تجارب من واقع الحياة

إنظار الانتظار

لا يوجد أصعب من إنتظار أشياء لم تكن من نصيبك وأنت لا تدري . فما أوجع أن تنتظر ولم ينتظرك أحد . إن الألم هو مواجهة كُل هذا بمُفردك .

إن السنوات تَمر والعُمر ينقص وأنا مازلت أنتظر شيئا واحدا فقط يُعيد لي حياة جديدة . لا أنتظر فيها شيء من أحد وأن أكتفي بذاتي وأتخلى عن من لا ينتظر وجودي .

أنا “ألين” وبالفعل لي حظ من معنى إسمي فأنا جميلة المظهر الخارجي وجذابة . وداخلي نقاء الروح وبهجتها . ذات الشعر الطويل والإبتسامة الساحرة . فالجميع يراني جميلة، وقال لي البعض إنهم عندما يتحدثون معي تهب لهم السعادة والأمل . لكن لم أظن كذلك لأنني أشعر أن ليس لي مكان في قلب أحد .

إقرأ أيضا : انقضى العمر .. وانتهى الانتظار

في المرحلة الثانوية أُعجبت بشاب وانتظرت إنه يُبادلني هذا الشعور ولكنه كان يُحب صديقتي . وفي المرحلة الجامعية انتظرت أن يعترف لي صديقي بحبه لي ولكنه لم يحبني من الأساس . ظللت أنتظر أن أكون المُفضلة لشخص واحد على الأقل ولكنني كُنت في خانة الإحتياط . انتظرت أن يُشاركني أحد أحزاني لينتشل من قلبي الوجع . لكن كُنت أنا فقط من أفعل ذلك معهم . فلا أحد يخاف على حزني ولا أحد يُقدر وجودي ولم يهتموا لغيابي .

ولكن تحقق انتظاري وهو إتمام الدراسة الجامعية، ولم أكن أدري أن هذا سيزيد من وحدتي وتعاستي . فأنا على الأقل كنت اجتمع مع زملائي لكن الآن أنا ليس لدي صديقة واحدة على الأقل اتحدث معها . لأنني كنت مجرد طرف من مجموعة زملاء .

ولكن كانت هناك بداية جديدة لتدخل الأمل في قلبي من جديد . وهو الحصول على وظيفة مرموقة وهذه الوظيفة كانت السبب في معرفتي بأصدقاء جدد . شعرت معهم بالود والاهتمام في فترة وجيزة . لم أكن أدري أن هذه الأفعال تكون لأجل غرض ما وهو أن أتحمل وظائفهم في غيابهم، وأن أفعل ذلك دون تقدير كأنه واجب عليّ .

وفي يوم شعرت بالألم والإرهاق ولم أذهب إلى العمل . كُنت أنتظر أن أخطر على بال أحدهم ويتصل بي . ظللت أنتظر مكالمة أو رسالة مكونة من حروف تجبر خاطري . ولكن جاءت الرسالة بعد عدة أيام ولم يكن لها فائدة بالنسبة لي . فليس الحروف هي التي تُبدل حزني وألمي سكينة وأمان، لأنها جاءت من أشخاص لم أكن في قلوبهم في يوم . ولأنها جاءت ليس للإطمئنان عليّ ولكن من أجل احتياجهم لخدماتي لهم . لم يتحمل قلبي العيش في تجاهل أو بين أحد لم يهتم بأمري ويعرفني من أجل شيء ما . فتركت العمل على الفور ولكن لم تتركني الهزيمة أمام ضعفي وإنني لم أتحمل هذا الشعور . وظللت أسأل نفسي لماذا لم يقدر أحد كم تضحياتي التي كانت من دون مقابل أو تقدير؟ .

إقرأ أيضا :محطة الانتظار

ولكني سرعان ما عثرت على الجواب.. إنني أعطي مثل ما أحصل لا أقل ولا أكثر . أن أرى مكانتي في عيونهم قبل أن أقدم أي شيء لأن إذا أخطأت لغة الأحرف لم تخطئ لغة الأعين . فالكلام في الكثير من الأوقات لم يكن لك بل لأجل شيء أنت تفعله لهم .

وقررت الذهاب إلى عمل جديد وبداية جديدة، كانت علاقاتي سطحية مع الجميع ولكني أتعامل مثلهم بكُل ود وتقدير . وحدث وأحببت لأول مرة ولم أنال حُبي، كان يُسمى “عصام” كان زميلا لي في العمل، جميل الوجه حسن الطبع . كان يُعاملني باهتمام غير الجميع . جعلني أشعر إنني مُميزة بالنسبة له، وهو من أعترف لي بحبه ومن اهتمامه لي جعلني أُحبه وأُحب حياتي معه . ولكن مع أول فرصة إختيار بيني وبين أن يُسافر للعمل بالخارج . لم يخترني بحجة إنه يحتاج إلى مستقبل جيد له . وقال لي انتظريني فسوف أعود بعد عام وأتقدم لخطبتك .

ظللت أنتظر منه رسالة ولم تأتِ . ظللت أتمنى مكالمة هاتفية لسماع صوته ولم يتحقق هذا . ذهبت لأسال أصدقائه المُقربين ولكني صدمت عنظ علمي إنه يحادثهم . قالوا لي أنسى كُل هذا الحب الذي كان مُجرد هراء لأن “عصام” سوف يتزوج من قريبته عندما يأتي، ويجب عليّ أن لا أنتظره .

لم أصدق هذا الهراء فإنني واثقه بوعود “عصام” . ولكن تجاهله لي وعدم التحدث معي كُل هذه المدة جعلني أتأكد من كلامهم . ومن هنا صُدمت صدمة أدخلتني في نوبة بُكاء وكاد قلبي ينزف وجعًا وينهش الألم الجسدي بي . سرعان ما ذهبت للطبيب النفسي وشُخصت حالتي بالإكتئاب . تركت العمل وكُل شيء ولم يدر أحد من عائلتي ما أمُر به من خذلان وفقدان الثقة بالنفس وبالجميع .

وبعد سنة وأنا مازلت أتعافى من لعنة حُبه مواجهة الخذلان والصدمة، علمت من موقع التواصل الإجتماعي من أحد الأصدقاء المُشتركين بيني وبين “عصام” إنه عاد من الخارج من مدة، والآن ينشرون التهنئة له بالزواج .

إقرأ أيضا : لقد كنت في انتظارك

عاد بي هذا الخبر لنقطة الصفر وكأنني لم أتخط كُل هذا الوجع، ظللت أُفكر لماذا أُحبه وهو لم يُحبني من الأساس؟، لماذا جعل شعور الوجع يُلازمني؟لماذا لم يهتم بأمري؟ . لماذا تركني من أجل شيء لم يكن من ضمن حساباته؟ . لمَ أخلف بوعده لي، أو لماذا واعدني من الأساس؟ . لماذا لماذا.. أسئلة كثيرة لم أُفكر فيها من قبل لأنني كُنت على أمل إنتظاره إنه سوف يَعود لي .

لماذا أُفكر فيه وهو لم أشغل تفكيره ليوم؟، لماذا أنتظر سماع أي خبر عنه في حين إنه لم يهتم بأمري ولا بشعوري عندما أعلم بخبر زواجه؟ .

علمت الاجابة وتأكدت الآن أن كُل الماضي كان مُجرد فترة وذكرى أليمة . أنا من جعلها تبقى وتحيا داخلي إلى الآن ولكن “عصام” سرعان ما تخلى وذهب وشعر بالحب لواحدة أخرى و أوفى بوعده لها وتزوجها .
هو معها الآن وأنا مع حزني!!

تأكدت في هذا الوقت أن هذا إنظار لكثرة إنتظاري لأشياء لم تكن لي من البداية . وكانت واضحة كُل الوضوح وأنا من غامرت بوقتي وشعوري وتفكيري بشيء ليس لي . ومنذ ذلك الوقت أصبحت إنسانة جديدة وذهبت لعمل جديد وتقدمت خطوات كثيرة للأمام . أصبحت اختياراتي وتفكيري مُختلفة فلم أسمح أن يبقى من العُمر شيء واحد فقط لضياعه في الإنتظار .

إقرأ أيضا :في انتظار السعادة

ولكن حدث ما لا أتوقع حدوثه، لأن كُل ما توقعته لم يتحقق . عندما أخفيت من عقلي وعالجت جرح قلبي أصبح الحُب آخر أولوياتي . والآن أقول جاء الحُب الذي كُنت لا أنتظر حدوثه . جاء “فريد” في حياتي وكان فريدا من نوعه بالفعل كان مُختلف؛ صادق؛ مُميز؛ وسيم للغاية . أحبني بصدق وجاء لخطبتي و أوفى بوعده لي وتزوجنا.. تحولت حياتي إلى سعادة لم تكن في بالي ولا تخطيطي .

جاءت زميلة لي قديمة لتهنئتي على زواجي وقالت لي أن “عصام” تدهورت حالته المادية والنفسية وإن زوجته تركته وانفصلت عنه . أوقفت كلامها لأنني لم أهتم بأمره ولم يخطر على بالي من الأساس . ولكني عرفت أن الزمن يدور وأن كُل ما جعلت غيرك يشعر به سوف تشعر به مهما مَرت السنين . وشكرت الله على إختياره لي فأنا كُنت أظن أن نهاية العالم بفقدان “عصام” ولكن بفقدانه رأيت العالم يزهر من جديد . ورأيت “فريد” الذي غير مجرى حياتي وجعل السعادة في عيني وجعل قلبي ينبض بحبه . تأكدت أن كُل شيء يجب أن يأخذ حقه سواء كان الإنتظار أو الوجع أو الفرح . فكُل هذا شعور بيدك أنت تجعله يُسيطر على حياتك لأيام وسنوات قادمة . تأكد أن إرادة الله فوق كُل شيء وأن إذا الآن بي وجع فالقادم أجمل أيام .

التجربة بقلم : رنا سيد

guest
48 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى