أنا عند ظن عبدي بي
لن تدركوا مدى سعادتي معه .. |
عندما يجتمع الواقع والخيال عند نقطةٍ ما ، حينها تدرك أن لا شيء يسمي ” مستحيلاً ” .
***
فتاة عادية أو بالأحرى كنت كذلك قبل أن تتغير حياتي ، كانت أقصى طموحاتي أن أحصل على السعادة و لو بقدر بسيط ، البعض قال متشائمة ولكني فقط لم أظن أن الحظ سيبتسم لي يوماً ما .
” فرح ” اسم ليس على مسمى ، الجميع كانوا يقولون ذلك بما فيهم خطيبي السابق ” أمجد ” كانت عبارته المشهورة لي ” كذب من سمَّاكِ فرح فأنتِ لا تجلبين سوى التعاسة لي منذ أن رأيتك ” ، لم أكن أحبه ولكني كنت مجبورة عليه ، من أجبرني ؟ أنا ، أجبرت نفسي على الموافقة عليه وتحمل سخافاته حتى أهرب من ذلك الجحيم الذي ولدت فيه .
كنت مخيرة بينه و بين آخرين مثله ، لا يقلون سوءاً عنه بل ربما يزيدون ، فاخترت أقلهم إساءة ، كيف لفتاة فقيرة معذبة تتعرض للإهانة يوماً بعد يوم جسدياً ونفسياً وربما أشد من ذلك وأنتم تعلمون ما أعنيه ، كيف لها أن تحلم بذلك الفارس على الحصان الأبيض .
كيف لي أن أحلم بالسعادة وأنا فقط كنت أراها من خلف نافذتي بعيون بعض الناس ليس أكثر ، كلماتهم لي كانت مستفزة ” عيشي عيشة أهلك ، اتحملي ” وغيرها الكثير من العبارات المستفزة التي أسمعها يومياً ، باختصار .. حالي كحال أغلب الفتيات يرضون بالسيئ لتجنب الأسوأ .
في يوم من الأيام بدأت قصتي …
– مرحباً سارة ، اشتقت لكِ .
– أنا أيضاً فرح ، كيف حالك ؟
تلك هي جارتي وصديقتي ، كانت تسكن بالسكن الجامعي لهذا لم نرَ بعضنا منذ فترة ، جلسنا وتبادلنا أطراف الحديث عن أحوالنا وظلت تحدثني عن كيف هي الحياة بالجامعة وعن تلك الحرية التي لم أحصل عليها أنا ، كنت أشعر بكلامها نبرة تكبر أو بمعنى أصح “معايرة ” كما يقولون .
تجاهلت ثقل كلامها وغيرت مجرى الحديث متابعة .. ألن تقولي لي مبروك ؟ لقد خطبت .
– مبروك حبيبتي ، هيا حدثيني عنه ، كيف هو وماذا يعمل ؟ إلخ …
حدثتها عنه لكنها لم ترَ بعيني لمعة الحب بل شيئاً آخر ، حزن فقط لا أكثر ، هي تعلم حالها كحال الجميع لماذا وافقت عليه ، حتى هو يعلم بذلك .
مرت الأيام وعادت صداقتنا كما هي قريبة أو هكذا ظننت أنا ، كانت تأتيني باستمرار خاصة عندما يأتي خطيبي لزيارتي .
تجاهلت بالبداية نظراتها له وهيئة ملابسها المثيرة للشك ، حتى وجدتها بيوم تعبث بهاتفي عندما تركته بجانبها وذهبت لأمي ، لم يخطر بعقلي شيء رغم توترها الملحوظ ، مرت الأيام وتصرفات خطيبي تزداد غرابة فهو يسألني عن صديقتي ، أين هي ؟ لماذا لم تأتِ اليوم ؟ لست مهتمة به ولم أشعر بالغيرة بل شعرت بالإهانة فقط .
بيوم قررت أن أقطع الشك باليقين وأرى ما يحدث ، أخذت هاتفه بخفة و كتبت رقم صديقتي وظهر ” حبيبتي ” ! شعرت وكأني طعنت بسكين ، إن هو تجرأ على ذلك كيف تجرأت هي ؟ ألسنا أصدقاء ؟ سقطت دموعي غفلة مني وأنا أقرأ تلك الرسائل الغرامية بينهما وما كسرني أني رأيتهما يسخران مني ببعض حديثهما .
لم أفعل شيئاً سوي أني مسحت دموعي وأخذت بعض اللقطات للرسائل وأرسلتها لهاتفي وأعدت كل شيء كما كان ثم ذهبت لغرفتي ، وجدت أمي تمسك بيدي متابعة …
– لماذا تبكين ؟ هل حدث شيء ما ؟
– لا أنا بخير ، أشعر فقط ببعض الإرهاق وأريد الخلود للنوم .
بالرغم أن أمي لم تقتنع بكلامي إلا أنها تركتني ، بينما أمجد لم يهتم وغادر ليكمل حديثه معها ..
خيم ظلام الليل على المكان وعم الهدوء و لازلت أنا جالسة بغرفتي ، دموعي تتساقط بينما يغمرني الهدوء ، لست حزينة عليه ولا عليها إنما فقط أشعر بالشفقة على نفسي ، متى ؟ متى سينتهي هذا العذاب ؟ تحملت ناراً من أجل جحيم فما الفرق ؟ الاثنين عذاب .
شعرت بأني احتاج للشكوى ، أحتاج إلى من يستمع لي من دون أن يؤنبني أو يخبرني تحملي وغيرها من تلك السخافات ، لمحت سجادتي وكأنها تناديني ، قمت بخطى متثاقلة ، توضأت وصليت وظللت جالسة أنظر للسماء ، لساني كان ثقيلاً من التعب لكن قلبي لم يسكت للحظة والله كان يسمعه ، غفوت مكاني ودموعي مازالت ساخنة على خدي .
رأيت اني بمكان أشبه بالغابة ، كان الظلام يخيم على المكان وكنت أشعر بالخوف ، ظللت أتلفت حولي وأنادي : هل من أحد هنا ؟
وجدت نفسي أركض ولا أدري من ماذا ؟ لكني كنت أشعر بالخوف والبرد أيضاً ، تعثرت بشيء بينما أنا أركض ، ثم سمعت خطوات شخص تقترب ، نظرت أمامي فوجدت شخصاً ما قادم نحوي ويحمل بيده قنديلاً يضيء المكان حتى أني لم أستطع تمييز ملامحه من شدة النور ، مد إلي يده ، نظرت إليه ثم تابعت قائلة :
– من أنت ؟
لم يقل سوى ..
– إن بعد العسر يسرا .
– أين أنا ؟
لم أتلقَ سوى نفس الرد ..
– إن بعد العسر يسرا … يا فرح .
كانت أول مرة أشعر بتلك السعادة عندما سمعت اسمي ، لقد شعرت أنه يعنيها ، مددت إليه يدي ودموعي تتساقط من الفرح حتى تبادر لأذني سماعي لآذان الفجر … الله أكبر .. الله أكبر .
استيقظت و دموعي تتساقط من السعادة وأنا أردد ” إن بعد العسر يسرا ” كيف لا أسعد والله قد بشرني بأن سعادتي قادمة ، يكفي أنه أخبرني بأنه بجانبي ، قمت وصليت وظللت جالسة للصباح انتظر …
وما إن حل الصباح حتى ذهبت لصديقتي أقصد التي كانت ، أخبرتني أمها أنها نائمة لكني دخلت غرفتها وأيقظتها ، أريتها تلك اللقطات التي أخذتها ولم تنكر ، بل ألقت الهاتف بجانبها ثم تابعت بتكبر قائلة :
– على كل حال أنتِ لم تحبيه ، فما المانع إن أخذته أنا ؟
لم أشعر بنفسي إلا وأنا أصفعها على وجهها ، كم احتجت لفعل ذلك ، غادرت وأنهيت تلك الخطوبة المأساوية ، وأنا أعلم أن الله ما كان ليبعدني عن خير لي ، بل كان جحيماً وأنا سعيدة لتخلصي منه ، مر شهر واحد فقط و تمت خطبتهما وبضعة أشهر أخرى ثم تزوجا .
شعرت بالاكتئاب من كثرة المكوث بالمنزل فقررت العمل ، ولحسن حظي وجدت عملاً بسهولة وكأنه كان ينتظرني ، أخبرتني جارة لي أنهم يريدون فتاة تعلم الأطفال الرسم وحفظ القرآن بحضانة ، لم أتردد بالقبول فقد كنت أحب الأطفال كثيراً ، انشغلت بيوم مع الأطفال بالرسم وكنت سعيدة حتى وجدت ” سارة ” تدق علي باب الفصل وعلى وجهها ابتسامة سخرية .
– ما الذي أتي بكِ إلى هنا ؟
– وهل أنتِ مالكة المكان ؟ أنتِ فقط تعملين هنا ؟
ستمر الأيام وآتي هنا مع طفلي الصغير ” قالتها وهي تضع يدها على بطنها ” .
– هل جئتِ هنا لتخبريني بهذا ؟
– لا تحزني ستصبحين أما أنتِ أيضاً ؛ ربما ، آآآه نسيت أنتِ لم تتزوجي بعد ( تابعتها بضحك ثم دفعتني بيدها ) .
غادرت وجلست أنا أغالب دموعي حتى شعر بي الأطفال ، وجدت طفلة تقترب مني وتضمني ثم مسحت دموعي قائلة :
– لا تحزني ، سأكون أنا طفلتك .
ضحكتُ ثم سألتها :
– هل تعلمين ما معنى اسمك يا صغيرة ؟
– لا .
– رحيق ، هو ذلك الشيء الذي يكون بالأزهار ، ويصنع منه النحل العسل .
– إذاً أنا عسل ؟؟
ضحكت و قلت لها :
– نعم ، أنتِ عسل .
ما رأيكم بلعبة؟
استمريت باللعب معهم حتى تناسيت كل شيء ، غادرت وما إن دخلت المنزل حتى وجدت مديري بالعمل يجلس مع أمي ومعه شخص ما ، جلست وأنا لا أدري سبب الزيارة ، أهو تقصير بالعمل أم ماذا ؟ إلى أن وجدته يتحدث مع أمي عن طلب يدي للزواج ، قاطعته قائلة :
– لكنك يا سيد / قاسم ..
قاطعني قائلاً :
– لا أسأتِ فهمي ، أنا متزوج ، بل صديقي ” أحمد ” هو من يريد الزواج بكِ .
جلسنا سوياً وتبادلنا أطراف الحديث ، شخص خلوق وأيضاً متدين مقيم بالخارج وأتى لزيارة صديقه ، وتفاجأ برؤيتي مع الأطفال وأعجب بي ، شعرت وكأني أعرفه منذ زمن ، شعرت وكأنه اليسر الذي بشرني به الله بمنامي ، لا أدري لكن بداخلي كنت أشعر بذلك .
وافقت .. و شهور قليلة ثم تزوجت ، سافرت معه لأمريكا وأقمنا هناك ، لن تدركوا مدى سعادتي .. كنت أشعر كما الأميرات ، ومنزلي كان أشبه بالقصر ، كما أن زوجي كان حنوناً معي جداً ، اكتملت سعادتنا عندما أنجبت طفلتي ” رحيق ” اسميتها تيمناً بتلك الفتاة ، فقد كانت جميلة مثلها ، كان دائماً يردد أنتِ فرحتي الأولى ورحيق الثانية .
أردت نجمة وأعطاني الله القمر ، لأنني صبرت والأهم أنني وثقت به وأحسنت الظن به فأعطاني فوق ما كنت أتمنى.
لم أهتم بالماضي فهو لا يعنيني الآن ، لكن لأن الله يمهل ولا يهمل فقد ساءت الأحوال بين ” سارة ” وزوجها فهو لا يتوقف عن خيانتها ، كما كان يعاملها بقسوة ، استمر بضربها حتى أسقطت جنينها وكاد أن يودي بحياتها ، وتطلقت منه فيما بعد ، و أدين هو بتهمة قتل طفله .
أنا لست شامتة بهما معاذ الله ، لكن تذكرت حديث ” سارة ” عندما قالت أني أنا التي لم أستطع أن أتعامل معه وهي تستطيع ، السيئ سيئ مع الجميع .
***
لا تستمعي لأحد يخبرك أن تتحملي شيئاً فوق طاقتك فأنتِ من ستتعذبين وليس هم ، و لا تهتمي لمن يردد تلك الجملة السخيفة ” عيشي عيشة أهلك ” فأنتِ لستِ مجبرة على أن تعيشي حياة نسخة من أخری لم تختاريها ..
باختصار لا ترضي بالسيئ لتجنب الأسوأ ، فأنتِ خلقتِ حرة ولم تخلقي لتكوني تعيسة أو لتحمل مزاجيات شخص و الإسم ” زواج ” ، فقط ثقي بالله و تذكري حديثه القدسي عندما قال ” أنا عند ظن عبدي بي ، إن ظن خيراً فله … وإن ظن شراً فله ” .
تاريخ النشر : 2017-07-16