أدب الرعب والعام

إنقراض فريد

بقلم : عطعوط – اليمن
[email protected]

في زمن  كان فيه،
البشر تنهش البشر.
ألأكبر يأكل ألأصغر.
أنقطع قطرالسموات،
فأكل الاحياء ألأموات.

وتعددت الحكايات:

اخترنا لكم حكاية فريد بالذات:

في شمال القارات.
لم تكن حينئذ قد عُرفت،
زراعة الحبوب، والغلات.
كان مصدر الغذاء،
لحوم الحيوانات،
وثمار النباتات.
الا انه خلال حقبة،
حدث قحط طال آمده،
يبست الاشجار، وانعدمت الثمار،
وبدأت الحيوانات في الانحسار.
عمت المجاعة، كل الانحاء،
بعد ان أقلعت السماء.
انعدم مصدر الغذاء،
نفقت الحيوانات،
على اثر جفاف المراعي والغابات،

في هذه الاثناء

غزتهم سلالة، كانت قد ابتكرة ألآلة،
وادخلتها في كل امور الحياة،
ففلحت، وبذرت، و رحت، وسنت.
فحل جهد ألآلة، محل جهد العضلة.

ظهر الغازي الجديد، مئتز بقوة الحديد،
من سيوف، و دروع، ورماح وسهام.
لم يستوعب العقل البدائي، ما هو قادم،

كانت الهوة، بفارق القوة.

استحال التزاوج والتأقلم،
وساد ألاستنفار، والتشرذم،
فكان سقوط سهم بينهم، كفيل بتشتيت شملهم.
تركوا مواطنهم
فولوا الادبار، ولاذوا بالفرار،
متواريين عن الأنظار.

تكتلوا في كيانات، و جماعات،
واتخذوا من الكهوف مقرات.

واستمروا بالانحسار،
من واد لواد و من غار لغار.

في الكهوف انحشروا،
ولبعضهم آكلوا،
حتى انقرضوا.

من أجل البقاء،
حدث صراع مخيف،
آكل فيه القوي، الضعيف.

حيث جرة العادة،
ان يبدأ بآكل ألأصغر، ثم الذي يليه،

وهكذا
حتى ينفرد، الآباء، والآجداد، بالبقاء.

وفي ظل هذه الظروف ،
لجأت إسرة فريد الى احد الكهوف،
مثلها مثل سائر الاسر،
كي تحمي صغارها من آكلي لحوم البشر.
كانت الغارات على الكهف تتكرر،
بين الحين والآخر،
الكيان الاكبر، يهاجم الكيان الاصغر،
وفي كل غارة، يبطشون باحد افراد العائلة.
يشربون دمه، ويمضغون لحمه، ويتقاسمون اشلائه،

أوشكت العائلة على الفناء.

كان فريد هامة من الهامات،
قوي السواعد مفتول العضلات،

انتفض و ارتجف، ثم وقف،
فقال بعد أن رآى،
من حوله مقبلون،
على آكل اخته ، الصغرى:
إني افضل الموت في العراء،
على البقاء هناء.
فأحدنا يآكله ألأعداء،
بينما نلتهم نحن من تبقى.
ردوا:
كلامك لا يعنينا، وعن طعامنا لن تثنينا.
ألم تشاركنا أكل صغارنا،
وحين آتى دور اختك،
ها انت تصدنا!
سمعت اخته عزة ما دار،
فأرتعبت،

ارتمت في أحضان امها،
طالبة شفاعتها،
بلا جدوى.

ثم بأباها أستجارت،
فركلها الى الحلبة بجسارة.

تجمعوا حولها، كما تتجمع الجراء حول جيفتها.
استبسل فريد في الدفاع عن اخته،
حملها على ترقوته، ممسك فأسه بيده.
ثم فر بها من الكهف مسرع،
صاعداّ تل مرتفع.

صاد أرنب،
جمع الحطب، اشعل اللهب،
شويا، وأكلا،
ثم حثى الخُطى.

وبعد أن اجتاز السهول والجبال،
عثر على عين ماء، بين تلال.

شربت اخته، فساخت، ونامت،
فلف ودار.
يستكشف المكان،
إن كان يتوفر فيه ألأمان.

بعد برهة عاد،
أيقظ اخته من الرقاد.

سمعا آنين، مرتفع،
آت من خلف صخر، متصدع.

تتبعاه،
فإذا بأسد ممتد قفاه،
خائرة قواه.

اقتربا،
فشاهدا صديد على نحره،
يسيل من ورم في كتفه،
هز ألأسد رآسه،
ورمش بعينه.

قال فريد: انه يستغيث آلا تريه،
سوف نحضر الوقيد نكويه.
ردت: في ذلك هلاكنا،
إن شعر بحرق الكي بطش بنا.

– لا تخافيه.
انت راقبيه!
متى ما كشر نابيه،
انفشي الجمر عليه.

وضع الفأس على الوقيد
حتى أحمر،
ثم كوى الجرح بحذر.

آن ألآسد، آنين موجوع،
ذارفآ من عينيه الدموع.

بقيٌ على حاله مجندل، لم يتحول، أو يتبدل.

على التل، وجد فريد بعض الضان،
سلخ احداها، وجلبها الى المكان.

شوى منها ما طاب على الصفيح،
وأعطى الباق للآسد الجريح.

بقي على هذا الحال، عدة أيام وليال.

استعاد ألآسد عافيته،
فنهض من مربضه.

زأر،  ودار،
ثم انطلق مثيرا للغبار.

عاد حاملآ بين فكيه
غزال عتيد،
ألقاه
جوار الوقيد.

غشاهم إستبشار،
فقد وجدا من يدفع عنهم،
الأخطار،
بل ويطعمهم،
ليل نهار،
لم يعد عليهم سوى إشعال النار.

آكلا فشبعا، وعلى الارض اضطجعا.

أستيقظ فريد، تلفت حوليه،
فشاهد ألآسد، باسط ذراعيه.

أمسك فأسه،
فهز ألأسد رآسه،

معطيا إشارة ترحيب،

قال في نفسه: هذا أمر عجيب.

بحثا عن ماوى، 

فعثرا على مغارة، قرب عين الماء،
فأتخذا منها مثوى.
اهتم بالشاة،
الضالة،
تعهداها بالرعاية،
فتوالدت وتكاثرت.

قالت عزة:  لابد أن نعود،
الى الكهف المعهود،
سنصطحب ألآسد،
ربما لايزال هناك أحد!.

استحسن فريد الفكرة،
انطلقا في الغدوة،
وإلى الكهف كانة الوجهة.

كان ألاسد يمشي، خلفهم،
ظريف،
كأنه كلب أليف،
لم يعد شكله مخيف.

كان موكب يخطف ألأبصار،
من رآهم لاذ بالفرار.

إثنان من البشر،
يذودان غضنفر.

أجتازوا الفيافي والقفار،
اطلوا على الغار، آخر النهار.

فشاهدوا على بابه،
بشر حُفاة، عُراه،
شاغري الأفواه،
يحثون الطلب على إلتهام ما حواه.

زآر ألأسد و زمجر،
ففر آكلي لحوم البشر.

لم يتبقى في الكهف سوي
إثنين اخوة،
رجل و فتاة،
إلى جانب امه، وأباه،
بالإضافة لعجوز عرافة.

والجماجم والعظام،
حول الكهف أكوام.

استبشروا بقدوم حضرته،
إلا أنهم أرتعبوا لما رآوا،
الاسد برفقته.

فقالوا: آكلتنا البشر،
وها أنت أتيتنا بالغضنفر.

رد: إن أردتم ألآمان،
لحقتم بنا ألآن.

ساروا و ألآسد حولهم يحوم،
فتوارى آكلة اللحوم.

إلى المغارة عادوا،
أستوطنوا، فبنوا وشيدوا،
في واد خال، متشعب الادغال.

تقاسموا المهام، فكان من نصيب شقب، جمع الحطب، وإشعال اللهب، وعلى نصار، حماية الدار،
وتقوم العرافة، بأعمال الغزل و الحياكة،
وأُوكل إلى عزة، رعاية العجّزة،
بينما تولى فريد صيد الغزلان،
ورعاية الشاة، و الضان،

اينما ذهب، كان ألآسد يرافقه،
علا شأنه وذاع سلطانه.
تكاثرت ألأغنام تكاثر سريع،
في ظل حماية ألآسد الفظيع.

لم تفترسها وحوش البر،
ولم تطلها آياد البشر.

طلب نصار من فريد:

أن يعطيه من ألأغنام ما يكفيه،
وأن يساعده على بناء دار تآويه.

لبى فريد طلبه،
فآزره في بناء داره.
وبعد أن أتم
شطر القطيع شطرين،
وخير نصار احد ألإثنين.

ذاد نصار احداهن مع اخته، وبدأ مشوار حياته.

كان هناك سوء علاقة،
بين شقب، و العرافة.
دأبت على التنقل بإستمرار،
بين داري فريد و نصار.
مرة ألأيام وساد الود والوئام.
تزوج نصار بعزة،
فخلف
من البنون عشرة، ومن البنات عشرة.
وتزوج فريد بشقب، حمالة الحطب،
فلم تلد، ولم تهب.

قويت شوكة نصار،
بعد أن صار له من ألآبناء ما صار.
إلا أنه حيال فريد، لا يبد ولا يعيد.

طلب نصار من العرافة، أن تساعده على تبديد مخاوفه.
وأن تاتيه بأسد غابة، لا يخشاه ولا يهابه.
ردت: أما ألأسد فلست له،
واما فريد سأجفف نسله.

جمعت العشب وإلأوراق،
فصنعت سم معدوم الترياق.

دخلت على حين غفلة،
مخدع العجزة،
متقمصة صوت عزة.

أسقتهم الحليب المسموم،

آتت عزة من دار نصار،
لا تعلم بما جرى وصار.

فقال فريد: ويلك! ومن يكون غيرك؟ سم أباك وامك!.

ها هو أبي يتلوى.
سآذهب للبحث عن دواء.

عاد خالية يداه،
فوجد  امه، و أباه،
قد فارقا الحياه.

شعر بالوحدة، بعد أن انقضى جُل عمره.

انفردت العرافة بعزة،
أبلغتها حزنها الشديد،
على ما آل إليه حال فريد.

سألتها عزة: هل بيدك حيلة؟

ردت: يسعدني رضاك،
إن طلب ذلك أخاك.

فلدي عقار أعشاب،
ربما ساعد على ألإنجاب.

ذهبت عزة إلى فريد،
حاملة الخبر السعيد.

شاركته التأسي، وذكريات الماضي.
ثم قالت:تناول هذا العقار يا آخي،
لعل كربك أن ينجلي.

كانت العرافة، قد اعطتها ذبل أرنب،
فجف صلبه وتصلب.

مضى زمان وعدى،
لا فائدة ولا جدوى.

كان نصار قد وقع،
في براثين الجشع، والطمع،

فقال للعرافة:
أن مصدر قوة فريد،
بطش ألأسد الشديد.

إن فرقتِ بينهما،
سوف اعطيك المزيد والمزيد.

فمكرت العرافة،وكادت،
فكان لها ما أرادت.

مستغلة حاجة فريد للولد.

ذات مساء، اتته إلى مخدعه،
في حفنيها بعض صدف البحر،  وودعه.

قرأت الكف والمندل،
ثم قالت على عجل:

إن كنت تتوق للولد،
آكلت قلب أسد.

سمعت شقب ما دار،
فطلبت من فريد تنفيذه بإصرار.

بحث فريد عن أسد،
إلا أنه لم يجد.

بعد فترة،
عادت العرافة.

سألت شقب: آلم يحصل فريد على ما طلب!.
ردت: يئس بعد أن كل ومل،
البقاء معه لم يعد يحتمل.

– اليس ألآسد في متناول اليد!
لماذا تبحثون عن الابعد.

بُهتت شقب وتعجبت أيما عجب،
وتعوذت من شر منقلبٍ إذا أنقلب.

فقالت: ماذا دهاك، هل تأكلين قلب آخاك!.
لولا ألآسد، فلم يكن منا احد.

تركتها العرافة، بعد ان صدتها،
فتوجهت نحو فريد لإكمال مكيدتها.

فقالت: عمرك انطوى،
أوشكت على الفناء،
وليس لك أبناء.
لن تخلف من يحمل إسمك،
فقد يجف نسلك.

خيرتك. وعليك أن تختار،
بين ألأسد، وألإبن البار.

شهق فريد و زفر،
ضاق و تحسر،
إلا أنه وبعد عتب،
أذعن لمطلب شقب.

فأنشد العرافة بقوله: يا من فقدت العز،
كيف لك ان تأت بعز.

فأنشدته: كان لي بعل فمات،
انطوى العمر وفات،
لا بنين ولا بنات،
لب نفسك يا فريد، بالحفيدة و الحفيد،
ينقص العمر او يزيد.

وبعد ان رآى، فريد من العرافة ما رآى.
قال:
لكني على ألأسد لا أقوى، فمن ينتزع عنه القلب والشوى.

اتته العرافة بالحيلة
فقالت:عليك بإشعال النار حول مربضه.
متى ما اتى وصعد،
قل له:إقمر يا أسد.
خرجت العرافة، شاعرة بالإنتصار،
بعد ان بثت فيهم العزيمة وألإصرار.

فقابلت ألأسد آت بين الدارين،
أنتشلها فقصلها نصفين.
التهمها في مجرى ساقية،
لم يبق منها باقية.

بعد أن بذرت،
بِذرة شتات الشمل،
غدت، و بقت، مكيدتها،
تدب، دبيب النمل.

لم يعلم أحد قط، بأن ألأسد قد قطها قط،

بادرت شقب، بجمع الحطب،
طالبة من فريد إشعال اللهب.

كان امام المغارة صخرة،
ملسى مدورة،
مبعوجة،
يآتي اليها الاسد
بإستمرار،
يربض عليها
مستقبل أشعة الشمس آخر النهار.

جلس فريد جوارها محتار،
بعد أن لف حولها ودار.

فبادر بإشعال النار،
أستعرت طوال النهار.

اضحت الصخرة جمرة،
النار عنها أُخمدت،
و من حولها الوقيد أُزيحت.

آتى مع المغيب ألأسد،
وعلى الصخرة صعد.
أحترق فأرتد،
فقال فريد: إقمر يا أسد!
فعاد وصعد،
ربض وأقمر،
حتى أشتوى وأستعر.
اغمض فريد عينيه،
من شدة حزنه عليه.
بينما بقت شقب ناظرة إليه.

ماتت الوقيد بموته،
فبادرت شقب بشق جوفه،
فاخرجت قلبه.
حملته إلى فريد،
فقالت: هاك قلب ألأسد، كُله كي نرزق بولد.
هيا لا تتردد.
لم يرد
– كررت
– لم يجب.
دارت الى امامه.
فوجدته قد فارق الحياة،
بارز اللسان مقلوب الشفاه.
حزنت لمصابها،
فاعتلت صحتها وقضت نحبها.

وبعد هلاك الاسد الكرار،
توالت غارات الاشرار على الغار،
أفترسوا عائلة نصار،
لم يدعوا منهم على قيد الحياة ديار.

وهكذا انقرض فريد، واندثر،
بعد ان خان الغضنفر.

فظلت قصتهما تتواتر:

وفاء غضنفر
وخيانة بشر

انتهى ومن يحب النبي صلى…

الفهد

اليمن . للتواصل مع الكاتب : [email protected]
guest
37 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى