أدب الرعب والعام

أشياء لا تعني أحد

بقلم : نيروز منَّاد – سوريا
للتواصل : [email protected]

أشياء لا تعني أحد
ما زلتُ أحلم بالحب الذي سيجعلني أكون ممتنةً

 قالَ لي في تلكَ الليلة : بإمكانكِ الإشفاق على نفسك إلى الأبد و لكن الحقيقة أن حياتكِ أسهل من حياةِ كثيرين لم يحظوا بنصف الأشياء التي تزهدين بها. لم تكن جملته ملهمةً و لم تترك لدي أي أثرٍ جيد فأنا لا أقدر هذا النّوع من التفكير ، نعم أنا لدي الكثير من الأشياء التي ليست لدى الآخرين و هذا طبيعي فلا أحد لديه كلُّ شيء ! و لكن هذا لا يعني أن آلامي ليست مؤلمة ! الأمر ببساطة كما عبّر عنه شكسبير حين قال : إن جرحي ليس أعمق من بئر و لا أكبر من باب كنيسة و لكنه كافٍ ليسبب لي الألم ” كلُّ ما أردته من هذه الحياة هو الحب و لم تكن تلكَ مجردَ أمنية فأنا فعلاً لم أطلب سوى الحب و لكني بالمقابل لم أحظى بالكثير منه و اليوم أنا أعلم أنَّ امرأةً لم تحظى بما يكفي من الحب هي أمرأةٌ يسهل إغوائها 

في ليلة عيد ميلادي الواحد و الثلاثون اشتريتٌ لنفسي ثياباً جديدة من مالٍ إذخرته لإجراء عملية تقويم لأسناني ! لم تكن الثياب هديةً مناسبة فأنا لم أكن راضيةً عن شكل جسدي بكل الأحوال كنتُ أزداد وزناً و كان من السهل تمييز مؤخرتي من مسافةٍ بعيدة بكيتُ على طرفِ السرير و أنا أتأمل ثياباً رائعة لن ألبسها و الأسوأ أني لن أتمكن من فتح فمي أثناء الابتسام فأسناني ستظل على هذه الحال لفترةٍ طويلة ! بدأتُ ليلتها أشكُّ في حقيقةِ أني أحب فعلاً أن أشفق على نفسي و إلا لمَ اشتريت ثياباً و أنا أعرف أنَّها ستذكرني بوزني ! كانَ من الممكن أن أشتري لنفسي مستحضرات تجميل مثلاً أو حتى وجبةً لذيذة ! كانَ من الممكن أن لا أشتري شيئاً و كنتُ سأظل بخير نوعاً ما ! في منتصف الليل و خلال نوبة البكاء التي اجتاحتني أتصل بي عمر:

– حسناً أنتِ تعيسة و لكن هل يجب أن تبكي طوال الوقت ؟ أنتِ تبكين منذ ولدتِ و من الواضح أنَّ البكاء ليس حلاً لشيء !.

– أصبح عمري اليوم واحد و ثلاثون عاماً.

– آه و هذا سببٌ آخر يجعلكِ تنوحينَ في منتصف الليل ؟.

– ليس سبباً كافياً بالنسبة لك فأنتم الرجال تستطيعون الزواج و الإنجاب في أي وقت أما نحن فملزمون باغتنام فرصة فترة نشاطنا و التي ستنتهي قريباً بالنسبة لي.

– لن أناقشك في هذا فأنتِ تصبحينَ مجنونةً فعلاً عندما تدخلين حالة : أنا تعيسة حقاً ، سنتكلم غداً.

لم أستطع النوم ليلتها و أنا أفكر ، إنه عامي الواحد و الثلاثون و لم أعش شيئاً من أعوامي الماضية ، في الحقيقة أنا لم أفعل شيئاً مما حلمت بفعله دائماً و الآن سأموت وحيدةً فاشلة و لن يذكرني أحد !.

في الصباح خرجتُ لأتمشى عندما أتصل بي عمر و طلب أن أقابله في مكتبه ، كانت سكرتيرته تستفزني بشعرها الملون و مكياجها المشرق ، كانت تبتسم طوال الوقت و كأنها تتعاطى المهدئات ! من يمكنه الابتسامة بهذه السعادة في العاشرة صباحاً إلا إذا كان منتشياً ! و المستفز أكثر كانَ طريقة كلامها فقد كانت تتنفس كثيراً خلال الحديث ، كانَ صوتها يبدو و كأنها تتأوه طوالَ الوقت ، كنتُ أمنع نفسي بصعوبة من تخيلها على السرير و هي تقول : عمر في انتظارك ، عمر كانَ يعرف أني أكرهها و لهذا السبب بالذات كان يمتدحها كثيراً أمامي : لونا نشيطة ، مجتهدة و ملتزمة ! ، و ينهي جملته بابتسامةٍ خبيثةٍ جداً ، جلسَ قبالتي و قال بصوتٍ مبتهج بشكلٍ مزعج :

– عليكِ أن تجدي عملاً في نهاية الأمر.

– أنا أبحث.

– أنتِ تفكرين في البحث عن عمل و لكنكِ لا تبحثين فعلاً.

– تركتُ عملي منذ بضعةِ أيام فقط ، لا تقلق سأجد عملاً قريباً جداً.

– أولاً أنتِ طردتِ من عملكِ لأنَّكِ تغنين بصوتٍ عالٍ و تتخيلينَ قصصَ حبٍ لا أحد يعرف عنها شيء سواكِ و ثانياً عليكِ أن تجدي عملاً الآن قبل أن تفقدي عقلك بالفعل !.

– سأجد عملاً و.

– وجدتُ لكِ عملاً ، صديقي أفتتحَ مطعماً و يحتاج عقلاً ذكياً مثلكِ ليستلم الحسابات.

– لا ، يبدو أنك تمزح !.

– أنا جاد جداً.

– أنا لا أعرف ناتج ضرب 1 ب3 .

– ستتعلمين ، و بالمناسبة ناتج ضرب العدد 1 بأي عدد آخر هو العدد نفسه ، استفيدي من هذه المعلومة لاحقاً.

العمل في الحسابات كانَ من أسوأ الأعمال التي اضطررت إلى مزاولتها و الأيام الأولى كانت جحيماً حقيقاً على الرّغم من أنَّ الإقبال على المطعم كانَ خفيفاً في البداية و كنتُ أملك الوقت الكافي لحساب الفاتورة ، مديري كانَ لطيفاً في بداية النهار و لكنه يصبح عصبياً مع ازدحام المطعم ، كانَ يصرخُ بي قائلاً : هذا المطعم كلفني علاقتي بوالدي لن أسمحَ لكِ بإفلاسي منذ الِأشهر الأولى ، و لكنّه كانَ يعتذر في نهايةِ الدوام ، مع مرورِ ثلاثِ شهورِ على العمل في مجال الطعام تعلمتُ شيئاً مهماً جداً وهو أن الزبون اللئيم المزعج و الذي يدخل في جدالٍ مع النّادل يعتقدُ عادةً أنَّه ينجو فهو ” دائماً على حق ” و لكنَّه لا يعلم أن طلبه التالي سيكون ممزوجاً ببصاق النادل و بعض زملاءه المتعاطفين معه ! نعم ، تعلمتُ أن لا أغضب نادلاً أو على الأقل أن لا أطلب شيئاً بعد ذلك ، المطعم مجتمع صغير يحوي مجموعةً مختلفةً من البشر الذين لن تقابلهم مجتمعينَ في أي مناسبة و هم جميعاً مميزون بطريقةٍ ما !

العمل في المطعم أبقاني مشغولة معظم الوقت و لكنه سمح لي باختلاقِ سببٍ جديد للتذمر و خاصةً بعد أن عرفنا المدير على خطيبته ! كنتُ أبكي في الحمام بعد كل زيارةٍ لها ، كنتُ أتأملهما بحزنٍ شديد خاصةً عندما يظهرُ حبه لها بكل الأشياء الصغيرة التي يفعلها لها كأن يطلب لها طعامها المفضل أو أن يفتح لها باب التاكسي أو أن يترك المطعم ليوصلها بسيارته !  و قد دعاها إلى حفلة عيدِ ميلاد عمر التي أقامها له في مطعمه.

– شكراً لأنَّك مثلتْ أنّك تفاجأت رغم أنّك على علمٍ بهذا.

– شكراً لأنّكِ أفسدتِ المفاجأة.

– ولكنكِ لا تحب المفاجآت !.

– لا أحب المفاجآت السيئة و لكني أحب أن أتفاجأ بأن أحدهم تذكر عيد ميلادي و أقام من أجلي حفلةً رائعة.

شردتُ قليلاً مع صديق عمر و خطيبته وهما يرقصان ،  كنتُ أستطيعُ رؤية شغفه بها بوضوح و لكني لم أكن أفهم لماذا ؟ في تلك اللحظة وضع عمر يده على أطراف أصابعي و قال:

– لا يجب أن تكوني عارضة أزياء لتجدي شخصاً يحبك !.

– جميع الرجال يحلمون بعارضات الأزياء.

– ليس صحيحاً ما تقولين ، لا أحد يحب أمرأةً تتضور جوعاً لترتدي ثياباً لا تبدو جميلةً على جسدها الهزيل و تقضي معظم وقتها و هي تزيل مساحيق التجميل و تعاني من الاكتئاب لأنّها لن تبدو مثاليةً أبداً مهما حاولت ! عارضات الأزياء لسنَ حلم الرجال ، الرجل يحلم بامرأة طبيعية فقط.

– إنه يحبها !.

– نعم يحبها و وزنها يزيد على الستين ! أعرف ما تفكرين فيه الآن : ليست جميلة ، ليست رشيقة و ليست موهوبة و لكن لماذا هي مرتبطة و أنا لا ؟! .

– ربما هي موهوبة لا يمكنك قول العكس فنحن لا نعلم.

– ليس هذا مهماً على حال ، لا علاقة للحب الجمال أو الوزن أو المواهب التي تمتلكينها ، الحب يحدث بطريقةٍ غريبة و كلاً نستحق الحب و لكن نظرتك للحب خيالية جداً و لهذا فأنتِ لن تجديه أبداً حتى لو كانَ جالساً أمامكِ.

عدتُ ليلتها و أنا أفكر بنظرتي للحب ، لم أكن أعتقد أنها خيالية و لكني متطلبة عاطفياً ربما ! ليس هذا ذنبي على حال فأنا نشأت في عائلةٍ لا تمنح الحب إلا إذا كنتَ ميتاً أو على وشك الموت ، لم يكن عمر يعرف الكثير عني كما كان يعتقد و لهذا فقد صدمه قراءة رسالةٍ من رقمٍ مجهول تقول : أنتِ حثالة و تحبين أن تـُعاملي كحثالة ، لم لا تجدي رجلاً آخر تسقمينه بعقدكِ النّفسية ؟.

– ماذا يفعل هاتفي في يدك ؟.

– كانَ يرن باستمرار فقمتُ ب..

– قراءة الرسالة التي لا تعنيك !.

– ريما ، من هذا ؟

– صديق قديم ، إذاً أخبرني ماذا سنفعل الليلة ؟.

– صديق قديم ! و لماذا يعاملكِ بهذه الحقارة ؟.

– لن تنسى الأمر أليس كذلك ؟.

– أريد أن أساعدك.

– أنا لست واقعةً في مشكلة ، اطمئن.

منذ تلكَ الحادثة بدأ عمر يسألني كثيراً عن حياتي قبل أن أعرفه ، و لكني كنتُ قد قطعتُ عهداً على نفسي أني سألتزم الصمت فيما يخص الماضي.

كنتُ أعتقد أنَّ كلَّ شيءٍ تحت السيطرة إلى أن عرفتُ بخبرِ زواج كريم ، في ذلك اليوم أصبتُ بانهيارٍ عصبي و تم نقلي إلى المشفى و أنا في حالةٍ يُرثى لها و رقدتُ في المشفى حوالي أسبوع تقريباً ، كانَ المدير كريماً جداً معي فقد منحني إجازةً طويلة لأتعافى و وعدني بأنَّه بإمكاني العودةَ إلى العمل متى شئت ، تلقيتُ الكثير من الهدايا من زملائي في العمل و الكثير من الاهتمام من عمر الذي تجنب الحديث عن سبب الانهيار و لكنّه بعد ثالثِ أيامِ عودتي إلى العمل جاء ليقلني و في الطريق قال:

– أخبرني زملاؤكِ أنَّكِ قرأتِ شيئاً في هاتفكِ قبل أن تصابي بالانهيار العصبي ، هل كانَ خبراً سيئاً عن أحد أفرادِ عائلتك ؟.

– والدي متوفي منذ عشر سنوات ، والدتي تعيش مع شقيقي في كندا ، لديّ خالة واحدة توفيت منذ ثلاثِ أعوام ، و أقارب والدي لا يكترثون لأمري و لن أصاب بانهيار عصبي لوفاةِ أحدهم.

– و لك….

– هل يمكنك أن تنسى ذلك ؟.

– أنا قلقٌ عليكِ.

– لا تقلق.

– لماذا تتعاملين بهذه الحقارة مع شخصٍ يهتم لأمرك ؟.

– لأنَّ لا أحد يهتم لأمري من دون مقابل ، قد تكون نسيت و لكنكَ حاولتَ ممارسة الجنس معي في أولِ زيارةٍ لي في منزلك !.

– ماذا كنتِ تتوقعينَ أن أفكر في فتاةٍ تطلبُ رقمي في منتصفِ الليل ثمَّ تدعي أنَّها طلبت الرقم الخطأ ثمّ تتصل بي مرة ثانية في اليوم التالي لتقول: هل يمكننا أن نكون أصدقاء ” ظننتُ أنَّكِ من عاهراتِ الهاتف و لم يكن خطئي على كلِّ حال !.

– أريد أن أنزل هنا.

– ريما أ…

– أوقف السيارة و أنزلني هنا لو سمحت.

لم أكن ليلتها غاضبةً من عمر ، لم يكن بإمكاني أن أكون غاضبةً منه أصلاً و لكني كنتُ أشعر بالخجل من نفسي ، نعم سمحتُ لكريم بأن يعاملني و كأني عاهرة فقط لأني احتجتُ الحب ! و عندما تركني كنتُ على وشك أن أتحول إلى عاهرٍ فعلاً لولا أنّي كنتُ ما أزال آمل بأنَّ نهايتي السَّعيدة قادمة و يجب أن أنتظر ..

حاول عمر مكالمتي كثيراً في الفترة اللاحقة و لكني لم أكن أجيب أياً من مكالماته أو رسائله ،  كنتُ أحاولُ ترتيب فوضى حياتي قبلَ أن أعود إلى اللامبالاة التي كنتُ أعيشها ، و بعد حوالي الشهر على تلك الحادثة قصدتُ منزل عمر و عندما فتح لي الباب عانقته و قلت:

– لم أطلب رقمك بالصدفة ، قرأتُ الإعلان الذي كنتَ نشرته تطلب فيه سكرتيرة ، حضرتُ للمقابلة وعندما عرفتُ أنَّ المحامي هو أنت قررتُ أن أتعرف بك ، لم أرد أن أعمل مع شابٍ ثلاثيني وسيم ،  نعم تصرفتُ كعاهرة و لكني أردتُ أحداً أكلمه .

جلسَ على الكرسي بجانب الباب من دون أن يعلق على الأمر ، كانَ يتأملني بحزن ، كنتُ أرى ذلك بوضوحٍ في عينيه ، بدا حزيناً لأجلي و كانت تلك أول مرة يشعر فيها بذلك فهو دائماً يردد : مشاكلكِ ليست بالسوءِ الذي تتخيلينه ،  دخلتُ إلى غرفته و جلستُ على طرفِ السرير ثمَّ قلت:

– هل مارستَ الجنس مع لونا؟

جلس بجانبي و قالَ مبتسماً:

– لونا متزوجة ، زوجها صديقي و لديها طفل أسمه عمر ، ما زالت لديكِ الكثير من الأحكام المسبقة على الآخرين.

– لماذا ابتعدت عني في تلكَ الليلة ؟.

– لأنَّكِ بكيتِ ، أدركتُ لحظتها أنَّكِ لستِ عاهرة.

– كانتِ الرسالة من رجلٍ أسمه كريم ، أحببته عندما كنتُ في الجامعة ، كانَ أستاذي و كانَ يكبرني بعشرين عاماً ، منذ اللحظة الأولى تعامل معي كأنّي عاهرة ، كانّ يسألني عن علاقاتي و كان يضحك عندما أقول أنَّ لا علاقات لي ، اختفى لمدة شهرين عندما رفضتُ زيارته في منزله و لم يعد إلا عندما وافقت ، يومها مارستُ الجنس معه و ادعى أنَّ غشاء بكارتي لم يكن حقيقياً و أنَّ النزيف سببه توتري ، كانَ يتهمني بأنَّي أمارس الجنس مع زميلتي في السكن و كان يثيره أن يتحدث عن ذلك ، كما اتهمني مرةً بأنّي على علاقةٍ برجل آخر و أتخذ منها عذراً ليهجرني في نهايةِ الأمر ، في ذلكَ اليوم قرأتُ خبر زواجه من صديقةٍ كان يعمل معها ، هي امرأةٌ بعمري مطلقة و لديها طفلٌ من زواجها السابق يعيش مع والده.

– أنتِ هشةُ ريما ، ضعيفةُ و جبانة. تنغمسينَ في الألم لأنَّكِ تخافين من الفرح و تعشقين السفلة لأنَّكِ تؤمنينَ أنَّ هذا هو ما تستحقينه ، تعتقدينَ أنَّكِ تريدين الحب فقط و لكنَّكِ تريدين عائلة و عندما تشعرينَ أنَّ الطرف الآخر لن يمنحك إياها تقبلين بالفتاتِ الذي يرميه لك ، أنا لا أعرف كيف نشأتِ و لكن من الواضح أنَّكِ تعرضتِ للنبذ كثيراً و ليس هناكّ من سببٍ آخر يجعلك تكبلين نفسكِ بعلاقةٍ مشوهةٍ فاشلة كتلك ! أنا متأكدٌ أنَّك بالمقابل رفضتِ الكثير من عروض الحب الجدية لأنَّك فقدتِ الثقة بنفسكِ مع الوقت و لأنَّك لم تعودي تنتظري إلا المزيد من الفشل ، ريما أنتِ فريدة من نوعكِ و تستحقين أكثر مما تقبلين به لماذا تفعلين هذا بكِ ؟!.

لم أقل شيئاً و لم أعلق بشيء ، أخفيتُ وجهي بيدي و تنهدت ثمَّ جمعتُ أغراضي و غادرت منزله ،  في اليوم التالي قصصت شعري و غيرتُ لونه ثمَّ رجعتُ إلى المنزل سيراً على الأقدام حيث كانَ عمر ينتظرني على الدرج :

– لون شعركِ الأصلي كانَ أجمل.

– لكنكم تحبون النساء ذوات الشعر الملون.

– المزيد من الأحكام المسبقة.

– على كل حال هذا اللون ليس أبدياً.

– هل جعلكِ تشعرين بحالٍ أفضل ؟.

– ليس تماماً و لكنَّه نوعٌ من التغيير!.

في تلك الليلة أخبرني عمر بأنَّه قابل فتاةً رائعة و هو معجبٌ بها ، و كانت هذه الفتاة حديثه المفضل خلال الأشهر التّالية و قد قابلتها مرتين و دعاها إلى حفلةِ عيد ميلادي ، و في ذاتِ الحفلة طلب يدها للزواج و وافقت بسعادة ، بعد خطوبته بحوالي الشهر حدث بيننا أكبر شجارٍ على الإطلاق منذ عرفته و السَّبب أني اتصلتُ به عشر مرات على الرَّغم من أني كنتُ أعلم أنَّه معها !.

– هل تحاولين تخريب علاقتي بها ؟.

– كيف أمكنكّ أن تتخيل ذلك ؟ أبداً لم أفكر بفعل هذا أنا فقط كنتُ بحاجتك.

– لماذا ؟ هل كنتِ تموتين ؟ هل هناك تسرب غاز في شقتك ؟ هل صدمتك سيارة ؟ بماذا تحتاجيني في الساعة الثانية بعد منتصف الليل ؟!.

– كنتُ… كنتُ ..

– كنتِ تريدين أن تخبريها ، أنَّكِ كنتِ موجودةً طوالَ الوقت في حياتي و تعرفين عني ما لا تعرفه و هذا ما تحاولين فعله منذ قابلتها.

– أنا !.

– نعم و بوضوح: عمر يحب الأفلام الكوميدية ، عيد ميلاد عمر في العاشر من تموز ،  صديق عمر المقرب هو آدم مدير المطعم الذي أعمل به ، عمر يحب والدته كثيراً ، أنا سئمتُ من هذه اللعبة السخيفة التي تلعبينها و تذكري جيداً أنا كنتُ أمامكِ طوالَ الوقت و لكنّكِ كنتِ تتذمرينَ لي عن وحدتكِ بدل أن تلاحظي أني أفعل أي شيء لأحظى بالمزيد من الوقت معك ، نعم أسأتُ فهمكِ و لكنَّكِ قررتِ أن لا تعشقي إلا السفلة و أنا لن أضيع المزيد من الوقت معك بعد الآن.

كانت تلكَ نهايةُ علاقتي به و بدا ذلك واضحاً عندما لم يدعني إلى حفل زفافه ، مرّتْ شهور على انقطاع علاقتي بعمر و لكني كنتُ أعرف أخباره من آدم و قد أخبرني منذ يومين أنَّ زوجته حامل ! كنتُ سعيدةً لأجله و لكنّي كنتُ نادمة فأنا دائماً شعرتُ بشيءٍ ما تجاه عمر و لكنَّ اهتمامه بي جعلني أتجاهله ، ربما كانَ على حق أنا أعشق أن تتم معاملتي كعاهرة ! مع بدايةِ العام الجديد تعرفتُ برجلٍ وسيم كان يرتاد المطعم بانتظام ، أوصلني إلى المنزل مرتين و خرجنا لتناول الغداء في يوم عطلتي.

كانَ لطيفاً و يتصلُ بي كل ليلة و يسمعني و يهتم لأمري و لكنّه كانَ متزوجاً ! قالَ أنَّه يحب زوجته و لكنّه يريد صديقةً يقضي معها وقتاً مريحاً ! تمنيتُ ليلتها لو أمكنني محادثة عمر لأخبره بما حدث ، تأملتُ رقمه كثيراً و لكني خفت الاتصال به فزوجته تكرهني و هو لا بد غاضب مني حتى اليوم.

اليوم و بعدَ مرورِ ثلاثِ سنواتٍ على كلِّ تلكَ الفوضى أحتفلُ مع أصدقائي من مطعمِ آدم بنشرِ روايتي الأولى ،  بلغتُ الخامسة و الثلاثون و فرصي في الإنجاب تتضاءل مع الوقت و لكني تعلمتُ شيئاً لم أكن أريد الاقتناع به: لن تحصل على شيء لا يناسبك ، و ربما ما أنا عليه اليوم يناسبني أكثرَ من أي شيءٍ كنتُ أتوق للحصولِ عليه !.

لم أعد أزحف خلف الرجالِ الهاربينَ من حياتي و لم أعد أستعجلُ شيئاً ،  ما زلتُ أحلم بالحب الذي سيجعلني أكون ممتنةً لكلِّ الذي مررت به خلالَ حياتي!.

تركتُ رسالةً صوتيةً لعمر أخبره فيها عن وقت و مكان الاحتفال و مناسبته و انتظرته طوال الأمسية ، و في تمام العاشرة دخلَ مع زوجته و طفلته ، صافحني و قال :

– شكراً لأنَّكِ وصفتني ب” عمر كانَ دائماً رجلاً نبيلاً ” .

النهاية …..

تاريخ النشر : 2019-01-05

guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى