أدب الرعب والعام

إبن الشيطان

بقلم : أحمد محمود شرقاوي – مصر
للتواصل : [email protected]@yahoo.com

كان مظهر الجنين بشعا بحق، بل قل أكثر أهل الأرض بشاعة!
كان مظهر الجنين بشعا بحق، بل قل أكثر أهل الأرض بشاعة!

صرخات بشعة، هادرة تهز المستشفى هزا، تركض الممرضات في توتر بين اروقة المستشفى ومن حولهم الأطباء حيارى في هذا الامر العجيب، المرأة تصرخ صراخا وكأنه قادما من قلب سجين.. نعم فالنسوة تصرخ اثناء الولادة وهذا أمر طبيعي بسبب الالم، ولكن أن تصرخ امرأة بصوت خشن، بشع، يتردد صداه في كل مكان بالمستشفى فهذا لأمر عجاب!..

كان وجهها قد تحول إلى اللون الأسود وزحفت الزرقة على أظافرها وانتفخت عيناها وهي تصيح بلا توقف، وكأن شلالا من نار تلظى يجري في رحمها..

الكل يتمنى أن يتوقف هذا الجحيم وينزل المولود الذي تعلق في الرحم بطريقة عجيبة، لقد غرز أظافره في لحم المرأة حتى لا يسقط منها، الطبيب يصيح فيها محفزا كي تدفعه عنها ولكنه كان شيطانا بحق، يظهر على جهاز الأشعة وهو يرفض النزول..
وبدأت الدماء تنزل من المرأة، وصرخاتها تزداد بشاعة، والأمر يتصاعد أكثر وأكثر، وبكل ما تبقت من قوة في أعصاب الطبيب المتوترة ضرب بقبضته على مكان الطفل، وشهقت المرأة، شهقت وكأنها شهقتها الأخيرة في الحياة، وخرج الطفل، خرج في شلال من الدماء السوداء، شلال جعل الممرضات تتراجعن صارخات والطبيب يهرول مبتعدا..
والأشد فظاعة كان مظهر الجنين نفسه، كان بشعا بحق، بل قل أكثر أهل الأرض بشاعة، عينان جاحظتان وكأنهما قد خرجا من محجريهما، وجه أزرق تشوبه العروق البيضاء وجسد ضامر عجيب..

وهنا صاحت الممرضة..
“إنه شيطان”

وعلى صرختها فتح الطفل عينيه في قوة وحملق بها، وكانت نظرة كفيلة لأن تسقط الممرضة ارضا فاقدة الوعي..

ولكن الطبيب تذكر قسمه ومرؤته، تذكر إنسانيته التي حثته على إنهاء الأمر كما يجب، لذا فقد صاح في من حوله أن ينجدوا المرأة من هذا النزيف المستمر، وتكفل هو بأمر الطفل، حيث وضعه في حضانة الأطفال ليكتمل نموه..

ولكنه كان يعلم بداخله أن هناك حدث جلل يوشك أن يخرج إلى النور، ووصل الأمر إلى الصحافة التي انتشر رجالها في كافة أروقة المستشفى لتوثيق تلك اللحظات العجيبة..

وبالفعل أستطاع البعض من تصوير الطفل، وخرجت الصور إلى العامة، وانتشرت العناوين الغامضة في كافة ربوع الأرض..

“ضاجعها الشيطان فأنجب منها ذكرا”
“طفل الشيطان قد خرج إلى الأرض غاضبا”
“ولادة أبشع طفل العالم”

وتم توثيق الطفل في موسوعة جينيس كأبشع طفل في العالم..

وخرجت الأم بعد أيام من المستشفى، خرجت بعد أن نجت من الموت بإعجوبة، خرجت برحم تالف وجسد مشوه، ولكنها هرولت إلى الطفل، فلم تكن لتتركه أبدا، وأخذته وهربت به من المكان كله بعيدا عن أعين الكاميرات التي ظلت تلاحقها لأسابيع..
وأنتهى الأمر، او كان البعض يظن أن هذا قد إنتهى، ولكنها لم تكن سوى البداية..

* * * * *

قبل الولادة بعامين

لم أكن أحب في الحياة سوى مشاهدة الأفلام الرومانسية، حيث تغرق البطلة في تفاصيل فارس أحلامها وتبقى شاردة لساعات طويلة، حيث الحصان الأبيض والسحابة الزرقاء، حيث أعواد القمح الذهبية وشلالات الحب والغرام..
أنا أكاد أذوب حبا في شخص خيالي ليس له وجود على تلك الأرض، وما تيقنت منه أنه لن يكون بشريا، فما أتطلع له لن يصل إليه بشري قط، أنا أشتاق لكائن نوراني يأخذني في رحلة إلى السماء.. نجلس فوق السحب ونشاهد أسراب الطيور وهي تحلق من حولنا..

أفقت على اتصال من صديقتي فأجبتها، كانت تريد أن نخرج لنتسكع قليلا بجوار بحيرة المقابر، كنت مرهقة ولكن مع إصرارها خرجت لها..
ووصلنا إلى البحيرة، كان القمر وقتها بدرا يزين السماء بلونه البراق، ومن حوله غربت النجوم في حضرته، الهدوء يخيم على المنطقة والبحيرة ساكنة تماما، كان الجو شاعريا جدا ليجعلني أهيم في ذكرياتي، أتخيل نفسي أسير بجوار رفيق أحلامي وفارسي الهمام..

أفقت بعدها على صفعة من صديقتي لتصيح بي:
– أين ذهبت أيتها الحمقاء ؟

تنهدت في رقة وقلت:
– حيث فارس الأحلام

ابتسمت في خبث وقالت:
– أتريدين قبلة الحياة أيتها المهووسة ؟

– لا بل أريد عفريتا من الجن، فقبلة البشر لا تغني من جوع، فالجني سيحلق بي حيث السماوات .

– احذري فقد يتحقق ما نتمناه

– ليته يتحقق يا..

وصرخت في رعب وأنا أهوي من إرتفاع في قلب حفرة عميقة، ارتطم جسدي بقوة بقاع الحفرة فتأوهت في ألم شديد..
نهضت من مجلسي أنظر لما حولي، كنت قد سقطت بداخل أحد القبور، كنا قد سرنا بدون وعي منا ناحية المقابر، وها أنا قد سقطت بداخل إحداها..

صحت منادية بإسم صديقتي كي تساعدني.. سمعتها تقول “وكيف أساعدك ؟”

صحت فيها أن تنزل إلي شيء أتعلق به، ولكني كنت أعي أنها لا تملك شيئا..
وسمعتها تقول أنها ستذهب لطلب المساعدة، وقبل أن أتحدث كانت قد ذهبت..

ذهبت لتتركني في قاع حفرة في قلب المقابر، حيث مساكن الموتى، تحسست التراب بيدي وأنا أرتجف في موضعي..
أحاول أن أتمالك أنفاسي حتى لا تزعج أحدا، جلست على أرض الحفرة في وضع جنيني وراح جسدي ينتفض.. وينتفض.
وبينما أنا أتحسس الأرض شعرت بملمس صلب أسفل كف يدي!.

أزحت التراب من فوقه وعلى ضوء المصباح عرفته، وصرخت صرخة مكتومة وتراجعت إلى جانب الحفرة وأنا أبكي..
إنه غطاء تابوت.. هناك وأسفل مني جثة بداخل هذا التابوت..

انتفض قلبي وزاغت عيناي و….
وتحرك غطاء التابوت.. وأدركت أن الفزع الحقيقي أوشك على البدء.. في قلب المقبرة

* * * *

قلبي، قلبي قد غرق حتى النخاع في عوالم الفزع المهول، حيث أمواج الرعب وظلمات الخوف، غطاء التابوت يتحرك من تحتي، أقسم أنه يتحرك، الميت سيستيقظ بعد لحظات، لم يجد سوى تلك الدقائق التي سقطت فيها في قبره ليستيقظ، أو ربما يستيقظ لأجلي، لأجل أن يأخذني معه إلى ما أسفل الأرض..

أثارت الفكرة بداخلي براكين من الخوف، الخوف الذي يسبب قشعريرة في الجسد فينتصب شعره وينكمش جلده ويثور قلبه كثوران البراكين..

آاااااااااه آااااااااه سأموت من شدة الهول، ولكني كنت مخطئة، فلم تكن سوى مجرد بداية، بداية ليتزحزح الغطاء وتظهر على ضوء القمر تلك اليد السوداء المشعرة..
والتصقت أنا بالحائط وراح قلبي يحلق في مكمنه من فرط سرعة دقاته، زاغ بصري وفقدت القدرة على كل أطراف جسدي فأخذ يتحرك في عشوائية وكأنه قد أصابه شلل مؤقت..

وانزاح الغطاء بأكمله، انزاح وأصبحت مجرد ثوان ليستيقظ من بداخله، يستيقظ ليجعل ليلة كنت اظنها شاعرية إلى جحيم سيلازمني طوال حياتي اذا نجوت..

ونهض من رقدته، ورأيت وجهه، كان شيئا لا يمكن وصفه، وهل يمكن وصف بشاعة الشيطان ؟.
إنه…
إنه…..

إنه بثلاثة أعين سوداء ينبت فيهما الشعر وجلد وجهه متفحما، له قرنان ملتهبان يتأججان باللهيب، عظام صدره خضراء بارزة يرتع فيها الدود وبعض الحشرات البشعة..

كان يحملق في وجهي وأنا لا حول لي ولا قوة، أريد أن أصرخ، أن أبكي، أن أفقد الوعي او حتى الفظ آخر أنفاسي، ولكن لا يتحقق كل ما نتمناه، ورأيته ينهض من مجلسه، كان عملاقا، بشع الخلقة دميم..

وتحدث.. أقسم أنه قد فعل..

“مرحبا بمن ستحمل ولي العهد”

قالها ولم يتمهل، لم يتمهل الوقح سوى لحظة واحدة وبعدها انقض علي كألف ألف ليث مفترس.. وأظلمت الدنيا تماما..
أفقت على هزة عنيفة وسائل يسقط على وجهي، شهقت شهقة غريق يحتضر وفتحت عيني لأجد أبي فوق رأسي في غرفتي..
كنت حائرة، أرجو أن يكون كل ما حدث مجرد كابوسا وسينتهي..

ولكنه لم يكن أبدا، لم يكن لأن أبي تحدث قائلا:
– لماذا ذهبت إلى المقابر يا بنيتي ؟

لم أستطع أن أتفوه ولو بحرف واحد، ولكنه تابع قائلا:
– حضرت صديقتك لتخبرني بسقوطك في أحد المقابر وحينما ذهبنا وجدناك ممزقة الملابس وفي حالة يرثى لها، ما الذي حدث لك ؟

ولكني كنت كالمنومة، كمن خدروه بمخدر قوي ولكنه لم يسقط في غيبوبة، فما كان مني إلا أن أستمع فقط، وكأنني في حلم لا أقدر على شيء..

وعدت إلى نومي من فرط الإرهاق الذي كان ينهش في جسدي كله، وكان هناك حاضرا، في قلب محيط الظلمات يطفو كما الشمعة في الماء، كنت عارية تماما في الحلم، وكان هو ينظر إلى جسدي بإبتسامة مقززة، بشعة، كان يتفحصني بكل وقاحة، ولم أكن أنا قادرة على منعه من هذا، فقد كنت أطفو مثله في الظلام، ولكن جسدي كان مضاء، وكأنه يشع ضياء، ووسط الظلام المقابل لي كان يقف..

ولم يتمهل وانقض من جديد، انقض لينتهك كل شيء، لم يترك شيئا إلا ودنثه، لم يترك شبرا إلا ومزقه..
ونهضت فزعة، صارخة من نومي، ولكني لم أجد نفسي في غرفتي، كنت في كهف ضخم، حوائطه صخرية، صلبة، ينبعث ضوء أخضر اللون من مكان مجهول فيجعل الرؤية متاحة..

سرت في الممر المقابل في خوف، كان هناك صوتا يصدر من آخر الممر الضيق، سرت على أقدام من الهلام، أقدام تئن تحت ضربات الرعب والفزع، قلبي يرفض البقاء لحظة واحدة في مكانه ويطالب بالخروج، أنفاسي قد ثارت على كل شيء..

ووصلت إلى نهاية الممر، كانت هناك حافة تمنعني من التقدم، ولكن الصوت كان صادرا من الأسفل، تقدمت في صمت ناحية الحافة ونظرت، وشاب شعري من هول الرؤية، كان هو وسط أقرانه، حيث عالم الشياطين، كانوا يرقصون ويحتفلون، لا أدري بما ولكن مرآهم كان جحيما لعيناي، من حولهم كانت الحمم النارية تفور، تفور من خلال ينابيع ملتهبة..

و…..

شعرت بأنفاس ملتهبة تصدر من خلفي، التفت سريعا فرأيت أحدهم ينظر إلي غاضبا، وقبل أن أصرخ دفعني لأهوي من إرتفاع كبير، لأهوي ناحية الشياطين في قلب الجحيم..

وسقطت أرضا وجسدي قد تحطمت عظامه كلها، الألم راح ينهشه وعظامي تحت وطأته تئن، ولكن اللعين ظهر، ظهر ولم يرحمني، وانقض على ما تبقى من جسدي لينهش فيه، ينهش فيه وسط صياح واحتفالات أقرانه..

وما كنت قادرة على الهمس حتى، وانتهك كل شيء.. وأظلمت الدنيا كلها..

أفقت لأجد نفسي محدودة الحركة، أنفاسي تضيق وجسدي مقيد في عنف، حاولت الحركة ولكني لم أستطيع، وأدركت الفاجعة، أنا بداخل تابوت خشبي، وما أن أدركت الحقيقة حتى رحت أصرخ وأصرخ حتى تمزقت أحبالي الصوتية كلها..

وسمعت حركة بالخارج، وانتعش الأمل في قلبي، إنه صوت إحتكاك جاروف بالأرض، هل يدفنني احدهم حية!، وبدأت الصراخ من جديد، صراخ اليأس الممزوج بالقهر والعجز والفزع..
ولكني توقفت، توقفت بأعين مبهورة حينما سمعت إحتكاك الجاروف بالتابوت، إنه يريد إخراجي..
وفي لحظة فتح التابوت، و…..

كان هو نفس الملعون، وقبل أن انهض من رقدتي سقط فوقي وراح ينهش من جديد.. ينهش بكل بشاعة الدنيا، وأظلمت الدنيا تماما..

لا أدري كم مرة قابلته، المحيط والقبر والسماء والتابوت والغرفة والكهف، كنت كلما أفيق أجد نفسي في مكان ما، ثم اسقط فريسة بين يديه، ولم يكن يرحمني أبدا، أبدا..

لا أدري هل مرت سنوات أم قرون.. ولكني في النهاية أفقت، افقت لأجد نفسي في مستشفى، وما علمته أنني كنت في غيبوبة كاملة لستة أشهر كاملة، ستة أشهر ينهش فيها جسدي دون أية قيود تمنعه..

ولكني في النهاية خرجت، خرجت ولم أراه بعدها، ولكني خرجت مشوهة الجسد، مشوهة في كل مكان، عدا وجهي..

وبدأت الكارثة تضرب حياتي حينما بدأت بطني تكبر وتكثر فيها الحركة، وأدركت حجم الفاجعة وقتها..
أنا حامل، حامل من الشيطان نفسه..
أسبوعا واحدا سقطت فيه فريسة لألم لا يطاق، دماء تنزل مني واظافر تنهش في بطني..
حتى أنقضى الأسبوع وانتهك الألم الجهنمي كل ذرة في كياني، وقتها صرخت حتى نفذ الصوت..
ووسط الألم الهائل رأيت الطبيب يضرب على بطني ثم سقطت في قلب الظلام.. ولما افقت كان العالم كله يعلم بقصتي.. أسابيع كاملة وأعين العالم تلاحقني أنا والطفل الدميم..
ولكني أخذت الطفل وهربت، هربت حيث المقابر، قررت أن أدفنه حيث مكان أبيه، قررت أن أغلق تلك الصفحة إلى الأبد.

* * * * *

“في حادثة مريبة شهدتها مقابر مدينة ترانسلان، توفت الأم التي أنجبت الطفل البشع بطريقة رهيبة، حيث وجدها حارس المقابر ممزقة البطن فوق أحد القبور، وقد تعرفت السلطات عليها انها أم الشيطان، ولا ندري هل فعلها من حملته في بطنها أم كان شيئا آخر”

بعد سنة كاملة

“حوادث بشعة تحدث للسكان هنا في ترانسلان، لا يمر يوما إلا ونجد جثة ممزقة بطريقة وحشية، هل هناك حيوانات متوحشة قد غزت المدينة أم أن الأقاويل القديمة كانت صادقة، لقد قالوا أن الشيطان سيكبر وسينتقم، هل هذا من أفعال إبن الشيطان أم
أنها مجرد خرافة”
………..
تمت بحمد الله

……….
اهداء الى روح المغفور له بأمر الله الدكتور نبيل فاروق.
……….
اعمالي بمعرض القاهرة للكتاب 2021

إن الله سيبطله “رواية”

سلسلة مائدة الفزع
حتى زرتم المقابر “عدد أول”
الميتة والدم “عدد ثاني”

ويمكن طلب أعمالي من خلال صفحة ببلومانيا للنشر والتوزيع على الفيس بوك..
………

تاريخ النشر : 2021-01-18

guest
19 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى