أشباح و ارواح

الأشباح .. أرواح موتى أم عفاريت ؟

بقلم : محمد خير ناصر – تركيا
للتواصل : [email protected]

هل هي حقا ارواح موتى عادت من العالم الاخر؟

لطالما دار نقاش حول ماهية الأشباح، و إذا ما عدنا للوراء نجد أن هذه القضية لم تكن مطروحة بقوة في مشرقنا، يعود السبب الى ان التواصل و التماذج بين الثقافات كان أقل وتيرة، فمفهوم الشبح عند العرب كان مفهوما رمزيا ذو دلالة تصويرية لما يتهيأ للإنسان شعوريا أو لما يراه فعلا من أخيلة و ظلال و لم يرتبط بالخوف انما بالوصف او التشبيه و أحيانا لشيء حقيقي يراه الانسان فعلا دون ان يدرك تفاصيل ملامحه .

الكائن الماورائي الأشهر في بلدان المشرق الإسلامي هو الجني أو العفريت و هو محط تفسير الكثير من الظواهر الماورائية، و حسب ما ورد في القرآن الكريم الذي يدين به المسلمون أن الجن كائنات محجوبة عن الانس، فالناس لا يستطيعون رؤيتهم، لكن الشياطين اتباع ابليس يرون الناس، و بالطبع فالشياطين هم احد القبائل الكبيرة في عالم الجن ( انه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم ) الاعراف 27 ، و هذا قد يعني ان ذلك ينسحب على كافة قبائل الجن من حيث رؤيتهم للانس، و الآية الكريمة السابقة ربطت الرؤية بالظرف المكاني لقوله ( من حيث ) و هذا قد يعزز رأي بعض العلماء في أن الجن موجودين في ابعاد مكانية لا تراها العين المجردة للإنسان التي لا تدرك إلا ثلاثة ابعاد فقط، و ساتحدث عن هذه النقطة لاحقا .
لكن مفهوم ( الجن ) في الشرق الاوسط لم يبدأ مع الاسلام بل هو قديم و مذكور في الأديان السابقة، و يعزز القرآن الكريم ذلك بذكره السحر الذي كان منتشرا في بابل القديمة، و تسخير الشياطين لخدمة النبي سليمان عليه السلام في القدس .

الجن
قصص وكتب التراث تغص بحكايات مردة الجن

كما أن المؤلفات التي ظهرت في العصور اللاحقة اشارت إلى هذه المخلوقات، مثل كتاب عبد الله الحظرد، و ألف ليلة و ليلة خصوصا قصص السندباد البحري و مصباح علاء الدين و غيرها من القصص التي تشترك في فكرة خروج مارد محبوس في زجاجة او مصباح ، و ارتباط تلك الفكرة بما روي من قبل عن سجن مردة الجن و تقييدهم على يد النبي سليمان عليه السلام .

في الغرب وفي العصور الوسطى كانت الكنيسة تحذر الناس من التواصل مع الشيطان، و كانت عقوبة من يفعل ذلك عقوبة شديدة مغلظة لأن الفقر و الجهل الذي عاشه الاوروبيون آنذاك دفع البعض منهم الى تعلم السحر و كانت بوابة هذا العالم هي التعاقد مع الشيطان تحت مسمى ( بيع الروح للشيطان ) و تقديم خدمات شريرة له حتى يحقق مطالب الساحر ..
ايضا هذا الأمر كان موجودا في الشرق لكن مع اختلاف التسميات و مزيد من التضليل الشيطاني، فالتعاقد السابق كان اسمه ( طلب خدام ) و كان يتم بوسائل مختلفة كرسم الاوفاق و ضرب المندل، و كان الساحر يظهر للناس بمظهر التقي المكشوف البصيرة صاحب الفتوحات ..

من الخدمات الشريرة التي كانت محببة إلى الشيطان : سفك دماء الأبرياء خصوصا الأطفال، و أكل الجيف و شرب دماء القطط و الكلاب الضالة و الأشخاص المشردين بعد قتلهم، و النجاسة الدائمة في الثوب و البدن و المسكن، و يبدو لي أن شخصية ( مصاص الدماء ) ليست شخصية خيالية بل هي مقتبسة من افعال اولئك السحرة الذين كانوا لا يتوانون عن فعل اي شيء يرضي الشيطان خصوصا فيما يتعلق بالقتل و شرب الدماء حتى تستمر تلك العلاقة المريضة الشاذة، و كان الليل بظلامه الدامس يساعدهم على تنفيذ تلك المهمات القذرة حتى لا يتم الايقاع بهم .

لم يكن مفهوم الجن ( كمفهوم أعم و أشمل من الشيطان ) منتشرا في اوروبا بالشكل الذي رايناه لدى العرب، انما ورد ذكر الجنيات في القصص الشعبية مثل قصة ساندريلا، و عليه يمكن ان نفهم أن الاوروبيين على المستوى الشعبي كانوا ينظرون الى الجنيات على انهن كائنات طيبة و تمتلكن قدرات خارقة بالنسبة للبشر، و هن مختلفات عن الشياطين المنبوذة .

و يبدو أن فكرة الشبح كانت موجودة خصوصا في البلاطات و القصور و دخلت بوضوح إلى الأدب و الفن يدل على ذلك القصص المنقولة عن العصر الفيكتوري و ما قبله، كما ارتبط فن العمارة القوطي بالرعب و الغموض حتى يومنا هذا .

الشيطان
كان هناك اعتقاد بان الناس بامكانهم بيع انفسهم للشيطان بعقد مكتوب

مع انطلاقة النهضة في اوروبا و بزوغ الفلسفات الجديدة و اتجاه العقل الغربي نحو العلم و الصناعة، نحا الكثير من المفكرين لتفسير الظواهر الغريبة بتفسيرات علمية تتسق مع منطق العصر المادي الجديد أو بالمزج بين العلم و الخرافة كما يظهر في رواية فرانكنشتاين للكاتبة الانكليزية ماري شيلي ، و حوربت الأفكار القديمة بخيرها و شرها بعد الثورة الفرنسية و صعود الفكر اليساري، و لا نستطيع ان نقول ان الاوروبيين تخلوا عن المسيحية لكنهم وفق الفلسفة الوجودية التي سادت آنذاك جعلوا الانسان متفردا مسيطرا لا يخشى هذه الكائنات الخفية الضعيفة أو لا يؤمن بوجودها أصلا .

فانحسر مفهوم الشيطان في اوروبا لصالح الكائن الاقل قوة و شرا كتفسير ( عند البعض ) للظواهر و الاطياف الماورائية المحسوسة و هو الشبح الذي ينظر اليه كروح لميت .
في بريطانيا انتشرت فكرة أن الشبح هو روح ميت و كان من عادة الانكليز عقد جلسة لتحضير الارواح في السهرات المسائية مع الأقارب او الاصدقاء، و كانوا يبتغون من ذلك امكانية حضور احد معارفهم من الموتى للتحدث معه لكن الأمر كان مصبوغا بصبغة التسلية غالبا، و لا ننسى أن جو بريطانيا الضبابي و البارد كان يدفع الناس للتسلية في بيوتهم الدافئة بمثل هذه الأمور .

اما في الولايات المتحدة فقد بقي مفهوم الشيطان حاضرا بقوة إلى جانب روح الميت كأشهر كائنين ما ورائيين، وهذا الحضور باعتقادي يرتبط بالأدبيات الماسونية و تنظيماتها المنتشرة هناك بعد هجرتها من بريطانيا و ظهورها بشكل أكثر علانية، و مراجعة سريعة لسينما الرعب الأمريكية على مدى مائة عام تثبت ذلك، بل و تطور الأمر إلى انتشار ماكان يعتبر محظورا في العصور الوسطى في اوروبا و هو التعاقد مع الشيطان، ثم ظهرت عبادة الشيطان على يد انطون ليفي الذي أسس كنيسة الشيطان و اصبح له عشرات آلاف الاتباع .

تحضير الأرواح

تحضير الارواح
الروحانيات وجلسات تحضير الارواح لاقت رواجا كبيرا في اوروبا وامريكا القرن 19

في رواية الكاتبة الانكليزية أجاثا كريستي ( ثم لم يبق أحد ) نرى مجموعة من الأشخاص جمعتهم الظروف معا في جزيرة نائية، ثم يشرع قاتل مجهول يقتلهم واحدا تلو الآخر دون أن يعرفوه، فيلجأوون إلى وسيطة روحية، تقوم باستحضار لأحد القتلى لأجل أن يخبرهم باسم القاتل و بالفعل تحضر روح الضحية و تتكلم بصوته، و في اللحظة الحرجة التي يسألونه فيها عن اسم القاتل يقوم أحد المشاركين بفض الجلسة لظنه أن الأمر مجرد خداع .. فهل كان الأمر خداعا فعلا ؟ الرواية لم تقل ذلك، لكنها تبقى رواية على أية حال .

لكن ماذا نقول تجاه عشرات المستبصرين والوسطاء الروحيين الحقيقيين الذي اثبتوا اتصالهم بالموتى و بعضهم تعرض لاختبارات مباشرة و غير مباشرة و اجتازها و بعضهم كشف عن مجرمين و جرائم تعذر على البوليس حلها من امثال نانسي ماير و ايتا سميث، و كيف نفسر ظاهرة الأشباح الضاجة التي اثبتت بالمعاينة في المحاضر الرسمية في دول مثل بريطانيا و امريكا !

ليونورا بيبر تعتبر من اشهر الوسطاء الروحيين في القرن العشرين حاول اشخاص عدة الايقاع بها ، تجسسوا عليها ولاحقوها واجروا عليها الاختبارات و فى النهاية لم يكن امامهم إلا ان يعترفوا انها تتصل بالموتى، من هؤلاء وليام جيمس وهو عالم نفس مشهور, امضى اربعة اعوام يجرى خلالها الدراسات التفصيلية على تصرفات السيدة بيبر فذهب الى جلساتها واستجوب عددا كبير من حاضري هذه الجلسات و توصل اخيرا إلى انها تمتلك قدرات غير عادية، وبعد اعترافه هذا قامت الجمعية البريطانية للبحث النفسي بايفاد محقق من طرفها عبر الاطلنطى متجها الى بوستن ليدرس حالة هذه السيده وهو الدكتور ريتشارد هودجسون المحاضر بكمبردج والذى قضى شطرا كبيرا من حياته فى دراسة الظواهر الروحية الغريبة وعندما ذهب الى جلسة السيدة بيبر قدمه جيمس تحت اسم السيد سميث لكن ما ان بدات الجلسة حتى كشفت عن اسمه الحقيقى و اسماء اخوته و اخواته كما قالت ان والده و اخاه الاصغر قد توفيا وانه عندما كان صبيا كانت لعبته المفضلة مع ابن عمه فريد هي نطة الانجليز !

تحضير الجن

ساحر
في الشرق كان التركيز على تحضير الجن

بالمقابل نجد ان تحضير الجن قد شاع في المشرق، مع وجود فارق رئيسي و هو أن هذه العملية تختلف من ناحية المهارات او الطرق المستخدمة من كتابة الأسماء الخاصة و رسم الأوفاق و تلاوة العزائم .
و عالم الجن – كما يقال – يشبه عالم البشر من ناحية انه شعوب او قبائل متعددة و أديان متعددة، لكن و ان تشابهت الاديان فلا تتشابه القوميات فلا يمكن ان نقول جني عربي و جني انكليزي و جني هندي كما يذكر البعض على سبيل الفكاهة … فلديهم أسماء خاصة لقبائلهم و هم غير مرتبطون بالمكان المادي ( الوطن ) ذلك الرابط الموجود عند البشر، نعم هم يفضلون الأماكن النائية عن البشر ويسكن بعضهم الغابات و بعضهم الصحاري و آخرون البحار و الرياح و آخرون باطن الأرض و آخرون البيوت المهجورة و غيرهم المقابر و بعضهم المزابل و مكبات النفايات، لكن هذا لا يشكل انتماء وطني بالمفهوم الذي نعرفه في عالمنا، و هناك الجني المسلم و الجني المسيحي و الجني اليهودي، و جن تتخذ بعضها أربابا، و جن كافر و جن ملحد، بالاضافة الى الشياطين اتباع ابليس .

و ابليس وفق معظم المصادر لا يعتبر ابو الجن انما هو زعيم قديم لاحدى قبائلهم، و قصته معروفة في القرآن الكريم و الكتاب المقدس، و قد طلب الإمهال فعمر طويلا، و من الملاحظ أن النظام القبلي عند الجن نظام على درجة عالية من التعصب و الانتمائية، و هذا ما يجعل الاتباع يطيعون سيدهم طاعة عمياء في غالبية الأحوال، و هذا ما جعل اتباعه من الشياطين يطيعونه في سعيه لإضلال الانس و افسادهم .

و بالمثل فإن الجن المتدين ( سواء مسلم او مسيحي او يهودي ) لا يعمل ما يخالف معتقده في تواصله مع الانس، إن حدث هذا التواصل، و الجن حتى لو كان متدينا قد يؤذي الناس إذا آذوه سواء عن قصد او عن غير قصد، و لا يتواصل مع البشر الا اذا كان هناك حاجة او غاية له في ذلك .

في حالة السحر تكون هناك مصلحة متبادلة بين ملك من ملوك الجن ( غالبا شيطاني ) و بين الساحر، فيرسل الملك خداما من اتباعه ليخدموا الساحر، و الجني الخادم يتواصل مكرها معه، لأن طاقة الانسان تعاكس طاقة الجن كما ان الجن لا يحب التقيد بالتزامات خصوصا اذا كانت على المدى الطويل، اضافة لذلك فإن التجسد بتكثيف الطاقة الذي يمارسه الجني عند الضرورة أمر مرهق جدا، هذه الاسباب قد تدفع الخادم لايذاء الساحر او ايذاء احد اسرته، و يستطيع الساحر ان يشكوه لزعيمه فيعاقبه لكن بعد ان يكون قد تاذى منه .

قط اسود
الجن قد يتجسد لك في هيئات واشكال شتى

تجسد الجني لا يقتصر على اولئك الذي يخدمون السحرة بأوامر من زعمائهم ، بل قد يتجسد اجني من تلقاء نفسه، فأنت لا تدري عزيزي القارئ كم مرة رأيت عفريتا و أنت تظنه كلبا او قطة اوضفدعا أو حتى ذبابة حسب ما تراه عيناك !

لكن قبل أن أشرح كيف يتجسد الجن، لا بد من توضيح مسألة تعاكس الطاقة ..

إن تعاكس طاقة الجن مع طاقة الانس يمكن تشبيهه بتعاكس الطاقة المغناطيسية للأقطاب المتماثلة، أو يمكن ان نضرب مثالا تقريبيا عليه من عالمنا في الانسان الذي يشعر بنفوره من انسان آخر بسبب اختلاف الطباع و الأفكار بل و حتى التنافر الكيميائي بين شخصين كما هو معروف في الثقافة الجنسية …. لكن المسألة بيننا و بين الجن أكثر جوهرية وهي اشبه بالتنافس بين الكثافة و اللاكثافة .. بين الطاقة الحرة و الطاقة الكامنة … إن هذا التعاكس يقدم برأيي تفسيرا جيدا لحالة المس الشيطاني الذي يحدث بسبب ضعف طاقة الانسان ( او كما يقال فقدان الطاقة الايجابية ) مما يغري الشيطان بالهجوم من خلال فجوات في الطاقة المهلهلة عند هذا الانسان، فيتلبسه و يمنع طاقته الايجابية المعاكسة من البزوغ مجددا .. فتطغى عليه طاقة الشيطان و يصعب إخراجه من الجسد …

إن وظيفة المعالج في هذه الحالة هي اعادة تشغيل منابع الطاقة الانسانية الايجابية عند المصاب بعد ان جففها الشيطان … و هذه عملية تتطلب إخراج الشيطان أولا، و منعه من العودة خلال فترة العلاج التي قد تحتاج وقتا طويلا كما هي حال الامراض النفسية المرتبطة بالاكتئاب ، و هذا أمر غاية في الصعوبة و يتطلب ملازمة دائمة للممسوس .

و بالمثل فإن الجن العاشق لا يمكن ان يخترق جسد الانس المعشوق، لكنه يقوم بمراقبته و الاقتراب منه الى حد معين، و يحاول أذيته أحيانا أو ينتظر الفرصة حتى يقع هذا المعشوق في أزمة نفسية فتضعف طاقته و يستطيع مسه و التمتع بجسده ثم يتركه، ليعود اليه في فرصة سانحة أخرى .

قد يسأل البعض : و ماذا عن القرين الشيطاني الذي يجري من الانسان مجرى الدم حسب الحديث النبوي المشهور ؟

القرين هو من الخدام و هو مجبر على اطاعة أمر ابليس، كما سبق و أشرنا في اجبار ملوك الجن لخدامهم على التواصل مع الانس عند المصلحة و الغاية، و من هنا نعلم ان القرين يعمل مكرها و هو ضعيف لا يقدر الا على الوسوسة و يسعى باستمرار – وفق طبيعته – على افساد الانسان المقترن به في نقاط ضعفه الشعورية حتى تنخفض الطاقة المعاكسة و تصبح روحه بيئة مريحة لهذا القرين .

فالإنسان الصالح إذا ما ارتكب خطأ أو جرما – بتحريض من نفسه الطامعة و من قرينه الشيطاني – فإنه يشعر بتأنيب الضمير، و هي حالة فطرية دفاعية للروح الانسانية لاستعادة الطاقة الايجابية من خلال التوبة و الاعتراف، فيستمر القرين بالايحاء ( الوسوسة ) بالمبررات و المنطق الدفاعي ضد لا عدالة المجتمع و دفعه تجاه التوغل أكثر في الخطأ من منطلق الخوف او تجميل الفعل القبيح، فلو استمر هذا الانسان في الخطأ و الجريمة امتلأ كيانه بالطاقة السلبية و اصبحت روحه مرتعا لكل شيطان، لكن الشياطين لا تؤذيه بيولوجيا او نفسيا كما في حالة المس الموصوف اعلاه، من أجل أن يستمر في غيه و شره ، تماما كما الساحر الذي يتواصل معهم دوما لكنهم لا يؤذونه طالما انه يحقق مآربهم .
(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222))
و هنا أؤكد مرة أخرى أن الجن – و من ضمنهم الشياطين – كائنات عاقلة لديها تخطيط و تنظيم و تعرف ماذا تريد .

ماهو السبب الذي يدفع الجن للتجسد تلقائيا ؟

الأشباح .. أرواح موتى أم عفاريت ؟
عملية الولوج من عالم الجن لعالمنا ليست سهلة

الجن ليس مجرد طاقة موجودة في حيز مكاني ما، بل هو كائن يملك جسدا طاقيا متكامل الوظائف، و عملية الظهور في عالمنا لا تعتمد فقط على التكثيف .. بل تسبق التكثيف عملية الولوج من عالم الجن الى عالم الانس .

هذه المهارة قد تكون ضرورية لهم أحيانا، نتيجة العلاقة الفيزيائية بين الطاقة و المادة و ارتباط بعض حاجاتهم بشيء من الموارد الموجودة في عالمنا، فضلا عن سعي بعضهم للتواصل مع الإنسان لتحقيق بعض المآرب .

كما ذكرت هذه العملية مرهقة للجني، لكنها مبنية على آلية معينة تحتاج لتمرين و رياضة .. و لا يستطيع اي منهم التجسد مالم يصل الى مرحلة عمرية معينة و يمارس تدريبا على ذلك .. هذا ما يجعلهم يحاولون التجسد مرارا و تكرارا بعيدا عن الناس حتى يتقنوا ذلك .
بل أن قدرة المردة منهم على فعل الخوارق متباينة، كلّ حسب قوته، و نلمس ذلك في قصة النبي سليمان عندما امتحن العفاريت فيمن يحضر له عرش بلقيس بشكل أسرع .

و القصص الدينية التاريخية يذكر فيها حالات تشكل الجن على شكل انسان او حيوان.

عالمنا هو العالم الذي وصفه انشتاين بالعالم الثلاثي الابعاد ( طول – عرض – ارتفاع ) و يمثل رياضيا بـ ( محور X – محور Y محور Z ) و اضاف انشتاين محورا رابعا هو المحور T و هو محور الزمن ليضفي الحركة على الاشياء المادية التي لا يمكن ان تتجاوز هذه الابعاد .

يقول بعض العلماء أن هناك أبعاد مكانية أخرى و فيها تتواجد كائنات أخرى، قد يكون هذا احد التفسيرات حول الكائنات الفضائية، لكنه برايي الشخصي قد يكون تفسيرا مؤكدا حول مكان تواجد الجن، فهم يتواجدون في ابعاد اخرى أكثر تعددا و لا نستطيع نحن البشر ادراكها ، مما يجعل الجن قادرين على الدخول الى عالمنا لكن مع اعادة التشكل وفق المقاييس المادية المحدودة، و الأمر اشبه بطائر يترك الفضاء الواسع الذي يحلق فيه و يدخل الى بيت مغلق او مغارة، فهم يكرهون هذا الانتقال و لا يمارسونه الا اضطرارا او عند وجود غاية او مصلحة من ذلك، أما ولوج الانسان من عالمه الى عالم الجن فلا يوجد مصادر كافية تتكلم عن ذلك .

و لا أقصد بوجود أبعاد أخرى ما تقوله نظرية الاكوان المتوازية، لأن نظرية الأكوان المتوازية تزعم أن في كل كون من الأكوان المتعددة نفس الأشخاص مع اختلاف الظروف الزمانية و المكانية، و هي نظرية مبنية على علم الاحتمالات و تدعي وقوع كل الاحتمالات الواردة لكل حدث بسبب هذا التعدد، مما يجعل هذا التعدد كبيرا جدا أو لانهائيا !

لكن اعتقد أن نظرية الأوتار التي تقول بوجود 10 أبعاد في الكون، أي أنها أضافت ستة ابعاد افتراضية .. هي الأقرب لما أتحدث عنه من أن تلك الابعاد هي العالم التي تعيش فيه الكائنات الماورائية، مع التحفظ تجاه فرضية التوازي التي تقولها هذه النظرية ايضا.

و بالمحصلة ارى ان ماتقوله النظريتان يحتمل الخطأ الجزئي و النقص، و هما محاولة لادراك طيف بسيط مما وراء مدركاتنا .

هل الأشباح هم الجن ؟

من خلال ماسبق يتبين لنا أن الجني ليس بالضرورة أن يتشكل بهيئة شبح، فقد يتشكل بصورة حقيقية واضحة لانسان او حيوان او اي كائن مختلط او غير مالوف، و هذا التشكل ليس بالضرورة ان يكون طيفيا كما هي الحال بالنسبة للشبح الهلامي، مع الاخذ بالاعتبار انه قد يظهر ايضا بشكل الشبح، و قد لا يترك الا آثاره و بصماته و بالتالي فالمسألة هنا لا يمكن حسمها نهائيا .

هل الأشباح هم أرواح الموتى ؟

الأشباح .. أرواح موتى أم عفاريت ؟
هل الاشباح هم ارواح الموتى .. صورة مزعومة لشبح في مقبرة

سأعرض الإجابة على هذا السؤال وفق العقيدة الإسلامية، لكن يبقى النقاش مفتوحا لكل الأخوة الكرام في التعليقات .

هناك عدد من الباحثين المسلمين رأوا أن ارواح الموتى لا يمكن ان تعود الى الارض بل هي في عالم محجوز عن عالمنا، و استدلوا بالآية : حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون .

الآية تقول بوضوح أن عودة الإنسان إلى الحياة الدنيا بعد موته أمر مستحيل، و أن هناك حاجز يحجز ارواح الموتى عن العودة إلى الحياة الدنيا .

لكن ألا يمكن أن يكون ذلك البرزخ هو الحاجز بين عالمين منفصلين كينونة لكن متداخلين مكانيا ؟ كما في حالة الجن التي شرحناها أعلاه لكن بأبعاد أخرى أيضا غير الأبعاد التي يعيش فيها الأنس و الجن ؟

هناك حديث نبوي يقول أن روح الميت تعود الى الأرض و تحديدا إلى القبر للسؤال، و القبر كما هو معلوم يمثل حيزا مكانيا مدركا في عالمنا، لكننا لا نرى ما ورد عن عذاب او نعيم القبر … ألا يدل هذا على الانفصال الكينوني و التداخل المكاني في آن واحد ؟

أي أن ما يحصل في القبر لا نراه لأنه يحصل في ابعاد لا تدركها حواسنا رغم انه في نفس الحيز المكاني .

هذا التداخل المكاني ( تقاطع الإحداثيات المدركة مع الإحداثيات غير المدركة ) قد يتيح – في حالات نادرة – ظهور روح الميت في عالمنا على شكل طيفي في حالات خاصة مثل التعلق الشديد لأم متوفاة بولدها، أو الموت المفاجئ ظلما و قهرا … لكن دون أن يكون لها أي تأثير أو فعل أو تغيير في مجرى الأحداث .

وقد تظهر في الرؤى لتوصل رسالة، مستغلة خروج روح النائم مؤقتا من عالمها .

الروح تظهر أحيانا في عالمنا دون أن تغادر عالمها .

الروح الهائمة تزور آثارها المتبقية من عالمنا دون أن تلجه، و تحن لها كما يحن الغريب الكهل لأطلال طفولته إذا ما عاد للوطن بعد سفر طويل و رأى كل شيء قد اندثر و حلت العمارة الجديدة على انقاض ذكرياته .

بناء على ماسبق فليس هناك وجه للقول أن ارواح الموتى – إن عادت – فإنها تعود للانتقام أو التصحيح أو تستطيع فعل أشياء و لو كانت بسيطة، بل أن الجن هي من تفعل ذلك، و أن الأشباح الضاجة التي ورد ذكرها في عدة قصص بعضها موثق ماهي إلا عفاريت مشاغبة من الجن تلجأ لإخافة البشر الذين لا يرغبون بوجودهم، و أرى أن الفرضية التي تقول أن القرين يعيش عمرا أطول من الانسان و هو بمثابة قاعدة بيانات عنه، و بالتالي فهو يستطيع أن يلعب دوره و يقلده و يدلي بمعلومات عنه في جلسات تحضير الأرواح، هي الأكثر ترجيحا .
يعزز ذلك أن جلسات الويجا المشهورة كثيرا ما أدت إلى أذية بعض المشاركين، و هذه الأذية هي فعل شيطاني .. يدل على ذلك الأعراض التي صاحبتهم لاحقا، إذ لا يعقل أن روح الميت – سواء كان صالحا او طالحا في الدنيا – بعد أن اصبحت في عالم الحقيقة و في البرزخ الحاجز عن اي اضافة او تعديل في العمل، أن تعود لتعبث مع الأحياء و تؤذيهم !

للبت اكثر في هذه المسألة كان لابد لدي من المرور على بعض مقالات الأشباح في موقع كابوس، خصوصا تلك الموثقة بمحاضر رسمية و شهادات، و لكونه من الصعب ادراج كل ذلك في هذا المقال، اخترت مثالا واحدا و هو شبح الفنانة ذكرى الذي كتب عنه سابقا في هذا الموقع .

الأشباح .. أرواح موتى أم عفاريت ؟
هناك تقارير عن حدوث امور غريبة في منزل الفنانة الراحلة ذكرى

ملخص القصة أن الفنانة المشهورة ذكرى عادت إلى بيتها أحد الليالي بعد سهرة متوترة مع زوجها في حفلة افتتاحه لمطعم جديد، ثم مالبث أن لحق بها الى الشقة زوجها بصحبة مدير اعماله و زوجته .. و احتدمت المشاكل في تلك الليلة بين ذكرى و زوجها بسبب طبيعة عملها الفني و علاقاتها، و حاول مدير اعمال الزوج تهدئته دون طائل، و في لحظة غضب تناول الزوج سلاحه المخبأ في أحد غرف البيت و عاد الى زوجته مهددا، فاحتمت بالوسادة و لم تستجب فما كان منه إلا أن أطلق النار عليها و على مدير اعماله و على زوجة مدير أعماله فماتوا على الفور، ثم انتحر بنفس السلاح .

بعد عشرين شهرا من تلك الحادثة المروعة تقدم شقيق الزوج المنتحر إلى نيابة قصر النيل بطلب فتح الشقة من جديد بعد أن أخبره رجال حراسة العمارة عن صدور أصوات غريبة و عالية من الشقة التي وقعت فيها الحادثة، علما أنها بقيت مقفلة و مختومة بالشمع الاحمر طوال تلك الفترة .

و فورا توجه رجال المباحث إلى ذلك البناء و أخذوا إفادات حراس و سكان العمارة و قد أجمعوا كلهم على صحة تلك الإدعاءات و كانت الإفادات كما يلي :

– سماع أصوات صادرة من الشقة بين الساعة الثانية و الثالثة ليلا تستمر من 5 الى 10 دقائق، و هذه الأصوات تشبه أصوات القطط عندما تتعارك .
– عند الساعة السادسة صباحا من كل يوم ( و هي ذاتها ساعة وقوع الجريمة ) فإن مصعد العمارة يصعد تلقائيا ليتوقف عند الطابق الثاني ( و هو طابق شقة ذكرى ) دون أن يستدعيه أحد علما أن هذا الطابق لا يسكنه أحد لأن العمارة تحتوي شقة واحدة في كل طابق .
– رؤية نافذة البيت مفتوحة من خارج العمارة و تطاير الحجارة منها على حراس العمارة
– رؤية الجيران لباب الشقة مفتوحا في بعض الأحيان، لكن من دون أنوار حيث تظهر الشقة مظلمة من الداخل ، و لم يجرؤ أحد على الدخول .

بعد أخذ الإفادات قامت المباحث بتكسير الشمع الأحمر و فتح الشقة، ثم دخلوا و لاحظ الضابط حسب ما يقول في تقريره أن دماء الضحايا التي كانت عالقة على الأرض و الجدران و الأثاث لم يتم تنظيفها بالكامل و أن رائحة تلك الدماء ماتزال تفوح في المكان، و شعر بأن هناك من يراقبهم بالزوايا المظلمة للمنزل، ثم تفقد النافذة فوجدها فعلا مفتوحة، لكنها مفتوحة بشكل طبيعي من الداخل دون أي أثر لتحطيم أو خلع !

تحليل القصة

إن معظم من تكلم في هذه القصة فسر الأصوات و الأمور الغريبة بأنها من فعل تلك الأرواح المعذبة، و هناك قلة ممن يعتبرون أن ذلك لا يعدو عن كونه من فعل الشياطين لإخافة البشر .
كيف نثبت أن أرواح الضحايا و ربما معهم روح المجرم تزور الشقة ؟

ما يلفت النظر أن الحادثة تتكرر كل يوم .. صعود المصعد ثم الأصوات و الشجار ثم يعود الصمت ..

هل هذا يذكرنا بالحديث الذي يقول أن المنتحر يكرر حادثة انتحاره إلى الأبد ؟ إذا كان الأمر كذلك فما ذنب الأرواح الثلاثة المظلومة الأخرى أن تعيش معه نفس الفاجعة بهذا التكرار البائس .

لا يمكن الحصول على دليل واحد أن من يفتعل تلك الأمور في الشقة هي الأرواح .

أحد الإفادات تقول أن الأصوات تشبه أصوات شجار القطط .. و السؤال هنا : هل تتجسد الأرواح على شكل قطط ؟

المعروف عند الكثيرين و حسب التجارب و القصص الأخرى أن الشياطين هي التي تتجسد على شكل قطط، و حتى لو لم يحصل هذا التجسد فإن اصوات صراخ القطط المتصارعة هو الأقرب للطبيعة الشيطانية و ليس الروحية .

ثم هل يمكن للنفس الإنسانية المتوفاة أن تعود من برزخها لتقوم برمي الحجارة على الناس، مما قد يؤدي الى القتل، فتحمل بذلك وزرا جديدا يضاف إلى أوزارها في الحياة ؟

حسب ماسبق أرجح أن شقة الفنانة الراحلة كانت مسكونة بالشياطين التي تتغذى على الطاقة السلبية و الدماء المتيبسة في المكان، لكن لا يبعد أن يكون القرين المنتصر في إهلاك صاحبه هو الساعي لإحداث تلك البلبلة مع رفقائه من الشياطين الأخرى .. الأمر أشبه باحتفال يومي بذلك الانجاز .

فكما ذكرنا سابقا .. ففضلا عن أن الجن تحب الأماكن المهجورة فإن الشياطين منهم تحديدا تتقوى بوجود الطاقة السلبية في بعض تلك الأماكن، و لا ريب أن ارتكاب جريمتي القتل و الانتحار يبدأ حين يبدأ كفكرة من وسوسة الشيطان .. تلك الفكرة السوداء التي تأكل من عقل الجاني حتى يحولها إلى واقع .. فيسفك الدماء، و هذا السفك هو من أكثر الأمور التي تسعد الشيطان، وحتى السحرة كما أوضحت سابقا لا يبلغون الحظوة عند الشيطان قبل أن يسفكوا دما ..

***

أخيرا عزيزي القارئ و قبل أن أسألك عن رأيك فيما قدمته من معطيات ..
هل يمكن لعين الإنسان – من الناحية البنيوية – أن ترى شبحا ؟

لكي ترى عين الانسان اي شيء يجب ان يكون هناك ضوء خارجي ياتي على هذا الشيء و ينعكس الى العين .. او يجب ان يكون هذا الشيء مصدر للضوء ( كالنار و المصباح مثلا ) … و لا يوجد احتمال ثالث، اللهم الا ما يسمى بالادراك او الاستشعار الروحي ( ايا كانت التسمية ) الذي لا يستخدم العين، و هو ما لا يمكننا اعتباره لأنه ليس موضوع بحثنا هنا
إذن لنعود الى الافتراضين الاول و الثاني …

– حسب الافتراض الاول : الاشباح تعكس النور الواقع عليها و هذا يعني انه لا يمكن رؤية الشبح في الظلام الدامس، ولابد من وجود مصدر نور لتمييزه، و ان الشبح يتحصل على كثافة مادية من خلال طاقته الماصة … .. أي أنه يمتص الذرات المحيطة فيظهر بها .. أو يمتص الضوء و الحرارة المحيطة بنا، و بعض الباحثين يقول أن حصول البرودة المفاجئة في مكان ما تدل على حضور شبحي، و تبدو لي هذه الآلية الأكثر ترجيحا بالنسبة لظهور أرواح الموتى في تقاطع الإحداثيات بين عالمين كما ذكرت سابقا .

حسب الافتراض الثاني : الاشباح مصدر نور يظهر من خلال ولوج الشبح إلى عالمنا بشكل كامل ، و يظهر ككائن مضيء في الظلام .. و اعتقد أن هذه هي الآلية التي يظهر بها الجن، فهم كائنات مخلوقة من نار .

خلاصة الكلام أن الشبح اما روح او جن .. فإذا كان روحا لإنسان ميت فإنها تحتاج الى مجموعة من العوامل الذاتية و الظرفية لتظهر لنا ( في اليقظة أو في المنام ) دون أن يكون لها أي فعل أو تأثير لا على الأحياء و لا حتى على الجمادات، و اذا كان جن ( عفريت – شيطان – مارد ) فإنه يحتاج الى تغيير بنيوي في طاقته ليصدر عنه الضوء الذي يعطيه شكلا فضلا عن قدرته على الولوج .. و يلعب خلل او ضعف الطاقة النفسية او قابلية الجذب التي يمتلكها الاشخاص المحيطين من الانس دورا في ذلك .. و الجن في الحالة الطبيعية تهرب من اماكن سكن الانس بسبب تعاكس الطاقة و تفضل الاماكن النائية و الموحشة و المهجورة .. و الله اعلم .

المصادر :

– مبادئ العلاج بالطاقة الحيوية – عالم الروح بين الطاقة والمادة – تأليف : عبد التواب عبد الله حسين
العوالم المتوازية .. بين أساطير الماضي وواقعية العلم في الحاضر – موقع كابوس – تأليف : د. محمد زهير
الشقة 112 : شبح الفنانة ذكرى – موقع كابوس – بقلم : توتو

تاريخ النشر : 2018-05-23

guest
69 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى