أدب الرعب والعام

أم الخلاخيل

بقلم : اسراء عطية غزالي
للتواصل : https://www.facebook.com/israaattiaghazaly

أم الخلاخيل
هل ام الخلاخيل مجرد اسطورة أم انها حقيقة ؟

بينما كنت عائد إلى بيتي في ساعة مبكرة من الفجر سمعت صوتا غريبا ربما لن استطيع وصفه بدقه لكنه يشبه صوت قفز شخص ما على الأرض , لم يكن الصوت قويا ولا عاليا لأن الأرض التي كنت أسير فوقها ترابية , لكنه كان مسموعا بوضوح بسبب قربه مني , اجل كان تقريبا خلفي مباشرة , ورافق صوت القفز صوت آخر ميزته بسهولة , كان صوت أشياء معدنية رقيقة تتخبط ببعضها البعض كلما قفزت صاحبتها , فهذه الأشياء المعدنية بالتأكيد هي حلي ترتديها سيدة , وفكرت في أمرها وتساءلت عن سبب سيرها ليلا بمفردها ..

“ربما هي حالة طارئة” قلت لنفسي , لكن سؤال آخر دار في رأسي : “لماذا تقفز تلك السيدة؟ ” وأجبت نفسي قائلا “ربما هي عرجاء أصيبت في ساقها الأخرى بلدغة عقرب أو ثعبان أو ربما كسرت مثلا” وضحكت على هذه التفسيرات الغير مقنعة لكني قبلت تصديقها نوعا ما من اجل إبعاد فكرة أخرى سيطرت على عقلي و هي …… لا لا .. لا تجعل مخاوفك تسيطر عليك .. قلت لنفسي هذا … ما تفكر به هو محض أسطورة لا أكثر ولا اقل .

تابعت السير وأنا أفكر في أشياء أخرى كي اصرف تفكيري بعيدا عن تلك الفكرة المخيفة التي أخذ صداها يتردد داخل عقلي بقوة , لكن دون جدوى كانت الفكرة المرعبة تقفز في رأسي كذلك القافز خلفي .

فجأة وجدت نفسي أمامه .. حدثت نفسي قائلا : “لم يكن ينقصني إلا هذا” , كان بيتا مسكونا كما يقال عنه , عند ذلك البيت علي السير بسرعة أكبر , هذا ما افعله كل مرة أسير فيها داخل هذا الطريق .

حتى وإن لم يكن مسكون فهو مخيف جدا , فهذا البيت القديم مهجور و متهدم و مظلم بالكامل من الداخل , هو بصورة أدق مجرد إطار خارجي , أربعة جدران و بوابة , أو ربما هو جدار و احد وبوابة و بقية الجدران الثلاثة تعود للبيوت الأخرى المحيطة به , صدقا رغم أني أعيش هنا منذ سنوات إلا أنني لم أرى أي شيء يدعو للخوف من هذا البيت , لكن ما سمعته عنه من قصص و أساطير كانت كافية لجعلي ابتعد عنه.

أخيرا استجمعت شجاعتي و سرت في الشارع مقنعا نفسي بأن لا شيء يدعو للخوف , لقد كبرت على تصديق مثل هذه القصص الطفولية .

لا اعرف لسوء حظي أم حسنه وبسبب خوفي من البيت المهجور فقد نسيت تماما أمر من كان يقفز خلفي , وحمدت الله بعد أن ابتعدت عن البيت رغم أني تعثرت في شيئا ما كان ممدا أمام بوابته وخيل لي للوهلة الأولى بأن هذا الشيء هو ساق بشرية وقد  كدت أموت من الخوف لولا أني تأكدت من كونه مجرد حجر كبير . لكن قبل أن تكتمل فرحتي بالابتعاد عن البيت عاد من جديد ما كنت قد نسيت أمره .. صوت القفز مرة أخرى .. طوال الدقائق الماضية لم اسمعه , هل اختفى و عاد مجددا ؟ أم انه كان موجود ؟ .. وهذه المرة قررت أن القي نظرة لأتبين مصدر الصوت , لكن فجأة و قبل أن أتحرك قفز شيء ما أمامي مباشرة , سقط من الأعلى مستقرا على بعد متر واحد تقريبا مني .

كان هذا الشيء سيدة قصيرة القامة تلف نفسها بملاءة سوداء تصل حتى الأرض ترتديها النساء في بعض القرى الريفية , تسمرت في مكاني , لم اقترب منها خطوة و كذلك لم أتراجع مبتعدا , حتى أني لم أفكر أبدا في الركض , هي أيضا وقفت ثابتة وجامدة في مكانها لا صوت ولا حركة كأنها تمثال .

“كيف أتصرف الآن” قلت لنفسي , وقاطع أفكاري صوتها أو صوته , لا اعرف بالضبط , فلهذا الشيء صوت غريب , لكن ما عرفته هو انه يطلب المساعدة , أجل بصوت غريب و قوي قال لي : “ساعدني يا بني” .

لن اقترب , لن أساعده أو أساعدها , لكن هي من بادرت بالاقتراب , وعندما خطت أول خطوة تجاهي أو بالأحرى قفزت تأكدت شكوكي و تحققت مخاوفي , إنها هي أو هو “صاحب الساق الواحدة” أو “أم الخلاخيل” .

يحتار الناس في ماهية ونوع هذا الشيء , ولم أكن وقتها اعرف سبب هذا التناقض في مسميات ذلك المخلوق الذي اعتقدت انه أسطوري لا وجود له في واقعنا , لكن ما أن تحرك أدركت انه أنثى لأن الهواء أزاح جزء من الملاءة الملتف بها فكشف عن ساق واحدة نسائية يلتف حولها ثلاثة خلاخيل هي التي تصدر الصوت عندما تقفز صاحبتها , إذا فهي أنثى , لكن لما أسموها صاحب الساق الواحدة ؟ الأصح هو أنها صاحبة الساق الواحدة .

وأخذت تقترب مني أكثر فأكثر , ورغم هذا لم أرى وجهها , فقد بقيت الملاءة تغطيه , قالت لي مرة أخرى ” ساعدني يا بني فأنا عمياء لا أرى” …

“حتى وان لم تكوني عمياء فلن تتمكني من رؤية أي شيء وأنتِ تغطين وجهك هكذا ” قلت مخاطبا نفسي بسخرية وأنا أحدق نحوها , ثم تذكرت أن الأسطورة تقول أنها عمياء , ولم انطق بكلمة رغم إلحاحها علي لكي أساعدها , ليس بسبب الخوف وإنما بسبب الدهشة , هل أنا حقا أمام الكائن الأسطوري الذي أرعب أهل بلدتي لسنوات ؟ .

لم أكن خائفا صدقا , لم أكن خائفا أبدا , ربما أصبت بالجنون .. لا يهم طالما أني بخير ولا اشعر بالخوف .

وقفزت السيدة الملتفة بالسواد قفزة أخرى تجاهي حتى اقتربت مني جدا ثم كشفت عن وجهها أو وجهه , اجل صدقوني كان المخلوق الواقف أمامي  له ساق امرأة , لكن النصف الأعلى من جسده كان لرجل ! .. ربما لهذا السبب اختلفت مسمياته , لكن كيف لم يلاحظ احد من قبل تلك الساق الصغيرة الأخرى التي تتدلى إلى جانب الساق البشرية ذات الخلاخل , تلك الساق الثانية كانت صغيرة وليست بشرية أبدا , إنها قائمة حمار صغيرة جدا لا تتحرك , وحتى لو كانت تتحرك فهي عديمة الفائدة قصيرة لا تصل إلى الأرض . أما وجه ذلك المخلوق وهو آخر جزء كشف عنه فقد كان عبارة عن رأس كبير جدا وجهه مستدير بشري لكنه قبيح جدا له فم كبير خال من الأسنان و انف ضخم مكسو بالشعر .. ياله من رجل غريب ينبت شاربه فوق انفه ! أما عيناه فهما مصدر الأسطورة , فله عين بيضاء تشق وجهه بالطول تبدأ من جبهته و تصل حتى آخر انفه , أما العين الأخرى فقد كانت طويلة أيضا لكنها اقصر من الأولى و لم تكن بيضاء مثلها بل كانت عبارة عن حفرة سوداء مظلمة .

فكرت وأنا انظر إليه : ” ترى أي عين هي التي تصيب من يطيل النظر إليها بالعمى” .

وقاطع أفكاري تحدث هذا الشيء مرة أخرى أو بالأحرى صاح بي قائلا : ” ساعدني يا فتى أنا عمياء , كن عيناي , امسك بيدي و خذني إلى بيتي” قال هذا ثم اخرج يده ومدها تجاهي ليمسك بي , كانت يده بثلاث أصابع طويلة لا يقل طول اقصر أصبع عن 30 سم وتنتهي بأظافر طويلة أيضا تخرج من بين الشعر الرمادي الكثيف الذي يغطي يد ذلك المخلوق .

في تلك اللحظة بدلا من الهرب وقفت في مكاني متمنيا أن يخرج هذا الوحش يده الأخرى كي أرى هل هي بشعة أيضا أم لا , و كأنه قرأ أفكاري فأخرج يده المخبأة و التي كانت تمسك بالملاءة من الداخل ومدها ببطء نحوي , لكن للأسف خيبت هذه اليد ظني , إذ أنها يد بشرية عادية بالحجم الطبيعي أيضا . والآن لم يعد يمسك بالملاءة لكنها لم تسقط من فوق رأسه و السبب هو شعره كان عبارة عن حقل من الأشواك الحادة التي تخرج من رأسه مخترقة قماش الملاءة ومثبتة إياها على رأسه .

بعد لحظات من النظرات الفاحصة المصحوبة بالصدمة خرجت من حالة الذهول والشجاعة المؤقتة وأدركت أني واقف بالفعل أمام عفريت يرعب سكان منطقتي منذ قرون . الأسطورة تقول أن من يفر منه دون أن يساعده سيصاب بالعمى , أما من يوافق على مساعدته فإن صاحب الساق الواحدة هذا سوف يأخذه إلى بيته وعندها يجد الضحية نفسه داخل كهف في الجبال تسكنه مخلوقات أخرى أكثر بشاعة من صاحب الساق الواحدة وتقوم هذه المخلوقات باحتجازه لمدة يوم أو شهر أو سنة أو أكثر , لا احد يعرف على وجه الدقة , لكن ما نعرفه هو أن من يدخل إلى عالمهم لن يخرج منه إلا بعد أن يفقد عقله تماما من هول ما رآه ..

إذن ماذا على أن افعل ؟ .. افقد عقلي أم بصري ؟ ..

بالنسبة لي هذا الخيار ليس صعبا , فما فائدة بصري إن كنت مجنون , حسنا اتخذت قراري سوف افر مبتعدا .. اجل هذا هو القرار الصائب , وبسرعة ركضت مبتعدا لكي افلت من قبضته , أطلقت ساقي للريح دون أن انظر خلفي , فأخذ صاحب الساق الواحدة يصرخ بي بصوته الغريب : “عد إلى هنا و إلا ستندم” .

“اجل سأندم لكني سأندم أكثر لو أني رافقتك ” .. قلت هذا لنفسي وأنا سعيد لتمكني من الهرب لكن فجأة تعثرت وسقطت على الأرض .

بعد وقت لا اعلم إن كان طويلا أم قصيرا فتحت عيني لأجد نفسي في مكان مظلم , مددت يدي لأتحسس ما حولي , ومع أول حركة وخزني شيء ما في يدي , وكانت هناك أصوات كثيرة من حولي . تحسست موضع الم الوخز في يدي فتبين لي أنها إبرة تخترق جلد يدي متصلة بأنبوب طويل , فهمت الآن أني مستلق على سرير في المشفى . حاولت الوقوف لكن يد احدهم أمسكت بي وأعادتني بلطف إلى مكاني : “استرح يا عزيزي لقد فقدت الكثير من الدماء ولا أظنك قادر على الوقوف” .. إنها زوجتي , هذا صوتها , وقد تذكرت الآن شيئا , فقبل أن اسقط على الأرض كان آخر ما رأيته حجرا كبيرا , بالتأكيد وقعت قربه فأصاب رأسي , وتذكرت الأسطورة مجددا فسألت زوجتي : “هل أطفأت نور الغرفة” , فقالت “لا لم افعل إنها مضاءة” .

يا الله ! .. حسنا سؤال آخر : “هل هناك ضمادة حول عيني؟” ..

“لا لماذا تسأل؟”..

حسنا أظن أن أم الخلاخيل لم تكن مجرد أسطورة

تاريخ النشر : 2015-11-09

guest
18 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى