أدب الرعب والعام

أمنية بألف أمنية _الجزء الثاني _

بقلم : مهدي _ك – الجزائر

 

كانت هناك فتاة فرحة تجري بين رفوف الكتب ثم قفزت إلى احضان ابيها وهي تبتسم ، فجأة تغير المشهد إلى تساقط ثلج كثيف وبرد قارس إلا من دفء نار صغيرة تراءت لها يد اخيها الدافئة التي كانت تمسك بها وهي تجري بين الحقول ، فانفجرت بالبكاء اكثر فأكثر ثم اسندت رأسها على رفوف الكتب لتنسى ، لكن نظرها قابل إحدى الروايات الادبية كان الغلاف يحتوي على رسم شجرة يابسة فتذكرت تلك الليلة المشؤومة تذكرت نفسها كم كانت مريضة جدا خلال ذلك اليوم وكم كان البرد قارص لكن رغم هذا هي لم تحس بأي ألم او معاناة لأن يد أخيها الكبير انستها كل شيء ، ثم فجاة تغير المشهد إلى صراخ الإبن مع الوالد حول مرضها وأنها لم تأكل منذ يومين إلا من رغيف خبز ، ارادت حينها ان تفك الصراع لكنها لم تستطيع لأن مرضها منعها حتى من الكلام ، فجأة فتحت عينيها على مائدة سعيدة مملوءة بالخضار والفواكه وحساء لم تتذوق في حياتها اشهى منه لكنها تساءلت في ذلك الوقت : من اين جاء كل هذا والفرحة تملأ عينيها

أخوها : لقد أحضرناه من حديقة العم رمزي الموجودة في نهاية القرية
شهرزاد : هل اعطاكم كل هذا في هذا الوقت المتأخر ؟
الاخ : امم لا ليس بالضبط
– مهلا لحظة ثم انفجرت بالسعال وبعد مدة اكملت هل سرقته يا إياد هل سرقت كل هذا من العم رمزي  ؟ 
الاب : لا تقلقي أنا امرته بهذا ،إضافة ان الوقت متأخر وهو ليس بالمنزل في مثل هذا الوقت والجو عاصف هذا الاسبوع وحالما تنتهي العاصفة ساعمل واعوض الاخ رمزي على كل هذا فأنا متأكد أنه سيتفهم الأمر

فسكتت شهرزاد غير مقتنعة تماما، أما الاب فضل ينظر لها وإلى حالتها الصحية وهو يقول في نفسه إن اضطررت إلى فعل اي شيء آخر اكبر من السرقة من أجلك سأفعل ، نظرات فهمتها شهرزاد من عيون ابيها ، لقد كانت حقا أميرة وابنة ذلك الفقير في نفس الوقت ، إنقضت العاصفة الثلجية بعد ثلاث أيام وكل ماتتذكره منها صور لمخلوق قبيح يعرف بالعم رمزي وثم لحظات لأبيها يعمل جاهدا بلا راحة لمحاولة رد الدين ، تذكرت يوم أتى لهم بعض الشيوخ من القرية برفقة المدعو رمزي وكيف إتهم الاب بأنه سرق كل محصوله واتلف الباقي ،جاءتها صورة عن أخيها وهو يلقي الشتائم محاولا أن يضرب العم رمزي وكيف ان العم رمزي كان يكذب فأبيها اخذ القليل فقط وحاول أن يسدد الدين لكن ذلك الرجل الخبيث أراد أكثر من ذلك ، بعد صراخ كبير إتهم والدها واخوها بالاجرام والسرقة ومثل كل القرى الصغيرة انتشر ذلك الخبر في يوم واحد

“مصطفى السارق ” ،في صباح الغد هب الأب بالمغادرة وحمل معه بعض الادوات رغبة بالحصول على اي عمل في السوق واخذ معه اياد كالعادة استقبلتهم شهرزاد بإبتسامة كبيرة لقد كانت حقا بديل عن الأم المفقودة في ذلك المنزل ، آخر كلمة سمعتها هي من اياد وقد كانت :حسنا سيذهب هذين المجرمين الأن تمني لنا الحظ ، رغم كل هذا ابتسمت الفتاة ابتسامة صغيرة علما ان ابوها سيدفع الثمن إلى انها عرفت حسن نيته لقد كان هو واخوها بمثابة ابطال لها ،

لم تمض دقيقة حتى إشتغل ذلك التلفاز اللعين لوحده وبدأ ذلك الصبي في الكلام صبي يقاربها في السن عندما بدأ يتحدث عن الاجرام والظلم في العالم ورغم ان ذلك يبدو مستحيل إلا انها كانت موافقة بعض الشيء كانت تتذكر ظلم العم رمزي لهم ،ثم فجأة قال الصبي : كل مجرم سيموت في هذه اللحظة ، توقف بها الزمن للحظة وبدأت الارض تدور حولها وقالت أبي ليس مجرما ثم صرخت أبي ليس مجرما ثم هرعت تجري خارج البيت بحثا عن ابيها وهي تصرخ : أبي إياد لكن دون فائدة ،جرت ومشت كثيرا حافية القدمين في الثلوج المتراكمة من العاصفة لكنها لم تبالي ، إلى ان لمحت شخص مرمي على الأرض توجهت نحوه بخطى ثقيلة وهي تقول : لست أبي أرجوك انت لست أبي ثم إقتربت من تلك الجثة كان يوجد على ظهرها ثقب كبير كأنه أثر مخلب لوحش كاسر ورغم خوفها إلى انها قلبت الجثة فوجدت ذلك الرجل محتضنا فتى ما كأنه يحاول إنقاذه لكن دون فائدة المخلب ثقب كلا الجسدين فخرت تبكي وتندب حظها وهي تقول : لست أبي لست أبي ثم صرخت بقوة : إياااااد ظن منها بانه سيستيقظ لكن دون فائدة ..

بقيت حتى غروب الشمس وهي عند تلك الجثتين خالية من اي مشاعر إلا من صورة وجه ذلك الصبي ، ثم نهضت فجأة وتوجهت إلى المنزل دون وعي منها وعادت بفأس لتحفر قبرين لأغلى الناس لديها بيديها رغم ضعفها ومرضها إستطاعت أن تحفر القليل من الارض لكن الدموع التي نزلت من عينيها اكثر من التراب الذي اخرجته طلت الشمس بنورها على وجه الفتاة الحزين وهي حاملة سكينا موجها نحو رقبتها ، أرادت ان تنتحر وتلحق بأهلها ، وجهت رأسها نحو السماء فبدأت الدموع تنهمر ،ثم أرادت ان تنظر نظرة أخيرة  لقبر أهلها ، إقتربت منه أكثر فلحمت شيء يلمع قرب قبر أبيها حملت ذلك الشيء الصغير فوجدته قطعة نقدية وهنا أتاها غضب عارم فشددت على السكين وتوجهت نحو القرية تجري وتسقط ثم تعاود النهوض وهي تصرخ : رمزي ايها الحقير إلى ان وصلت للبيت كان الباب مفتوحا فدفعته فوجدت رمزي جثة هادمة مثل ابوها فسقط السكين من يدها ومنعت نفسها من الصراخ ونزلت الدموع بصمت كانت دموع الإستسلام ، نظرت إلى ذلك السكين لمدة وفقدت فجأة كل العزيمة لقتل نفسها ، بعد مدة لم تعلم ماذا تفعل فتوجهت إلى القرية لعلها تجد اي شيء لم يكن هناك شيء محدد في رأسها عندما دخلت القرية إستقبلت بجثة إمرأة في الاربيعنيات لكنها لم تتفاجأ معظم القرية كانت مغطاة بالجثث إلى من اطفال صغار وبعض من الرجال الكبار قليل فقط وسط ذلك الصراخ والعويل لم تهتم الفتاة وبقيت تمشي حتى لاحت عينيها إلى المكتبة فتذكرت كل الاوقات السعيدة التي قضتها مع ابيها هناك

فتوجهت إليها وجلست قرب احد الرفوف لينال النوم منها ، مر شهرين كاملين على هذه الحالة والفتاة تعيش في المكتبة وتأكل مع الاطفال الآخرين مما يجدوه في البيوت المهجورة حيث أصبحت هذه القرية مرتعا للأشباح لم تستطع الذهاب إلى البيت لكي لا تطاردها تلك الذكريات مجددا ودون وعي معها ولتنسى ألمها قرأت كل الكتب التي توجد في المكتبة التي لم يتسنى لها قرأءتها فيما سبق ، بعد مضي شهرين فتحت الفتاة عينيها من نومها الكئيب لتجد نفسها في ساحة ضخمة جدا وسط عدد هائل من الناس عرفت انها ليست بالقرية ثم تأملت قليلا وادركت أن هؤلاء البشر من اصول مختلفة فتضاربت الأسئلة وحل الجدال وفجأة غلب عليه الصمت حينما ظهر ذلك الفتى في وسط تلك الساحة وكيف أنه جمعهم ليخبرهم مالذي سيحصل في المستقبل ثم ألقى بعض من القوانين وظل يتحدث عن السلام والسلام والأمن وكل كلامه كان كذب ، كانت تقول في نفسها : أنت تكذب توقف توقف ! ثم حدثنا عن مدينة الأحلام والإمبراطورية التي سيعيش بها لكن رغم ذلك الخوف الكبير فقد حل الجدال فوقع اللغط والصياح ثم بصرخة ليست ببشرية هدأ الجميع وقال الصبي : مالذي تفعلونه ؟ أنتم حقا النخبة أما أنا المخطىء

كلمة النخبة لها تأثير لكن الآلام فوق كل شيء فتكلم أحد بصوت منخفض : تقول إنك تخلص العالم من المجرمين لكنك انت مجرم
الصبي : حسنا أخي الذي يطبق القانون لايعرف عنه مجرم فهل سمعت بقاض حكم على أحدهم بالإعدام أنه مجرم

الفتى والدموع تنزل من عينيه :لكن أنت عاقبت كل من اطلق عليه إسم مجرم وهو لم يجرم ، ماذا عن الذين قتلوا من أجل حماية أنفسهم هذا يعرف بالدفاع عن النفس
الصبي : أخبرني ماذا إن كنت في حرب وخضت أنت هذه الحرب وقتلت اعداءك ستكون بطل بالنسبة لقومك لكن مجرم بالنسبة إلى العدو ، معظم حوادث الدفاع عن القتل مزيفة إضافة ان البشر لا تنسى فأردت ان اخلص الذين يحملون إسم الإجرام سواءا بالخطأ او حقيقة لأني كما قلت سابقا من تراه أنت قتل دفاعا عن نفسه يراه أحد آخر مجرم فوسائل الدفاع عن نفس عديدة وليس القتل أولها كما أني فعلت ذلك لأمحو كلمة الإجرام من هذا العالم ولكي أخلص الناس من معناتهم ، ثم أكمل قائلا : فأنا امتلك القوة لمعاقبة أي مجرم ولا أخطىء ابدا

فغضب ذلك الفتى مجددا ثم بدأ يصرخ ونعت ذلك الصبي بأقبح الصفات وقال له : حقا أنت تعاقب المجرمين إذن ماذا عني ؟ ثم أمسك بفتاة بقربه وأراد أن يخنقها وهنا إبتسم الصبي منتصرا فأشار إليه فإبتعد فجأة وسقط ثم كأن كيان مخفي غرس مخلب في بطنه ، وهنا ذهل الناس وإزداد إيمانهم بهذا الفتى وخوفهم أيضا ، لكن شهرزاد إزدات كرها له رغم هذا فهي تبسمت موجهة نظرها إليه وقالت : لقد إنتصرت .

إنتهت حلقة التذكر عند هذه الكلمة الأخيرة وهنا نهضت شهرزاد وكبحت دموعها ثم تجولت مرة أخرى في تلك المكتبة الشاسعة فضولا فقط ، أما ذلك الملك فقد غادر الحفلة وتمشى قليلا داخل قصره دون أي هدف بقي يشمي حتى قادته رجليه إلى مكتبة القصر فرأى الأنوار مضاءة فعرف ان تلك الفتاة هناك ، في حقيقة الأمر لم يهتم كثيرا ثم نظر إلى ذلك الباب مدة معينة من الزمن وذهب ، بعد ان صعد إلى غرفته تجسد له ذلك المارد وظهر
الشاب : آه ، لم أعرف بأن هذه الأمور ستكون مملة ومتعبة في نفس الوقت ، لكن المارد لم يرد عليه بل إكتفى بالمشاهدة والإستماع فقط ،ثم اردف الصبي مكملا : كعادتك لقد كنت تراقب طول الوقت أيوجد هناك شيء لفت إنتباهك ؟ ، صمت المارد قليلا ، فنظر إليه الصبي وفهم هذا ثم القى ظهره للسقف وقال : اه ليتك تعرف مايدور في نفوس الناس وافكارهم .

– المارد : رغم قوتنا الهائلة إلى أننا لانعلم الغيب ثم تلفت نحو المكتبة وأكمل إذن أنت تشعر بهذا ايضا
– قليلا فقط
– المارد : لكنها كانت تنظر إليك طول الحفل بعبارة أخرى لقد كانت تتحداك
– اه حقا ،كنت أعلم هذا لكن أتعرف هي واحدة من مليون شخص يفعل هذا
– بعد إذنك يا سمو الملك أول مرة رأيتك فيها عرفت أنك شخص مختلف فنحن كما تعرف لدينا تجاربنا ، لكن عندما رأيت وجهها ايقنت أنها قد تكون أذكى منك لذا إحذر فواجبي ان انصحك ، 
بعد ان سمع الملك هذا الكلام إنفجر بالضحك ثم نهض من سريره وإبتسامة صغيرة على محياه كأنه وجد التسلية المناسبة

– حقا تقول ! أذكى مني ثم إعتدل في جلسته وقال : لقد وجدت الآن لعبة صغيرة سأكون فيها الفائز
ثم إستلقى على سريره ووجه رأسه نحو السقف ثم تذكر شيئين مهمين :
– الأمر الأول هذه أول مرة يحذره المارد من شخص معين
– أما الثاني يستطيع أن يقتلها في اي وقت شاء ، 
قرب تلك المكتبة إقتربت فتاة ذات شعر اصفر جميل ووجه غاية في البهاء بخطى ثابتة ورقيقة وهي تتحسس جدران المكتبة حتى وصلت إلى أبوابها فدفعت الباب ببطء ودخلت منبهرة من جمال هذه المكتبة ، مشت قليلا وسط هذه المكتبة وهي تقرأ أسماء الكتب ثم فجأة توقفت عند الاساطير اليونانية الشهيرة ، وهنا اتاها صوت من مكان قريب

– امم صراع الألهة !؟كتاب مشوق في الحقيقة
إلتفتت الفتاة مبتسمة ثم قالت : هذا رأيك ، انا ارى انه مخيف
شهرزاد : لماذا !؟
الفتاة : اتعرفين أنا من النوع الذي لا يؤمن بتعدد الألهة وقوتها الجبارة لكن الشيء الذي يخيفني فيه هو قدرة الإنسان الهائلة على تخيل ووضع الاحداث بحيث تناسب الواقع

فتبسمت شهرزاد ثم قالت :حقا جيسيكا انت لغز من الالغاز
ثم توجهت جيسيكا مسرعة لتعانق شهرزاد
جيسيكا : لقد مضت مدة طويلة
– نعم لكنها مضت ،اربع سنين ونحن مع بعض ندرس في هذا القصر بعد ان قررنا ان نبقى هنا لكن هذا مضى في رمشة عين
نظرت جيسيكا إلى هذه المكتبة مطولا ثم قالت لشهرزاد : هل أنت متأكدة ؟
– وماذا عندي لأخسره ،ثم نظرت إلى تلك الاسطورة اليوناينة وقالت : سمعت بأنك الآن مدرسة في القصر ، هذا رائع كنت تتحدثين دائما عن كونك تريدين ان تكوني معلمة اانت سعيدة الآن ؟

– إبتسمت جيسيكا وقالت : ربما
ثم صمتت قليلا واكملت : اتعرفين لقد اكملت الجزء الأخير من الأسطورة التي تتحدث عن إله النور هادس ،تتذكرين تلك الرواية التي قراءنا بدايتها مع بعض
_بكل برودة اعصاب اجابتها :نعم اتذكرها
ثم حلمت تلك الاسطورة اليونانية واخذت تقلب الصفحات لتسقط عينيها على كلمة هادس إله العالم السفلي فإبتسمت وقالت :نعم هادس إله النور ،إذن هل وجدت تلك الاجوبة التي كنت تبحثين عنها
جيسيكا وقد تغيرت تماما في تصرفاتها وطريقة كلامها : قيل بأنه اسست منظمة لعبدة هادس وتقديسه لكن بعد يوم واحد محيت تماما من الوجود ، اتعلمين ماهو السبب ؟
– لا اعلم ربما اعداء الإله هادس في ذلك الوقت
– لا اظن ذلك لأن البشر في النهاية لا يؤثرون في الالهة إن كانو ضدهم ،لكن إن وقف بشري مع إله ربما هذا يتغير

شهرزاد : مهلا انت لا تعنين بأن هادس هو الفاعل
– بل أنا متأكدة إله النور هادس لم يرد ان تكون له فئة او طائفة خاصة به لكي لا تحل الفوضى والتفرقة كما تعرفين هو أراد ان يكون بشري لكن ذلك لن يتحقق بوجود اشخاص يعبدونه
– ادفعه ذلك إلى قتلهم جميعا ؟؟
– بعد ضحكة قصيرة اكملت : يفعل هذا ويشوه إسمه ،بل الإجابة تكمن في السؤال
_السؤال ؟
_اي احد يريد ان يعرف حول هادس سيموت تلقائيا ، وإن مات السؤال ماتت الإجابة وسيضل لغز امحيرا حتى يموت من ذاكرة الناس وسيقبلون به كأنه كيان عادي مثل شأنهم دون ان يلقى اللوم عليه فاللوم في هذه الحالة يقلى على من يريد ان يتساءل من هو هادس ،ثم نضهت وهبت بالمغادرة لكن قبل ان تصل إلى الباب اكملت : قلت لك من قبل خيال الناس مخيف لكن مهما كانت شدة اخافته فهو مليء بالثغرات اتمنى ان تعرفي هذه الثغرات التي كنت اتكلم عنها .

– نعم لقد عرفتها مسبقا ،ثم اقفلت تلك الاسطورة وأرجعتها إلى مكانها.

يتبع….

تاريخ النشر : 2019-10-31

مهدي _ك

الجزائر
guest
23 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى