها كعرضها يتوسط إطارها الخشبي زجاج خشن باللونين الأزرق والأحمر ومزينة بقطع زجاجية أخرى خضراء.

الردهة بدورها مبلطة بالخشب البني الفاتح، فسيحة واسعة سقفها عالٍ تسمع فيها صدى صوتك رغم أنها مملوؤة عن آخرها بالأثاث العتيق الذي لطالما إحتفظت به عائلة والدي من جيل لجيل، لم يحتوي الطابق الأول سوى على صالة كبيرة مفروشة بشكل كلاسيكي ومكتبة في الزاوية تكاد تنفجر من الكتب والمجلدات ، ومطبخ متوسط الحجم مقارنة بذلك الموجود في الطابق السفلي، إلى جانب حمام كبيرللضيوف وغرفتين فارغتين.

الطابق الثاني لم أدخله قط فقد كان دائما مغلقا بعدة أقفال ولم اعرف يوما السبب ، إلا ان هذا لم يمنعني وانا الفضولية منذ نعومة اظافري ان القي عليه نظرة ولو صغيرة قبل سنتين عندما فتحته جدتي و ادخلت له بعد اللوحات وحقيبة سوداء متوسطة الحجم ، كان الطابق مملوءا بالغبار إلى حد الضباب لكنه كان مليئا بالاغراض المختلفة والخردة لكن ما اثار انتباهي كانت تلك الخناجر النحاسية الستة المعلقة على الحائط ، ترى ماقصتها؟!..

تنتشر غرف النوم في الطابق الثالث ، فكل واحدة تحتوي على حمام وخزانة ملابس ، لم أقم بعدّها من قبل لكن لاشك أنها تتعدى العشرين غرفة، لا تستغربوا من عدد غرف النوم فقد كان جدي الأكبر يسكن مع زوجته وأولاده وبنفس الطريقة تزوج الأبناء في نفس البيت و زوجوا أبنائهم بدورهم وسكنوا مع بعضهم البعض تحت سقف واحد.

حسب رواية جدتي فقد كان البيت في ذلك الوقت عبارة عن كوخ صغير يتكون من غرفة نوم و غرفة معيشة و مطبخ وحمام صغير لا أقل ولا أكثر، لكن مع ازدياد عدد السكان قام جدي و بعده أبناؤه وبعده أحفاده بعمليات توسيع امتدت لسنوات حسب الحاجة، إلى ان صار البيت على ماهو عليه الآن.

قالت جدتي أيضا أن أعمال التوسع استلزمت شراء عدة أراضي مجاورة لكوخ الجد الأكبر “إيمانويل” في مناسبات مختلفة آخرها كانت أرض ذات مساحة شاسعة عن يمين المنزل تعود “للكولونيل جون ميك آدامز”  الذي كان قد مات قبل بيع أرضه من طرف الورثة بأربعين يوم فقط!

إلى جانب ظرف الوقت الوجيز الذي بيعت فيه الارض بعد وفاة مالكها ، الأغرب أنها بيعت بثمن جد زهيد! كما لو أن مالكيها كانوا يريدون فقط التخلص منها.
بعد مرور ثلاثة أشهر على عملية الشراء، وفي يوم شديد الحر بدأ أحد الأحفاد – وهو جدي الثالث – بحفر الأساس الذي ستقوم عليه الملحقة التي ستنضاف إلى المنزل في ذلك الوقت،

في اليوم الأول من الأشغال وجد جدي الثالث تحت ثلاثة أمتار من الطين جرة بالية، عجب لأمرها ولم يرد فتحها امام العمال…بعد أن استقر في المنزل فتحها ووجد داخلها مجوهرات من الذهب الخالص والأحجار الكريمة والزمرد والياقوت ، ولكم أن تتخيلوا دهشته وفرحته آنذاك ، لقد وجد ثروة ضخمة تحت أرض ببضعة قروش ، أحس جدي الثالث “ديمتري” بفرحة هستيرية ولم يكن أنانيا ولا جشعا.. لم يأخذ من الجرة غراما من الذهب، أحكم إغلاقها ونادى إخوته في تلك الليلة وأخبرهم بما وجد… رقص الجميع من الفرحة والبهجة، وأحسوا بأنهم صاروا فاحشي الثراء- ربما عادلت ثروثهم آنذاك ثروة حاكم البلاد -.

قرر الإخوة ألا يخبروا أحدا غريبا بالأمر وأقسموا لبعضهم تلك الليلة بذلك…إلا ان إحدى الزوجات فضولها جعلها تتنصت على باب الغرفة حيث كان الرجال يتحدثون وسمعت كل شيء.

أرسل الإخوة زوجاتهم وأولادهم في نزهة للبحر في الصباح الباكر لليوم التالي، لصرفهم بعيدا عن المنزل كي يخلوا لهم الجو ليقرروا مصير الثروة التي وجدوها،

بمجرد إنفراد الإخوة مع بعضهم، توجهوا إلى الصندوق الذي وضعوا فيه الجرة في إحدى غرف الطابق الثاني، وهنا كانت الصدمة!… لم يجد الإخوة الجرة في مكانها!

عم الصمت لوهلة ومالبث ان تحول إلى صراخ ، تبادل خلاله الإخوة الستة الإتهامات، كل واحد يتهم أخاه ويبرر اتهامه له بطبعه او بشيء فعله في السابق.

استمرت المناوشات الكلامية لمدة قصيرة، وبعدها تحولت إلى عراك بالأيادي والخناجر!!!!

قتل الإخوة الستة بعضهم البعض ولم يتبقى منهم ولو رجل واحد على قيد الحياة!

كان الوقت عصرا، عندما عاد أفراد العائلة من النزهة، كان قد مضى على المجزرة ست ساعات تقريبا، ظنوا جميعا ان الإخوة قد خرجوا لاستئناف العمل في الأرض، إلى أن جاء المساء وذهبت أم الإخوة الستة الجدة “إليزا” إلى الطابق الثاني لتحضر بعض الأغراض… بمجرد ان فتحت الأم الباب حتى سقط مغشيا عليها بعد أن أفزعت حيوانات البحر والغابة بصرخة مدوية.

صعد الجميع الدرج بسرعة وعند وصولهم صدموا من هول المنظر وبشاعته، ستة جثث مدرجة بالدماء وفي أيدي بعضها سكاكين وخناجر مغطاة بسائل أحمر داكن اللون.

مرت السنين وأشارت الأصابع لهذا المنزل جيئة وذهابا، كلٌ يهمس للآخر :”إنه هو! منزل الأخوة الذين قتل بعضهم البعض من أجل جرة ذهب… لابد أن لعنة قد حلت عليهم، وإلا فكيف يقتل الأخ أخاه من أجل حفنة مال!؟…

نعم!… تلطخت سمعة البيت وساكنيه من أرامل و يتامى أما الأم المسكينة إليزا كانت قد لحقت منذ زمن بعيد بزوجها إلى العالم الآخر، فهي لم تستفق من بعد غيابها عن الوعي ابدا!

***

مرت أعوام وأعوام وأعوام، ومازالت نفس القصة تتردد بين الناس، لاشك أن التراث الشفهي لا يموت ولا يفنى، فكم مضى من الوقت والقصة لازالت كما هي تحكى يوما تلو الآخر لكل ضيف ولكل زائر، حتى سارت تلك القرية الصغيرة مشهورة ببيت عائلتنا وحادثة مقتل الاخوة الستة!

فلنعد لتلك الليلة التي كانت أولى الليالي في حياتي التي أقضيها وحيدة في ذلك البيت الشاسع.

كان الوقت يقترب الى الفجر ، كنت أغط في نوم عميق ، إلى أن سمعت أصواتا غريبة ، كانت أصواتا رجولية تتكلم بشكل متداخل، لهذا لم أميز كلمة مما كان يقال…

ظننت للوهلة الأولى أنه مجرد حلم مزعج، لكن مالبثت الأصوات أن تعالت وأصبحت أكثر حدة من ذي قبل.
نهضت مرعوبة وقد تجمد الدم في عروقي حينما أدركت أن ما كنت أظنه حلما هو كابوس حقيقي، أعيشه الآن!
بلعت ريقي بصعوبة وتوجهت إلى باب غرفتي بهدوء مصطنع، فتحت الباب بحذر ومددت رأسي من الفتحة ، نظرت يمينا ويسارا بسرعة… كان الممر طويلا مضاءا بقنادل عتيقة ذات ضوء ضعيف، بل ضعيف جدا… الجو بارد، وكانت الرياح قد تسربت من إحدى النوافذ المطلة على البحر، كانت رائحة رياح البحر تحمل بين نسماتها شيئا من الغربة والرعب… كما إحساسي في تلك اللحظة بالذات “وحيدة و مرعوبة” .

وانا اتحرك نحو الدرج كنت أتذكر ماكان يقال ويحكى حول هذا المنزل، في تلك الأثناء أحسست بأن قلبي على وشك ان يتوقف.

مر شريط حياتي أمام عيني ، منذ ولدت حتى هذه اللحظة التي من الممكن ان تكون آخر لحظات حياتي.

لا أدري كيف استجمعت قواي ، ووضعت قدمي في الدرجة الأولى من السلم المؤدي إلى الطابق الثاني!!!! أسرعت في الهبوط حتى لا أضعف من جديد.

في لمحة بصر وجدت نفسي متسمرة أمام الباب الرئيسي للطابق الثاني ، نفس المكان الذي توفيت أمامه الجدة إليزا! تساءلت في قرارة نفسي : هل أكون انا التالية؟ عندما سأفتح الباب ، هل سأموت فزعا من هول ما قد أرى؟؟ ماذا اذا لم اقم بفتح الباب هل سينتهي كل هذا؟ أم أنني فقط سأطيل من مدة عذابي؟؟… سيل من الأسئلة وعلامات الاستفهام جعلتني أرتعش من الخوف.

هدأت نفسي بنفسي ، كنت آنذاك في العشرين من عمري إلا أنني لطالما كنت تلك الفتاة المدللة التي لا تعتمد سوى على الناس… كان الأمر عسيرا علي طبعا، لكنني لم أجرؤ على التراجع، وفي أسوء الحالات كنت سأكون قد سرعت فقط في النهاية وأرحت نفسي من طول العذاب.

طيلة هذا الوقت كانت الأصوات تتعالى شيئا فشيئا حتى كدت أتأقلم معها.
إلى أن توقف كل شيء فجأة….توقف صراخ الكلام ولكن صرخات الألم والعتاب كانت قد بدأت سمفونيتها!

كان يعاد نفس مشهد ليلة المجزرة ، وفي هذه اللحظة كان الإخوة يقتلون بعضهم البعض! تسمرت قرب الباب وانا اسمع أنينهم و بكائهم!!!
كان الموقف رهيبا! صوت خناجر تخرج من اغمادها، و تُحشر في الأجساد بشكل عشوائي ومتسارع… وفي نفس الوقت كان الاثاث يتساقط.. زجاج يكسر و خشب يحطم! يصحب كل هذا لحن حزين مصدره أفواه ستة تتألم وتتأوه.

خارت قواي حينها، وكدت أسقط من هول ما كنت أسمع، صفعت خذاي أكثر من مرة على أمل أن أستفيق من هذا الكابوس المرعب، إلا أنه لم يكن حلما البتة! بل كان حقيقة تجثم فوق قلبي تكاد تحطمه.

وأخيرا قررت أن افتح الباب وبدون ان افكر…. كنت قد فتحته بقوة فعلا…على مصراعيه.
وليتني مافعلت!!!
فقد كان المنظر كما تخيلت تماما… لطالما تصورته هكذا!!
يا إلهي! إنه كما نسجه خيالي!!!
وقفت مذهولة، لم أدري كيف استعدت رباطة جأشي ووقفت أمام أشباح ستة رجال!
حينها كان خمسة منهم قد أسلموا الروح أمامي وهم يهمسون بكلمات لم أفهمها كأنها وصية للأخ السادس الذي كان يقول لهم :” إطمئنوا ولا تخافوا…ارقدوا في سلام، أراكم في السماء ” كان الأخ المتبقي يبدو انه مازال يحارب الموت بكل ضراوة، فرغم جروحه الغائرة كان كلامه مفهوما وتعلو وجهه ابتسامة عذبة لم ارى مثلها من قبل!
كنت ابعد عنه مسافة الخمسة أمتار فأنا وبفتحي الباب لم أتجرأ على أن أخطو ولو خطوة واحدة إلى الداخل… وانا اشاهد ذلك المنظر كان عقلي قد توقف تماما لم استوعب انني فعلا أعيش هذه اللحظات ، كانت أذناي قد صُمّت تماما لبرهة، حتى جاء صوت قوي ينطبق تماما مع صورة الرجل الحي امامي، رجل قوي البنية، أملس و أشقر الشعر، ذا عينين خضراوين بهما لمحة من الأصفر، ذو لحية خفيفة شقراء…كانت تظهر عليه علامات الفرح والسرور رغم حالته.

اخترق الصوت الهدوء داخل رأسي ليردني إلى وعيي، وهو يقول : “انتظرتك طويلا يا ابنتي! لقد تأخرتي كثيرا!! كان يجب أن نكون في السماء، منذ سنوات عديدة مضت!”

طأطأت رأسي وانا أتسأل هل الاشباح تتكلم مع البشر!؟
استدرك بسرعة :” اقتربي يا ابنتي، فلدي الكثير لأقوله لكِ”
ارتعبت وترددت قليلا لكن سرعان ما تشجعت من جديد وخطوت نحوه ببطء.

قال بإبتسامة جميلة:” لا تخافي يا ابنتي، فما من جد يؤذي حفيدته التي لطالما انتظرها”

لا أعلم لماذا لم استغرب مما قاله، فقد توقعت منذ الوهلة الأولى ان يكون هو جدي الثالث، كنت قد تخيلته كما تخليت المنظر امامي…كان هو!

ابتسمت بلا شعور واقتربت منه بخطوات اسرع، وقلت له :” اذن انت جدي الثالث ديميتري!!! ….لطالما رغبت في رؤيتك،…فقد سمعت عنك الكثير…تخيل انني تخيلتك كما انت!!!…..

أوقفني بشيء من الحزن والغضب في ان واحد، وزمجر قائلا :” أنا لست كما تتخيلين ، لم اكن الانسان الفاضل الذي صوروه لكِِ . وأطرق رأسه بحزن.
قلت باستفهام :” كيف ذلك! أعني… أرجوك كيف ذلك؟ لقد قتلتم بعضكم البعض صحيح، وربما تظن انك السبب حيث انك انت من وجدت الجرة، انت تقول طبعا ليتني لم اجدها، لو لم اجد هذه الجرة لما وقع كل هذا! لكن في نظري وفي نظر الناس فقد كنت الافضل، لقد صار يضرب بقناعتك وحبك لإخوتك المثل، ولا أحد يشك في انك كنت آخر من يرفع الخنجر على اخوته…”

قاطعني مرة أخرى وهو يبكي بحنق:” ارجوكِ لا تعذبيني أكثر من عذابي طيلة هذه السنين… كل ماتقولينه غير صحيح”

صدمت من جوابه!! سكتت لبرهة وهو استمر في البكاء ثم قلت له : “كيف ذلك؟.

قال وهو يمسح وجهه بكمه:”دعيني أخبركِ القصة كاملة
كنت قد غيرت وضعيتي من الوقوف الى الجلوس، و فتحت أذناي على آخرهما، متلهفة لسماع ماسيقوله الجد ديمتري…اقصد الشبح ديمتري
أخذ نفسا عميقا ثم أردف بسرعة:” إليكِ ما حصل في تلك الليلة…

قاطعته بسرعة وقد جاءني سؤال محير عندها:” مهلا… قبل سماعي لقصتك، أخبرني اولا لماذا كنت تقول انك كنت تنتظرني انا بالذات!؟ لم اسمع من قبل من تلك القصص التي لطالما رددتها العائلة او الجيران اي شخص سبق ووجدكم في هذا المنظر عند فتح باب الطابق الثاني من قبل، فبمجرد فتح الباب تختفي الاصوات ومصادرها؟ إنكم لم تتحدثوا مع احد من قبل كما أعلم!!! لماذا انا؟ ماذا يميزني؟؟
قال وهو ينظر إلي بعمق وتأثر :” كنت أنتظر الفتاة او الشاب البريء النزيه من أحفادي الذي لم يؤذي أحدا من قبل، الذي يملك قلب ملاك وضميرا حيا، علّه يصحح خطئي ولو بعدحين”

أحسست بالخجل حينها من إطراء الجد ديمتري و بسعادة عارمة، فالأشباح لا تكذب.

استأنف كلامه بسرعة: “في ذلك اليوم اجتمعت بإخوتي وأخبرتهم بأمر الجرة وكانت نواياي طيبة واردت إقتسام ما بداخلها معهم، فالأرض في نهاية المطاف هي ملكنا نحن الستة، إلا ان امرا غير متوقعا قد طرأ! … ليلتها كانت زوجتي – التي هي بالمناسبة جدتك الثالثة “صوفي” – خلف الباب، فضولها أدى بنا إلى التهلكة ليلتها، فلو لم تنصت لحديثنا السري لما وقع ما وقع”

إزداد إتساع بؤبؤ عيناي وأنا احملق فيه وأنصت بتمعن.
ثم أردف قائلا :”عندما انتهى الإجتماع وآويت إلى غرفتي وجدت صوفي تنتظرني…وبدون لف ودوران اخبرتني انها سمعت كل شيء!…. قلت لها وأنا متفاجئ :” كيف ذلك؟، قالت :” هذا لايهم الان! المهم، لن نقتسم المال معهم، أنت وجدته لذلك ستأخذه لوحدك.

قلت لها :”هذا مستحيل الارض لنا جميعا، وما وجده أحدنا هو ملكنا نحن الستة” ، قالت وهي تقهقه :”أبله! لو وجد الجرة أخوك ستيف أو جورج أو أليكسندر أو جايكوب بل حتى الصغير صامويل لما رأيت أحدهم في الصباح التالي”

بعد ساعات من النقاش، لم أعرف كيف أقنعتني بأن نأخذ المال ونهرب بعيدا مع أولادنا، بعد أن يعلم الجميع بفقدان الجرة.

وبالفعل حدث ما قالت زوجتي، تسللت ليلا وأخذت الجرة وخبأتها في مكان آمن لم يعلم به أحد سوانا نحن الإثنين ثم تسللت عائدا إلى غرفتي.

تنفس ببطء وقال بعدها :” وبعد يوم من الحادثة انتحرت جدتكِ صوفي كما تعلمين، ظن الجميع انها انتحرت بسبب حزنها عليّ ولكن الآن على ما أظن أصبح السبب واضحا أمامكي!….هذه تكملة القصة… هذه الحقيقة يا ابنتي!! هذا مالم يعرف به أحد غيري انا و زوجتي… وانت الآن!

كانت الصدمة العاشرة بعد المئة على ما أظن، ولكنها كانت الأقوى!! لقد كان جدي وجدتي السبب في المجزرة التي حصلت! كيف للطمع أن يوصل الانسان لكل هذا!!

على أيٍّ إنها تساؤلات بدون معنى فلقد مر على الكارثة عقود كثيرة من الزمان… فلن يُصلح لوم الاشباح شيئا ولا الإعتذار للموتى!
كلهم أذنبوا ودفعوا ثمن الطمع والجشع وحب المال والأنانية!

قلت له وانا أحاول استيعاب كل هذا :” انتظرتني لتخبرني بالحقيقة فقط!؟
قال بفرحة :” نعم وشيء آخر” 

قبل ان أسأل عن ماهيته، قال لي:” عديني أولا انكِ ستقومين بما سأطلبه منكِ، بعدها مباشرة سنرتاح جميعا ونصعد إلى السماء ونحن مرتاحون!

قلت بتلعثم : “طبعا اذا استطعت!
أغمض عينيه و بلع ريقه ببطء، ثم نطق وعيناه الخضراوان تلمعان :” كنت أنا وزوجتي قد خبأنا الجرة في قبو هذا المنزل وراء لوحة الطاووس، خذيها و وزعي كل ما فيها على اليتامى والفقراء، تصدقي منها، وضعي المال أمام أبواب بيوت الضعفاء واشتري الأدوية للفقراء وأطعمي المساكين… افعلي كلمايخطر على بالك، ولكن إياكي أن تغتري وتأخذي منها فلسا، فستصيبك لعنة في الحياة وبعد الممات يا ابنتي!… مع انني اعلم انكِ لن تفعلي هذا ابدا.”

الآن وقد أصبحت في الثامنة والتسعين من عمري، طبقت وصية الجد ديمتري بحذافيرها وأصبحت أعيش في ذلك المنزل مع أحفادي بعد أن هرب منه جميع أقربائي لسمعته المخيفة ، لكن ثقوا بي منذ ذلك اليوم اختفت اشباح الرجال الستة ومعها الاصوات إلى الابد… لابد أنهم قد ارتاحوا اخيرا واستقروا مع بعضهم البعض في السماء…

آه كدت أنسى مازالت معي آخر قطعتين ذهبيتين من الجرة… هههه طبعا لا أنوي تركها لنفسي.. أنوي استبدالها بالمال عند صائغ جديد وتوزيعها على أربعة دور أيتام غدا.

تاريخ النشر : 2019-09-16

كوثر ب

المغرب
guest
42 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى