تجارب من واقع الحياة

إنها حقاً أغلقت !

بقلم : ميس – سوريا

هناك مئات السلاسل تلتف حول عنقي

 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، تحية محملة باعبق روائح أريج الورود الزاهية مقدمة لكم أيها الكابوسيون الأعزاء ، في الحقيقة كنت قد قررت قبل شهر من الآن أن أكتب هذا المقال ليس في هذه المدينة ، أو في منزل إخوة أمي تحديداً بل حيث منزل عائلة أبي في العاصمة ، ولكن تشتهي النفوس أشياء قد تكون حرمت عليها لأجل غير مسمى ، لقد لاحظت بأن أغلب المقالات التي أكتبها حول حياتي البهية تبدأ إما كنت أمني نفسي أن أفعل كذا ، كنت قد قررت …. ومن هذه الكلمات الرتيبة التي اعتادت أناملي تسطيرها حقاً بدأت أشعر بأن جميع الأبواب أغلقت أو أنا التي أغلقتها بنفسي ، على كل فإن هذه كلها أقدار اخترناها بأنفسنا لم يجبرنا عليها أحد وها نحن نجزع من شيء اخترناه بأنفسنا فكيف بشيء قد نُجبر عليه ؟ شيء يفوق طاقة تحملنا البشرية ،

سأبدأ بسرد المشكلة الجديدة التي ظهرت على قائمة المشاكل الخاصة بالصغيرة ميس بظهور مميز وبراق ولظني بأن هذه المشكل ليست سوى شيء متفرع من مشكلة حقيقة كبرى ، حقيقة هذه المشكلة كانت الفاصلة بين خيط الجنون الوحيد المتبقي في رأسي الأحمق وها هو قد قطع وأصبحت مجنونة بشكل كلي والمشكلة الأعظم هي أن في هذه المدينة لا توجد مشفى مجانين – مع احترامي الفائق لكم – صدقوا أو لا تصدقوا لقد أجبرت أمي على سؤال الصيدلي عن مشفى مجانين أو حتى عن أطباء نفسانيين المشاكل في الفترة الأخيرة في تزايد ملحوظ و كأننا في سباق ماراثون للمشاكل ، هذه المرة وصلت حتى لخالي الذي يعتبر الأوسط ، سابقاً أمي كانت لا تريد إشراكه في هذه المشاكل العقيمة ؛ بسبب زوجته لكن الآن المشاكل فاقت شيء يسمى سباق الماراثون ، في بدايات الشهر الثامن من هذه السنة المنحوسة تخطت المشاكل سباق الماراثون العظيم ، تحديداً في اليوم العاشر أتى خالي الأصغر وأخبرنا جملة وتفصيلا :

– جهزوا أمتعتكم لقد انتقلنا لبيت جديد .

هذه الجملة الوحيدة التي قالها دون سابق إنذار بوجه منذر بشر مدمر ، ما هو الشيء السيء في هذه الجملة ؟ هكذا تتسائلون ؛ لأنني سبق وقد قلت لكم بأن ذاك المنزل يصلح لمسكن دائم للجرذان والعناكب والصراصير ، والله أفضل العيش معهم على العيش مع المسمى بالخال ، حسناً سأدع أمي تجيبكم كما أجابتني قبلاً :

– يا ابنتي إن سبب المشاكل هو في إيجار المنزل الجديد ، وأجرته تضاهي الخمسون ألف ليرة سورية فلو تقاسم أخوالك الآخرين ودفعوا له الأجرة عنا لربما انحلت أغلب مشاكلنا ، فالبخل لطالما أفسد بيوت عز وكرامة .

هذا ما أجابت به أمي وطبعاً إخوة أمي لم يدفعوا له فلساً واحداً رغم تأكيدهم على الأمر جراء إصرار أمي على العيش منفردة متعللة بأن أهل أبي سيتكفلون بأمر إيجار البيت ، فجاء ردهم وبالأخص ذاك الذي يعتبر الكبير في هذه المدينة :

– أجل .. أجل أعلم وهل هم يستطيعون إطعام أنفسهم ليدفعوا لكم بالنقود ، ثم إنك امرأة وهذا البلد لا أمان به لا تستطيعين العيش بمفردك .

من أسلوب كلامه توضحت السخرية والله هذا ما قاله حرفياً ، إنني أتذكره حرفاً حرفاً وكلمة كلمة ، هذا الرجل المُسمى بالخال والأخ سقط من عيني كثيراً ،  أخال يقول عن طفلة لم يتجاوز عمرها الثانية عشر :

– أعرف .. أعرف إن ابنتك ساقطة وقليلة أدب .

أيسمون الحق  سقاطة وقلة أدب ؟ الجميع يتغنى بأدبي من معلمات الابتدائي حتى الإعدادي ولا أقول هذا غروراً ، هذا عندما فقط سألني أخى أمي الأصغر سؤالاً فرفعت رأسي أريد إجابته حتى إنهال علي بالضرب وهو يقول لا تنظري لي هكذا .

أقسم إن نظراتي لم تكن شزراً أو زوراً بل نظرات عادية ، عندها انفعلت وقلت بحدة :

– أنت لست رجلاً .

رددتها حتى أصبح وجهي دامياً و يداي تملؤها الجروح ، هذه الكلمة لن أتراجع عنها ، نعم إنه ليس رجلاً ، ليس رجلا من يتعدى على من هو أضعف منه فكيف بطفلة وامرأة ؟ حتى أمي نالت نصيبها من الضرب ، الشيء الآخر الذي سقط من عيني هو الجيران ، صرخت بأعلى صوت امتلكته في حنجرتي مستنجدة بهم لكن هيهات ، لا من مجيب ، البناية لا يوجد بها سوى منزلنا ومنزل الذي تحتنا ، أين هي نخوة العرب ، أين هي شهامتهم ، ماذا لو كانت قضية اغتصاب ؟ أو حتى قتل ؟ هل سيشاهدون المسرحية بأعين متلهفة ليروا هل سينتصر الخير أم الشر ؟ بعد عذاب دام اثنا عشر عاماً اتخذت خطوة تندمت عليها أشد الندم ، الناس تنقشع أقنعتهم تدريجياً ، لقد أعلمت عمتي الكبرى بمعاناتي ، ماذا كان جوابها ؟ ضحكة ،  ضحكة لا أعلم إن كانت شماتة أم ماذا ؟ ثم قالت ببساطة :

– ما العمل إذاً ؟.

أردت قول :

– إما حرقكم ودخول سجن الأحداث أو حرقكم وحرق نفسي بعدكم ، وفي كلا الأمرين موتكم ، إلا أنني آثرت الصمت حتى قالت : أنهم فعلاً كانوا سيأخذوني رغم تعلق أمي بي و رفضي ، أتذكر قبل ستة أعوام أخذني أبي إلى عمتي هذه أسبوع وبعدها تفاجأت بغمضة عين عدت لأمي كيف ؟ لا أعلم ، رغم أنني لا أتذكر بأني رفضت بل عكساً عن ذلك فقد كنت أظن بأن أمي ستوظب ثيابها ثم تتبعنا ، لطالما كان إخوة أمي يقولون لي بأني لو مت فلن يتعرف علي أحد من عائلة أبي حتى زوجات إخوة أمي قالوا هذا ، لكن حتى آخر رمق لدي أدافع عنهم متعللة لأتفه الأسباب حتى بعد أن سقطوا من عيني لا أزال أدافع عنهم ، لماذا ؟ بكل بساطة لأنهم عالوا علي لا عليهم ، أنا الوحيدة التي سوف تعاتبهم ، سوف تنكرهم ، أنا هي الأحق بكل شيء يخصهم ، تفكير ساذج ، نحن الآن في الشهر العاشر ولا أزال مقيمة في منزل إخوة أمي فبعد تهدئتي بتلك الكلمات التافهة تبين أثر ضغط أمي عليهم ؛ بسبب أني أهملت دراستي و أصبحت كثيرة التغيب حتى أوشكت المدرسة على فصلي تبين أن أمر خلاصي من الجحيم في منزل إخوة أمي يحتاج عصى إحدى ساحرات القرون الوسطى

حتى بعد إدراك بأن الذهاب حيث منزل عائلة أبي أمراً مستحيلاً أجبرت أمي بعد مد وجزر بسؤال أحد المحامين عن بعض الأسئلة القانونية أحدها عن النفقة في ظل غياب الأب ؟ وكان الجواب بأن عائلة الأب ليست مجبورة على شيء من ناحية الإيواء والنفقة  ، جيد لكي لا يردد أمامي إخوة أمي العقلاء :

– نحن لسنا مجبورون بها إنها ابنة غرباء أهل أباها أحق بها .

والسؤال الأهم بأن لا عقاب لمن يمارس العنف الأسري على الأطفال جراء انفصال الزوجين وعيش الأطفال في كنف الأم وبالتالي إن الأم تعيش بمنزل عائلتها في حكم المجتمع الشرقي ، الحل الوحيد هو زواج الأم ، إذن الأمر يتعلق بالزواج وهذا إن حدث وتزوجت الأم وقبل الزوج المحب بإيواء الطفل ، ولعمري كلمة زواج المؤلفة من أربعة أحرف أبجدية عربية هي أكثر شيء أكرهه في قاموسي ولا تسألوني لماذا ؟ فلقد عشت و رأيت مختلف الأعراق والأجناس وعرفت أن الجميع يبدأ بكلمة زواج .. ثم ماذا ؟ هذا دائماً ما يحدث الجميع يريد علاقة عابرة – مع احترامي الكبير لرواد موقع كابوس ومشرفيه ومحرريه وجميعاً – إنني أتحدث عن الذين عايشتهم بحكم أن أمي لا تذهب دون جرها لي كظلها حتى عند هذه النقطة لم أيأس حتى بعد معرفتي أن القانون لا يحميني ويحمي أمثالي ، بحسب شرح المحامي لي ، لجئت للمنظمات واكتشفت أن المنظمة المسماة (حقوق الطفل ) لا تفيد ، إنما فقط تقوم بإعطاء دورات للطفل حول كيفية التعامل مع أمثال خالي ، هذه هي جمعية حماية حقوق الطفل ، وهذا هو القانون ، إذن ما العمل ؟.

أنا أقول لكم :

– الأبواب جميعها أُغلقت  ، هناك مئات السلاسل تلتف حول عنقي ، قلبي تسحبني للقاع لا أستطيع أخذ جرعة أكسجين نقية ، قبل ثلاثة أسابيع دخل أخ أمي للغرفة هجوماً وكأنه من قوم يأجوج ومأجوج أو أفظع مطالباً بمفتاح الغرفة ، ففتحت فقط فمي لم أكد أخرج أول حرف حتى دفعني للوراء آمراً إياي بإعطائه مفتاح الغرفة ، لقد كنت أريد فقط قول كلمة واحدة لكن لقد نزلت الدموع بدلاً من الكلمات حينها فقط ، لم أشعر بأي جرعة أكسجين نقية كانت أو ملوثة أقسم إن الهواء لم يعد يصل لرئتي وأصبحت أشعر بانقباضات في قلبي ، لم أكتفي بهذا بل لطمت نفسي ونتفت شعري لأني بكيت أمامه ، أعلم أن مثل هذا التفكير لا يمكن لطفلة مثلي في التفكير به ، كل ما أفكر به حالياً هو قتل عائلة أمي ثم قتل نفسي ، أجل هذا هو التفكير الذي يسيطر على أبسط مقومات الحياة للعيش بها هي الخصوصية ، ونحن لا نحصل عليها مفتاح الغرفة ماذا يفعل به ؟ لا تسألوني عن الطريقة التي سأرتكب بها الجريمة ، فكل شيء فكرت به بل أصبح يأتي لي على شكل كوابيس ، أرجوكم أخبروني أين المفر بعد أن تخلت عنك عائلتك حتى أمي أصبحت تقول لي :

– أنا لا أريدك ما الفائدة من ابنة لا تدرس ؟.

حتى وإن كان الأمر ليس على محمل الجد ولكن أنا عقليتي البسيطة تحسبه جداً ، أنا لي كرامة ولن أتنازل عنها ما حييت ، حتى وإن كنت طفلة عديمة النفع لا تفقه شيء ، أنا حقاً بحاجة للمساعدة هذه المرة ، تارة أفكر بأن أضع نفسي في مصحة وتارة في دار أيتام وتارة أرى العناوين تملئ جرائد سوريا حول انتحار طفلة لم تكمل عامها الثالث عشر بعد قتلها لعائلة أمها .

آه .. وأسفاه على حياة خلقت لنعبد خالقها ونستمتع بدفئها الزائل عوضاً عن ذلك نقوم باختلاق آلاف المشاكل التافهة ، أطلب المساعدة منكم وقد ضاقت بي جميع السبل أو أنا التي ضيقتها على نفسي أريد فقط نصيحة ترمي لي بشبكة لإنقاذ من غرق محتم ، شكراً لكم لاقتطاعكم جزءً يسيراً من وقتكم الثمين لقراءة مقالي ، جزاكم الله كل خير وجعل ذلك في ميزان حسناتكم و رزقكم جنة الفردوس الأعلى بإذن الله تعالى ، جزاكم الله خيراً .

تاريخ النشر : 2019-10-18

guest
30 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى