منوعات

التعذيب الصيني بالماء: من قطرة ماء إلى وحش فتَّاك

أبشع طرق التعذيب عبر التاريخ

هل سمعت قبلاً عن التعذيب الصيني بالماء؟ برأيك، كيف يمكن أن تتحول قطرة الماء إلى كابوس مرعب!

الماء هو الحياة. عبارة تعكس حقيقة محسومة مجزومة لا يمكن أن تقبل النقاش والجدال. فمن ذا الذي يستطيع صبراً على فقده وغيابه؟ وأين هي تلك الحاضرة التي نشأت وتربربت واستمرت بعيدة عن الماء ومصادره؟ يمكن الاختصار سريعاً أن الماء هو المكون الجوهري الثمين والأساس المتين الذي تبنى عليه أجساد جميع الكائنات. بل وحتى كوكبنا الازرق هذا الذي نعيش عليه. لكن وكما نعلم فإن بنو البشر تفننوا في إخراج الأشياء الجميلة بأبشع صورة ومظهر. إرضاءاً لغريزة الطمع والسيطرة فيه. ولذلك حوّل أخشاب الشجر إلى خوازيق، والألياف الطريّة اللينة منها إلى حبال قُدّت منها المشانق. ورأينا كيف تحول الحديد إلى سيوف ومقاصل كما غيرها الكثير. لكن ماذا عن الماء؟

من دواء فاشل إلى أداة تعذيب ناجحة.

لا يٌعلم على وجه الدقة، المكان والزمان الذي بدأ فيه الإنسان التعذيب مستخدماً قطرات الماء. لكن إذا ما أردنا أن نكون أكثر تحرِ ودقة، فيمكن القول أن مصطلح ” التعذيب الصيني بالماء ” ظهر بشكل غريب في تدوينات العصور الوسطى الأوروبية أو كما تسمى عصور الظلام . وقد تتسائل هنا سريعاً عزيزي القارئ.. لماذا تقول بأنه قد ظهر بشكل غريب؟

إقرأ أيضاً: أبشع أساليب التعذيب .. أدوات الموت الأكثر رعبا في التاريخ

الإجابة ليست بعيدة المنال. فمن المعلوم أن عصور الظلام في القارة العجوز والتي ارتبطت بسيطرة الكنيسة وكهنتها ومحاربة السحر والسحرة وتكفير المناوئين، كانت قد امتازت بفرط التعذيب والإعدامات وأساليب إنهاء الحياة الوحشية . إنما بالعودة والاطلاع على جميع تلك النماذج والطرق. فسنجد أن التعذيب بالماء كان الطريقة الوحيدة التي لا تُعنى فيها الشفرات الحادة أوالطعنات الغائرة، ولا حتى الحرق و الكي والقلي والفصل والقصل. بل كانت خفيفة نظيفة لا تترك على على جسد تعيس الحظ والمغضوب عليه ذاك أي أثر من كل ما سبق.

التعذيب الصيني بالماء عصور الظلام الاوروبية
العصور الوسطى في أوروبا او كما تعرف بعصور الظلام، حقبة زمنية نخر الجهل فيها بالاوروبيين وكان القتل اسهل من شرب الماء

مع نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، برز في الدولة البولونية آنذاك الطبيب والمحامي والمؤرخ (هيپوليتوس د مارسيليس : Hippolytus de Marsiliis ). والذي كان أول من وثّق عملية التعذيب الصيني بالماء حيث ادّعى في تدويناته أنه من قام بابتكارها. لكن -وعلى ذمّته- فقد كان ابتكاره ذاك لغرض طبي بحت. وبحسب التواترات التاريخية فإن مارسليس وفي أثناء جلسة تأمل له في يوم ماطر، لاحظ أن قطرات الماء التي تنزلق من احد الشقوق في سطح منزله قد أحدثت أثراً واضحاً بفعل تتالي سقوطها بنفس المكان على الأرض. ويبدوا أن الفكرة قد لاقت قبولاً في ذهنه آنذاك. فلربما تسهم هذه الطريقة إن جُرِّبت على البشر في التخلص من الدم الفاسد في الرأس. وربما تكون فعالة في إزعاج الأرواح الشريرة وطردها مع ما تسببه من الهلوسات التي قد يصاب بها البعض.

التعذيب الصيني بالماء: لماذا الصين؟

يقول قائل ويثير تساؤلاً: لماذا الصين؟ طالما أن الابتكار والتوثيق والتنفيذ أوروبي الهوى والهوية. فلماذا تأت الصين من شرق القارة الصفراء لتحشر أنفها هنا!

كما ذكرنا سابقاً، فإن استخدام التعذيب بقطرات الماء مجهول الولادة. فتوثيق مارسليس الأوربي لها ونسبها إليه لا يعتبر كافياً للتأكيد بأنه من ابتكرها فعلياً أو أنها اوروبية المنشأ. لكن..هناك فرضيات قد تشرح سبب إضافة لفظة “الصينية” للتعذيب باستخدام قطرات الماء في التدوينات:

1- الغزو المغولي لأوروبا:

مجموعة قبائل متناحرة ومتشرذمة في آسيا الوسطى، توحدت بقبضة رجل واحد. “جنكيز خان” . القائد المغولي الذي وصف نفسه قائلاً : إنني نقمة الله على الأرض. فإذا لم تكونوا طغاة، ما كنت لأكون موجوداً الآن بينكم.

التعذيب الصيني بالماء الغزو المغولي لاوروبا
جنود مغول يرفعون رأس أحد القادة الاوروبيين في وجه جنود أحد الحصون كنوع من الإرهاب النفسي

استطاع الجيش المغولي بقيادة قائدهم المؤسس جنكيز خان بسط سيطرتهم على مناطق ومساحات واسعة وشاسعة من القارة الصفراء في مدة وجيزة. كانوا كموجة عظيمة لا يوقفها لا حصن ولا سور ولا جحفل ولا محفل. معاديهم كان ميتاً ومهادنهم كان ميتاً أيضاً.

اشتهر المغول في ذلك الزمان بابتكارهم للطرق الوحشية سواء في الغزو أو التعذيب. وعُرف عنهم أيضاً أنهم أول من استخدم الحرب الكيميائية في التاريخ.

يصف المؤرخ العربي والمسلم “ابن الأثير” بشكل مرعب ومخيف وبقلم المتوجِّس المنتظر في عام 1221 ميلادية ، الغزو المغولي في كتابه : “الكامل في التاريخ” حيث قال:

لقد بقيت عدّة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لذكراها، فمن ذا الذي يسهل عليه كتابة نعي الإسلام والمسلمين؟. فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسيا.

ابن الأثير في كتابه: الكامل في التاريخ.

كتب ابن الأثير تلك الكلمات رثاءاً لحال “سمرقند” التي حولها المغول إلى أرض حدباء جرداء. قُتل فيها الصغير والكبير المرأة والشيخ. بل أن نصل سيوفهم قد طال الأجنة في بطون الحوامل.

إقرأ أيضاً: ذئب السهول .. جنكيزخان

ولك أن تتخيل أن مد المغول استمرَّ هيجانه حتى وصل إلى أوروبا عبر روسيا عام 1235 ميلادية. ثم إلى أوكرانيا وبولندا لاحقاً. بطبيعة الحال فإن الرحلات الأوروبية إلى الصين كانت قليلة جداً ونادرة. وبنية المغول وأشكالهم كانت مطابقة للوصف الشحيح لديهم عن امبراطورية الشرق. ولعل المغول استخدموا ذلك التعذيب على الأسرى الأوروبين. ومنه جائت تسمية التعذيب الصيني بالماء، لما كان له من ارتباط بالغزو الصيني ( المغولي). لكنها تبقى مجرد نظرية وغير مثبتة بجزم حازم يقطع بصحّتها.

2- بلد البارود والشرر ماذا سيصدِّر إلا الشر.

دلت تفسيرات أُِخرى على أن ظهور البارود لأول مرة ورؤية الأوروبين له فيما بعد، قادهم لتصنيفه على أنه نوع من أنواع السحر الأسود. ولذلك كانت الصين في المفهوم الاوروبي في العصور الوسطى تحمل صفة بلاد السحر والشرور. وأصبحت مضرب المثل في الشؤم والبغض. بناءاً على ذلك تم إلصاق كلمة “الصيني” لأسلوب التعذيب ذاك. وكما قلنا فإن التعذيب الصيني بالماء استُخدم في بداياته كعلاج لطرد الأرواح الشريرة والتلبس الشيطاني الذي يتعرض له بعض ( معتَّري ) ذلك الزمان.

3- محاكم التفتيش الإسبانية:

يرى البعض أن التعذيب باستخدام الماء المقطر كان تطوراً لعمليات تعذيب مشابهة كانت تستخدم في محاكم التفتيش الإسبانية. تلك الأخيرة التي أٌسست بعد سقوط دولة الأُمويين في الاندلس. وكان هدفها ضمان ومراقبة الذين تحولوا قسراً من الإسلام واليهودية إلى المسيحية. وتاتي لفظة الصين كسخرية من أن جيوش المسلمين وصلوا للحدود الصينية. فكان يقال تريدون الصين؟ فما رأيك بهذه الطريقة الصينية!.

كيف يتم التعذيب بالماء؟

لا عجب أنك تساءلت الآن: هل حقاً التعذيب بالماء بهذا القدر من الوحشية. وإن كان كذلك، كيف تتم إذاً تلك العملية الجحود . وما مدى تأثيرها على من يتعرَّض لها؟

يعتمد أسلوب التعذيب الصيني بالماء على تقييد الشخص المراد تعذيبه ومن ثم ربطه إلى سارية خشبية أو أي عمود آخر. ويتلو هذه العملية تثبيت قدر مملوء بالماء البارد فوق راس الضحية. في الحقيقة، فقد صمم هذا الدلو بحيث يفرغ الماء الذي بداخله على شكل قطرات. قطرة فقطرة أخرى. ليس هذا وحسب، بل إن هذه القطرات الباردة لا تسقط على جبهة أو فروة رأس المستهدف بترتيب زمني معين، إنما بترتيب زمني مختلف ومتفاوت . فتجد أن الفارق الزمني بين القطرات الثلاث الأولى كان ثانية واحدة ليعقبها ثلاث قطرات دقعة واحدة ثم بعد مرور عدة ثوان تأتِ القطرة التي تليها وهكذا على نحو غير منتظم في كل مرَّة..

التعذيب الصيني بالماء
“هذا المجرم يتعرض للتعذيب بالماء السام المتساقط على رأسه العاري” – مترجم من السويدية بتاريخ 1674

يأت الهدف من التعذيب بقطرات الماء الاستهداف والتعذيب النفسي أكثر من كونه استهدافاً للجانب الجسدي . بل يمكننا القول أن الأثر النفسي لتلك العملية تدميري بشكل لا يوصف حتى أنه ق يؤدي في نهايته إلى الجنون الكامل.

يكمن السر وراء هذا الأمر في عاملين أساسيين جعلا من عملية التعذيب الصيني بالماء من أكثر طرق التعذيب تدميراً ووحشية وهما ( الماء البارد والتقطير غير المنتظم). فالدماغ يحاول ضبط إيقاع التقطير المستمر على رأس المستهدف لكنه يفشل تماماً. وبهذا الفشل يتشكل إضطراب في السيالات العصبية التي يجب على الدماغ تنظيمها ونقلها إلى باق أنحاء الجسم. فهو منشغل في تنظيم إيقاع التقطير ويفشل باستمرار. يأت بعدها دور الماء البارد الذي يفقد الدماغ سلسلة عملياته وتسلسلها ويؤدي إلى خلق فوضى عصبية قوامها القلق والتوتر والخوف وبالتالي الجنون طبعاً والهيستيريا.

إقرأ أيضاً: ليست أساليب تعذيب .. بل طرق علاج الأسنان قديما

ويبدوا أن تلك العملية فعالة جداً حيث ذكر أيضاً أن هذا النوع من التعذيب استُخدم من قبل الجيش الأمريكي في معتقلات غوانتانامو وكان له أثر واضح في دفع لمعتقل للإعتراف بأي شيئ مقابل الخلاص من قطرات الماء المتهافتة على رأسه.

تجربة رائجة: التعذيب الصيني بالماء اليوم.

أثناء بحثي عن مصادر يمكن أن تعطي معلومات جيدة عن الفكرة الرئيسية لهذا المقال، لفت انتباهي إلى أن العديد من منشئي المحتوى في يوتيوب (اليوتيوبرز) قد أخذوا على عاتقهم تجربة التعذيب بالماء المقطر. وآخرهم كانت منشئة محتوى عربية منذ فترة قريبة.

قادني الفضول لمتابعة عدد لا باس به من تلك الفيديوهات وبغض النظر عن مدى المصداقية في التنفيذ، إذ لا اعتقد ان شخصاً ما سيحتمل التقييد لعدد طويل من الساعات يحرم فيها عليه الاكل والشرب ومخالطة الناس. ولا شيء يؤنس وحدته تلك سوى قطرات الماء البارد تنخر جبهته. ولكن في جميع تلك المقاطع التي تابعتها لاحظت أنها تشترك في بداية وعرض ونهاية واحدة.

في البداية يكون الأمر ممتعاً وسهلاً وبطريقة ما يبدو سخيفاً، يبدأ فيها صاحب التجربة بطرح التساؤلات على الكاميرا والنكات وكأن شيئاً لا يحدث.

بعد مدّة وجيزة يصبح الوضع غير مريح ومزعج وتتحول نظرات صاحب التجربة من الكاميرا إلى القطرات وكيف تتساقط على جبهته محاولاً تحريك رأسه يمنة ويسرى لتفادي سقوط القطرات أو لتغيير موضع سقوطها.وفي منعرج خطير، يبدأ صاحب التجربة بالبكاء ثم الصراخ. وفي حالات يبدأ فيها بالإقياء أيضاً. لكن في إحدى المقاطع التي قرر فيها صاحب التجربة الاستمرار أكثر، كان قد بدأ بالهلوسة وبدأ بفقدان الوعي قبل أن يتدخل أصدقاءه لمساعدته.

blank
العديد من منشئي المحتوى على يوتيوب جربوا الامر لكن النتيجة كانت بشعة للغاية.

ملحق بالمقال: طرق أُخرى للتعذيب بالماء

على غرار طريقة التعذيب الصيني بالماء هناك أنواع أخرى من التعذيب لا تقل شناعة وبشاعة عنه. على أي حال تفضَّلوا لنتعرف سويَّة على بعضها :

1- الإبتلاع القسري:

لك أن تتخيل عزيزي القارئ أن هذا النوع من التعذيب كان استخدامه قانونياً في المحاكم الفرنسية في القرن السابع عشر. أيضاً تم استخدامه بكثرة في الحرب العالمية الثانية وفي حرب فيتنام والحروب الأهلية في أوساط إفريقيا.

تعتمد طريقة الإبتلاع القسري على إجبار الشخص المُعذَّب على ابتلاع كمية كبيرة من الماء. وبطبيعة الحال فإن استمرار الإبتلاع سيؤدي إلى ما يُعرف بالتسمم المائي وسيفقد الشخص قدراته الحيوية شيئاً فشيئاً حتى الموت. لكن لن تصل لتلك المرحلة إلا بعد أن تتمنى الموت ألف مرة قبلها.

2-الخنق بالماء:

لا يحتاج التعذيب باستخدام الخنق بالماء الكثير من الشرح. فمعظمنا قد شاهد هذه العملية في أحد المسلسلات والأفلام. وربما تجربتها في المنزل ايضاً.

على عكس أسلوب التعذيب الصيني فإن عملية الخنق تعتمد على دفع رأس الشخص المراد تعذيبه إلى قدر يحتوي الماء وإغراقه فيه لمدة طويلة نسبياً. وبالطبع بعد مدة وجيزة سينفذ الأوكسجين من الرئتين وتبدأ عملية الإختناق حتى الموت .

تفجير الأمعاء باستخدام الماء:

تماماً كعملية الإبتلاع القسري ولكن بطريقة معكوسة، فبدلاً من ان يتم إدخال الماء من الفم ، يتم ضخه إلى الامعاء عبر فتحة الشرج. ومع الوقت ستستمر الامعاء بالإنتباج لغاية الإنفجار والموت.

ختاماً

لا يمكن تخيل ذلك المدى الذي وصل إليه الإنسان في محاربة بني جلدته والقضاء على نفسه. على أية حال فما كان ليس أكثر بشاعة مما نعيشه اليوم. مهما فعلنا لا يمكن أن ننكر أننا نعيش في غابة متطورة، نشجب فيها قانون الغاب ونستنكره، ثم نستدير ونطبِّقه ونعود بعدها لنستنكر من جديد.. وهكذا.

شكراً على القراءة.

ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المصدر
arabicpostTorture Worldwidewikipediascreenmixsyr-resnewscientistoddfeed

جمال

مهندس نظم قدرة كهربائية وكاتب ومعلق صوتي - للتواصل عبر البريد الالكتروني : [email protected] عبر تلغرام ؛ https://t.me/Jamsyr ايضاً من خلال صفحتي على فيسبوك أو انستغرام ادناه :
guest
15 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى