أدب الرعب والعام

أم الصبيان ج 2

بقلم : Shadwoo Shadwoo – مصر

أم الصبيان ج 2
رأت وجهها وعيناها تلك التي كانت تثير الرعب بداخلها

انتقلت العائلة الجديدة لمنزلهم على التل ، كونهم يحبون الانعزال قليلاً لكن ذلك المكان كانت تحيطه مناطق خضراء جميلة تبهج الناظرين ، مرت الأيام وتبعتهم أم الصبيان لمنزلهم وبدأت المعاناة .

كان السيد سامح يعمل بشركته حتى وقت متأخر فقد كان يحب العمل كثيراً وهذا جعل منه رجل أعمال ناجح لكن أيضاً زوجاً فاشلاً ، لم تكن الأجواء الجميلة تعرف طريقاً لذلك المنزل وهذا ما جعل زوجته تنفس عن غضبها على الخدم بين الحين والأخر.

مرت تلك الزوجة بفترات صعبة  عندما علمت بخيانة زوجها وانه كان يدعي أن انشغاله بسبب عمله لا أكثر ، خدعت الزوجة نفسها بكلمة سيتغير ووقت ويمضي فقد كانت تجمعها به قصة حب ،  كانت تولي رعاية الطفل للخدم وتكتفي فقط بإلقاء نظرة من الحين للأخر والاسم أن لديها طفل لا أكثر ، مرت الأيام وبدأت تشعر بشيء غريب يحدث بغرفة الطفل كل ليلة ،  كانت تسمع صوتاً غريباً يصدر من غرفة الطفل ، صوتاً أشبه بمواء القطط ، اقتربت أكثر وأمسكت مقبض الباب ليصدر ذلك الصرير وفجأة انقض عليها قط من بين ظلام الغرفة ، سقطت أرضاً وأخذت تصرخ مرددة : أبعدوه عني.

أسرع إليها الخدم وحاولوا تهدئتها ، أخذت تدور بنظرها حولها ولكنها لم تجد شيئاً حتى أنها دخلت غرفة الطفل وأشعلت الضوء وكان الطفل غارقاً بالنوم ، عادت للنوم وتجاهلت الأمر لكنه كان يتكرر كل ليلة ،  كانت تسمع مواء القط كل ليلة وصوت خربشات على جدار غرفتها ، أخبرت زوجها بذلك لكنه تابع ببرود قائلاً : ربما يهيأ لك ، لم تتعجب من إجابته فلم يكن عليها أن تخبره لأنه لا يهتم بأي شيء تقوله .

قررت أن تكتشف ما يحدث بنفسها فظلت خارج غرفة الطفل تنتظر ذلك الصوت ، لكن لا يوجد شيء غير ذلك الصمت القاتل ، ظلت هكذا حتى اقترب الفجر وبدأت تغفو وهي جالسة لكن هاهو ذلك الصوت الذي أيقظها ، انه يصدر من جديد ولكن أكثر رعباً من قبل ،  فتحت باب الغرفة بهدوء والصوت كان يقترب أكثر فأكثر حتى وقفت أمام سرير الطفل وقد شاب شعرها من الرعب ، لقد كان الطفل هو من يصدر ذلك المواء ، لم تستطع الصراخ بل وقعت على الأرض مغمي عليها.

استيقظت ووجدت نفسها بغرفتها وحولها الطبيب وزوجها والخدم وهي ظلت تصرخ وتردد.. الطفل… انه مسكون… نعم مسكون.

أعطاها الطبيب حقنة مهدئة وقبل خروجه لمح علبة دواء لها ، أخذ يتأملها ثم طلب زوجها بكلمة على انفراد.

– أخبرني سيد  سامح ، منذ متى وزوجتك تتعاطى ذلك المهدئ ؟

أمسك الزوج علبة المهدئ ممعن النظر بها ثم تابع قائلاً :

– لا أعلم دكتور ، لكننا فقط مررنا بوقت ليس بجيد ، لكن لماذا السؤال هل من شيء ؟

– نعم ، أن ذلك الدواء يسبب الهلوسة انه أشبه بالمخدرات وهذا ما تعانيه زوجتك.

– لا افهم ما تعنيه ، أرجوك وضح لي أكثر لو سمحت.

تنهد قليلاً ثم تابع :

– زوجتك تري أشياء لا وجود لها ، و تهلوس من اثر ذلك الدواء وان تابعت حالتها هكذا فربما سيتسبب لها هذا بالجنون.

ودع الزوج الطبيب متسائلاً كيف سيخبرها بذلك وهل هي تعرف أم لا ؟ لكن لم يستطع سؤالها عن شيء فهو السبب بما يحدث لها ، بل اكتفى بمراقبتها تنهار يوماً بعد يوم فلا هو يستطيع أن يجعلها تمكث بمالمشفى حتى تتعافي ولا هو يستطيع تحمل ما يحدث.

بليلة من الليالي الباردة قرر القدر أن يجعل الأجواء أكثر حرارة ، اقتربت الزوجة من غرفة الطفل وقد فاق الأمر حده وجنت تماماً من ذلك الصوت ، فتحت الغرفة واقتربت من الطفل وأخذت تنظر له متابعة :

– الجميع أصبح يدعوني بالمجنونة بسببك وبسبب موائك المزعج ، من أنت و ماذا تكون ؟ هيا أخبرني.

أخذت تنظر له وكأنها تنتظر رده ، لكنه ظل يموء فاشتاطت غضباً وتابعتها بصرخة منها :

– اخرس أيها المسخ ، أوقف ذلك الإزعاج.

فجأة انقطعت الكهرباء وانقطع معها الصوت ، ركضت خارج الغرفة وأخذت تنادي على الخدم ثم على زوجها ، لكن وكأنه لا يوجد أحد بالمنزل سواها هي والطفل وذلك الصوت من جديد الذي وكأنه كان يتبعها ، توجهت للمطبخ وأمسكت القداحة وأخذت تشعلها لتتضح لها الرؤية وكان الرعب يلف قلبها من ذلك الصوت الذي بدأ يقترب أكثر فأكثر من الظلام ، أشعلت القداحة وانصدمت برؤية الطفل يحبو على الأرض تجاهها وعيناه تغيرت للسواد التام ثم انطفأت القداحة ، أخذت تلهث من الخوف ثم أشعلتها مرة أخرى فوجدته اقترب أكثر ، أخذت تبتعد عنه حتى انزلقت على الأرض وعلقت قدمها بشيء ما ، حاولت إفلات قدمها ثم أسرعت تتخبط للخروج من المنزل ، لكن تلك الرائحة أسرعت إليها لقد كانت رائحة الغاز ويبدو أن ذلك الشيء التي علقت به كان أنبوب الغاز ، لم تشعر بنفسها آلا وهي خارج المنزل مشعلة القداحة ومع اقتراب صوت الطفل ألقت القداحة بالداخل ، ودوي صوت الانفجار المكان بأسره .

رأت شيئاً ما أسود يحوم حول النار بسرعة رهيبة ويصدر منه صراخ لم تعلم أنها أم الصبيان ، لكنها اختبأت خلف الصخور خوفاً من ذلك الشيء ، ولحسن حظها لم تلاحظ وجودها ، فكل ما كان يشغلها هو طفلها الذي يحترق بالداخل ، ما أن سمعت صوت سيارة زوجها تقترب حتى أسرعت إليها .

– مي ، ما الذي حدث وكيف احترق المنزل ؟

– أسرع بعيداً عن هذا المكان ، سأخبرك بالطريق.

– ماذا ؟

– أرجوك أسرع قبل أن تجدنا ، هيا.

أسرع الزوج بعيداً بسيارته وأبلغ الإطفاء وبينما هم بطريقهم أخبرته الزوجة بكل ما حدث ، لكن الزوج اكتفي من جنانها هذا وقرر وضع حد لهذا الإزعاج فأودعها بمصحة نفسية حتى تتعافى وتكتم على ما حدث حتى لا يسيء هذا لسمعته بين رجال الأعمال.

مرت سنة على الحادثة وتعافت زوجته ، لكنها لم تستطع نسيان ما حدث .

– حبيبتي ، هل أنتِ بخير ؟

– نعم  ، فلنخرج من هذا المكان لم اعد استطيع الاحتمال.

خرجت الزوجة من المشفى برفقة زوجها وكان بيتها الجديد بانتظارها ، ظن أن انعزالهم عن الجميع هو ما سبب لها الاكتئاب بالإضافة إلى خيانته لها ، فقرر أن يمكثا بالمدينة وسط أجوائها المزدحمة لعله يساعدها.

مرت الأيام وتعايشت الزوجة مع الوضع وعادت حياتها مع زوجها جميلة كالسابق ، فقررت أن تخضع لعملية تمكنها من الحمل ، فلاهي تريد أن تتبني ويتكرر الأمر من جديد ولاهي تستطيع أن تتحمل تلك الوحدة.

ذهبت إلى المشفى وخضعت لبعض التحاليل اللازمة وبالفعل نجحت العملية وهذا من سوء حظها ، كانت الفرحة تغمرها فقررت تحضير غرفة الطفل فلم يكن يسعها الانتظار من السعادة.

أحضرت عدة الطلاء وأخذت تزين الغرفة وحدها و بينما هي منشغلة بذلك سمعت صوتاً يصدر من الحائط كانت تشعر به عند ملامسة  يدها للحائط ، تعجبت من ذلك وظنت أنه يهيأ لها ، لكن الصوت تكرر مرة أخرى ،

اقتربت أكثر من الحائط وأخذت تسترق السمع و الصوت يتضح أكثر فأكثر ، كان صوت بكاء لطفل.

اتسعت عيناها أكثر فأكثر عندما وجدت شعر طفل صغير يخرج من الحائط ويقترب معه الصوت أكثر فأكثر ، ركضت خارج المنزل وأخذت تدق علي زوجها الهاتف لكنها كانت تسمع صوتا يشبه…. شششششششش.

ظلت خارج المنزل حتى عاد زوجها وهي كمن رأت شبحاً لا بل بالفعل رأته ، تعجب زوجها منها ومن جنونها الذي عاد مرة أخرى وكأنه كان يردد بعقله : متى ينتهي هذا ؟.

أخذت تدور بنظرها بالغرفة خشية ظهور شيء ما مرة أخرى ، و بينما أخذ زوجها يتفقد الجدار وهو يعلم انه لا شيء موجود لكنه يجاري زوجته أو كما يقال يأخذها على قدر عقلها ، التفت لزوجته متابعاً :

– أرايتي ؟ لا شيء موجود.

– أقسم لك لقد رأيته.

تابع بغضب قائلاً :

– كفاكِ جناناً ، هل نسيتِ أن جنانك هذا دفع ثمنه طفل صغير ، لقد سئمت.

مرت الأيام وأم الصبيان تنتقم ببطئ منها على ما فعلته ، وانتقامها هذا فاق طاقة الزوجة ولم تعد تحتمل ذلك الرعب ، كانت ترى طفلاً يزحف تجاهها عند دخولها الحمام ، وتسمع صرخاته وبكائه من الجدار ثم تهويدة تسكت ذلك الصراخ ، حتى أنها كانت ترى المنزل يحترق بها فتنهار حتى تقع مغمى عليها وبالطبع عند استيقاظها تجد كل شيء مكانه.

أكملت شهرها الثامن من الحمل وكانت تتابع رؤية طفلها شهراً بعد شهر حتى حان الموعد ويا لتها لم تذهب ، جلست تستريح وأعد الطبيب شاشة لرؤية الطفل وأخذت تراقبه بابتسامة.

– هذا قلبه الصغير ، وهذه يده… انظري كم هو جميل.. اااه وهذا وجهه.

هنا صرخت الزوجة عندما نظرت لوجهه لقد كان وجه الطفل الذي احترق ، حاول الطبيب تهدئتها ، لكن كيف وأعصابها قد تدمرت تماماً بسبب خطأ ارتكبته وأي خطأ.

اعتذرت الزوجة من الطبيب وابتعدت خارج الغرفة ثم توجهت للمصعد منتظرة صعوده لكن الأضواء بدأت تنطفئ وتشتعل ، نظرت حولها لم تجد أحد ، لكن كيف ذلك وقد كان الطابق مزدحم منذ قليل ، تابعت الأضواء دورها ولفت انتباهها ذلك الشيء من بعيد وهو يزحف تجاهها لا لم يكن طفلاً بل كانت أم الصبيان .

أخذت تلهث الزوجة من الرعب وهي تستدعي المصعد مراراً وتكراراً حتى وصل ودخلته بأخر لحظة وهي تراقبها تقترب بسرعة لكن أغلق المصعد بأخر لحظة وبدأ بالنزول ،

تابعت التقاطها لأنفاسها وهي تتمنى أن ينتهي هذا الكابوس ، لكن ما إن نظرت أمامها بمرآة المصعد حتى رأتها لكن هذه المرة رأت وجهها وعيناها تلك التي كانت تثير الرعب بداخلها وابتسامتها التي تتوعد لها بالشر ، أخذت ترتعش من الخوف وأغمضت عيناها وهي تبكي وما أن شعرت بيديها تتحسس شعرها حتى انهارت على الأرض وهي تبكي كطفلة تائهة ، فتح المصعد ووجدت الجميع يلتف حولها ثم ساعدوها على النهوض متسائلين عن سبب بكائها ، لكن الصدمة أفقدتها قدرتها على الكلام بذلك الوقت ، لم تظهر أم الصبيان مرة أخرى بعد تلك الحادثة وكأنها اكتفت بهذا القدر وهذا ما جعل الزوجة ترتاح قليلاً خاصة أن موعد ولادتها اقترب.

بعدما تمت الولادة ، اقتربت منها الممرضة وهي حاملة طفلها لتراه لكنها أشاحت بنظرها بعيداً و رفضت النظر إليه خوفاً من أن ترى ذلك الطفل مرة أخرى فلقد كرهت طفلها من قبل ولادته انه يذكرها بتلك الحادثة والتي لم تسمح لها ام الصبيان بان تنساها.

أوكلت الزوجة رعاية الطفل للخدم وأيضاً أحضرت له مرضعة حتى تعود حالتها كما كانت من قبل ، و بذات ليلة استيقظت على بكاء طفلها ، كان بكاء عادياً ، لكنها لم تود الذهاب إليه وانتظرت قليلاً ربما تستيقظ جليسته ، لكن مشاعر الأمومة سابقتها إلى طفلها ،  اقتربت من غرفة الطفل وذكريات الماضي تتسابق إليها ، لكنها تجاهلت كل هذا واتجهت لطفلها ثم حملته وأخذت تهدئه حتى استغرق بالنوم ، أخذت تراقب ملامحه الجميلة ويداه الصغيرة تلك وصوت أنفاسه وهو نائم ورائحة خده الأجمل من عطور باريس … كيف تركت هذا الجمال ليعتني به غيري ؟ هكذا ظلت تحدث نفسها ، لقد وجدت سعادتها بطفل صغير لكن كيف لتلك السعادة أن تكتمل بوجود أم الصبيان ؟

لم ترد الزوجة تضييع لحظة بعيدة عن تلك الأنفاس الجميلة لكنها تركته ينام قليلاً ، وما أن التفت حتى سمعت صوت مواء قط ، انه ذلك الصوت التي كانت تسمعه من قبل ، دمعت عيناها وهي تردد :

– لا ليس من جديد ، أي شيء عدا طفلي.

التفتت لطفلها لكنها لم تجده بل وجدت ذلك الطفل الذي احترق وجزء من وجهه أكلته النيران ، لم ترتعب بل ظلت تنظر له ودموعها تنهمر ، لكن صراخه بدأ يرتفع أكثر فأكثر ، وضعت يداها على أذنيها من شدة الصوت وأخذت تصرخ به :اصمت.. كفى .

لم تشعر ألا وهي تخنقه بيديها مرددة : اصمت.. توقف عن إزعاجي ، دخل زوجها على صراخها وأشعل الضوء ليجد طفلها جثة هامدة بين يديها ، دفعها بعيداً وأخذ يهز الطفل محاولاً إيقاظه لكن فات الأوان ، لقد فارق الحياة.

اقتربت الزوجة لتجد أن ذلك الطفل الذي خنقته لم يكن سوي طفلها الصغير ، لفت نظرها تلك المرأة أم الصبيان وهي تنظر لها وكأنها تقول : الآن انتقمت لطفلي.

ثم اختفت وللأبد ، بينما دخلت الزوجة مصحة عقلية لبقية حياتها لقد جنت هذه المرة بالفعل ، تمنت لو قتلتها أم الصبيان على أن تتركها هكذا ، لكنها أرادت أن تحيى بهذا العذاب ، كما هي قدر لها أن تحيى به.

– انظروا حولكم… هذا هو مكان المنزل الذي احترق به الطفل ( هكذا قال ساهر لأصدقائه ) لقد هدموا المنزل وتركوه هكذا قطعة أرض خالية من الحياة ، فقط تحمل ذكريات.

– ماذا ؟ وتركتنا كل هذا الوقت نمكث هنا ؟

تابع الشباب ضحكهم على باسم وذعره ثم استأذن ساهر منهم ليحضر شيئا من السيارة.

– الجو بارد كثيرا يا رفاق ، هيا فلنعود للسيارة.

جلسوا بالسيارة مغلقين الأبواب من البرد واستمتعوا بذلك الدفء.

– ياسر ، أين هو صديقك ساهر هذا ؟

– لا أدري ربما يقضي حاجته هنا أو ما شابه فلننتظره.

وضع ياسر يده بجيبه من البرد فشعر بشيء ما ، أنها ورقة.

– هل سننتظر كثيراً ، أين هو صديقك يا رجل ؟

تابع ياسر بهدوء :

– لن يأتي ، هيا فلنذهب من هنا.

– ماذا ؟ كيف نتركه هنا.

– قلت لك فلنذهب.

تابعوا القيادة حتى ابتعدوا عن المكان ، نظر ياسر مرة أخري لتلك الورقة التي كان مضمونها :

– صديقي لم أخبرك باسم التوئم الأخر .. انه ( ساهر ) .. وداعاً.

لم يشك أحد لو للحظة أن ساهر هو تؤم الطفل وابن أم الصبيان ، لقد أراد أن يوصل فقط رسالة  مضمونها :

لم يكن للطفل إي ذنب ، حاله كحال الطفل الذي احترق

لقد كان ذلك الألم بقلب أمه دين و كان على الدين أن يرد يوماً ما … فكما يقال كما تدين تدان .

 

تاريخ النشر : 2016-10-18

guest
36 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى