ألغاز تاريخية

ألغاز جرائم حيرت المحققين -3-: جريمة قتل هول وميلز الغامضة

قصة حب بطعم الخيانة انتهت بجريمة قتل، فما القصة ومن القاتل يا ترى؟

في مقال اليوم من سلسلة ألغاز جرائم حيرت المحققين لغز جريمة معقدة وغريبة لم تحل ولم تفك طلاسمها منذ أكثر من مائة سنة إلى يومنا هذا. جريمة قتل مزدوجة نالت صدى واسعا وأضحت هاجسا إعلاميا في بدايات القرن العشرين في أمريكا. كما أنها مهدت لنشوء أساليب جديدة في التحقيق، وتحديد أسلوب ونمط جديد تتبعه الصحف والمجلات لما كان لتقاريرها أثر على سير التحقيقات وتأثير على السلطات والرأي العام ككل. إنها جريمة قتل هول وميلز الغامضة.

اكتشاف الجريمة

في ولاية نيوجيرسي بأمريكا، وبالضبط في مقاطعة سومرست كان صباح السادس عشر من سبتمبر من العام 1922 مشمسا وجوه لطيفا ونقيا. لذا قرر ريمون شنايدر ذي الثلاث وعشرين عاما إلى جانب حبيبته القاصر بيرل باهمر التجول والتمشي على طول طريق ترابي صغير في نيو برونزويك يستخدمه الأحباء كممر خاص بهم – ممر للعشاق –

أثناء تجولهما هناك لمحا شيئا غريبا تحت شجرة تفاح ضخمة، دققا النظر فإذا بهما رجل وامرأة ممددان على ظهريهما بطريقة مريبة. كان الرجل يرتدي بدلة رمادية مع ربطة عنق بيضاء وقميصا أبيض، وقبعة موضوعة على وجهه كما لو كان ليحمي نفسه من أشعة الشمس. أما المرأة فكانت ترتدي فستانا أزرق منقطا يمتد إلى ما تحت الركبة، ووشاحا صوفيا بني اللون حول رقبتها .. كانا جامدين بطريقة لا تدعو للشك في أنهما جثتان هامدتان..

جثتا هول وميلز تحت شجرة التفاح
جثتا إدوارد هول وإليانور ميلز تحت شجرة التفاح

وعلى عجل أسرع الحبيبان نحو أقرب منزل إليهما ليبلغا صاحبه بما رأياه.. وعلى الفور تم استدعاء الشرطة التي لم تستغرق وقتا طويلا لمعرفة الضحيتين.. كان القس إدوارد ويلر هول والعضوة في جوقة الكنيسة التي يعمل بها إليانور راينهاردت ميلز.

إقرأ أيضا: جرائم غامضة مجهولة الجاني

القس والمغنية..

كان القس إدوارد ويلر هول رجلا عاديا من مواليد 1881 بروكلين بنيويورك، حاصل على الشهادة اللاهوتية، ثم أصبح راعي كنيسة يوحنا الإنجيلي الأسقفية في نيو برونزويك. متزوج من السيدة الثرية فرانسيس ستيفنز هول التي تكبره بسبع سنوات في 20 من يوليو 1911 ولديه منها ابنة.

كانت العائلة من أبرز عائلات نيو برونزويك نظرا لمكانة كلا من الزوجين.

الضحية القس إدوارد هول
الضحية الأولى القس إدوارد هول

أما إليانور ميلز فكانت من مواليد 1888 وتبلغ من العمر أربعة وثلاثين عامًا. غنت في جوقة الكنيسة و متزوجة من قندلفت -حاجب- نفس الكنيسة، ويدعى الرجل جيمس ميلز.. يكبرها بعشر سنوات ولديها منه طفلان شارلوت 16عاما ودانيال 12 عاما.

وحسب كلام أعضاء الكنيسة وكل من عرفوا الضحيتين، فلطالما كان الشك والريبة تحوم حول كل من هول و ميلز بوجود علاقة غرامية آثمة و مريبة بينهما. فإليانور كانت شابة وجميلة و تتمتع بروح شغوفة ومتقدة. لذلك لم تكن راضية عن البساطة التي أجبرت على العيش فيها مع زوجها المتواضع الذي يكبرها سنا.

الضحية الثانية إليانور ميلز
الضحية الثانية إليانور ميلز

وقد تم تأكيد تلك الأقاويل بعد اكتشاف الجريمة.

التحقيقات الأولية في الجريمة

بما لا يدعو للشك كان موت هول وميلز جريمة قتل، فالجثتان كانتا موضوعتان جنبا لجنب بطريقة متعمدة وأقدامهما متجهة نحو شجرة التفاح. كما كانت يد هول حول عنق ميلز، أما الأخيرة فيدها اليسرى كانت موضوعة فوق ركبته اليمنى. وكلاهما أصيب بالرصاص في الرأس من مسدس عيار 32 ودليل ذلك وجود مغلفات لرصاص من نفس العيار في مسرح الجريمة. هول أصابته مرة واحدة حيث دخلت فوق أذنه اليمنى وخرجت من مؤخرة رقبته، أما ميلز فأطلق عليها ثلاث مرات في الرأس. ولوحظ أيضا أن وجود جرح على شفتها و كدمات في ذراعها. كما أن حلقها كان قد قطع بعمق من الأذن للأذن لدرجة أن الوريد الوداجي والقصبة الهوائية والمريء وعضلات الرقبة تم قطعها تمامًا وكان يمكن رؤية العمود الفقري بسهولة.. تواجد اليرقات على الجرح دل على مضي أكثر من أربع وعشرين ساعة على وفاتهما.

ساحة جريمة قتل هول وميلز
ساحة الجريمة

في مسرح الجريمة وحول جثتي هول وميلز عثر على بطاقة اتصال هول حيث سجل فيها اسمه وعمله عند قدميه. ووجدت ومحفظته ملقاة بجانبه.. عكس ميلز التي لم توجد وثيقة واحدة تدل على هويتها لولا أن أحد مراسلي الصحف تعرف عليها إذ كان يعرفها وزوجها.

إقرأ أيضا: لغز مقتل سيندي جيمس : سر المتصل الغامض

كما وجدت العديد من الرسائل الغرامية ممزقة ومبعثرة على العشب حولهما، والتي توضح أن ما بينهما كان قصة حب عميقة ورومانسية وليس مجرد اندفاع شهوات..

كتبت إليانور ميلز في واحدة.. “ أعلم أن هناك فتيات بأجسام أكثر رقة ، لكنني لا أهتم بما لديهن. لدي الجزء الأكبر من كل النعم ، حب الرجل النبيل العميق والحقيقي والأبدي … كم أنا غير صبورة وسوف أكون! أريد أن أنظر إلى وجهك العزيز لساعات وأنت تلمس جسدي قريبًا.

وكتب القس في أخرى.. “ ….. أريد أن أراك ليلة الجمعة وحدها على طريقنا. حيث يمكننا أن نخرج دون قيود إلى عالم الفرح والسعادة الذي نسميه عالمنا.

بالعودة لما قبل وصول أفراد الشرطة لمسرح الجريمة، فإن المسؤول عن ساحة فقد السيطرة عليها.. حيث أن الكثير من الأشخاص وجامعي التذكارات تحديدا هبوا نحو المكان فداسوا على الأدلة وأخذوا هدايا تذكارية من الشجرة مجردين إياها من لحاءها وحتى أغصانها!! وانتقلت بطاقة اتصال هول بين الأيدي وكان من المفترض أن تكون دليلا. وبسبب ذلك أصبح مسرح الجريمة عبارة عن فوضى، وذلك ما عقّد وصعّب على الشرطة العثور على دليل قوي تعتبره رأس خيط ينطلق منه التحقيق.

blank
بطاقة اتصال الضحية إدوارد هول أعلى، ومسح البصمات التي كانت عليها أسفل، كانت عليها الكثير من البصمات ومنها بصمة ويلي ستيفنز

ما أثار استغراب الشرطة أن الوقت المقدر للوفاة كان قبل ذلك بنحو ست وثلاثين ساعة. مما يعني أنه لم يلاحظهم أحد في خلال يوم ونصف. وقد كان هذا أمرًا غريبًا جدا! حيث أن ممر العشاق نشط بالعادة في ليلة الجمعة. مما جعل الفكرة تحوم حول أن هناك من وجدهم بالفعل ولكن إما فشلوا في الإبلاغ عن الجريمة.. أو تغاضوا عنها بل وتمت سرقة مقتنيات الجثث لكون ساعة إدوارد هول الذهبية كانت مفقودة.

امرأة الخنازير

تقدمت امرأة من البلدة تدعى جين جيبسون والملقبة بامرأة الخنازير نظرا لامتلاكها حظيرة لتربية تلك الحيوانات قرب ساحة الجريمة. قالت جين أنه في ليلة الرابع عشر من سبتمبر – وهو التاريخ المحدد لارتكاب الجريمة المزدوجة – كان كلبها ينبح بصوت عال حوالي الساعة التاسعة مساء، ظنت أنهم لصوص فركبت بغلها واتجهت لحقل الذرة الخاص بها، لمحت أربعة أشخاص كانوا بالتحديد رجلين وامرأتان لكنها لم تتبين ملامحهما..

منزل جين جيبسون الشاهدة على الجريمة
منزل جين جيبسون

ثم سمعت صوت إطلاق نار ومن ثم صوت شخص يسقط وسمعت صراخ امرأة تهتف” لا تفعل!!، لا تفعل!!”.

تملك الخوف من جين حسب أقوالها فعادت أدراجها لمنزلها، لكنها سمعت صوت طلقات رصاص أخرى، حيث من المفترض أن شخصا آخر قد مات وصياح صوت نسائي باسم هنري..

إقرأ أيضا: ألغاز جرائم حيرت المحققين – 1 – : جرائم قتل فأس فيليسكا

شهادة جين لم تكن مباشرة وسريعة في التحقيق الأولي لجريمة قتل هول وميلز، بل جاءت بعد اتخاذ الشرطة بضعة أشخاص كمشتبها بهم.. وأرجعت جين ذلك لتقاعس الشرطة عن سماعها، كما أن شهادتها كانت غير منطقية من وجهة نظر بعض المحققين، والسبب هو أن تشريح جثة هول أثبت أن القاتل كان يقف فوقه مباشرة وليس قبالته كما أشارت جين.

خلال الأربع سنوات اللاحقة تغيرت شهادة جين أربع مرات أمام الصحافة وأمام الشرطة وفي المحكمة التي ستجرى لاحقا، فعندما أدركت أن شهادتها أصبحت محط أنظار الصحافيين استكملت قصتها التي قالت أنها أخفت منها تفاصيل أخرى ..

تروي جين جيبسون أيضا بأنها لاحظت سيارة سياحية مفتوحة متوقفة في الشارع – السيدة هول ستيفنز كانت تمتلك سيارة كتلك وسائق – . وتضيف بأنها عندما قطعت ممشى في الحقل ليلة ذلك الخميس رأت رجلا وامرأة بالقرب من شجرة التفاح في حالة جدال. حتى أتت السيارة من ورائهما لتنزل منها امرأة ترتدي معطفا رماديا طويلا ومعها رجل بشارب وشعر كثيف وسارا معا نحو الحقل.. بعد قليل سمعت صوت امرأة يقول: ” بماذا تفسر هذه الرسائل؟” ..

بعد مقتل السيد هول أضافت جين أن ميلز حاولت أن تلوذ بالفرار لكنهما أمسكا بها وسحباها وأطلقا النار عليها ثلاث مرات.. ووفقا لما تذكرته أيضا أنها فقدت فردة خفها هناك وعادت في الواحدة صباحا للبحث عنه واسترداده، وعند دنوها من شجرة التفاح طرق أسماعها صوت نشيج أدركت أنه للسيدة فرانسيس هول التي كانت راكعة جانب جثة زوجها. وفي وقت لاحق نفت أنها ذكرت اسم السيدة فرانسيس بل قالت أنها سيدة كبيرة ذات شعر أبيض…

من جهة أخرى نفت سيدة تدعى فرالي تعيش بنفس المكان أن يكون ما قالته السيدة جين صحيحا، مستدلة بأنها تعيش قريبة جدا من هناك ولم تسمع كل تلك الأصوات التي قالت عنها المرأة، ضف لذلك أنها شاهدت السيدة جين بعد وقت ارتكاب الجريمة ولم تنطق بشيء عنها.

وفيما دافعت السيدة جين جيبسون عن أقوالها دفاعا مستميتا، رأى الكثيرون أنها امرأة ثرثارة وغير متعلمة تريد جلب الانتباه لا أكثر بتأليف قصص كما هي عادتها.

شهادات جديدة

التحقيق الأولي وجلسات الاستماع للشهود لم تسفر عن أي لوائح اتهام .. ولكن عقدت محاكمة للاستماع والدفاع عن المشتبه بهم استمرت ثلاثين يوما عام 1926. أي بعد أربعة سنوات من التحقيقات وذلك بسبب كلام فجرته إحدى خادمات منزل هول..

ففي 3 يوليو 1926 اكتشف خادم في الكنيسة يدعى آرثر، والذي تزوج من لويز جيست خادمة عملت في عائلة هول أنها حجبت معلومات ولم تدل بها للشرطة أثناء التحقيقات.

منزل عائلة إدوارد هول الضحية في جريمة القتل
منزل عائلة إدوارد هول

لويز قالت لزوجها أنها أخبرت السيدة هول في 14 سبتمبر أي يوم جريمة قتل هول وميلز أن السيد هول لديه مخططات للهروب مع السيدة ميلز. وأنها ذهبت مع السيدة هول وأخوها ويلي ستيفنز في تلك الليلة بقيادة السائق إلى مكان الجريمة. كما زعمت أنها تحصلت على خمسة آلاف دولار مقابل صمتها حول ما تعرفه.

كل هذا أنكرته لويز لاحقا قائلة أنها كانت تنسج بضعة أكاذيب لا غير. لكن سرعان ما وصلت قصتها للصحف وتسابقت كعادتها لتتفوق على بعضها في نشر الخبر بل وتضخيمه لجذب القراء وتوجيه الرأي العام.. والضغط على السلطات لإعادة فتح القضية من جديد.

جيمس ميلز زوج الضحية إليانور أيضا اعترف لاحقا أنه كان يعرف بالفعل عن خيانة زوجته وأنه هددها بالطلاق. لكن لم يكن لديه المتسع من الوقت أو المال الكافي لذلك.

إقرأ أيضا: لغز الإختفاء المحير لجواهر حجي

وبناء على ما سبق، ولظهور شهادات وأقاويل ودلائل جديدة أعيد فتح القضية مجددا. فأصدر المدعي العام مذكرة باعتقال السيدة فرانسيس هول، وأخوها ويلي ستيفنز وهنري كاربندر الذي سنفسر علاقته بالجريمة لاحقا. وتم رفض الكفالة لكلا الرجلين حيث كانا ملزمين بالذهاب أمام هيئة محلفين كبرى.

blank

وقبل بدء المحاكمة في جريمة قتل هول وميلز.. تم استخراج الجثتين مرة أخرى وإجراء عمليات تشريح إضافية. نتج عن ذلك بيانان أولهما أن لسان إليانور ميلز ربما تم قطعه إلى جانب الحلق، وإطلاق النار على رأسها سبق القطع. وأن هول تم إطلاق النار عليه أثناء وضعية الانحناء أو الركوع أن صح التعبير. أيضا نقلت امرأة الخنازير بصفتها شاهدا رئيسيا وأساسيا خارج المدينة تحت الحراسة في مكان آمن.

المتهمون والمشتبه بهم في جريمة قتل هول وميلز

نالت القضية شهرة واسعة في أنحاء نيوجرسي بل وأمريكا قاطبة. وذلك لكون عائلة السيدة هول ستيفنز من العائلات الثرية التي تركز الأنظار عليها. وأولى المشتبه بهم بالطبع وككل جريمة تحمل طابع الخيانة كانت الزوجة ..

فرانسيس نويل ستيفنز

كانت فرانسيس وأخوانها على علاقة شراكة بمؤسسي الإمدادات الطبية” جونسون أند جونسون” التي أضحت ماركة مشهورة في عصرنا الحالي. وبعد زواجها من هول بعدة سنوات ورثت هي وإخوانها مليوني دولار وهي ثروة عظيمة في ذلك الوقت.

قالت فرانسيس أنها كانت تثق بزوجها القس ولم تشك فيه مطلقا.. أما عن الضحية السيدة ميلز فقيل أن السيدة هول زارتها بشكل متكرر أثناء فترة النقاهة من جراحة أجرتها فطردتها من المستشفى. كان ذلك قبل ثمانية أشهر فقط من جريمة القتل.

فرانسيس هول ستيفنز
السيدة فرانسيس هول ستيفنز

أيضا قدمت دلائل لابتعادها عن ساحة الجريمة قائلة أنه بعد ظهر الخميس 14 من سبتمبر أي نهار يوم ارتكاب الجريمة، تلقت مكالمة من الضحية إليانور ميلز لترك رسالة للقس هول. أخبرته عنها في الساعة 6:30 مساء ذلك اليوم.

إقرأ أيضا: لغز شيفرة ريكي ماكورميك

تستأنف السيدة فرانسيس هول شهادتها بأن ميلز عاودت الاتصال به في الساعة السابعة فقال لها زوجها بعد الرد عليها أنه سيخرج للتحقق من فاتورة السيدة ميلز الطبية. علاقة هول بالأمر جاءت لأنه كان يساعدها على تلقي العلاج وإجراء عملياتها ماديا.

و تؤكد فرانسيس أنها لم تبرح منزلها ليلا، وشاهدها هو أخوها ويلي ذو الخمسين عاما الذي يعيش معها.. والذي أكد وجودها في المنزل على الساعة العاشرة مساء لأنه خرج من غرفته ليتمنى لها ليلة سعيدة. وفي الساعة الثانية والنصف صباحاً كانت تشعر بالقلق الشديد نظرا لأن زوجها تأخر على غير عادته. فارتدت ملابسها وذهبت إلى الكنيسة بحثاً عنه برفقة ويلي.

كانت الكنيسة مظلمة، لذلك ساروا بالقرب من شقة ميلز التي كانت مظلمة أيضًا. انتظرت حتى الصباح واتصلت بالشرطة لتتحرى عما إذا اتاهم بلاغ عن إصابات لكنهم نفوا الأمر. لكنها ولسوء حظها لم تترك اسمها والذي كان سيكون دليلا لابتعادها عن ساحة المشتبه بهم.

أكملت السيدة هول شهادتها بأنها اكتشفت ما حصل لزوجها بعد يومين من القلق والتوتر والبحث عنه، أي يوم السبت. حين اتصل بها مراسل صحفي ليبلغها باكتشاف الجثث. وتختم بأنها كانت تعتقد أن السرقة هي الدافع، حيث أن ساعة زوجها الذهبية كانت مفقودة، وكان يحمل حوالي خمسين دولارا في محفظته لم يوجد منها إلا سنتات قليلة.

أبرز المشتبه بهم أيضا في جريمة قتل هول وميلز كان زوج الضحية إليانور ميلز نفسها..

جيمس ميلز

كان جيمس حاجب الكنيسة التي يعمل فيها القس هول كما أسلفنا. إضافة لكونه بوابا بدوام كامل في مدرسة لورد ستيرلنغ الإبتدائية. كان عاملا متفانيا ولكنه طبقا لما عرف عنه غير طموح وذو ذكاء محدود. تزوج من إليانور عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها. ويقع منزلهم البسيط والمتداعي على بعد خمس بنايات من منزل هول.

ما يؤلم حقا أن القس هول كان زائرًا متكررًا لبيته. وجيمس المسكين كان يشعر بالإطراء و الاهتمام بتلك الزيارات التي تأتي من رجل له مكانة ووزن بمجتمعهم.

جيمس ميلز زوج الضحية في الجريمة وابنته
جيمس ميلز وابنته

وادعى جيمس في التحقيقات الأولية جهله بخيانة زوجته مع القس. مشيرا إلى أن الأخير كان نِعم الرفيق له. وقال أنه دفع ذات مرة لبعض العمليات الجراحية الكبرى لزوجته عندما لم يتمكن هو لضيق حاله من القيام بذلك.

إقرأ أيضا: شئ من الرعب: لغز موت زيجموند ادامسكي

عن تحركاته خلال فترة الجريمة قال أنه تأخر على العشاء ووصل إلى منزله في الساعة 6:15. بعد ذلك، خرج إلى الشرفة للعمل على بعض الأوراق بينما غادرت زوجته المنزل لإجراء مكالمة هاتفية مع القس هول ثم عادت وغادرت مرة أخرى.

وعندما سأل عن وجهتها أجابته بفظاظة أن يتبعها إن كان يريد معرفة ذلك. وأكمل قائلا أنه استمر في العمل على الشرفة حتى الساعة 9:45. وفي العاشرة والنصف شعر بالقلق لتأخر زوجته فذهب إلى الكنيسة للبحث عنها لكنها لم تكن هناك، فعاد إلى منزله لينام. في الساعة الثانية صباحاً عاد إلى الكنيسة مجددا وفشل في العثور عليها.

في صباح اليوم التالي ودون الإبلاغ عن فقدان زوجته ذهب إلى العمل. ثم في الساعة الثامنة ونصف قصد الكنيسة وتحدث مع السيدة هول التي ذكرت أن زوجها لم يعد إلى المنزل في الليلة السابقة. سألها عما إذا كانت تعتقد أنهما هربا. فردت حرفيا: “الله أعلم، أعتقد أنهما ماتا ولا يمكنهما العودة.” ثم وكأنه يصر على اتهام فرانسيس بالجريمة أضاف بأنها اتصلت به عدة مرات في ذلك اليوم لتسأل عما إن كانت زوجته قد عادت ثم تكرر أنهما يجب أن يموتا.

في النهاية يضيف جيمس بأنه لاحظ صفحة مفقودة من إحدى الصحف على مكتبه. والتي احتوت على مقال عن آراء الحكومة بشأن قوانين الطلاق. فيما تؤكد شارلوت ابنة ميلز أن والدتها مزقت المقال من الصحيفة وقالت إنها ستأخذه إلى القس هول.

عن نبأ الجريمة قال أنه سمع بها يوم السبت بعد الغداء، فتوجه مباشرة نحو الكنيسة.

هنري كاربندر

المشتبه به الرئيسي بالقتل المباشر، ففي حين كان هناك شكوك أن السيدة فرانسيس هول لربما كانت محرضة على القتل.. فإن هنري كان اليد التي قتلت بها والشاهد على ذلك كانت جين جيبسون امرأة الخنازير، والتي اتهمت هنري كاربندر شخصيا بأنه القاتل الفعلي، وهو من كان موجودا مع فرانسيس وويلي ليلة جريمة قتل هول وميلز.. – والظاهر أنها نسيت قولها بأنها رأت شخصين فقط مع الضحايا في تصريحاتها السابقة! –

فهنري كاربندر كان من عائلة عريقة وكبيرة وثرية، وهو ابن خال كل من فرانسيس وإخوانها. لكن هنري قدم حجة غياب، كانت عشاء مبكرا مع زوجته في منزل بعض الأصدقاء.. تاركًا إياهم حوالي الساعة العاشرة والنصف.

إقرأ أيضا: قضايا غامضة بين دهاليز المجهول

ويليام ستيفنز

وهو المعروف باسم ويلي، عانى من اضطراب عقلي منعه من العيش بمفرده لذلك استقر مع أخته وزوجها.

عرف عنه أنه كان متهورًا إلى حد ما. كان يرتدي نظارات سميكة للرؤية وقضى معظم وقت فراغه في محطة الإطفاء في البلدة ولعب الورق فيها، وذلك لأنه لم يستطع تحقيق طموحه في أن يكون رجل إطفاء.

عن ليلة الجريمة قال ويلي أنه كان في غرفته مساء الخميس، حيث أنه ينام باكرا. لكنه استيقظ لاحقًا وسار مع أخته إلى الكنيسة في الساعة الثانية ونصف صباحا ليبحث عن زوجها ثم عاد إلى المنزل معها وعاد إلى غرفته. اعترف بامتلاكه مسدسا عيار 32 لكنه قال أنه لم يطلق النار به منذ أكثر من عشر سنوات.

بصمات ويلي كانت على بطاقة اتصال هول، كانت لتعتبر دليلا لكن البطاقة تناقلتها أيدي كثيرة، فأبت هيئة المحلفين اعتباره دليلا.

فرانسيس هول وأخواها
فرانسيس مع أخويها هنري وويلي في قاعة المحكمة

هنري ستيفنز

الأخ الأكبر لفرانسيس وويلي. كان هدافًا متقاعدا في المعارض. وقناصا وصيادا ذا خبرة.

قال هنري بأنه أنه كان خارجا في رحلة صيد على بعد أميال من البلدة أثناء وقوع جرائم القتل، وشهد ثلاثة شهود على ذلك. أضاف أيضا أنه بالأصل ليس بذلك القرب لأخته ليرتكب جريمة من أجلها. ومع كل هذا كان مشتبها به قويا في الجريمة لأن وضع الطلقات عن كثب في رأس السيدة ميلز يتطلب قناصا خبيرا وهنري كان كذلك.

وفي النهاية..

الكثير من الأقاويل والمزيد من الشهود والعديد من عرائض الدفاع رافقت المحاكمة لكل من ويلي وفرانسيس وهنري على مدى قرابة الشهر. اختتمتها هيئة المحلفين التي أمضت قرابة الخمس ساعات لوزن الأدلة والشهادات، قبل أن يصلوا لحكم واحد.. لقد تمت تبرئة المتهمين في جريمة قتل هول وميلز.

فقصة السيدة جين الشاهدة الرئيسية والتي اعتمدت عليها المحاكمة كانت متناقضة، وتحوي على الكثير من الخلل. وفوق ذلك فقد عرف عن المرأة الكذب والهذر الثرثرة. وأول من اتهمها بذلك هي والدتها نفسها التي حضرت المحاكمة رفقة جين – جين كانت مريضة طريحة الفراش، أحضرت من المشفى على سرير طبي للشهادة – ، وصاحت بأعلى صوتها” كاذبة.. كاذبة.. ابنتي كاذبة”

جين جيبسون في قاعة المحكمة
اكتظاظ قاعة المحكمة والصورة توضح امرأة الخنازير راقدة على سرير المستشفى
إقرأ أيضا: قضية تيم ماكلين الغامضة

وأطلق سراح المتهمين في نهاية المطاف.. ورفعت السيدة هول وهنري كاربندر وويلي ستيفنز دعوى قضائية ضد صحيفة نيويورك ديلي ميرورث الرائدة في مجال التشهير، وصاحبة اليد الكبرى في إعادة القضية للواجهة.

بعدها.. لم يتم اتهام أي شخص آخر بهذه الجرائم، ولم يتم العثور على أي سلاح للجريمة، ولم تقد الأدلة إلا لطرق مسدودة وأغلقت القضية للأبد ولم يتبق سوى تبادل الأقاويل وإطلاق النظريات.

نظريات حول الجريمة

على الرغم من بقاء حريمة قتل هول وميلز دون حل، إلا أن العديد من النظريات طرحت حول هوية القاتل منها الممكنة وأخرى تجاوزت حدود المنطق ونذكر منها..

1 – السيدة فرانسيس هول هي نفسها القاتلة لأجل الانتقام، فهي كانت الشخص الوحيد الذي رآه الحارس الليلي يدخل منزلها في الساعة الثانية ونصف صباحًا صباح يوم الجمعة. وهناك شهود أكدوا وجودها في السيارة قرب مسرح الجريمة سيارة مثلها بالقرب من مسرح الجريمة.

2 ) جيمس ميلز هو القاتل لأنه كان يعلم أن زوجته غير مخلصة وخائنة وتحدته في تلك الليلة لأن يتبعها ولذلك ثار عليها وقرر أن ينتقم. وهو قد غادر منزله كما أسلفنا حوالي الساعة العاشرة ونصف للذهاب إلى الكنيسة. ولم يتم تحديد وقت الوفاة بالتدقيق حيث يقدر بحوالي الساعة العاشرة لكن دون يقين من ذلك.

3 – ارتكبت السيدة هول و أخوها ويلي الجريمة، مع كون ويلي هو القاتل. وذلك باستخدام مسدس ويلي عيار 32 الذي تخلصت منه فرانسيس بسرعة. وقد قام ويليام أيضا بوضع الجثث على تلك الوضعية المقابلة للشجرة وقطع حلق اليانور بعد قتلها بالرصاص.

رسم توضيحي لفنان وضح فيه مسار الرصاصات ومكانها في جريمة قتل هول وميلز
رسم توضيحي لفنان وضح فيه مسار الرصاصات ومكانها في جريمة قتل هول وميلز

أشخاص عديدون في محطة الإطفاء رأوه وقد كان مضطربًا في صباح اليوم التالي للجريمة. وقالوا أنه أدلى بالعديد من الملاحظات التي مفادها أنه لم ينم جيدا بل كان مستيقظا طوال الليل. وأنه في خضم مشكلة سيسمع الناس عنها قريبا. ولكنهم لم ينطقوا بشيء عن ذلك أثناء التحقيقات.

4 – قاتل مأجور استأجرته السيدة هول، فقد روى شخص يدعى يوليوس وهو صديق قديم لويلي، وبعد حوالي ثمانية وأربعين عامًا على الجريمة أنه في اليوم التالي لها استأجره ويلي لحمل أظرفة تحوي كل منها على 6000 دولار لشاب ما في زقاق نيو برونزويك.

ما فند هذه النظرية أن الاستعانة بالمأجورين لا يتناسب جيدا مع شخصية فرانسيس وأنها لن تخاطر بكل شيء وتضع رقبتها تحت رحمة شخص مأجور.

إقرأ أيضا: الجريمة الغامضة : لغز مقتل نيازي مصطفى

5 – عملية سطو وسرقة.. لكن المشكلة كانت لماذا يقطعون لسان السيدة وحلقها بعد القتل؟ وقد كانت هناك بعض التكهنات بأن بعض المجانين المتجولين والمشردين فعلوا ذلك. ولكنه يبقى احتمالا بعيدا لكون الجريمة كانت منظمة وواضح أن عاقلا من فعل ذلك.

6 – ريمون شنايدر .. وهنا نعود لبداية المقال حين تحدثنا عن مكتشف الجريمة وحبيبته. وقد فعل ذلك لأنه كان يعتقد أن الزوجين في الممر المظلم هما صديقته ورجل رآها معه سابقا – لم يعلم وقتها أنه والدها – فاندفع غاضبا وارتكب الجريمة.

الكثير يرى أنها نظرية ساذجة ولا تقوم على أي سبب مقنع.

7 – النظرية التي أضحكتني شخصيا، وهي أن جين جيبسون امرأة الخنازير فعلت ذلك! قدم دفاع المتهمين هذا الاقتراح كاحتمال ممكن بالنظر إلى التناقضات العديدة في قصتها. ولكن لم يكن لديها دافع ولا سلاح ولا وعي بمن كان الزوجان في الأصل. ولذلك هي بعيدة عن الشبهات.

ختاما

على الرغم من أن كل أصابع الاتهام كانت تشير لزوجة القتيل ومن حولها بالجريمة، ولكوني شخصيا أراها الفاعلة دون شك لأن لديها الدافع والقدرة والقوة على فعل ذلك. إلا أننا كثيرا ما ما نرى الصورة العامة ولا ندقق بالتفاصيل، و في خضم كل ما سبق وذكر في المقال وما لم يذكر، لكون القضية كانت متشعبة للغاية.. فإن القاتل قد يكون أيا كان، وقد نجح نجاحا باهرا في الإفلات من العقوبة.. وجعل القضية لغزا لم يفك ضاع مع سجلات الجرائم مجهولة الجاني وطوى صفحته النسيان.

وأنت برأيك من يكون القاتل عزيزي القارئ؟

ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المصدر
WikipediaNytimes.comNewyorkerYalereviewarchives.org

وفاء

الجزائر
guest
23 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى