أدب الرعب والعام

اعترافات البيرت هايزنبيرج

بقلم : أحمد حسن الجمل – مصر
للتواصل : [email protected]

اعترافات البيرت هايزنبيرج
 إنه صوت روزالينا تخبره بأنها افتقدته وأنها أيضاً تخاف من الجحيم وتخاف من ملائكة العذاب

” البيرت أرجوك حركها قليلاً فهي تصيبني بالغثيان ، لماذا لم تغسل السكين قبل أن تطعني بها يا البيرت ؟ “

يستيقظ البيرت مفزوعاً من كابوسه فينظر بجانبه فيرى جثة روزالينا ملقاة على الأرض والسكين مغروسة في عنقها عائمة في بركة من الدم ، فيتحسس النبض في يدها علّه يجد فيه خلاص رقبته من المقصلة ، لكن بلا جدوى .

جلس أمامها يستند بظهره على الحائط البارد فشعر ببرودته تسري في عروقه فنفخ في كفيه المغطيان بالدماء حتى يدفآ قليلاً  ..

” هي السبب لم أرد أن أقتلها ولكنها أجبرتني ، خمسة عشر عاماً من الفوبيا ، الجبن متأصل في طبعها ، تخشى كل شيء حولها .. إنه الخوف يا سادة الذي استطاع أن يقهر أقوى الرجال علي مر التاريخ .. لم أرد أن أقتلها ، فقط أردتها أن تصمت قليلاً فأنا مصاب بالصداع المزمن منذ زواجنا 
كانت دائمة الشكوى من الجيران وأطفالهم وحيوانتهم المنزلية التي كانت دائما تدب الرعب في قلبها .

كانت تخاف من الأطباق حتى لا تنكسر فيتناثر منها الزجاج فيجرح قدميها ، كانت تخاف من الصابون فقد يجعلها يوماً تنزلق وتقع فتصدم رأسها بأرض الحمام فتموت ، كانت تخاف من الأواني فقد تكون محتفظز بحرارة الموقد فتحرق يدها ، لم أستطع يوماً أن أحتفظ بمقص حتى أقوم بتهذيب شاربي الجميل به ، دائماً ما كانت تتخلص منهم ، كانت تقضي الكثير من الوقت لتقطيع الطعام باستخدام سكينها الباردة التي تشبه سكاكين الأطفال الخشبية ..

حذرتها كثيراً من نفاد صبري ، حاولت كثيراً أن أطمئنها وأجعلها تتنازل عن خوفها ولكنها كانت تعشق الخوف ، فهو في نظرها الشيء الوحيد الذي يحميها من الوقوع في المتاعب ..
دائماً ما كان طعامها يحمل طعم سوائل التعقيم ، لم تكن تصمت حاولت كثيراً أن أجعلها تصمت فقد كنت أخبرها بطول يومي في العمل ، أخبرتها عن ثقل القضبان الحديدية التي كنت أحملها لنضعها في مكانها المحدد لمد السكك الحديدية التي لا تنتهي ولا ينتهي معها التعب لكن بلا جدوى ، دائماً ما كانت تكمل أحاديثها التافهة :

البيرت قد جاءت إلى الحي امرأة جديدة مع زوجها وطفلاها للأسف معهم قط قبيح ، كم أمقت هذه الحيوانات القذرة ، هل تعلم يا البيرت أن القط قد يقتلك إذا كان مصاباً بداء السعار ؟ لو اقتربت مني هذه القطة اللعينة لن أتوانى عن قتلها ولكني أخاف الدم كثيراً يا عزيزي ، ما رأيك يا البيرت ؟ البيرت هل نمت ؟ حسناً حاول ألا تموت بحلمك حتى لا يتحقق الأمر بالواقع ، البيرت لا تخف سأظل بجانبك أسرد عليك الحكايا .. لا تخف . 

في صباح الأربعاء الموافق 3 يناير 1860 عدت إلى المنزل بعد يوم عمل طويل وشاق ، فقد نهرني رئيسي في العمل اليوم حين أوقعت القضبان الحديدية على الأرض فكادت أن تصيب قدمه الرقيقة بكدمات ، وقد هددني بطردي من العمل لأني أصبحت قليل التركيز خائر القوي ، لم أستطع أن أرد اكتفيت بابتسامة صفراء سمجة ونظرة طويلة إلى الأرض في ظاهرها احترامي له وباطنها رغبتي في قتله ..

ابتعدت قليلاً عن مكان العمل وأخذت أصرخ وأطلق اللعنات علي روزالينا الثرثارة ومديري المتعنت وأصدقائي في العمل الذين دائماً ما ظنوا بأنهم أحسن مني ورفضوا الاختلاط مع في الأحاديث الجانبية ، دائماً تعلوهم نظرات الاشمئزاز والتعالي ، دائماً أسمع ثرثرتهم الخافتة حولي حين أمر بقربهم حتى بائع الجرائد الشاب لا يحترمني ، دائماً ما كان يقذف جريدتي الصباحية بعيداً عن باب منزلي تحديداً في بركة الطين المجاورة المليئة بالحشرات ، والخباز و القصاب والحلاق كلهم لا يكنون لي الاحترام . 

وجدتها أمامي أقبلت نحوي مسرعة وفي يدها سكين المطبخ البارد ، بدأت في حكاياها المعتادة ، فقد ضرب اليوم جارنا زوجته لأنه اكتشف أنها كانت تسرق من مصروف البيت ، وأن جارتنا الجميلز كانت تعاشر صبي الجيران ذو الخمسة عشر عاماً ، و اكتشفت عائلته ونشب بالحي شجار كبي ي ي ي …لم تستطع أن تكمل الكلمة فقد انتزعت السكين من يدها و غرزته بكل قوتي في رقبتها وتناثرت الدماء في كل مكان وانحبس حرف الراء في جوفها إلى الأبد ، فقد خرت صريعة في بركز من الدماء ..

ثم دخلت إلى غرفه النوم وغيرت ثيابي وتناولت من الطعام الذي كانت تعده لي روزلينا ، نسيتي أن تضعي الملح آه فعلاً لأنها ماتت ، حسناً سأحضر المملحة بنفسي للأسف ، ثم دخلت إلي سريري المريح وغطيت في نوم عميق .

الجرائد موعد الجرائد يا أهل الحي ..

اااه إنه صوته المزعج الذي أكرهه ، حسناً ساخرج له الآن لأني أريده في موضوع هام .
– جون ياجون الصغير أريد أن أتحدث معك قليلاً .
– ماذا تريد أيها الزبون ثقيل الظل ؟
– أريد أن أعطيك بقشيشاً 
– حقاً ياسيدي ؟ أنت تعلم طبعاً مقدار احترامي لك وتقديري لمكانتك في المجتمع .
– طبعاً طبعاً ياصغيري ، هلم إلى الداخل حتى أعطيك المال من محفظه روزالينا .

وبمجرد أن أعطاني ظهره طعنته في رقبته فخر صريعاً إلى جوار روزالينا واعتلت وجهه نظره هلع لن أنساها ، خرجت من منزلي إلى زبوني التالي الخباز لأكمل قائمه أعدائي ، فالفرد لا يعدم إلا مرة واحدة ، إذاً فلتكون ذات فائدة . “

**

– دكتور مارلن ماذا اكتشفت بعد تشريح الجثة ؟
– لقد كانت الوفاة نتيجه قطع عرضي بالرقبة ، فقد حاول أن يطعن القصاب أيضاً لكن الأخير عاجله بضربة بساطوره  استطاعت أن تبتر معظم أورده الرقبة مما أدى إلى وفاته بسرعة .

– من هذا الذي تتحدث عنه يا دكتور ؟ أنا لم أمت ! حقاً أنا لا أتذكر إن كنت قد قتلت القصاب أم لا ولكني حي أرزق أمامك ( سأل البيرت الطبيب مفزوعاً ) ..

– أجبني يا سيدي الطبيب هل بالفعل قد مت ؟؟

يسمع صوتاً ينادي باسمه ، صوت طالما اشمأز منه ، إنه صوت روزالينا تخبره بأنها افتقدته وأنها أيضاً تخاف من الجحيم وتخاف من ملائكة العذاب وتخاف من عفاريت الجن وتخاف من نار الجحيم .. صرخ بكل قوته حتى انقطع صوته ولكن ما الفائدة .
 

تاريخ النشر : 2017-11-12

guest
26 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى