تجارب ومواقف غريبة

أنا و جثة أخي

بقلم : الهاشمي – اليمن

أنا و جثة أخي
وقفت على القبر الرطب مرتعباً مستعيناً بالله

بينما أنا مضطجع على فراشي من شدة الإرهاق والحزن الشديد لموت الأخ الذي لطالما كان اعز من نفسي وخير عون لي في رخائي وشدتي ، مازلت لا أصدق انه مات ، لقد كان موته اثر حادث مروري أليم حينما كان يقطع الشارع ليفاجأ بسيارة مسرعة دكت عظامه ونقلته إلى العالم الآخر ، تلقينا الخبر كالصاعقة وصارت الدنيا ظلاماً حالكاً لقد مات وترك دستة عيال أيتام و أرملتان وأم ثكلى وأب معاق

 المهم تمت مراسم الدفن ودفن جثمانه في مقبرة تبعد عن القرية كيلو متر مربع ، و في مساء الليلة الثانية وصلتني الرسالة الآتية : عزيزي وليد لقد تم دفن أخوك و لكن ليس إلى القبلة واعتذر عن خطئي لأني وسدته باليد الشمال جهلاً مني والسلام ، لم استطع استيعاب الموقف وطبعاً كان علي كتمان الخبر عن الجميع للأسباب الآتية :

أولا حتى لا أزيد من حزن العائلة التي كانت تنتحب بحرقة لموت أحب الناس إليهم .

و ثانياً لان أخي سامحه الله وغفر له حينما صدمته السيارة كان منتشياً هذا كما جاء في تقرير المستشفى وعلم الجميع بذلك ، فقد كتمت خبر قصة دفنه حتى لا يشمت الناس فيه ويعتبروا ذلك سوء خاتمة وما إلى ذلك من كلام الناس.

المهم حملت ذلك على كاهلي وتوجهت الساعة 11 ليلاً حاملاً معولي نحو المقبرة ، وقفت على القبر الرطب مرتعباً مستعيناً بالله حقيقة لا استطيع وصف ما كنت عليه حينها و بدأت الحفر ونزعت المساقف العليا للقبر دون أن افتح المصباح كي لا يراني احد ، ثم نظرت إلى الأسفل كان الظلام دامساً و أنا في موقف لا احسد عليه ، توكلت على الله واستجمعت ما تبقى لدي من شجاعة نزلت درجتين متحسساً موضع قدمي ثم فركت المصباح ، كان القبر عبارة عن عدة لحود ودهليز طويل وضيق واللحود من الجانبين ثلاثة فقط مغلقة وأربعه مفتوحة ، تمددت على بطني حيث أن ارتفاع الدهليز أو ما يسمونه حوالي نصف متر بعرض اقل من متر ، كان الحر مرتفع والعرق تصبب مني بغزاره وأنا أئن والهث وابكي وإقرأ ، و لسوء حظي كان لحد أخي آخر الدهليز فما يزال الطين رطباً ..

زحفت نحوه وأنا غير مصدق أني افعل ذلك ، ترددت كثيراً قلبت في ذهني ابحث عمن يمكنني أن ادعوه للمساعدة فلم يخطر ببالي احد يمكن الوثوق به أو حتى قد يجرؤ أن يقف موقفي هذا ، استعنت بالله بدأت افتح اللحد تارة اصدح بالآذان وتارة أقرأ سورة ياسين وتارة ابكي وتارة أخاطب أخي : أنا قادم لتوجيهك إلى القبلة ، أخي فداك روحي ، أخيراً فتحت اللحد أنا وذلك المكفن وجهاً لوجه لم تكن هناك رائحة نتنة ، و لكني كنت أمام معضلة كبيرة حيث انه كان يستلزم مني لحرف الجثة 180 درجة الدخول إلى اللحد زحفاً نظراً لضيق المكان ولم تكن هناك أي طريقة سوى الاستلقاء على ظهري وسحب الجثة لتستقر على صدري ثم الزحف نحو الخارج إلى بداية الدهليز حيث هناك متسع يمكن فيه حرف الجثة ومن ثم العودة من جديد نحو الحد ، كل ذلك والجثة متمددة ووجه أخي على وجهي وقد تدلت يداه وكأنما كانت تحتضنني ، وانا اركل بأرجلي زاحفاً على ظهري وكلما أردت الاستعانة بيدي كانت الجثة تميل عني ، كنت في حالة يرثى لها حرارة القبر والجثة تجثم على صدري وصعوبة تحركي وزحفي بالظلمة حيث كنت أضع المصباح بفمي ..

كان الوقت يمر كدهور ، وصلت عائداً باب اللحد حتى رأيت ذلك الشيء الذي قضى تماماً على أخر نفس ، انهرت تماماً لا مجال للهرب أبداً ، كان ذلك في الوقت الذي كنت محشوراً بباب اللحد حيث انه أضيق مكان بالقبر كله كنت بالكاد التمس الهواء وحشة القبر وحرارته والتعب و الإجهاد الذي لا يوصف وذلك الشيء المخيف في زاوية اللحد والذي كان لزاماً علي في كل الأحوال الزحف نحوه ، تشهدت واستعنت بالله وأغمضت عيني وواصلت لم أنظر نحوه ، وجهت أخي إلى القبلة وسدته وخرجت ، و لا داعي لوصف كم كنت مجهداً فانا اشعر أني أطلت عليكم

 أقفلت اللحد و خرجت وأنا لا اصدق أني فعلت ذلك و لكم أن تتخيلوا كم كان الأمر صعباً من كل النواحي ، على كل اتضح لي بعد أسبوع أن ذلك الشيء الذي رأيته و صورته مخيلتي آنذاك لم يكن سوى ثقب للخارج تسلل منه بصيص ضوء ، بعد أسبوع فاحت جيفة الجثة منه فسارع حفار القبور لسدة ، كانت تلك تجربتي في ليلة في القبر.

 

تاريخ النشر : 2017-07-06

guest
61 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى