أدب الرعب والعام

التعويذة – الجزء الأول

بقلم : أبو عدي – اليمن

أخذ علي الورقة من الأرض و دسها في جيبه
أخذ علي الورقة من الأرض و دسها في جيبه

(1)

” لن أظل في هذا البيت لحظة واحدة ” بغضب من أُهدِرت كرامتهُ ، صرختُ بهذه الكلمات أمام آمنة ابنة عمي ، و السبب الوحيد لتحملي العيش في قريتنا.

آمنه : حاول أن تهدأ قليلاً ، كل هذا لأن محمد قام بصفعك ؟ أنا لا أرى أي خطأ في أن يقوم أخوك الأكبر بضربك ، إنه بمثابة والدك المتوفي و لم يُقصِّر معك بأي شيء بشهادتك أنت.
أُجيبها بنفاد صبر و قد استفزتني ثرثرتها حتى في هكذا مواقف : أنا لستُ غاضباً بسبب ضربه لي ، و إنما بسبب كلامه الجارح والمهين.

آمنه و قد التمعت عيناها فضولاً وشغفاً : و ما الذي قاله لك ؟.
–  لقد أخذ يصفني بأنني عالة عليه وأنه من يقوم بالإنفاق عليّ.
آمنه :ماذا ؟ أنا لا أصدق أن محمد يصدر منه هذا الكلام ، ثم لماذا قام بضربك أصلاً ؟.
تهشُ بعصاها يمنياً و شمالاً على الأغنام ثم تجلس على إحدى الصخور قائلةً : هيا اجلس الأن وأخبرني بما حدث و بالتفصيل الممل.

أتنهدُ بيأس و أجلس قريباً منها فأنا أعرف أن لا مفر لي من جلسة ثرثرة طويلة الأمد تُشبِعُ فضولها الذي يجري مجرى الدم في عروقها.
– لقد قمتُ بضرب حميد أبن أخي بعد أن استفزني بكلام تعلّمه من أمه ، والتي ما إن شاهدت ابنها وهو يبكي حتى انطلقت بسرعة البرق نحو أخي النائم في غرفته و هي تولول وتبكي ليقوم – و قد أعماه الغضب – بضربي وإهانتي.
آمنه : هل تقصد أن حميد الصغير قام بتعييرك لأن أباه ينفق عليك  و أن زوجة أخيك تقول هذا الكلام دائماً ؟.

أنا ( أسمي علي بالمناسبة ) : نعم .. لقد حولت هذه الحرباء السمينة حياتي إلى جحيم منذ أن ابتلى اللهُ أخي بها ، فهي لم تتوانى عن النميمة بي عند أخي صدقاً وكذباً ، و لم تزل توغرُ صدره عليّ بكلامها المسموم.
– أخوك يقضي يومه نائماً عاطلاً وأنت تكدُّ وتتعبُ ليلاً ونهاراً وتلبي طلبات فخامته ، أخوك يُدَخن ، أُقسم أنني رأيته.
أخوكَ و حبهُ لآمنة بنت عمك أصبح حديث أهل القرية (يَحمرُّ وجهها خجلاً عند هذه النقطة).
أخوك ، أخوك ، أخوك !.

وهكذا حتى جعلت الضياء في عيني ظلاماً ، و ما زاد الطين بلةً هو حديثها الدائم لمن تعرف و من لا تعرف بأن أخي ينفق عليّ ، لقد كنتُ طوال الوقت أَكتمُ مشاعر الغضب والقهر بداخلي ، حتى كانت القشة – والتي هي حميد ابن أخي وكلامه – التي قصمت ظهر البعير- أنا طبعاً .

آمنه : و ما الذي ستفعله الأن ؟.
– سأذهب إلى المدينة وأبحثُ عن أي عمل ، و أصون بهذا كرامتي التي تُجرح كل يوم هنا
آمنه : صدقني أن محمداً يحبك ، و ما فعله كان خارجاً عن سيطرته بسبب الغضب ، وسترى عندما يأتي ويعتذر لك فور أن يهدأ قليلاً.
–  حتى هو بدأ يلمح لي عن إنفاقه عليّ ، لم أعد أطيق في هذا البيت عيشا ً، و لن أتراجع عن قراري.
–  و هل تظن أن الأمر بهذه السهولة ، أنت لا تعرف أحداً في المدينة و ليس لديك أية خبرة في أي عمل.
–  لا يهم .. سأذهب الأن أولاً وعندما أصل سأتدبر أمري.
–  لا أعرف ماذا أقول لك ، و لكنني خائفة عليك.
تخجل من عبارتها التي سقطت منها و تداري ذلك بسؤالها : هل تملك أجرة الركوب إلى المدينة ؟.

لم أنتبه أبداً إلى هذه النقطة ، و بدأت بتحسس جيوبي وأنا ألعنها من جيوبٍ على كثرتها وخلوّها إلا من أنصاف سجائر ، لأنظر لآمنة بعد ذلك وأنا ابتسم ابتسامة لزجه قائلاً : لا ، لا أملكُ ريالاً واحداً.
تقوم آمنة بإخراج كيس بلاستيكي صغير من تحت غطاء رأسها ، وبعد أن قامت بِفكِّ سبعين عقدةٍ كان معقوداً بها ، أَخرَجَت مائة ريال مهترئة منه وناولتني إياها.

– لماذا تخاطرين بنفسكِ وتخرجين للرعي ومعكِ هذا المبلغ الكبير من المال ؟.
آمنة بغضب و قد مدت يدها نحوي : أعدها إليّ إذاً و دع سخريتك تنفعك.
– لا ، لا أنا أمزح فقط ، سأذهب الأن ، هل تريدين شيئاً ؟.
– و ما الذي يستفاد منك وأنت بهذه الحالة ؟ هيا انطلق ، في أمان الله.
– ما هذا ، هل سأمشي هكذا ؟ لما لا تفعلين كما يحصل في الأفلام ؟ تذرفين الدمع من عيونكِ  وتقولين لي : أنتبه على نفسك ، و تمسكين يدي ، و … لم أكمل كلامي حتى هوت بعصاها على كتفي بقوة لأصرخ بألم شديد.

– تستحق ذلك و أكثر أيها المجنون الغبي ، أذهب قبل أن تلفت الأنظار إلينا فنصبح حديث أهل القرية كما قالت زوجة أخيك.
أنا ممسكاً بكتفي من الألم : عنكبوت الأرملة السوداء ، أُقسم أنني سأنتقم منها ثم من هذا الذي يتجرأ على أن يتفوه بكلمة علينا ؟ أنتِ بنت عمي والكل يعرف أنني أحبكِ ، وسأمحو من الوجود من يحول بيننا حتى لو كان أباكِ.
آمنة : ما هذه الوقاحة التي نزلت عليك فجأة ؟ هل ستظل تثرثر هكذا معي ؟.
– أنتِ فعلاً ثرثارة إلى درجة أنكِ نقلتي لي هذه العدوى ، كيف سأتحملكِ بعد زواجنا ؟.
قلت هذه الكلمات وانطلقتُ هارباً بعد أن رأيتها تلتقط حجارةً لترميني بها ، و توجهت إلى الطريق العام قاصداً المدينة.
 
(2)

رجل في الأربعين من عمره ، تبدو ملامح الطيبة بأقصى درجاتها مرتسمة على وجهه ، يقود سيارته منذ ساعات الصباح الأولى ، في أحد شوارع المدينة ، حيث ينتشر عدد كبير من العمال يتناثرون على الأرصفة ، و كل واحد منهم بانتظار من يطلب منه القيام بأي عمل يجيدهُ كالبناء والطلاء وغير ذلك، و يُعرف مكان تجمعهم هذا بإسم “الحراج”.

ما إن توقف في الحراج حتى هبّ كل العمال نحوه محيطين بسيارته ، و بعد شد و جذب وعراك فيما بينهم أخذ واحداً منهم معه و انطلق مسرعاً باتجاه إحدى ضواحي المدينة البعيدة.
يسأل الرجل العاملَ الذي معه : هل تجيد القيام بأعمال الزراعة والحراثة ؟.
العامل : بالتأكيد يا سيدي.
الرجل : حسناً ، لدي مزرعة تحتاج لبعض العمل الشاق.
العامل : لا تقلق أبداً يا سيدي ، سأقوم بكل شيء على أكمل وجه.
الرجل : جيد ، سأتصل الأن بأخي ليقوم بإعداد فطور لنا و بعد أن نتناوله تقوم إلى عملك.
يجيب العامل بامتنان : بارك الله فيك يا سيدي ، لا داعي أن تتعب نفسك.
يجيبه الرجل بعد أن اتصل بأخيه : لا يوجد تعب يا بني ، أخي ماهر جداً في الطبخ ، ستتناول ألذ فطور في حياتك .
يزيد الرجل من سرعته و يكمل في نفسه قائلاً : و آخيراً فطور.
(3)

سأعمل بكل قوتي ، لن أرجع إلى هذه القرية إلا وأنا من أصحاب الملايين ، سيتذلل الجميع إليّ ، وسأنتقم لكرامتي من أخي و زوجته الشيطانة.
ظللتُ أهذي بهذه الكلمات وأنا واقف أنتظر مع عدة أشخاص متناثرين على الطريق العام ، مرور سيارة أجرة توصلنا إلى المدينة ، بعد عدة دقائق ، ظهرت إحدى السيارات و توقفت لنا.

كنتُ أعرف أن السائق لن يرضى أبداً بالمائة ريال أجرةً له ، و لكن فور ركوبنا للعربة قمتُ بالجلوس بجانب السائق و وضعتُ رجلي على “الطبلون” ، وعندما طلب منا الأجرة مقدماً ناولته المائة ريال بكل فخر ، فأخذها مني وهو ينظر لي بنصف عين و ينفجرُ صائحاً : مائة ريال عفنةٌ كوجهك ، وتجلس بكل وقاحة في المقعد الأمامي ؟ ما رأيك أن تقود السيارة بدلاً عني ؟.

لحسن حظك أنني شخص محترم و لذلك سأسمح لك بالركوب فوق العربة على الشبك الحديدي ، هيا انزل بسرعة قبل أن أرميك على قارعة الطريق.
صعدتُ بسرعة على الشبك الحديدي وأنا أشعر بالسعادة لذلك ، فلو أنني قلت له بطريقة مهذبة أنني لا أملك أجرةً غير هذه المائة لما وافق على ركوبي ، فهنا يسير كل شيء بالعكس.

و لكن هذه السعادة سرعان ما تلاشت عندما انطلق السائق بسرعة جنونيه ، لقد كان الجو قارص البرودة والرياح الشديدة تخترق عظامي و تلفح وجهي وكأنه يتشقق ، و يداي تجمدتا ، وأنا قابضٌ على الشبك الحديدي بقوة حتى لا أسقط .

صرخت بأعلى صوتي في السائق الأرعن لكي يهدأ من السرعة ، ولكنه لم يسمعني ، أو تظاهر بذلك ، صرختُ مرة أخرى دون أن يجيبني أيضاً ، بل قام بتشغيل الراديو على إحدى الأغاني رافعاً الصوت إلى أقصى مستوياته.
هل يقوم هذا اللعين بمعاقبتي أم إنه لا يسمعني؟.
استمريتُ بالصراخ بشكل متواصل ، ولكن ما من مجيب إلا صوت المطربة الذي أسمعه بصعوبة.
 
توقف أيها الأرعن سوف أسقط ” لا أنا قد الشوق”.
توقف عليك اللعنة.
“وليالي الشوق”.
فلتتشقق عظامك أيها الوضيع ، قلت لك توقف
“و لا قلبي قد عزابو عزابو”.

أيقنت حينها أن هذا الوغد لن يتوقف إلا في المدينة ، فاستجمعت قوتي و شددت قبضتي على الحديد و أحنيتُ رأسي عليها ، وجلستُ على هذا الحال، لا ألتقط أنفاسي إلا عند عائق ترابي، أو نقطة تفتيش ، و بعد وقت مر عليّ كأنه دهر، وصلنا أخيراً إلى المدينة ، وما إن توقفت العربة حتى نزلتُ من فوقها إلى الشارع كالمخمور لا أدري في أي أرض أنا ، و لم أُفِق من حالتي تلك إلا على أبواق السيارات و شتائم سائقيها وهم يصرخون بي لأبتعد من أمامهم ،

فقد كنتُ واقفاً في وسط شارع مزدحم ، جلستُ على إحدى الأرصفة حتى يذهب مابي من دوار وإرهاق، وما إن تحسنتُ حتى بدأتُ بالتوغل داخل المدينة و التنقل من محل إلى ورشة إلى مصنع باحثاً عن أي عمل دون جدوى ، حتى تملّكني اليأس و احترتُ ماذا أفعل ؟.

ما هذه المدينة ؟ ألا يوجد عمل عند هؤلاء الكفرة ؟ أكادُ أموت جوعاً و تعباً.
في تلك الأثناء رأيت مجموعة من الأولاد يقومون بجمع علب الماء الفارغة والمشروبات الغازية في أكياس كبيرة ، اقتربتُ منهم وسألت أحدهم : هل تقومون ببيع هذه العلب الفارغة؟.

أجابني بسخرية : لا ، نحن نقوم بتربيتها.
انصرفتُ من أمامهم ، فلم يعد لدي طاقة للدخول في عراك أو حتى مشادة كلامية ، وأخذتُ كيساً ملقى على الأرض ، و منذ تلك اللحظة بدأتُ في عملي الجديد.
كان العمل صعباً و متعباً في الأيام الأولى ، ولكنني صرتُ أكثر نشاطا وتحملاً بعد ذلك ، و كان أيضا مربحاً على عكس توقعاتي .
كنتُ أعمل طول النهار دون توقف إلا لتناول الطعام أو لقضاء الحاجة ، و عند المساء أبيع ما جمعته ، ثم أذهب للنوم متخفياً في باحات أي مسجد ، فلقد أصبحت ما كان يُسمى بثيابي شديدة القذارة ، وأنا أيضا كذلك.

رغم كل هذه الصعوبات إلا أنني امتلكت إرادة صلبة  وعزيمة قوية جعلتني أستلذ الشقاء والتعب ، ويقيناً بأن هذا العمل ما هو إلا وسيلة لفرصة أخرى أفضل منه ، و وضعت نصب عيني هدفاً وهو أن لا أرجع إلى القرية إلا وقد صرتُ من أرباب الأموال ، مهما قاسيت و عانيت من أجل تحقيقه ، فلعمري إن المال الكثير هو الدواء لكل داء، و صاحبهُ عظيم بلا فعل ، و عالم بلا علم ، و ذو مكانة مرموقة و إن كان وضيعاً.
(4)

” أكرمك الله يا سيدي ، فعلاً لقد كان إفطاراً لذيذاً”.
قالها العامل لصاحب المزرعة بعد أن انتهيا من تناول الطعام وأضاف : والان سأبدأ بالعمل.
صاحب المزرعة : حسناً ، أذهب معه يا حسين إلى القبو ليأخذ ما ينقصه من الأدوات ، و أبق أنت هناك لتنظفيه.
كان القبو كخزانات المياه تحت الأرض في وسط المزرعة ، ويتم النزول إليه عبر درج حديدي فتح حسين الغطاء الحديدي للقبو ، و دخل هو والعامل ثم قام بإغلاقه.
العامل : أنا لا أرى شيئاً يا سيدي ، هل يوجد معك مصباح يدوي ؟.
حسين : لا تقلق ، يوجد مصباح كهربائي هنا، سأضغط القابس عندما نصل إلى الأسفل، أمشِ بحذر فقط على الدرج.

قام حسين فور انتهائهم من نزول الدرج بإضاءة القبو، لينخلع قلب العامل رعباً من المنظر الذي شاهده ! كانت الدماء تملأ المكان و تتناثر على الأرض بقايا عظام وجماجم بشرية ، و قبل أن يبدي أي ردة فعل فاجأه حسين بلكمة قوية خلف رأسه حتى سقط مغشياً عليه ثم هوى بكلتا يديه ضاغطاً على رقبته ، ولم يفلتهما إلا بعد أن فارق الحياة ،
بعدها يخرج حسين من القبو حيث كان أخوه حسن بانتظاره
حسن : هل انتهيت منه ؟.
حسين: و ما الذي سأفعله غير ذلك ؟.
حسن: جيد ، هيا قم بتشريح جثته بسرعه لأسلمها إلى ذلك اللعين.
حسين : هل سأشرح جثته فقط ؟ ألن تأتي بآخرين إلى جانبه ؟.
حسن : هذا يكفي ، إننا نتعب ونخاطر بحياتنا ولا ننال إلا الفتات ، والفائدة الكبرى تذهب لذلك الملعون.

حسين: و لكنه يدفع لنا جيداً.

حسن: أيها الأحمق ، هل تعتبر تلك الريالات مبلغاً جيداً بينما هو يأخذ الألاف الدولارات دون أن يقوم بأي شيء ؟.
حسين: و ما الذي بإمكاننا فعله ، هو يستغل نفوذه الكبير في الدولة ويضغط علينا بذلك ؟ إن حياتنا معلقة بإشارة منه .
حسن : لا أعرف ، يجب علينا أن نجد حلاً.
حسين : أصبر قليلاً يا أخي ، لقد اقتربتُ من إكمال التعويذة  ولم يتبقَ سوى خطوات بسيطة.
حسن و قد انتفخت أوداجه من الغضب: ألم تقلع عن هذه الخزعبلات والخرافات التي لا فائدة منها ؟ من الأفضل أن تفكر في حل ينقذنا مما نحن فيه بدل أن تضيع وقتك في هذه الترهات ، هيا انصرف من أمامي و قم بتشريح الجثة بسرعه أيها المجنون.

يرجعُ حسين إلى القبو وقد غضب من توبيخ أخيه له ، و قبل أن يبدأ بتشريح الجثة أخرج ورقة صفراء من جيبه و تأملها بفخر قائلاً : هذه التعويذة التي تسخر منها يا حسن سَتُغدِقُ علينا الكنوز والأموال من فوقنا ومن تحت أرجلنا ، و عندها سنرى من هو المجنون.
(5)
 
“هل هذا المسخ الذي أراه أمامي هو أنا ؟ “.
باندهاش قلت تلك الكلمات بعد أن رأيت انعكاس صورتي على زجاج أحد المحلات.
لقد تحولت في خلال ثلاثة أسابيع قضيتهم في المدينة إلى كتلة من العفن والقذارة ، و لم يبق هناك فرق بيني وبين الظربان سوى الذيل ، لذلك قررتُ أن أشتري ثياباً جديدة ، وأذهبُ إلى حمام بخار يعيدني إلى حالتي الآدمية ، فلديّ مال كاف لذلك ، قمتُ بإذخاره خلال عملي في الفترة التي مضت.

سرت إلى السوق و دخلتُ دكاناً لبيع الملابس ، لأرى صاحب المحل و هو ينهر عاملا لديه ويقوم بشتمه قائلاً : لماذا لم تقم بتنظيف أم المحل ، و إزالة الغبار من على أم الملابس والزجاج ؟.
وما إن رآني حتى توقف عن شتم العامل وصاح بي: وأنت ما الذي جاء بأمك أيها المتسول ؟ أخرج بسرعة من دكاني.
و قبل أن أرد عليه و أكيل له الشتائم توقف عن الصراخ بي و اقترب مني وأخذ يدقق النظر في وجهي ، و ما لبث أن قال: علي!.

أنا : من أنت ؟ و من أين تعرفني ؟.

هو: ألا تتذكرني ؟ أنا صديق أخيك محمد ، كنتُ دائماً آتي إلى ورشة أخيك بسيارتي الزرقاء ليقوم بإصلاحها.

أتأمل وجهه قليلا ثم أقول فرحاً : ها ، نعم لقد تذكرتك ، أنت فؤاد صاحب تلك الخردة الزرقاء أليس كذلك ؟ أما زلت مصاباً بمرض تكرار كلمة أمك ؟.
فؤاد : لا أسمح لك أبداً أن تصف سيارتي العزيزة بالخردة ، لم يكن هناك أحد يستطيع إصلاحها إلا محمد ، إنه ميكانيكي بارع ، والان اجلس وأخبرني ماذا تفعل هنا ؟ وما هذه الحالة التي أنت عليها ؟.

قمت بالجلوس على أحد الكراسي وأخبرته بقصتي منذ البداية ، و بعد أن انتهيت من ذلك قال : أنت مخطئ ، فلن تجد أخاً مثل محمد ، ثم لماذا لا تقوم بمساعدته في الورشة ؟ عند ذلك لن يستطيع أحد أن يصف أمك بالعالة عليه.
أجيبه بغضب – وقد استفزني تكراره الدائم لهذه الكلمة – أنني أكره العمل في الورشة ، وأضيف قائلً ا: هل ستبيعني ملابساً أم لا ؟.
فؤاد: لا ، طبعا لن أبيع لك ، خذ ما تحب من الملابس هدية مني.

و منذ ذلك اليوم أصبحتُ دائماً أتردد على دكان فؤاد وأنام فيه أحياناً ، و رغم عرضه لي بالعمل عنده إلا أنني رفضت ذلك ، ففؤاد هذا رغم طيبته وشهامته إلا أنه سريع الغضب و بذيء اللسان أيضاً ، وأنا لم أتحمل كلمة من أخي فكيف سأتحملها من الغريب ؟ و أيضاً فأنا أكسب من عملي هذا أكثر مما سيدفعه لي من راتب ، كما طلبت منه أيضاً أن لا يخبر محمدا أي شيء عني،  فوعدني بذلك.

و في صباح أحد الأيام بعد مرور شهرين منذ دخلت المدينة ، و بينما كنت ألتقط العلب في بعض الشوارع استوقفني رجل تبدو على وجهه ملامح الطيبة بأقصى درجاتها وهو يقود سيارته ، و يناديني من داخلها :

– أنت أيها الشاب ، تعال إلى هنا.
أذهب اليه وأنا أحمل كيس العلب على ظهري.
– نعم يا سيدي ، ماذا تريد ؟.

يسألني إذا كنت سأقوم بتنظيف مزرعته من النفايات والأكياس البلاستيكية مقابل أجر ؟ سال له لعابي فأجيبه بكل تأكيد على ذلك ، وقمت بركوب السيارة بعد أن تخلصت من الكيس الذي كان معي ، و بعد أن سرنا لعدة دقائق ابتعدنا فيها عن المدينة باتجاه إحدى الضواحي المقفرة ، طلب مني أن أقوم بسحب المرآة الخارجية قليلاً نحوه، و كان هذا آخر ما رأيته قبل أن يُغشى عليّ.

(6)

“صدقيني يا أمي أن ما فعلته بأخي كان خارجاً عن إرادتي و  لم أكن أقصد أن أجرحه أبداً”.
قالها محمد لأمه التي كانت تلومه طوال الوقت منذ أن هرب علي من البيت بسببه ، وأضاف قائلاً : ثم إنني قد أوصيت فؤاد بهِ فلا تقلقي عليه.

تجيبه أمه بحرقة : و كيف لا أخاف على أخيك الذي تعلم مدى سذاجته وطيبته ، هل زوجتك أغلى عندك من أخيك ؟ لقد هان عليك لدرجة أنك لم تذهب لتأني به و قد عرفت مكانه.
يمسك محمد بيدها و يجيبها و هو يشعر بتأنيب الضمير: لا يا أمي ، لم يهن عليّ أخي ، وإنما تركته هناك حتى يعرف النعمة التي نحن فيها ، و يرجع بعد ذلك لمساعدتي في الورشة ، وعلى كل حال سأذهب آخر هذا الأسبوع لآتي به.

يتنهدُ محمد ثم يضيف : لقد تكالبت عليّ الهموم هذه الفترة يا أمي.
تنظر إليه أمه بحنان و قد ندمت على تأنيبها له قائلةً : ما الذي يشغل بالك يا ولدي ؟.
محمد: لقد زاد عمي عبد الله من مضايقتي ، فقد قام برفع إيجار الورشة ضعفين ، أخبريني يا أمي لماذا قام أبي ببيع حصته من التركة لعمي ؟.
أمه : أنا لا أصدق أن أباك قام ببيعها أصلاً ، وإني متأكدة بأن هناك مكيدة قام بها عمك ليحتال على حقكم.

محمد: ولكن لديه ما يثبت ذلك.
أمه: أنت لا تعلم عمك واحتياله وخبثه ، لن يصعب عليه شيء كهذا ، لقد قام حتماً بتزوير تلك الأوراق التي شهد على ما فيها من أتى بهم زوراً وبهتاناً ، تتوقف قليلاً عن الحديث ثم تواصل : إن ما يؤرقني حقاً هو أن أخوك يحب ابنته إلى حد الجنون.
محمد : و لكن آمنة تختلف عن أباها تماماً ، إنها بنت طيبة ومؤدبة.
تجيبه أمه : أتمنى أن تكون كذلك.

يقطع حوارهم هذا رنين هاتف محمد ، الذي ما إن أجاب عليه حتى امتقع وجهه  و خرج من البيت مسرعاً بعد أن حمل سلاحه دون أن يلتفت لأمه التي ظلت تسأله بصوت مفزوع عما أصابه.
(7)

تخرّج حسين من كلية الطب بامتياز، و قد كان لا يُبارى في التشريح مهارةً وسرعة ، ولكنه في الوقت نفسه مغرمٌ بعلوم ما وراء الطبيعة والسحر أيضاً لدرجة أنه لم يبقى أي كتب سحر وشعوذة سواء كانت قديمة أو حديثة إلا و قد قرأها.

لقد صار مهووساً بتلك الكتب إلى درجة الجنون ، و لم يكن يقرأها ليقوم بأعمال السحر الأسود ،  و لكن كانت غايته من ذلك غايةً مجنونة ، و هي أن يتمكن من رؤية الماضي وأحداثه منذ بدء الخليقة و ذلك بالسيطرة على أتباع من الجن والذين أعطوه تعويذة تمكنه من ذلك.

“أين ذهبت كل تلك الكنوز والأموال ؟ و أين هيَ آلاف الدنانير الذهبية التي كان يهبها الخلفاء والملوك ؟ لا بد وأنها قد دُفنت في أماكن سرية متفرقة من العالم ، و بواسطة هذه التعويذة سأعرف أماكن تلك الكنوز و سأعلم أيضاً بالرصد الذي وُضع عليها “.
هكذا كان يقول حسين لنفسه دائماً و لأخيه حسن و الذي كان يلومه و يوبخه دائماً على أعماله تلك و يصفه بالمجنون.

و الأن حان الوقت لكي يثبت له صحة كلامه ، ولكن هناك مشكلة صغيرة فقط ، و هي أن التعويذة عندما تُمكنُ من يقوم بها من رؤية الماضي ، تقوم بإصابته بلعنةٍ ما مقابل ذلك ، كما قال أحد الاتباع لحسين.
 
كان حسين داخل القبو يفكر في حل لهذه المشكلة ، فهو لا يعلم ما هي هذه اللعنات و هل هي خطيرة أم لا ؟ هل هي دائمة أم مؤقتة ؟.
و بينما هو منهمك في ذلك ، إذا بغطاء القبو يُفتَح فجأة و يدخل إليه أخوه حسن وهو يحمل علي بين يديه فاقد الوعي.
حسين : ما هذا يا حسن ؟ ألم تخبرني أننا سنهرب اليوم خارج البلاد ولن نعمل مع ذلك المسئول مجدداً ؟.

أجابه حسن بعد أن وضع علي على الأرض : نعم ، و لكننا ما زلنا بحاجة إلى بعض المال ، هيا قم بعملك بسرعة و لا تنسى أن تُجهزَ عليه ، سأذهب إلى الرجل الذي سيقوم بتهريبنا و من ثم سأرجع و أخذ الجثة و استلم النقود ، و بعدها سنغادر هذه البلاد إلى الأبد.

يقوم حسين و قد تضايق من مقاطعته لعمله في التعويذة ، و بعد أن انصرف حسن قام بوضع التعويذة بجانب خزان الحمض الذي يستخدمه لإذابة ما تبقى من الجثث ، و توجه نحو علي المرمي على الأرض ، و قبل أن يقوم بأي شيء ، سمع طرقات شديدة على باب المزرعة ، و صراخ عدة أشخاص ، فزع حسين لذلك ، فمن يكون هؤلاء القادمون في هذه الساعة ؟ وعلى الفور صعد إلى السطح بعد أن أمسك بمسدسه و قام بإغلاق باب القبو، وتوجه لفتح الباب وهو يدعو بأن لا يفيق الشاب من غيبوبته.

حسين بعد أن فتح الباب  : نعم ، ماذا هناك ؟ ما الذي تريدونه ؟.
يجيبه أحد الأشخاص قائلاً : سامحنا ، يبدو أننا أزعجناك ، أنا الدلال الذي طلب مني أخوك قبل يومين أن أجد له مشترياً للمزرعة.
حسين بانفعال : و ما الذي تريده الأن ، هل أحضرت المشتري ؟.
الدلال: نعم ، ها هو ذا ، هلّا سمحت له بإلقاء نظرة على المزرعة من الداخل ؟.
و بعد ما يزيد عن نصف ساعة انصرف الدلال ومن معه بعد أن كاد حسين يموت غيظاً من إضاعتهم لوقته وخوفاً من أن يستيقظ علي من غيبوبته و يفضحهم رغم أنه لم يكن ليسمعه أحد إذا صرخ ، و أيضاً فهو قد تمكن من إبعادهم قدر الإمكان عن القبو.
توجه حسين بعد ذلك مسرعاً إلى القبو و قد أخرج مسدسه تحسباً ليقظة الفتى ، وما إن دخل حتى وجد الفتى ما زال في غيبوبته ، فتبسم واقترب منه ليجهز عليه و يبدأ في عمله.
(8)
 
“لا تقلقي يا عمتي ، بإذن الله سيكون كل شيء على ما يرام “.
قالتها آمنة لأم محمد والتي أجابتها بجزع : و كيف لا أقلق وأولادي بعيدون عني ولا أدري كيف حالهم الأن ؟ لا بد و أن مكروهاً ما قد أصاب علي ليذهب محمد بتلك الطريقة.
آمنة : فوضي أمركِ لله يا عمتي و قومي بالدعاء لهم ، و بإذن الله سيرجعون إليكِ سالمين من كل شر.

أم محمد: توكلت على الله و أستودعه أولادي ليحفظهم من كل مكروه ، لقد توالت علينا المشاكل ، هروب علي من جهة ، و مضايقات أبيكِ لمحمد من جهة أخرى.
تخجل آمنة من كلام عمتها و تلوذ بالصمت ، فهي تعلم أن أباها جشع ولا يبالي بقرابة أو صداقة عندما يتعلق الأمر بالمال ، وتعرف احتياله وأكله لأموال الناس بالباطل ، وكانت تخشى من أن تؤثر مضايقات أبيها لأولاد عمها على علاقتها بعلي
فهي أيضاً تكن له مشاعر الحب ، و اعتبر كلٌ منهما الآخر ملجأه الآمن و مُتَنَفَسهُ من هموم الحياة و تحديات الأيام.

(9)

أنهى حسن مقابلته مع الرجل الذي سيقوم بتهريبهم خارج البلاد ، و عاد مسرعاً إلى المزرعة ليأخذ الجثة و يقوم بتسلميها.

وصل حسن للمزرعة وقام بفتح غطاء القبو ، وعند ذلك سمع صراخاً شديداً ، وما إن نزل إلى الأسفل حتى صُعق برؤية حسين و قد ذاب جلد وجهه و سالت عيناه و هو يدور حول نفسه ويصرخ بهستيريا ، تمالك حسن نفسه ، وعندما أحس بحركة خلفه، انحنى إلى الأسفل ، و قام بالدوران بسرعةٍ موجهاً ركلة قوية لعلي أثناء محاولته رش الحمض الحارق عليه حتى أسقطه أرضاً ، وأصيب في قدميه ببعض الحمض.

 
“لقد قام هذا الوغد برش وجهي بالحمض” صرخ بذلك حسين وهو في غاية الألم لحسن الذي كان يقوم بتوجيه لكمات قاسية على وجه علي  و هو يصيح وقد تطاير الشرر من عينيه : أيها الوغد السافل ، ستدفع ثمن فعلتك.
وبعدها أمسك بكلتا يديه على رقبة علي ضاغطاً بكل قوة عليها.
حاول علي مقاومته دون فائدة ، فكف عن ذلك واستسلم لمصيره
وقبل أن يفقد علي وعيه بلحظات ، تناثر رأس حسن أشلاءً عليه بعد أن دوى صوت رصاصة أطلقها فؤاد.
(10)
“فلاش باك”

فتحتُ عيني و أنا أشعر بصداع شديد يعصف برأسي ، وبصعوبةٍ استويت جالساً و بدأتُ بالتلفت حولي : أين أنا ؟ و ما هذا المكان ؟ و أين ذلك الرجل الطيب؟.
بالكاد استطعت القيام و أنا أترنح محاولاً ألّا أفقد توازني ، وما إن رأيت ذلك المنظر حتى سقطت على الأرض فوراً.
– يا إلهي ! ما كل هذه الجماجم والعظام و الدماء؟.

عدت للقيام مرة أخرى و أنا ارتجف من الخوف ، أسمع صوتاً غريباً وكأن هناك شيئاً يتأكل ، بحثت عن مصدر الصوت فإذا هو صادرٌ من خزان كبير مملوءٍ حمضاً، ، نظرت بداخله فهوى قلبي إلى معدتي رعباً ، لقد كانت هناك بقايا عظام آدمية وهي تتآكل وتذوب ، لست بحاجة إلى الذكاء لكي أعلم أنني في مشرحة ، و قد وقعت في يد عصابة تجار أعضاءٍ بشرية ، و إن لم أجد حلاً وبسرعة فسأُبعث يوم القيامة من داخل عشرين شخصاً.
تجولت داخل المشرحة فرأيت درجاً مؤدياً إلى الأعلى ، صعدته على الفور و لكنه كان مغلقاً بإحكام و لم أستطع إزاحته.
 
لم أقم بالصراخ فمن الممكن أن ذلك الرجل الوغد لا يعلم بأنني قد استعدت وعيي ، و لم أكن أعرف بالوقت و في أي ساعة أنا ، فالغرفة تحت الأرض ومضاءة بالكهرباء.
نزلتُ إلى الأسفل أبحث عن مخرج ما دون فائدة ، وبينما أنا في قمة الانفعال والتوتر رأيت هاتفاً محمولاً بجانب خزان الحمض ، على الفور أخذته و لحسن حظي لم يكن فيه رمز لقفل الشاشة.
قمت بإخراج كرت أعطاه لي فؤاد و فيه رقمه واسم محله و اتصلت بفؤاد وصوتي يرتعش من الخوف

– ألو …فؤاد..أرجوك أنقدني ، لقد وقعت في عصابة تجار أعضاء بشرية.
فؤاد: ما الذي تقوله ؟ أهدأ قليلاً وأخبرني أين أنت الأن ؟.
علي : لا أعلم أين أنا بالضبط ، كل ما أعرفه أنني في غرفة تحت الأرض و العظام تتناثر فيها.
فؤاد: عظيم ، و كيف سأصل إليك ؟ على كل حال لا تخف أبداً ، استجمع نفسك وقاوم بكل قوتك وذكائك وسأصل إليك في الوقت المناسب إن شاء الله.
علي : و لكن كيف ستعرف مكاني ؟.
فؤاد: لا عليك ، ستصلك الأن رسالة إلى هذا الهاتف ، قم بفتحها فقط و ضع الهاتف في جيبك ، مفهوم ؟.

و بعد انتهاء المكالمة قام فؤاد – والذي كان خبيراً ببرامج تعقب الهواتف – بإدخال رقم الهاتف الذي اتصل منه على في ال Gps وعلى الفور وصلت رسالة لعلي ، وما إن فتحها حتى ظهرت خريطة في هاتف فؤاد تبين موقع الجهاز بالضبط ،

تحرك فؤاد بعد ذلك بسيارته باتجاه المكان المحدد وهو يسير بسرعة جنونية ، و في الوقت نفسه دخل حسين إلى القبو بعد أن غادر الدلال وأصحابه من المزرعة ، و بعد أن رأى علياً لا زال ممداً على الأرض ، اقترب منه و مدّ يديه نحو عنقه ليخنقه ، و لكن علي فاجأه بلكمة قوية على فكه أرجعته إلى الخلف طريحاً ، و ما كاد يقف على رجليه مرة أخرى حتى قام علي بصبّ وعاء – كان قد ملأه من خزان الحمض – على وجهه ليحترق و يذوب جلد وجهه ويصرخ بهستيريا متألماً.

(11)
 
“لقد وصلت في الوقت المناسب أليس كذلك ؟ “.
قالها فؤاد لعلي ، و قبل أن يصل إليه ليطمئن عليه رأى حسين وهو يصيح ويتلوى من الألم ليصرخ فيه: أيها المجرم الجبان، سأريح أمك من آلامك إلى الأبد.
و قام بإطلاق رصاصة عليه لترديه ميتاً ، وتوجه بعد ذلك نحو علي الذي كان لا زال مُلقى على الأرض ، ومد يده اليه ليساعده على النهوض.
فؤاد : هل أنت بخير؟.

علي : الحمد لله ، لو تأخرت قليلاً فقط لكنت ميتاً الأن ، لا أعرف كيف أشكرك و أرد جميلك هذا.
فؤاد: ما هذا الهراء ؟ عن أي جميل و قبيح تتحدث ؟ أنت مثل أخي وهذا واجبي ، هيا بنا الأن لنغادر هذا المكان المشؤوم ، يجب أن يعرف الناس الجرائم التي كانت تحدث هنا.
علي : هل ستبلغ الشرطة ؟.
فؤاد : وهل أنا حمق لأفعل ذلك ؟.
علي: لماذا ؟.

فؤاد: إن هؤلاء المجرمين لم يكونوا لتجرأوا على ارتكاب هذه الجرائم إلا وهم يتبعون شخصاً ذو نفوذ واسع في الدولة يُوفر لهم الحماية والأمان ، وإذا قمنا بالتبليغ عنهم سيلقون بنا في غياهب السجون ، كما حدث في قضايا عديدة.
علي : لم أفهم ، كيف ستلقي الدولة بنا… يقاطعه فؤاد قائلاً : لا وقت لدينا الأن ، سأشرح لك فيما بعد ، و أضاف وهو يلقي نظرة على الغرفة : يا تُرى كم من الأرواح أُزهقت هنا ؟ يا للهول هذا الحوض كانوا يستخدمونه لإذابة الجثث !.

قاطعه علي بعد أن أخذ تعويذة حسين من جانب الحوض قائلاً: ما هذه الورقة الصفراء ؟.
أخذ فؤاد الورقة وألقى نظرة عليها ثم رماها و قال مستهزئاً: هه.. قتل وتجارة أعضاء بشرية وسحر أيضاً ، لقد كانوا أتقياء فعلاً !.

أخذ علي الورقة من الأرض و دسها في جيبه ، و خرج هو وفؤاد من القبو، و قبل أن يخرجا من المزرعة  دخل إليها محمد و معه عدة مسلحون من أبناء القرية.
صاح فؤاد قبل أن يصل محمد إليه : أهلا بك يا صديقي العزيز ، يبدو أننا لم نعد بحاجتكم.
يقاطعه علي هامساً: هل أخبرت محمد بما حدث ؟.

فؤاد : وكيف سيأتي إلى هنا أيها الذكي ؟ لقد أخبرته بعد أن عرفت مكانك أن يتبعني ويأتي بمسلحين معه ، فقد كنت أظن أن عدد أفراد العصابة أكثر من هذا.
وصل محمد إليهم و قام باحتضان فؤاد بامتنان قائلاً له : حمدا لله على سلامتكم ، صدقني أنني لن أنسى جميلك هذا ما حييت.
فؤاد: إذا قلت هذا الكلام مرة أخرى فسأصفعك على أم وجهك ، نحن أخوة يا محمد ، ألن تطمئن على أخيك ؟.

ألتفت محمد نحو علي و قام باحتضانه باكياً :
الحمد لله على سلامتك يا أخي ، أرجوك سامحني يا علي ، لن أفرط بك مرة أخرى.
لم يجبه علي بغير الدموع وهو يقبل يدي أخيه و رأسه ، وظل كل واحد منهما محتضناً للآخر وهو يبكي إلى أن صاح بهما فؤاد : انهضا بسرعة هيا ، قبل أن أصفعكم على أم رؤوسكم ، فقلبي لا يتحمل هذا المواقف العاطفية.

نهض محمد و قال لفؤاد: ما الذي سنفعله الأن؟.
فؤاد: لا شيء .، سنغادر من هنا
علي : و كيف سنجعل الناس تعرف هذه القضية ؟.
فؤاد : أتركوا هذا الأمر لي ، فلن تغيب شمس هذا اليوم إلا وقد عرف أم هذا الشعب كله بالقضية.
 
(12)

“لقد مررتَ بأيام عصيبة في المدينة ، الحمد لله على عودتك سالماً “.
قالتها آمنة لعلي وهما جالسين في المرعى بعد أن حكى لها ما حدث معه منذ أن ذهب إلى المدينة و بالتفصيل الممل.
علي: هل قلقتِ عليّ  و ذرفتي الدموع الغزيرة لأجلي ؟.
آمنة: أسكت أيها الأحمق، و لماذا أبكي عليك؟.
علي بخبث: لا تحاولي إخفاء ذلك ، لقد أخبرتني أمي بحالتكِ من بعدي ، وكيف كنتِ حزينة طوال الوقت.

قامت آمنة قائلةً : هل ستسكت أم أذهب الأن للبيت ؟.
علي : حسناً ، حسناً سأسكت ، أجلسي و أنظري الهدية التي سأعطيكِ إياها.
آمنة بعد أن جلست : أتحفني بهديتك يا أبا الهدايا
، أخرج علي هاتفاً محمولاً وأعطاها إياه لتأخذه وتقول بفرحة واندهاش : هاتف ذكي لي ! بكم اشتريته ؟.
علي : لم أقم بشرائه ، لقد أخذه فؤاد من القبو الذي كنت فيه ، وقام بأخذ ما بداخله من معلومات تخص القضية ، ثم قام بإعادة تهيئته وأهداه لي.
آمنة : خذه لك فأنت لا تملك هاتفاً.

علي : خذي هذا لكِ ، و سأشتري لي واحد جديد.
آمنة : ما دام الأمر كذلك فشكراً لك على هذه الهدية.
علي : ما هذا ! لم لا تفعلين كما يحدث في الأفلام …. تقاطعه ، آمنةُ : لو نطقت حرفاً واحد فسأرمي به في وجهك ، لقد تأخرت كثيراً عن العودة إلى البيت ، سأذهب الأن.
علي : انتظري ، سأرافقك يا كتلة التزمت و معدن التخلف.
آمنة: هيا بنا إذاً يا وجه البلاء و منبع الغباء.

يُتبع ……..

تاريخ النشر : 2020-11-15

أبو عدي

اليمن
guest
23 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى