منوعات

اسرار وغرائب من الجزائر (3)

بقلم : نور الهدى الاخضرية – الجزائر


للتواصل : [email protected]

بعد رحلتنا الاولى والثانية في قارة الجزائر المتنوعة، سنكمل اليوم رحلتنا الثالثة والاخيرة واتمنى ان تستمتعوا بها فلنبدأ رحلتنا .

جبل يما قوراية :


تبدا رحلتنا من المناطق الساحلية الوسطى وبالظبط ولاية بجاية العريقة والتي تبعد عن العاصمة ب 250كلم. وقد كانت بجاية عاصمة الدولة الحمادية قديما وبها اثار عريقة لل حمادية، كما تحتوي بجاية على شواطئ يلتقي فيها الرمل مع الغابات الخضراء، دون ان ننسى قمة رأس كاربون العالية والتي تخترق مياه البحر المتوسط لكن لا احد يزور بجاية دون ان يمر على جبل يما قوراية، وكلمة يما معناها امي باللغة العامية، وهذا الجبل الذي يرتفع عن سطح البحر ب 675 متر يعتبر حارسا للمدينة حيث تدور حوله الاساطير الشعبية، وهو يقع ضمن محمية طبيعية ويتطلب الوصول الى قمته 5.5كلم سيرا على الاقدام، حيث تمتد طريق طويلة ومرصوفة بالحجارة الى اعلى قمته وسط مناظر خلابة للغابات والبحر والصخور العالية والمنارة الكبيرة ايضا. لكن لماذا يتحمل الناس مشقة صعود هاذا الجبل؟ اليكم القصة ..

blank
إطلالة ساحرة من اعالي جبل يما قوراية


في قمة الجبل يتواجد قبر لامرأة دارت حولها الاساطير والحكايات دفنت منذ زمن بعيد جدا، الاسطورة الاولى تقول ان القبر يعود لامراة صالحة متعبدة من اولياء الله الصالحين منذ 429م بعد الغزو الوندالي لبجاية والتي كانت تسمى صلداي في ذلك الوقت وكلمة قوراية تعني الجبل الصغير باللغة الوندالية ولان هذه المرأة الصالحة دفنت هناك فقد سميت يما قوراية أي أم الجبل الصغير، ويقول سكان بجاية ان الاسطورة تقول ان للمدينة 99وليا صالحا اخرهم امراة هي يما قوراية ويعتبرونها امهم التاريخية، وتحول قبرها الموجود اعلى قمة الجبل الى مزار يزوره السياح والناس حيث تشعل الشموع ويتصدقون بالمال والطعام .
اما الاسطورة الثانية فتقول ان يما قوراية لم تكن امرأة جزائرية بل امرأة اسبانية جاءت الى الجزائر مع الاحتلال الاسباني سنة 1510م لكنها تحولت الى مناهضة للاحتلال ودخلت الاسلام وشاركت السكان في مقاومة الاحتلال الاسباني ومنه سميت بحارسة بجاية وكرمها السكان بعد وفاتها وتم دفنها في قمة الجبل.
اما الرواية الثالثة فتقول ان للاسطورة بعدا عاطفيا حيث سميت يما قوراية بالمراة العاشقة، حيث انها كانت فتاة يتيمة تعيش في احدى القرى ببجاية مع والدها الذي اراد تزويجها برجل لا تعرفه دون رضاها فلجأت وهربت الى اعلى قمة الجبل للاحتماء وهي تتضرع الى الله ان يخلصها من ذلك العريس وبقيت في الجبل الى ان توفيت ليتحول الجبل الى مزار يحمل اسمها.
اليوم جبل يما قوراية يحوي الكثير من الحيوانات النادرة وبحيرة كبيرة وغطاء نباتي كثيف ونادر ومناظر ساحرة.

مدينة الالف قبة وقبة :


ننتقل الان الى الصحراء الجزائرية الشاسعة وبالظبط مدينة وادي سوف او مدينة الالف قبة وقبة على الحدود مع جارتنا تونس. هذه المدينة التي تقع على بعد 650كلم جنوب شرق العاصمة، ورغم طابعها الصحراوي، الا انها مشهورة بانتاجها الغزير لكل انواع الخضر والفواكه وحتى الاستوائية منها حتى سميت بعاصمة الثورة الخضراء، لكن الزائر لهذه المدينة يشده منظر آخر وهو انتشار القباب في كل مكان وفي كل بناء. فالمنازل والمدارس والدوائر الحكومية ومراكز الشرطة والمستشفيات والمحاكم كلها تحتوي في هندستها على نفس الطراز وهو القبة، وايضا تتزين معظمها باشكال الاقواس. فالزائر الى المدينة يندهش من طابعها العمراني الفريد من نوعه، وقد بدا انتشار هذه القباب في المدينة في منتصف القرن التاسع عشر حيث تزينت بها كل البيوت والبنايات. ولهذه القباب فوائد كبيرة للبيوت والعمران الصحراوي عامة وليس للزينة والجمال فقط. فشكل القبة يساعد على تبعثر اشعة الشمس الحارقة وعدم تمركزها في منطقة معينة والتخفيف من حدة حرارة الشمس.

blank
مدينة الالف قبة وقبة

كما ان مناخ المدينة الصحراوي تكثر فيه الزوابع الرملية وتطاير الرمال، و القبة تمنع تجمع وتراكم الرمال على سطح الابنية بل تنساب الى الارض وبالتالي حماية البيوت من تراكم الرمال وثقلها وتعشيش العقارب فيها ايضا. لقد كان اول من سمى مدينة وادي سوف بمدينة الالف قبة وقبة هي الرحالة والمستكشفة الروسية السويسرية ايزابيل ايبرهارت والتي جائت الى الجزائر وعاشت فيها كباحثة ومؤرخة، لكن عند وصولها الى مدينة وادي سوف فتنها منظر المدينة الصحراوي الهادئ بطرازه الفريد فاطلقت على المدينة اسم مدينة الالف قبة وقبة ومازالت، الى اليوم تسمى بهاذا الاسم.

إقرأ أيضاً .. اسرار و غرائب من الجزائر .. هل عاشت الديناصورات فيها ؟


القبور السبعة العملاقة:


سنبقى في الصحراء لكن هذه المرة الى غرب الصحراء الى مدينة بشار الحدودية مع الجارة المغرب، حيث تقع واحة في قلب الصحراء تسمى واحة تابلبالة وهي اليوم مدينة يقطنها الكثير من السكان وهي تبعد عن عاصمة ولاية بشار ب 400كلم. طبعا فالمدن في الصحراء متباعدة جدا لذا تصبح نائية ويصعب الوصول اليها. وسكان هذه الواحة يتكلمون لغة مختلفة هي لغة كورونحي وهي من اللغات النيلية الصحراوية وهي المنطقة الوحيدة في الجزائر التي تتكلم هذه اللغة،رغم استعمال اللغة العربية ايضا، لكن الزائر لهذه الواحة الصغيرة لا تشده اللغة المختلفة فقط بل هناك سر اخر غامض لهذه المدينة وهو سر قبور الرجال السبعة فما قصتهم؟

blank
القبور السبعة العملاقة


تقول الاسطورة القديمة قدم الصحراء انه في فجر احد الايام منذ زمن بعيد جدا صعد مؤذن القرية ليؤذن لصلاة الفجر من مسجد القرية، لكنه شاهد من مئذنة المسجد العالية قافلة إبل صغيرة متوقفة في مكان ليس ببعيد جدا عن القرية، حيث تمكن المؤذن من مشاهدتها من مئذنة المسجد. بعد نهاية الصلاة وطلوع الشمس وتفرق الناس لاشغالهم، ذهب المؤذن ليستطلع اخبار قافلة الابل علهم يحتاجون المساعدة، لكنه صدم مما رأى فقد اختفت القافلة ليحل محلها سبعة قبور لسبعة رجال والمدهش ان هذه القبور كانت طويلة جدا بطول 6متر. ومن يومها رقد الرجال السبعة في قبورهم واصبحت المنطقة تعرف بمنطقة قبور الرجال السبعة.
بقيت هذه القبور موجودة الى غاية يومنا هاذا لكن لا احد يعرف سر هذه القبور أو مدى صحة الاسطورة، كما لم يعرف من المدفونين فيها وهل حقا طول الرجال 6 امتار؟ بقي السر ولا احد يستطيع حله.. وقد اقيمت مقبرة امام هذه القبور كما تم بناء زاوية صغيرة لتدل على مكان القبور والزاوية هي بناء مربع الشكل وعليه قبة صغيرة. وبسبب بعد المنطقة وانعزالها، فان علماء الانثروبولوجيا لم يزوروها أو يحاولوا كشف حقيقة هذه القبور السبعة .

إقرأ أيضاً … ما قصة مشفى عين النسور المهجور الجزائرية ؟

حلبة مصارعة الثيران :


ننتقل الان الى الغرب الجزائري الى عاصمة الغرب الجزائري مدينة وهران الساحرة وعاصمة موسيقى الراي الجزائرية. لكن هذه المرة سنزور مكان اقترن برياضة عنيفة ودموية وليس بالموسيقى.. انها حلبة مصارعة الثيران .
لقد اقترنت مدينة وهران بالاحتلال الاسباني الذي استمر من القرن 16الى القرن 18 حيث استقر بها الاسبان وتركوا اثارهم فيها في المطبخ واللغة والموسيقى والعمران. وقد ظلت الجالية الاسبانية مقيمة في وهران حتى بعد دخول الاستعمار الفرنسي الى الجزائر، ولان الاسبان يعشقون رياضة مصارعة الثيران، فقد طلبت الجالية الاسبانية من السلطات الفرنسية بناء حلبة لمصارعة الثيران فتم بناء واحدة عام 1908م واستوعبت الحلبة 4000الاف متفرج ثم توسعت لتستوعب 10الاف متفرج بعد توسعها عام 1954م.

blank
صورة من الأرشيف لحلبة مصارعة الثيران في وهران

وتعد هذه الحلبة ذات هندسة معمارية متميزة، فهي شبيهة بحلبة موسيا وحلبة لي كورون باسبانيا. وقد شهدت هذه الحلبة خلال موسم مصارعة الثيران أو مايعرف ب لاكوريدا، والذي يبدأ في فصل الربيع وينتهي في شهر نوفمبر، مصارعات دموية شهيرة بعضها انتهى بوفاة المصارع. استقطبت هذه الحلبة جمهورا كبيرا من الاسبان والفرنسيين وحتى الجزائريين في ذلك الوقت، كما تصارع فيها مصارعون مشهورون مثل المصارع لويس ميغال دومينغو. وسمي الحي الذي تتواجد به حلبة الثيران باسم حي الطورو وتعني كلمةطورو بالاسبانية الثور. وبعد الاستقلال وجلاء معظم المعمرين اصبحت الحلبة منسية ومهملة ثم اعيد ترميمها وفتحها كفضاء للتسلية والعروض .
تعتبر حلبة مصارعة الثيران بوهران الوحيدة في الجزائر اما افريقيا فتعتبر حلبة الجزائر وحلبة طنجة بالمغرب الوحيدتين افريقيا .

طبق من عبق التاريخ الكارانتيكا :


نبقى في مدينة وهران لكن هذه المرة بعيدا عن العنف والدماء والمصارعة بل الى المطبخ والاكلات اللذيذة.. انه طبق الناس البسطاء والعمال والطلاب وكل شخص جائع هو طبق يباع في المطاعم الصغيرة والاكشاك في الشارع انه طبق الكارانتيكا أو الكارانطيطة كما يسميه البعض والزائر للغرب الجزائري ووهران خاصة لابد أن يأكل منه. يتكون هاذا الطبق البسبط من الحمص المطحون ناعما والماء والزيت والبيض في بعض المناطق وتخلط المكونات وتوضع في صينية داخل الفرن وعند النضج تصبح بلون ذهبي فتقطع الى قطع مربعة وتوضع داخل الخبز مع رشة كمون وبعض الصلصة الحارة ويقدم. هذه الاكلة مشهورة جدا في الجزائر وفي الغرب الجزائري تحديدا وحتى في فرنسا وكندا بسبب المهاجرين الجزائريين.

blank
الأكلة الجزائرية “القرنطيطة” أو “الكارانتيكا” التي لا تميز بين الفقير والغني

لهذا الطبق البسيط قصة طريفة هي انه خلال القرن 16في مدينة وهران ، حيث كانت تحت الاحتلال الاسباني في ذلك الوقت.

كانت القوات الاسبانية تتحصن في قلعة سانتا كروز في اعلى جبل المرجاجو المطل على البحر المتوسط ، وكانت قوات الفتح الاسلامي تحاول تحرير المدينة وفتحها. فحاصر المسلمون القلعة والاسبان بداخلها حتى نفذ منهم الطعام في المخازن ، ولم يبقى سوى الحمص فقط والذي لم تكن له اهمية تذكر كطعام. وبسبب الجوع الشديد للجنود داخل الحصن، أمر الحاكم الاسباني الطباخ بايجاد حل لاطعام الجنود فاضطر الطباخ لطحن الحمص وخلطه بالماء والزيت والملح وطبخه في الفرن. وعند تقديمه للحاكم سأله عن اسم الطبق فاحتار الطباخ في الاسم فقال calienteta بمعنى ساخن ، ومن يومها سمي بهاذا الاسم ليحرف فيما بعد الى كارانتيكا. وقد اكله الجنود فاعجبوا به كما انه طبق مشبع. ومن يومها انتشر هاذا الطبق في مدينة وهران وباقي المدن الجزائرية ولازال يتربع على عرش وجبات الشوارع وحتى البيوت.

المصدر
Wikipediaمصادر تاريخية متنوعةأطلس الجزائر (كتاب)
guest
29 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى