قتلة و مجرمون

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق

بقلم : ريوف – السعودية
للتواصل : [email protected]

جريمة مروعة نالت تغطية واسعة في وقتها

في إحدى ليالي شهر أوغست الدافئة تلقت الشرطة اتصالاً

 

– مرحبـ..

– احدهم قتل والديَّ !!

 

كان المتصل يصرخ بنبرة مرتعشة مع وجود شخصٍ يصرخ و ينوح في الخلف .

 

– ماذا؟

– احدهم قتل والِداي !! تباً ايريك اخرس!!

 

كان هذا الاتصال من قبل “لايل مينيندز” ذو الـ٢١ الذي عاد هو و أخيه “ايريك مينينديز” ذو الـ١٨ من عرض سينمائي ليجدا والداهمَا جاثمين في قصرِ والِدهم – بيفرلي هيلز ، و قبل ان نبدأ الغوص في تفاصيل القضية ، دعونا نعود للخلف ..

من زرع .. ما حصد

كان “خوسيه مينينديز ” من سكان كوبا “هافانا” لاعب كرةٍ معروف بين أصحابِه ، انتقل خوسيه بعد ان بلغ الـ16 مع عائلته الى أمريكا عندما اصبحت السلطة بيد “فيدل كاسترو” و حدث هذا في عام 1960م .

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
الزوجان السعيدان

اكمل خوسيه دراسته في أمريكا و استطاع ان يدخل الى الجامعة عام 1962م بمعدلٍ مرتفع فقد كان شاباً مثابراً طموح لا يرضى الا بالمراكز الاولى ، اثناء دراسته في جامعة جنوب إلينوي في كاربونديل إلتقى بـ”كيتي”، و سرعان ما حال بين الاثنان تجاذبٌ غريب ! و غرِقا في دوامة الحب متجاهليّن اختلاف الاعمار او الخلفيات العرقية ، فقد كانت “كيتي” تكبر “خوسيه” بـ٣ سنوات ! .

عندما تخرجت “كيتي” من الجامعة خرج “خوسيه” هو الآخر ، و انتقل الاثنان عام 1963م الى مدينة الأحلام نيويورك و تزوجا هناك ، و ها قد كوّنا أسرة صغيرة ، لكن الاسرة تحتاج دخلاً لتعيش ؟ لذا التحق “خوسيه” بكلية كوينز ليكمل تعليمه ، اما “كيتي” فبدأت بالعمل كمعلمة في مدرسة ابتدائية .

تخرج خوسيه عام 1969م كمحاسب قانوني معتمد و بدأ بالعمل لصالح شركة المحاسبة الدولية كوبيرس و ليبراند ، عاشت العائلة في هناء و دلال ، لديهم كل ما يحتاجونه من مأكل و مشرب و سمعة طيبة .

قصة لطيفه و نهاية سعيدة أليس كذلك؟ لكن في الواقع قصتنا لم تنتهي بعد ..

 

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
خوسيه مع طفليه

في تلك الفترة من بداية حياة “خوسيه و كيتي” كثر تنقلهما فانتقلا أولاً الى إلينوي ثم الى نيو جيرسي حيث وُلد الابن الأكبر “لايل مينينديز” عام 1968/1/10م – نداء الى اصحاب برج الجدي – ، اي قبل ان يتخرج “خوسيه” من الجامعة بعام ، و على الرغم من ان “خوسيه” كان لا يزال شاباً إلا ان فرحته بإبنه كانت عارمة ، اما “ايريك” و هو الابن الثاني فولِد عام 1970/11/27م  – نداء الى اصحاب برج القوس- حيث استقرت العائلة و اصبحت “كيتي” ام بدوام كامل .

نشأ لايل و إيريك في برينتسون “نيو جيرسي” نشأة جيدة توفرت لهم الالبِسة و الطعام و الشراب ، كل شيء عدا الاحتواء السليم ، فقد كان “خوسيه” رجل نظامي يمشي على قواعد صارمة و يربي عليها ابناءه ! حتى يغدوا رجالاً ذوي مناصب عالية فقد كان مؤمنا بمنطق ” من زرع حصد” و لكنه لم يعلم بأنه و بسبب شدته كان يزرع في حقول الريح ، فالثمار الناضجة لا تنموا في المناخ السيئ.

نتوء البذرة ..

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
صورة قصر عائلة مينينديز في بفرلي هيلز

درس الاثنان في “princeton day school” و هي مدرسة جيدة أكاديمياً ، لكن مستوى “ايريك و لايل” كان متوسطا ، و لاحظ الأساتذة بأنهما غير ناضجين بالنسبة لسنهما كما ان لديهم بعض المشاكل في التعلم لكن “خوسيه” الصارم كما ذكرنا لم يكن يصغي الى هذه الملاحظات البسيطة ، كالتدقيق قليلاً في أسباب صعوبة استقبالهم للمعلومة و غيرها من المشاكل ، كان مسيطراً صعب الإرضاء و تغطي صرامته جميع جوانب حياة الاسرة فحتى الطعام الذي يتناولونه لم يسلم من سيطرة “خوسيه” كان يحاول ان يجعل ابناءه معتمدين بشكل كلي على أنفسهم و يتحملوا مسؤولية ابسط افعالهم و نتائجها حتى يتمكنوا من صد صعاب الحياة في المستقبل فكما ذكرت سابقاً نبذة عن حياة “خوسيه” و كيف استطاع ان يبني عائلة و يحصل على وظيفة جيدة في عمر صغير ، أراد ان يبث صفة الاعتماد على الذات فيهما و لكن “ايريك ولايل” كبقية الأطفال لم يستطيعوا فهم ان شدة ابيهم عليهم نابعة من حب و خوف ، فقد ذكر “لايل” لقناة ABC عن والِده : “كان والِدي شخصاً يتمتع بالوسائل و المكانة ، و لم يكن ليسمح لأي شخص بان يتدخل في طريقته بالتربية او كيفية رفع أسرته”.

اما “كيتي” وهي الام بدورها لم تكن تتدخل في قواعد “خوسيه” التربوية فكما ذكر “لايل” والده لا يحب ان يتدخل أحدٌ بوسائله التربوية ! مما جعل الصبيين يشُكان بمحبة والِدتهما لهما .

كما ان “إيريك” كان شديد التعلق بأخيه الأكبر “لايل” و صرامة والدهما زادت اواصر العلاقةِ قوة .

قرر “خوسيه” أيضاً ان اطفاله “يجب” ان يتفوقوا في مجال الرياضة ، حينها كان “لايل” يبلغ ١٢ عاماً و “ايريك” ٩ أعوام ، و كما ذكرت سابقاً كلاهما متعلق بالآخر لذا اتفقا على رياضة التنس و التي سيُصبِح الاثنان فيما بعد موهبانِ فيها للغاية .

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
صورة عائلية

مع نمو الاطفال بدأت الخسائر تحيط بـ”خوسيه و كاتي” فكلٌ من “لايل و ايريك” يحتاج الى رعاية صحية ، فقد كانا يعانيان من آلام معدة ، صرير اسنان ، بالاضافة الى التأتأة في الكلام و بعض الضغوط المزعجة . كما يقال بأنه و بحلول سن الـ١٤ كان “لايل” لا يزال يبلل فراشه و يلعب بالحيواناتِ و الألعاب المحشوة .

و في وقت لاحق وصف بعض الأصدقاء بان الأخوين كانا مختلفين تماماً من ناحية الشخصية و الصفات ، فقد كان “لايل” بعيداً قليلاً ، كما انه قد عانى مشاكلاً في التمييز بين الواقع و الخيال ، لكن له شخصية قوية و ذكاء ملحوظ .

اما “ايريك” فكان على ما يبدو حساساً هادئاً كثير الكتمان لكن على الرغم من ذلك كان فتى شعبياً بين الفتيات في المدرسة.

عندما يدب العفن في الثمر ..

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
كانت لايريك شعبية كبيرة بين البنات

بدأت علامات النزعة السلبية و العدائية بالظهور على الأخوين مينينديز ، واولها كان عام 1982م عندما كان “لايل” يبلغ ١٥ عاماً و “ايريك” ١٢ عام ، في ذلك العام جاءت ابنة عمهما “ديان فان دير مولين” و التي كانت قريبة منهما عمراً لقضاء العطلة الصيفية مع العائلة ، و في اول ليلة لها كانت “ديان” تلعب مع “ايريك و لايل” لعبة المصارعة الحرة و فجأة بدون مقدمات قام الصبيَّان بتقييدها و محاولة نزع ثيابها ، في بادئ الأمر ظنت “ديان” بان الأمر مجرد مزحة و ان اللعبة لا تزال مستمرة ، فبادلتهما الضحكات ، ولكن بمجرد ان أُنتزع قميصها بالكامل دب الرعب في قلبها و بدأت بالصراخ ، فتوقف الصبيان فوراً .

و في موقفٍ آخر كان “لايل” يشاهد التلفاز برفقة “ديان” ، كانت الأمور تسير على ما يرام قبل ان يباغتها “لايل” و يضع يده على ثدييها ، و سرعان ما قذفته بعيداً عنها ، لكن و على الرغم من صدها له و دفعِه ؟ لم يفعل شيئاً.

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
كان الاب صارما يتطلع لمستقبل كبير لولديه

في عام 1985م عُرض على رب الاسرة “خوسيه” منصب رئيس الترفيه لشركة متخصصة بتوزيع الفيديو في ولاية كاليفورنيا ، قبول “خوسيه” لهذا العرض يعني الربح الوفير و المكانة الرفيعة ! و من لا يحب الربح ؟ ، لذا قام “خوسيه” بإقناع عائلته بأن التحرك الضخم من الساحل الشرقي الى الغربي سيكون في مصلحة الجميع ، و خلال تلك الايام كان “لايل” ابن الـ١٧ على وشك التخرج من المدرسةِ الثانوية لذا قرر البقاء في نيوجيرسي لحضور جامعة برينسون ، اما بقية العائلة “خوسيه و كيتي” و “ايريك” البالغ من العمر ١٤ عاما انتقلوا الى كالاباساس في وادي سان فرناندو ، و التحق “ايريك” بمدرسة كالاباساس الثانوية ، اما “لايل” فقد كان يقوم بزيارة عائلته في كاليفورنيا كل نهاية اسبوع و كم كان الموضوع صعباً بالنسبة للأخوين مينينديز اللذان كانا شديدين التعلق في بعضهما البعض ! .

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
لم يكونا على مستوى طموح والدهما

و في عام 1986م تم رفض طلب التحاق “لايل” بالجامعة ، لكنها قُبلت في العام الذي يليه ، و لكن الامور لم تسر على ما يرام معه فخلال فصله الدراسي الاول في الجامعة أُتهم بالانتحال ! و تمت إحالته للجنة التأديبية في الجامعة لمدة عام .. و قيل انه بامكانه العودة من جديد

عام 1988م ..

و كم كانت خيبة “خوسيه” كبيرة ، لكنه لم يستطع ان يرى ابنه فاشلاً هكذا لذا قرر خوسيه من جديد بان ابنه “لايل” قد يبدع في مجال التجارة و العمل لذا حاول البحث عن مكانٍ شاغر في شركته الترفيهية ، و فعلا وجد “خوسيه” مكاناً ، و وظف ابنه و بدأ في محاولة إرشاده للعمل ، و تمت معاملتهُ مثل بقية الموظفين ، لكن “لايل” كان طائشاً ، يتغيب عن العمل اوقات و يتأخر في المجيء اوقات ، وان كان الطقس جيداً ؟ فهو لن يمانع بأن يتملص من العمل لأجل لعب التنس .

الثمرة الفاسدة؟ لا تعود ناضجة من جديد ..

في 1989/8/20 سمع الجيران أصوات طلق ناري صادرة من المنزل المجاور ! لكن لم يتدخل احد ظناً منهم بأنها أصوات العاب نارية و مفرقعات لكنها في الواقع جريمة قتل مع سبق الإصرار و الترصد ..

تم أخذ الأخوين مينينديز الى التحقيق نظرًا لكونهما الشاهد الاول للحادثة و الأقرب الى الضحايا ..

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
مسرح الحريمة ، حيث قبع فيها خوسيه و زوجته

اثناء التحقيق ادلى الشقيقان و اللذان كانا في حالة من الذهول بأن والديهما كانا مُتعبان من بعد قيامهم برحلة صيد عائلية استمرت حتى منتصف الليل من الليلة السابقة لذا قررا الجلوس و الاسترخاء في المنزل ، اما الصبيان استأذنا بالخروج لحضور احد الأفلام مع بعض الأصدقاء ، و عند عودتهم من السينما فوجئ كل منهما بالمناظر الشنيع !! فقد كان “خوسيه و كيتي مينينديز” مضجعان على بركة من الدماء في غرفة المعيشة “خوسيه” ممد على الأريكة و “كاتي” ملقية على الارض ، !! تبين من تحليلات الطبي الجنائي بان “خوسيه” قد أصيب باصاباتٍ في أماكن متفرقة لكن ما ارداه قتيلاً هو طلقة استقرت في رأسه من الخلف ، بينما “كاتي” تبين بأنها قد حاولت الهرب لكن تم إطلاق النار عليها ما يقارب ١٠ مرات على الاقل ، تضمنت هذه الطلقات أماكن متفرقة من وجهها مما صعب التعرف عليها .

في بادئ الامر دارت شكوك المحققين حول عصابات و مافيا ، فقد كان “خوسيه” رجلاً غني رفيع المكانة معروف مما يعني بان له من العلاقات الشيء الكثير ! و لربما قتله من يحمل ضغينة ضده؟ بينما ظن البعض بان المجرمين مجموعة سارقين ، لكن لم تتم سرقة اي شيء من المنزل عدا ارواح الزوجين .. و الغريب بان القتلة خرجا من المنزل لإعادة تعبئة البنادق للعودة من جديد و إطلاق المزيد من الرصاص ، حتى تأكدوا بأن الضحيتانِ قد ماتوا .

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
قبر الأبوين مينينيديز

بعد عدة أشهر من الحادثة و تحديداً في آذار 1990م كان “ايريك” ذو الـ١٩ يرتاد طبيباً نفسياً ، و ذات مره زلَّ لِسَان الصبي و اعترف لطبيبة بما اقترفته يداه هو وأخيه ، لم تلبث ثوانٍ حتى دب الرعب في قلب “ايريك” فقد افتضح أمره ، لذا هدد الطبيب بالقتل و المصير المشابهِ إن اخبر أحداً ، و لكن لكل عزيزٍ عزيز .. فبعد حديث “ايريك” مع طبيبهِ ذهبت صديقة الطبيب النفسي للإبلاغ عن جريمة ” ايريك و لايل مينينديز” ليتم القبض عليهما و تبدأ سلسلة من التحقيقات و الاعترافات .

حلَّ خبر القبض على الإخوة كفأس على رأس معارف العائلة ! فقد وصفوا علاقة الأسرة بأنها ذات علاقة رائعة و متماسكة تمشي على نهجٍ مثالي بل و يضرب بهم المثل في العائلة السعيدة ! فكيف يحدث شيء مروع كهذا و خصوصاً من قبل شابين هادئين مثل “لايل و ايريك”.

للبيوت اسرار ..

اثارت محاكمة الأخوين مينينديز ضجة في أرجاء أميركا ، أكثر من ٢٠ مليون أمريكي قاموا بمشاهدة بث محاكمة الأخوين على قناة كورتف بل و تعد من اكثر حالات القتل شهرة في التسعينات .

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
زعما ان ابيهما كان يتحرش بهما

اما بالنسبة لـ”لايل و ايريك” فبدأ الاثنان بالأعتراف بعدة أمور بررا فيها فعلتهما في المحكمة ، فقد ادلى “لايل” و شقيقه بان والِدهما كان يسيء معاملتهما ، فقد عاشا تحت خوفٍ و ضغط بسببه ، كما اضافا ان والِدهم قد تحرش بهم جنسياً ، “ايريك” صرح بانه عانى من سوء المعاملة لسنوات عديدة !! بل و حتى ان والدهما قد توعدهما بالقتل إن أفشيا سر العائلة .. و شهدوا بان والدتهم كانت تعرف بإفعال والدهم المشينة لكنها لم تفعل شيئاً حيال الأمر : “كان من المفترض ان تحمينا”

“بسرعة و مع تقدمك بالسن ، كُل تلك الاسرارِ الصعبة و التجارب المؤلمة تنغلِق ، تغلقها انت و تبقيها بعيداً عنك ، لان هذه هي الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة” : هذا بعض ما قالهُ “لايل” لقناة ABC ، كما انه عنى من خلال كلمة “الأسرار” تجاربه الموجعة – كما يدعي – التي تشاركها مع أخيه “ايريك” .

كما اكمل حديثهُ عن تلك التجربة معبراً بإنها كانت مروعة و مربكة بالاضافة الى تعقيدها : “لدينا علاقة حميمة تتعلق بهذه التجربة المشتركة التي خضناها سوياً “

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
علاقة الاخوين كان قوية ببعضهما

و كما ذكرت سابقاً عن علاقة الأخوين القوية فقد تحدث عنها لايل أيضاً قائلاً : انا الأخ الأكبر ، لذا و جدت نفسي احاول حماية ايريك قليلاً من ما عاناهُ في مرحلة الطفولة ، و بجهد اكبر لجعله يبقى على قيد الحياة .

اكمل “لايل” : و في نهاية المطاف ، كان من السهل جداً ان اكتشف بأنني لم استطع انقاذه او حمايته كما ظننت .. اعتقدت اننا نجونا نوعاً ما مما حدث لنا في الطفولة ، و الذي اتضح لي لاحقاً بانه لم يكن صحيحاً .

و في وقت قريب من وقتنا الحالي ظهر بريان أندرسون ، وهو شقيق كيتي ، و نفى ادعاءات ابن أخيه بأنهم تعرضوا لسوء المعاملة في المنزل حيث قال في إحدى المقابلات : ” لم يكن هناك اي مؤشرات على حدوث اي شكل من الاعتداء على الصبيين ” . و زعم بأن القتل كان من اجل المال و الجشع .

لماذا قتل “كيتي و خوسيه”؟

في الواقع كان الأخوين الطائشين يقومان بعمليات سطو على المنازل و هذا السطو كان احد أسباب تنقلات العائلة المستمرة “كما قيل” ، و لأن “خوسيه” كان صارما مع أبناءه فقد فرض قوانين صارمة عليهما ، فهو يريدهما أن يسلكا طريق النجاح و التميز لا الكساح و الفشل ، لكن لا حياة لمن تنادي فقد استمر المراهقان “لايل و ايريك” العنيدين على أفعالِهم و لم تفلح قوانين أبيهم و شدَّته معهم ، لذا و بعد تفكير مطول ، قرر “خوسيه” بان أبناءه لا يستحقان ما سيرثانِ من أموال بعد وفاتِه ، لذا استثناؤهما كان الخيار الأمثل .. و لما علم “ايريك و لايل بذلك ؟ اقترفوا فعلتهم و لوثت أيديهم دماء الجريمة .

***

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
صور الاخوين خلال محاكمتهما

في مطلع عام 1994 انتهت المحاكمة الاولى ، و كان المحلفون في حيرة من امرهم ، فبعضهم اخذته العواطف و صوَّت لان يكون الإخوة مدانين بالقتل الخطأ نظراً لسوء المعاملة التي كانا يتلقيانها كما يزعمان ، و البعض الأخر صوَّت لأن يكونا مدانين بالقتل من الدرجة الأولى اعتقاداً بأنهما قاما بالجريمة لأجل المال .

المحاكمة الثانية ابتدأت في عام 1995م و التي لم يسمح فيها باستخدام الكاميرات ، لذا لم يتم بثها في التلفاز ، كما قضى القاضي بعدم السماح بالأدلة التي تدعم قول الشابين بأنهما تعرضا لسوء معاملة ، و بما في تلك الأدلة الغير مسموح بها شهادة عشرة من أفراد العائلة ، و قرر القاضي أيضاً عدم إعطاء المحلفين خيار التصويت على ادانة القتل العمد .

وفي آذار 1996 .. اخيراً و بعد طول انتظار ، حكم على الأخوين مينينديز بالسجن مدى الحياة دون إمكانية الإفراج المشروط .. مع إمكانية استئناف الحكم .

ومرت السنين ..

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
الى السجن ..

عبر “لايل” عن مشاعره بقوله بان هماً كبيراً قد انزاح عن كتفيه بعد حديثه عن عائلته و عن كم اصبح مختلفاً عن ما كان عليه في سن المراهقة فهو أصبح الآن رجلاً يبلغ من العمر 49 و ربما عُمره الآن يعادل عمر ابيه عندما قَتَلَه .

بالنسبة لـ”إيريك” الذي اصبح يبلغ من العمر الآن 46 فقد رفض جميع طلبات اجراء مقابلة معه ، لكنه ذات مرةٍ شرح لباربرا والترز في مقابلة اجرتها معه وكالة الأنباء البريطانية في عام 1996 انه يشعر “بندم كبير” على ما اقترف في ذلك الوقت و قال : “ليس هناك يوم يمضي ؟ إلا و أفكر فيما حدث ، وأتمنى أن أعود إلى الوراء ، الى تلك اللحظة تحديداً”.

من الجدير بالذكر بان الأخوين أُرسل كل منهما الى سجنٍ مختلف بعد إدانتهما و لم يشهد اي منهما الاخر وجهاً لوجه منذ ذلك اليوم ، يتواصلانِ بالرسائل و لكن ظمأ القلب لا تطفئه قطرة ماء و الرسالة لا تُصمت الولَه و الشوق .

“كنت افكر ماذا سيحدث بعد ان ينفصل عني ، كيف ستجري الامور معه ؟ ، و كم هو مدهشٌ لي رؤيته كيف كَبُر و تجاوز تلك الظروف الرهيبة ليصبح رجلاً عطوفاً ، انا فخور به” : هذا ما ذكره “لايل” عند سؤالِه عن ايريك و حالهِ في السجن ، كما ذكر بانه يعمل مع المرضى و المصابين عضلياً و ذوي الإعاقات الجسدية في سجن ولاية بلاسانت فالي في كوالينغا بولاية كاليفورنيا حيث يقضي عقوبته ، لهذا وصفه “لايل” بالعطف .

كما ذكر “لايل” بأنه و أخيه لم يتحدثا أبدًا تقريباً عن جريمة القتل فهي “مروعة و ثقيلة لِدرجة السحق” بالنسبة لهما .

زواج الأخوين ..

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
تزوج ايريك في السجن من تامي

وقد تزوج الأخوان أثناء وجودهما في السجن ففي عام 1999، تزوج “ايريك” تامي مينينديز ، التي بدأت بمراسلةِ “ايريك” منذ محاكمته الاولى و لم تتوقع بما ستؤول اليه العلاقة ، انطلق الاثنان بالتواصل عبر الرسائل بِشكلٍ ثابت حيث كانت “تامي” تشرح لـ”ايريك” ما تواجهه في حياتها من صعوبات و مشاكل ، حصل تجاذب عجيب بين الاثنان يشبه التجاذب الذي حصل بين “كيتي و خوسيه” و كأن الزمن يعود ليفرض نفسه من جديد ، فـ”تامي” التي خرجت لتوها من علاقة حب فاشِلة و جدت نفسها اسيرة حبٍ مع مجرمٍ بعواطف جياشة ! بادر “ايريك” تامي واقترح عليها الزواج منه فوافقت هي الاخرى على ذلك و لم تمانع بان تخصص يومين في الاسبوع لتقود مركبتها 150ميلاً من دون ملل او كلل لزيارة زوجها و السماحِ له بالتعرف على ابنتها من زوجها الاول و الذي اصبح “ايريك” بدوره كأبٍ لها ، و لا تزال “تامي” مستمرةً معه حتى يومنا هذا ، و مؤخراً أصدرت كتاباً يتحدث عن علاقتهما أسمته “They said we ve Never make it” و كأنها تتحدى جميع من ينتقد علاقتهما و يُزعم بعدم استمراريتها : “إن عدم ممارسة الجنس في حياتي أمر صعب، ولكنه ليس مشكلة بالنسبة لي ، فأنا مرتبطة عاطفياً به” .

اتساءل اي نوعٍ يملك “ايريك” من الشخصيات لتقف تامي و تصرخ في وجه جميع أقاربها و من لهم معرفة بها و تحارب من عارضها لأجله ..

الإخوة مينينديز .. عندما يتجسد العقوق
لايل تزوج في السجن مرتين

اما “لايل” فتزوج لأول مرة من العارضةِ آنا إريكسون في في عام 1996 اي قبل اليوم الذي سيُحكم به بالسجن مدى الحياة ، لكنهما انفصلا عام 2001 ، و تزوج مرة اخرى مِن ريبيكا سنيد في عام 2003 و هي الاخرى أيضاً لا تزال مستمرةً معه حتى يومنا هذا ولا توجد الكثير من المعلومات عن كيف التقيا و غيره ، لا يملك ايٌ من الأخوين اطفالاً من صُلبهم ، وبموجب قانون ولاية كاليفورنيا، تحظر الزيارات الزوجية لأولئك الذين حكم عليهم بالحياة دون الإفراج المشروط .

“انا في سلامٍ مع حياتي ، انا في سلامٍ معها لانني قد قبلت نوعاً ما حقيقة بأنه لا بأس في ان لا نفهم ” – لايل مينينديز .

و اثناء ترجمتي لهذا الموضوع تذكرت ابيات شعرٍ كتبها الشاعر معن ابن أوس حيث قال فيها :

فَيَاعَجَباً لمن رَبَّيْتُ طِفْلاً … ألقَّمُهُ بأطْراَفِ الْبَنَانِ

أعلِّمهُ الرِّماَيَةَ كُلَّ يوَمٍ … فَلَمَّا اشْتَدَّ ساَعِدُهُ رَمَاني

وَكَمْ عَلَّمْتُهُ نَظْمَ الْقَوَافي … فَلَمَّا قَال قَافِيَةً هَجَاني

أعلِّمهُ الْفُتُوَّةَ كُلَّ وَقْتٍ … فَلَمَّا طَرَّ شارِبُهُ جَفَاني

لكن ما حدث قد حدث و هاهما الآن مقيدانِ باصفاد الندم خلف جدران السجن ..

برأيكم .. هل السبب في ما فعله الصبيان هو مبادئ أبيهم التربوية ؟ ام هما مجرد ثمار فاسدة من الأساس؟

المصادر :

The Menendez Brothers Who Killed Their Parents

MENENDEZ BROTHERS

Lyle Menendez on prison life, separation from his brother Erik Menendez

تاريخ النشر : 2017-08-02

ريوف

السعودية
guest
60 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى