منوعات

الأسلحة الأسطورية المفقودة

منذ ظهور البشرية ، كان هناك أساسيات لا يستطيع البشر أن يستغنوا عنها . فالطعام والشراب واللباس والمنازل جميعها أشياء عرفوها منذ ألوف السنين ، وقد شهدت تطورا مع الزمن . فقبل قرون لم يعتقد البشر يإمكانية بناء ناطحة سحاب حتى تأويهم .. ولم يعرفوا إمكانية وجود بهارات تجعل من طعامهم ألذ . ولم يتوقعوا وجود خامات يمكن صناعة ملابس منها . ولقد لازمت تلك الأمور البشرية منذ عصورها الأولى وشهدت تطورا واسعا للغاية . وقد ظهرت بعض الأساطير والعجائب في تلك الأمور وفقدت طريقة صناعتها ، فلا يعلم أحد اليوم طريقة بناء الأهرامات ، ولا كيف استطاع المصريون القدماء بناء هرم تزن كل حجرة من حجارته 12 طن . ولا يعرف أي أحد عن سر تلك البهارات السحرية الأسطورية التي تمنح طعما رائعا لأي طعام مهما كان سيئا . ومثل ذلك شيء لم يستطع البشر الإستغناء عنه بل وكان يتطور دوما ، ألا وهو السلاح . فقد ظهرت أسلحة أسطورية زلزلت العالم ، لكنها فُقدت بطريقة أو بأخرى ولم يعرف أحد سرها ولا كيف تم بنائها وصنعها .

ومقال اليوم يتحدث عن بعض تلك الأسلحة العظيمة والغريبة التي فُقدت طريقة صناعتها .

إقرأ أيضا : أسلحة الموت الخفية .. مظلة قاتلة ومسدس خلوي!‏

1 – مدفع أرخميدس البخاري

أثناء الحروب الفينيقية – الرومانية الثانية ، رغب الرومان باحتلال مدينة سرقوسة اليونانية حتى يكملوا سيطرتهم على جزيرة صقيلة . فدافعت سرقوسة أشد الدفاع ضد الرومان ، وقد استطاعت صدهم بفضل غرابة وقوة الأسلحة التي تعد أسلحة أسطورية تلك التي امتلكوها ، والتي صنعها العالم اليوناني أرخميدس .

لقد بدأت الحرب بالعام 213 ق.م ، وبدأت السفن الرومانية بالإبحار نحو المدينة في سبيل احتلالها . وما آثار دهشة الرومان ورعبهم هو أن هناك أحجارا وأجساما كانت تنطلق بسرعة عالية وتضرب السفن الرومانية وتغرقها .. لقد كان هذا السلاح إحدى أسلحة أرخميدس وقد سمي “بمدفع البخار” .

blank
تصميم مدفع بخاري لليوناردو دافنشي ، يعود اختراعه قبل ذلك لأرخميدس

لقد قام أرخميدس بطريقة أو بأخرى بصناعة مدفع يعمل بالماء فقط لا غير ، حيث كان يتم تسخين الماء بواسطة عدسة مكبرة . وحينما يتحول الماء إلى بخار وينضغط كان يتم وضع حجر في فوهة المدفع ، ثم يُترك البخار ليدفع الحجر سريعاً ويمنحه الزخم الكافي لتدمير السفينة .

2 – شعاع أرخميدس

يعد هذا السلاح إحدى أكثر الأسلحة الأسطورية غرابة ، حيث كان قادرا على إحراق وتدمير السفن بلمح البصر !… وقد كان كذلك من صناعة أرخمديس .

إن هذا السلاح عبارة عن مرآة مقعرة ، تقوم بتركيز أشعة الشمس في نقطة واحدة .. وحسب العلم الحديث فإن أرخميدس قد قام بإحضار مرآة طولها 10 أمتار وسمكها 2.5 سم .. ثم قام بوضع مرآة أخرى أمامها نصف قطرها 0.3 سم حتى تركز الأشعة من المرآة الكبيرة خلفها .

وقام برنامج Mythbusters الأمريكي – الأسترالي بعمل تلك التجربة وأحضروا المواد اللازمة ، وتمت التجربة بنجاح .. حيث أن تلك المرآة استطاعت بالفعل إضرام الخشب بالنار .

إقرأ أيضا : أقوى أسلحة الموت التي صنعتها البشرية .. قنبلة القيصر

لكن المشكلة هي أن الأساطير اليونانية لم تذكر أي شيء عن مرآة ضخمة خلف المرآة الصغيرة . كذلك فإن أرخميدس قد استخدم الزجاج والحديد اللامع في سبيل صناعتها ، و بالتالي .. فكان لا بد من وجود قياسات أكبر بكثير .

بل وحسب الأساطير اليونانية والرومانية فإن السلاح قد دمر السفن خلال ثواني معدودة ، مما يعني أن السلاح كان أقوى بكثير من المرآة التي صنعها البرنامج . وحتى اليوم فإن الطريقة الصحيحة لبناء ذلك السلاح مجهولة ، مما يعني أن ذلك السلاح أسطوري بكل المقاييس .

3 – مخالب أرخميدس

هو أخد الأسلحة الأسطورية التي صنعها المهندس اليوناني أرخميدس ، إلا أن هذا السلاح ليس كباقي الأسلحة ، فأنا بنفسي لم أصدق بوجوده حتى اطلعت على خمسين مصدر تاريخيا مختلف ، فقط من أجل التأكد  من صحة وجوده ! .

لقد كان هدف الرومان من الحرب ألا يسمحوا للفينيقيين بالسيطرة على سرقوسة ، لكنهم بنفس الوقت لم يرغبوا بإطالة الحرب مع اليونانيين حتى لا يضطرون لفتح جبهتين .. ولأن “شعاع أرخمديس” كان قد دمر سفنهم بوضح النهار ، فقرروا هذه المرة أن يحرموا أرخمديس من قوته السحرية . فجعلوا هجومهم بجنح الليل حينما لايكون هناك ضوء شمس .. وحتى لا تحترق سفنهم وهي بعرض البحر . لكنهم لم يتوقعوا أن أرخميدس قد توقع هجومهم بالليل فصنع سلاحا أخطر وأغرب من الشعاع ، ألا وهو “مخالب أرخميدس” ، لقد كان هذا السلاح مخيفا للغاية .

فكان عبارة عن يد خشبية ضخمة ، تقوم بضرب السفن وحملها في الجو ثم رميها مجددا وإغراقها ! . ولو لم يرها الرومان بأم أعينهم لما صدقوا وجودها . لقد كان هذا السلاح الأسطوري معقدا للغاية ولا أحد يعرف كيف تمكن أرخميدس من بنائه وكيف درب الجنود عليه .

إقرأ أيضا : غرائب من التاريخ 2 : الحضارة الإغريقية

ففي حين قال البعض أن ذلك السلاح كان عبارة عن يد خشبية ضخمة ، تتحرك بشكل ثابت . إلا أن البعض الآخر قد اعتقد أن أرخمديس قد قام ببناء رافعة عادية فقط وقام بتشكليها لتشبه اليد الخشبية .

blank
مخلب أرخميدس سلاح أسطوري بأتم معنى الكلمة!( لوحة لجوليو باريجي)

لكن حتى وإن كانت رافعة عادية ، فإن هذا لا يلغي مدى قوة السلاح ، فإن يتم صناعة رافعة قوية لدرجة رفع سفينة هو أمر جلل خاصة قبل 2200 سنة . وقد وضعوا عدة مخالب على الشاطئ ، وقد إستطاعت تلك المخالب حمل السفن ثم رميها وإغراقها .

ورغم أن الرومان انتصروا أخيرا بالحرب ، إلا أنهم تعرضوا لخسائر فادحة ، فقد تدمر معظم الأسطول البحري وقد مات معظم الجنود غرقاً . لكنهم بالنهاية قد تمكنوا أخيراً من اجتياح سرقوسة وقُتل أرخميدس أثناء ذلك الاجتياحة. وقد ارتاحوا منه ومن أسلحته الغريبة التي حرمتهم النوم .

إلا أن أرخميدس قد حفر إسمه بصفحات التاريخ ، صانعا ثلاثة أسلحة أسطورية لم يستطع البشر صناعتها حتى بالعلم الحديث ، وقد نسي العالم إسم الجنود الذين قتلوا أرخميدس ، لكنهم لم ينسوا أرخميدس .

4 – الفيلة السورية

تعد الفيلة دبابة العصر القديم ، فتلك المخلوقات هي أقوى حيوان يمشي على الأرض . ولماذا لا تكون كذلك ؟ . فهي ضخمة للغاية وقوية وتزلزل الأرض أين ما مشت . إلا أن تلك المخلوقات ورغم ضخامة حجمها فهي مخلوقات مسالمة ولطيفة ، بل وفي الواقع جبانة ! .

بإستثناء سلالة واحدة منها قد سجلت كسلالة أسطورية ، وهي سلالة الفيلة السورية (Elephas syriacus) أو Elephas maximus asurus . رغم أن تلك الفيلة آسيوية ، إلا أنها لا تشترك مع الفيلة الهندية بنفس عينات الدم مما يعني أنها سلالة منفصلة .

تلك السلالة كانت عدوانية وقوية للغاية ، كذلك كان حجم أكتافها أضخم من الفيل العادي ..مما منحها قوة أكبر أثناء الهجوم رغم صغر حجمها ، وعلى عكس باقي الفيلة لم تكن تلك السلالة جبانة أو حساسة ، بل شجاعة وجسورة .

إقرأ أيضا : الحيوانات في الحروب والجيوش

بل وحتى حينما تم إختراع أساليب لأجل إخافة الفيلة مثل الخنازير المحترقة ، إلا أنها لم تنفع مع تلك السلالة ، حيث أنها كانت مدربة على القتال بل وعلى اصطياد البشر . وقد عثر في سوريا على ألوف منحتوات العاج من تلك الفيلة ، حيث قام السوريين القدماء برعاية تلك الفيلة وتخصيص مزراع لها وتدريبها ووضعها بالجيش للقتال .

blank
الفيلة السورية كانت أسلحة أسطورية نظرا لقوتها وحجمها

ولعل الفضل في هزيمة الإمبراطورية الآشورية في حروبها مع الممالك الآرامية يعود إلى تلك الفيلة .. فبعد مقتل الملك الدمشقي رحيانو بالعام 732 ق.م ، سقطت مملكة آرام دمشق وأصبحت جميع بلاد ما عبر النهر تحت سلطة الإحتلال الآشوري .

وبحسب الأساطير قد أمر الإمبراطور الآشوري تغلث الثالث حينها بقتل جميع تلك الفيلة ، أو تزويجها مع فيلة أخرى حتى تموت السلالة وحتى لا يتم استخدامها للحرب ضد الآشوريين مجدداً . وبالعام 700 ق.م  انقرضت السلالة بالكامل ولم يعثر على أي فيل منها .

إذا مالذي يجعل تلك الفيلة ضمن الأسلحة الأسطورية ؟.
يعود السبب في ذلك أنها فيلة مهجنة وليست طبيعية ، حيث قام العموريين باختيار أقوى الفيلة وأشجعها .. وتزويجها في سبيل بدأ سلالة جديدة من الفيلة حتى ظهرت هذه السلالة . أما عن طريقة نجاح مشروع لتهجين فيلة تزن بضعة أطنان ، فهو لا يزال لغزا وأمرا محيراً ! .

والأمر الذي يزيد الحيرة هو أن المشروع استمر لعدة قرون ، حتى ظهرت السلالة ، فسلالات الحيوانات تحتاج لعدة أجيال لتتهجن وترث من أسلافها خواصهم الكاملة .

5 – القوس نصف الآلي

إن القوس والسهم كانوا بندقية العصر القديم ، وفعليا فإن معظم الجيوش في العالم القديم قد شكل غالبيتها الرماة . ولطالما كانت الحضارات السابقة تتسابق لصناعة أقواس قوية وسريعة في آن واحد لكنهم فشلوا .

إقرأ أيضا : عجائب الدنيا السبع (الجديدة) .. سور الصين العظيم

فحتى أمهر الرماة وأكثرهم إحترافية يحتاج إلى خمسة ثواني لرمي السهم ووضع سهم آخر . لكن هناك سلاح أسطوري صيني ، كان يرمي السهام بشكل نصف آلي . حيث كان يتم إطلاق السهم ثم تلقيم سهم آخر خلال أقل من ثانية واحدة . بالطبع إن هذا السلاح ليس بأسطوري بمقاييس اليوم ، لكنه قبل مئات السنين كان كذلك . كان يعرف هذا السلاح باسم “تشو كو نو” . وتم صناعته على يد مهندس ومصمم أسلحة صيني في القرن الرابع قبل الميلاد ! .

blank
مدفع تشو كو نو الصيني

يتكون هذا القوس من قوس عادي ، وفوقه صندوق من الخشب لوضع السهام ، لقد كان الصندوق أشبه بصندوق ذخيرة ، فكان مصمما بطريقة تسمح للسهام بالتكدس فوق بعضها البعض دون أن تعيق حركة النزول . وكان يتم تعشيق القوس بعد رمي كل سهم ، وكانت تأخذ عملية التعشيق ثانية وربما أقل .

لقد إختفى تصميم هذا السلاح وفُقد لفترة من الوقت حسب بعض المصادر التاريخية ، ثم أعيد اكتشاف مخطوطاته  ، ولم يرغب الصينيون حينها بنسيانه مجدداً فظلوا يستخدمونه حتى العام 1895 ! .

قد يكون هذا القوس ضعيفاً ، وقد يكون رميه غير دقيق ، لكن وبالنسبة لسلاح اخترع بالقرن الرابع قبل الميلاد فهو أحد الأسلحة الأسطورية .

6 – الأبراج الآشورية

تخيل يا عزيزي القارئ ، أنك جندي في قديم التاريخ ، وقد وكلت إليك مهمة حراسة حصن . إن المهمة ستكون آمنة بالطبع ، حيث ستجلس داخل الحصن وترمي السهام وتمنع الأعداء من الدخول مهما كل الثمن .

لا يوجد شيء يستطيع دخول الحصن ، البوابات سميكة حتى الفيلة لا تستطيع كسرها وكل شيء آمن . حتى ترى برجاً متحركاً ، إرتفاعه أكبر من إرتفاع القلعة ، يوجد به عشرات الجنود ، ويضرب عليك السهام والنار والحجر ! .

إقرأ أيضا : أبطال الحروب : مقاتلون حفروا اسمائهم على صفحات التاريخ

إن هذه الأبراج هي أبراج الحصار ، وقد إخترعها الآشوريون بالعام 884 ق.م ، في عهد الإمبراطور آشوربانيبال الثاني . و تم استخدامها بكل حروب وحصارات وغزوات الإمبراطورية الآشورية من حينها .


blank
الأبراج الآشورية : أعظم الأسلحة الأسطورية القديمة

لقد كان هذا السلاح أحد الأسلحة الأسطورية بكل معنى الكلمة . فلم يكن بناءه يحتاج إلى عشرات العمال والمهندسين ، بل حتى التحكم فيه كان أمرا معقدا وصعباً للغاية ، فخطأ بسيط ويكون البرج قد هوى على الأرض .

لقد صنع الرومان بعض تلك الأبراج ، لكنهم لم يستطيعوا صناعة ذات الأبراج التي صنعتها الإمبراطورية الآشورية . ورغم أن الرومان قد صنعوا أبراجهم بعذ أكثر من 500 عام من التقدم والحضارة ، إلا أنهم عجزوا عن صناعة ذات الأبراج التي صنعها الآشوريين ، وعجزوا حتى عن إدارتها وقيداتها بنفس الطريقة .

بل وبحسب الأساطير والنقوش التي وجدت في العراق ، فإن طول أحد الأبراج الآشورية قد تخطى السحاب ! . وهو أمر عظيم بالنسبة لسلاح صنع قبل الميلاد . مما يجعل الأبراج الآشورية عبارة عن سلاح أسطوري بكل معنى الكلمة .

7 – النار الإغريقية

حينما اتجه الأمويون لحصار القسطنطينية ، نزلت سفنهم من شواطئ بلاد الشام ، وقد اعترضتهم السفن اليونانية حينها وفتحت عليهم نارا مرعبة أحرقت سفنهم ولم تبق على واحدة منها ! . لقد تخيل الأمويين أن اليونانيين قد حصلوا على سلاح من قعر الجحيم ! . فما رأوه كان رعباً حقيقياً .

لقد كان هذا السلاح يعرف بإسم “النار الإغريقية” ، أو “نار الإغريق” . لقد قام المهندس اليوناني Callinicus باختراع هذا السلاح ، بالعام 672 بعد الميلاد ، وقام باستخدامه لصد هجوم المسلمين .

إقرأ أيضا :ماذا تعرف عن شعوب الشمال العظيمة

لا أحد يعرف كيف تم اختراع هذا السلاح ، ومما يتكون . فبعض من رأى السلاح ، قد رأى أن النار تظل مشتعلة حتى بعد ملامستها الماء ، مما يعني أن اليونانيين استخدموا عنصرا متفاعلا مع الماء ، مثل الفوسفور أو الليثيوم أو استخدموا خليطا من حجر الجير مع مواد أخرى .

إلا أن هذه مجرد تكهنات لا علاقة لها بالصحة نهائياً . ولا تزال طريقة وكيفية صناعة ذلك السلاح لغزا قد حير المؤرخين . لقد حصل المسلمون على القليل من النار الإغريقية ، لكنهم لم يدرسوها ، بل استخدموها لصد الحملات الصليبية مباشرة . لا يعرف الكثير من ماضي المهندس كالينكوس ، بل إن بعض المصادر قالت أنه كان مهندسا سوريا ناطقا باليونانية ، كما قالت أخرى أنه يهودي ، وقالت بعض المصادر أنه كان رومانيا . إلا أن أصح النظريات هي تلك التي قالت إنه يوناني .

إن السلاح الوحيد الذي يشبه النار الإغريقية اليوم هو مادة النبالم ، حيث أنها مادة هلامية قابلة للإحتراق  . وصفاتها مطابقة تماما لصفات النار الإغريقية . إلا أن هذه المادة تصنع من البنزين ، ومن غير الممكن أن اليونانيين فصلوا النفط واستخلصوا منه البنزين حتى تمكنوا من إختراع ذلك السلاح ، حيث أننا نتحدث عن القرن السابع .

وحتى لو افترضنا أن اليونانيين قد حصلوا على تلك المادة بقدرة قادر ، كيف كانوا يدفعونها بالأنابيب؟ . هل تمكنوا من اكتشاف غاز دافع؟ . أم إخترعوا مكبسا لدفع تلك المادة؟ . لا أحد يعلم أي شيء عن ذلك السلاح سوى مدى خطورته . وهو واحد من بين أقوى الأسلحة الأسطورية التي خسر العالم طريقة صنعها ، وربما كان خسارة طريقة صناعة هذا السلاح أمر جيد للغاية .

8 – السيف الدمشقي

إن السيوف كانت من أوائل الأسلحة التي صنعها البشر ، ولا عجب أن صفاتها اختلفت مع اختلاف استخداماتها . وهناك الكثير من السيوف الأسطورية التي حفرت إسمها بالتاريخ ، لكنها ليست مثل السيوف الدمشقية .

بدأت صناعة السيوف بدمشق بالقرن 15 ق.م  ، لكنها تطورت ونهضت في القرن الثالث ميلادي إبان عهد ولاية سوريا الرومانية  ، حيث كانت سوريا إحدى المراكز الصناعية ضمن الإمبراطورية الرومانية ، وخاصة بعد أن وصلت السلالة السورية السفيرية للحكم ، حيث إعتنت تلك السلالة بسوريا أشد العناية .. لدرجة أن هذا أحد الأسباب التي دفعت الرومان لإسقاط حكمهم .

blank
سيف قديم مصنوع من الفولاذ الدمشقي

وحينما تم ربط طريق الحرير بالإمبراطورية الرومانية ، حصل السوريون على نوع جديد من الحديد ، ألا وهو الحديد السيرلانكي ، وقد بدأ ظهور نوع جديد من السيوف الدمشقية .

إقرأ أيضا :قضية جيمس لينينجر : طفل عمره سنتان كان طيارا حربيا خلال الحرب العالمية الثانية!

كانت السيوف الدمشقية خفيفة ومرنة ، كذلك كانت حادة للغاية لدرجة أنها تقطع الشعرة الساقطة عليها بالهواء ! .  وما ميزها حقا هي أنها سيوف قادرة على حفظ شكلها .. فعلى عكس باقي السيوف ، لم تكن السيوف الدمشقية تنكسر حينما تضرب الدروع ضربة قوية ، بل في الواقع كانت تميل وتنحني ثم تعود لشكلها الأصلي .

وهذه الميزة جعلت عليها طلبا عالياً للغاية ، فقد استخدمها المسلمون والصلبييون أثناء الحروب الصليبية . بل إن سمعتها وصلت حتى أقصى أوروبا حيث وجدت سيوف دمشقية عند مقاتلي الفايكينغ . وقد إستطاع صانع أسلحة نرويجي يدعى بأولفيرت… صناعة سيوف مشابهة للسيوف الدمشقية .

أكثر ما هو غريب بتلك السيوف هو النقوش عليها ، تلك النقوش تأتي من عملية الصناعة وليست مطبوعة . وقد انتقلت صناعة السيوف الدمشقية للأندلس لفترة من الوقت . لقد كانت صناعة تلك السيوف حكرا على عائلات دمشقية وسورية فقط ، حيث كانوا يقومون بنقل سر المهنة جيلا بعد جيل . وقد كانت حرفة تحوطها السرية ولم تكن تلك العائلات تقوم بتدريس تلك الصناعة إلا لأبنائها .

blank
السيوف الدمشقية : أسلحة قوية وجبارة استحقت أن تكون أسطورية

و بمرور السنين ماتت جميع تلك العائلات وماتت الحرفة معها ، آخر عائلة قد ماتت حول العام 1800 ، وبموتها قد ماتت صناعة تلك السيوف الأسطورية .

بالبداية إعتقد الجميع أن السر يكمن بالحديد السيرلانكي لكنه لم يكن كذلك ، حيث أن سيرلانكا والهند صنعوا السيوف من نفس المعدن ، علما أنهم هم الذين كانوا يصدرون ذلك المعدن من الأساس ، لكنها لم تكن مثل السيوف الدمشقية ، ما يعني أن السر بخلطة الحديد . بالتالي فإن السيوف الدمشقية مصنوعة من خلطة حديد خاصة مخلوطة مع مواد أخرى ، ما يعني أن هناك فولاذا خاصا فيها عرف بإسم الفولاذ الدمشقي .

واليوم وحتى بالتقنية الصناعية الحديثة لم يتم صناعة ذات السيوف التي ذكرت بالأساطير . لقد تم صناعة سيوف تحمل نفس النقوش لكنها لم تحمل نفس القوة . بل وحتى يومنا هذا لم يصنع سيف أقوى من السيف الدمشقي وبرغم كل التقنيات الحديثة ، مما جعل هذا السيف إحدى الأسلحة الأسطورية التي استحقت ذكرها ، فهو سيف قوي وجبار ، وفقدت طريقة صناعته ولم يبق منه شيء غير الأسطورة .

إقرأ أيضا : شعوب البحر: من اين اتوا؟

9 – القوس المغولي

لقد كان القوس المغولي – بدون مبالغة – أقوى من البنادق الحالية في عصرنا . حيث أن مداه الفعال هو 500 متر ، أي أنه أقوى حتى من بنادق كلاشنكوف الروسية ! .

كذلك فكانت سهام تلك الأقواس قادرة على خرق الدروع الثقيلة التي يرتديها الفرسان المدرعون إذا ما أصابتهم من المسافة القريبة . كان يزن القوس الصغير 20 رطلا أو 9 كيلوغرام ، وكان هذا قوس التدريب الذي يستخدمه الأطفال الصغار . أما الأقواس الحقيقية فيتخطى وزنها الواحد 150 رطلا ، أي أكثر من 70 كيلوغرام ! .

تخيل يا عزيزي القارئ أن تتعرض لضربة من سهم أطلق من قوس يزن 70 كيلو ؟ . أو تخيل أن تحمل هذا القوس بيد واحدة على ظهر الخيل ، ثم ترمي سهامك باليد الثانية ؟ .

ما جعل هذا السلاح أسطوري حقاً هو المقاتل الذي يحمله ، مقاتلي المغول القدماء الذين استخدموا هذه الأقواس قد تحولوا لأسطورة . ولأنهم قد اغتصبوا من نساء آسيا وأوروبا ، فقد خسروا قوتهم البدنية والعقلية التي ورثوها من أجدادهم مما جعل أحفادهم يفقدون القدرة على القتال به . فاليوم حتى أفضل المغول الحاليين لا يستطيع حمل القوس واستخدامه .

لقد حولتهم حياتهم القاسية في صحاري التندرا الجليدية إلى شعب صياد قوي متين لا يخطئ سهمه ، فلم يكن المقاتل المغولي يُثَني سهمه فكان يقتل خصمه من سهم واحد .

واليوم وحتى بالتقنية الحديثة فلم يتم بناء أي بندقية هجومية إقتحامية تمكنت من التفوق على قوة ذلك القوس ،  فحتى بنادق كلاشنكوف الروسية وبنادق أ.ر الأمريكية الأكثر انتشاراً حول العالم ..لم تستطع التفوق على ذلك السلاح ، مما جعل القوس ومن يستخدمه سلاحاً أسطورياً ، سجلت به الملاحم ولم يعد موجوداً اليوم .

إقرأ أيضا : فالكيري .. محاولة إغتيال هتلر

10 – المسدس الرشاش Standschütze Hellriegel 1915

إن المسدسات الرشاشة هي أسلحة تستخدم بالإلتحامات والإشتباكات القريبة المدى ، كما تستخدم بالاقتحام . ولعل أقوى مسدس رشاش تم صنعه هو شتاندشيتز هيليجير .. أو كما عرف بالألمانية Standschütze Hellriegel 1915 .

لقد تم صنع هذا السلاح بالعام 1915 ، على يد مجموعة من مصممي الأسلحة النمساويين . ولا يعرف الكثير عن هذا السلاح سوى أن عياره 9×23 مم .

إن هذا السلاح يستخدم حزام لوضع الرصاصات ، وهو أمر نادر جدا في حالة المسدسات الرشاشة ، كما أنه يستخدم آلية تبريد حيث يستطيع السلاح إطلاق النار بلا توقف وبدون أعطال . كذلك من ناحية الذخيرة ، فيملك هذا السلاح ما يصل إلى 160 طلقة بكل حزام ، وهو أول سلاح يستطيع تحمل هذا العدد من الذخيرة دون أعطال .

blank
Standschütze Hellriegel 1915

كذلك فإنه كان سلاحا مكتوم الصوت ، فيمكن للجندي النمساوي قتل كتيبة ألمانية كاملة دون أن يعرفوا مصدر الرصاص ومكانه . ولعل بعض المصادر التاريخية قد أشارت إلى أن الجنود النمساويين قد استخدموه ، ففي عدة معارك قد تعرض الألمان لوابل من الرصاص دون معرفتهم مصدره .

ما يثير الدهشة حقا هو أن حجمه صغير وخفيف الوزن ، أما كيف استطاع النمساويين صناعة سلاح يستخدم حزام ناقل لنقل الذخيرة بذلك الحجم ، فهو أمر لا أحد يعرفه حتى الآن . لقد وجدت 3 صور لهذا السلاح فقط لا غير .

واليوم وبعد 107 سنين من صناعته ، لم يتمكن أحد من إعادة صناعة هذا السلاح الأسطوري مجدداً أو حتى معرفة تصميمه الداخلي .

إقرأ أيضا : لغز الكتيبة المفقودة

إن هذا السلاح سلاح أسطوري بكل معنى الكلمة . فكان أقوى مسدس رشاش سبق وتم صنعه بالعالم ، وكان خفيفا مكتوم الصوت ، وفقدت جميع مخططاته بل وحتى بالتقنية الحديثة فقد عجز مهندسي الأسلحة عن صناعة سلاح مشابه له .

11 – مدفع غوستاف الأثقل

إن هذا السلاح وعلى عكس الأسلحة الأسطورية الآنف ذكرها ليس بقديم ، في الواقع إنه حديث للغاية ، حيث لم يمر على بنائه أكثر من 82 عام . لكنه استحق أن يُسمى بسلاح أسطوري . دعونا إذا نعرف قصة هذا السلاح ..

بالعام 1937، بدأت ألمانيا النازية بالتخطيط لحروبها على أوروبا ، وقد بدأت بصناعة الأسلحة وإعادة تأسيس الجيش الألماني . وحيث أن زعيم الحزب النازي أدولف هتلر كان مهووساً بالحجم ، فأمر ببناء مدفع عرف بإسم “مدفع غوستاف الأثقل” ، وهو نسخة متطورة أكثر من مدفعيات غوستاف التي استخدمت بالحرب العالمية الأولى .

لم يكن هذا المدفع أثقل من سابقيه ، في الواقع كان هذا المدفع أثقل وأقوى مدفعية قد سبق وتم صناعتها بالتاريخ . لقد كان يزن المدفع 1350 طن ، وكان طول سبطانة المدفع 32.5 متر ! .

تزن كل قذيفة 4 أطنان و800 كيلو غرام ، كما تزن شحنة التفجير 700 كيلو غرام ، ما يعني أنه داخل السبطانة يوجد 5.5 طن . وقد كان هناك عربة قطار صغيرة داخل المدفع مخصصة لتحريك القذيفة ووضعها بمكانها .

blank
blank
صور لمدفع غوستاف : السلاح الألماني الأسطوري

لقد كان المدفع ثقيلاً لدرجة أن الأرض لم تستطع تحمل وزنه ، فاحتاجوا لبناء سكة قطار خاصة له في سبيل تحريكه من مكان لآخر ، وفي سبيل عدم إحداث زلزال في كل مرة يضرب هذا المدفع قذيفته .

لقد كان المدفع قويا لدرجة أن قذيفة واحدة كفيلة بمحو قرية كاملة عن الوجود . وقد كان هناك 2000 جندي داخله ، في سبيل تحريكه والتحكم به ، مع عدة دبابات ورشاشات ثقيلة لحمايته من الخارج من أي هجوم .

بكل بساطة كان هذا المدفع أشبه بمدينة عسكرية متحركة . وقد بنى الألمان منه قطعتين ! ، إلا أنه لم يتم استخدامهما كثيرا . وبالعام 1940 بدأت ألمانيا بالهجوم على فرنسا ، وتمكنت من احتلال معظمها ، إلا أن الفرنسيين لم يبدوا أية مقاومة ، حيث أنه خلال شهر ونصف فقط إستسلمت فرنسا لألمانيا .

إقرأ أيضا :الدب فويتك : جندي الحرب العالمية الثانية

إلا أن هتلر رغب بتدمير التحصينات الفرنسية ، وقد تم استخدام المدفع حينها .. لكن بعد خسارة ألمانيا وانسحابها قد قام الألمان بتدميره حتى لا يعرف أحد كيفية صناعته . إذا مالذي يجعل هذا السلاح أسطوريا ؟.

وبغض النظر عن أنه أثقل مدفع سبق وأن صنع ، إلا أنه ورغم التطور التقني اللاحق ورغم أن معظم مخططات المدفع لا تزال موجودة ، إلا أنه من المستحيل صناعة ذات المدفع اليوم . فقد كان المدفع معقداً للغاية بالتصميم الداخلي والخارجي ، لا أحد يعلم كيف استطاع الألمان بناءه دون استخدام الحواسيب والتقنية الحديثة .

كذلك فإن اكتشاف أسلوب قيادته أمر شبه مستحيل ، فكان هناك 2000 جندي ألماني داخل المدفع في سبيل استخدامه ، كم هو مدهش أن يقوم 2000 جندي بتحريك قطعة مدفعية واحدة دون حدوث أي خطأ ! .

إن كان مدفع غوستاف الأثقل يمكنه إثبات شيء ، فهو يثبت أن الألمان شياطين الهندسة وأسياد التنظيم . فقد صنعوا مدفعا حتى الأرض لا تستطيع تحمل وزنه ، وحتى الحواسيب الحديثة لا تستطيع نسخ تصميمه المعقد . إن هذا السلاح من الأسلحة الأسطورية حقيقة ، ولو أن صانعيه قد ظلوا أحياء لكانت هندسة الميكانيك متطورة أضعافا عما هي عليها اليوم .

ختاماً

إن مقال اليوم يتحدث عن قوة الإنسان ومدى تطور عقله ، لكنه كذلك يتحدث عن طريقة تفكير البشر والتي دوما ما ارتبطت بالسيطرة والقوة . وهي غريزة بشرية ، فدائما تجد الإنسان يفضل القتال لأجل أمته ودينه وعرقه على أن يعيش بسلام فهي غريزة داخلية .

إقرأ أيضا : تولستوي .. الكاتب العجوز المثير للجدل

فتخيل عزيزي القارئ لو أن الرومان لم يقتلوا أرخميدس ولم يحاربوا سرقوسة ؟ . لكان أرخمديس صنع محركات بخارية بدل المدافع ، ورافعات للبناء لرفع الأحجار الثقيلة بدلا من رفع السفن .

وتخيل لو أن الآشوريين قرروا أن يعيشوا بسلام دون أن يغزوا ويحتلوا أرض غيرهم ؟ . لكان علم العمارة متطورا أكثر مما هو عليه اليوم بثماني وعشرين قرن ! .

وتخيل لو أن مخترعي الفولاذ الدمشقي قد استخدموا خبرتهم بالحدادة لصناعة سبائك حديدية يصنع منها الجدران والأدوات الهندسية ؟  .

وتخيل لو أن الألمان استخدموا خبرتهم الهندسية في صناعة آلة حفر بدلا من مدفعية ثقيلة ؟ .

إن السلام لا يولد المحبة لكنه يخلق الجو لها . ولولا الحروب الطويلة التي مرت بها البشرية لكان العالم متطورا أكثر مما هو عليه . لكن السلام لا يأتي من طرف واحد بل لا بد أن يأتي من طرفين . وبكل صراع هناك صاحب حق وصاحب باطل . ولن ينصر السلام صاحب الحق ، ولن تنصر الحرب صاحب الباطل .
ولم يسبق لمظلوم أن انتصر فقط لأنه “مظلوم” ، ولم يسبق لظالم انتصر فقط لأنه “ظالم” . ولا يمكنك كسر وتغيير غريزة الإنسان ، لكن يمكنك تغيير شكلها واتجاهها .

ملاحظة :

بعض المصادر تعتقد أن تلك الفيلة ظلت موجودة حتى العام 200 ق.م ، حيث نقلها الفينيقيين إلى قرطاج .. لأن المصادر الرومانية قد ذكرت أنه أثناء الحروب الفينيقية الثانية و قد تم إشعال النار بالخنازير وجعلها تركض باتجاه الفيلة ، وقد نجحت الخطة وخافت جميع الفيلة بإستثناء فيل هانبيال ، حيث ظل ثابتا ولم يصب بالهلع مما جعل المؤرخين الرومان يعتقدون أنه من سلالة الفيلة السورية .

ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المصدر
أسلحة أرخميدس مع القوسالأبراج الآشوريةةالرشاش الألمانيمدفع غوستافالفيلة السوريةالسيف الدمشقيالقوس المغولي

آريو

-كاتب من سوريا - الكاتب الأفضل في كابوس لشهر اغسطس 2022
guest
9 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى