أدب الرعب والعام

التفاح الأحمر

بقلم : سارة برير – السودان
للتواصل : [email protected]
شعرت ببرودة تسري في كامل جسدها لم تدري من البرد أم من حديثه
شعرت ببرودة تسري في كامل جسدها لم تدري من البرد أم من حديثه
تسللت خيوط أشعة الشمس عبر الستائر البيضاء و ألقت بدفئها على وجه جاسمين فاستيقظت بتثاقل و وضعت كفها على عينيها لتجنب الضوء ، سارت بضع خطوات إلى المرآة ، نظرت إلى شعرها الغامق و بعثرته قليلاً بيديها محاولة تنشيط و تهيئة نفسها ، و بعد استحمامها تناولت فرشاة و سرحته ، و النتيجة عقدته لأعلى كما تفعل دائماً .
كان يشغل تفكيرها الشاحنة البيضاء التي ظهرت منذ بضعة أيام و رأتها في كثير من الأماكن بصدفة غريبة و الآن قابعة في الخارج كأنها بانتظارها .
ارتدت بدلة سوداء مع قميص سماوي عكس صفاء حدقتيها الرماديتين ، و كعب عالي جعل طولها يتجاوز المئة و سبعون سنتيمتر ، بدت كجاسوسة أكثر من محامية ، و خلال خمس دقائق كانت في الرصيف تجلس على أحد المقاعد الإسمنتية و تراقب الشاحنة خلسة .
كان يتوجب عليها وضع خطة و لكنها ارتجلت ، اقتربت من الشاحنة بحذر و نقرت على زجاج نافذة السائق المظلل ، فسُحب آلياً و ظهر شاب فرنسي بدا في العقد الثاني من عمره و بادرت بسؤاله :
– سيدي هذا محيط حضانة أطفال و ممنوع ركن السيارات هنا .
و نظرت إلى الداخل متفحصة حتى تتمكن من التقاط أي شيء يبين لها من هو ، و لكن يد قوية أمسكت بخصرها من الخلف و الأخرى وُضعت على فمها و بدأت تسحبها إلى داخل الشاحنة .
استجمعت كل قوتها في رسغها و سددت ضربة قوية لخصمها في جانبه ، عندها ارتخت قبضته التي على خصرها و انفلتت منه .
ثم تجاوزت الشارع إلى الجهة المقابلة حيث تركن سيارتها ، فتحت الباب و صعدت ثم أمنته ، أخذت عدة أنفاس محاولة السيطرة على الأدرينالين الذي اندفع في كل أجزاء جسدها .
تلفتت حولها و كان الطريق خالياً إلا من بعض المارة ، ولكن لم يلحق بها أحد و الشاحنة لا تزال في مكانها بكل ثقة !.
كانت تعلم جيداً أن اتصالها بالطوارئ لم يكن ليفيدها في شيء ، فمهاجمتك لشخص في وضح النهار و أمام العامة لا يعني سوى أنك جزء من القانون أو لا تخشى القانون ، هكذا تعلمت من وجودها في السلك القضائي لعدة سنوات .
انتظرت هنيهة حتى هدأت ثم أمسكت بهاتفها و اتصلت ببرايدن الذي يعمل في شركة النقل و سبق لها إنقاذ ابنه من السجن الوشيك :
– برايدن كيف حالك ؟ أحتاج لمساعدتك في أمر.
أتاها صوته من خلف الهاتف :
– آنسة كيف حالك ؟ بالطبع سأفعل ما بوسعي ، ماذا تحتاجين ؟.
ردت عليه و هي تراقب الشاحنة :
– سأعطيك رقم لوحة شاحنة بيضاء 7788 خ م كاليفورنيا و أبحث لي عن شخص يدعى ديفيد أوين .
رد برايدن بعد هنيهة :
– الشاحنة يمكنني إيجاد مالكها بسهولة و لكن كيف سأجد ديفيد ذلك ؟ فأنا أعمل في شركة النقل كما تعلمين ولست محقق .
فركت جاسمين جبينها و ردت بثقة و هي تراقب محيطها من داخل سيارتها :
وُلد في العاشر من أبريل عام 1985 ، عمره الآن ثلاثون عام ، لقد سهلت عليك الأمر ابحث عنه ، إلى اللقاء .
و أغلقت قبل أن يأتيها رده ، و التفتت إلى الشاحنة فوجدتها قد اختفت ، أدارت المحرك و وضعت يديها على المقود ثم انطلقت متوجهة إلى شركة المثلث للمحاماة حيث تعمل .
* * *
جلس سبعة محامين داخل قاعة زجاجية تكشف ما حولها من أشخاص منهمكين في عملهم ، و في الداخل كانت الكثير من الأوراق شبه مبعثرة على الطاولة التي أمامهم ، قال رئيسهم جون الذي بدا أكبرهم سناً :
– أتعلمون لما سميتُ شركتي هذه بالمثلث ؟.
رد شاب في الخامسة و العشرون من عمره ذا شعر أشقر و عينين زرقاوين يدعى تايلر و بدا أذكاهم :
– هو ليس مثلث و إنما هرم ، فالأربعة قواعد المتقابلة تشكل القانون المدني و الجنائي و الفيدرالي و القضاء و في قمة الهرم يتربع الدستور .
ردّ رئيسه و قد بدا عليه الإعجاب :
– لهذا السبب قبلت تعيينك و أنت بالكاد تخرجت ، و لكن دعني أوضح لك أمراً ، القمة ليست الدستور.
قاطعه تايلر غامزاً :
– إنما نحن .
قال الرئيس بكل ثقة :
بالضبط .
قُرع الباب الزجاجي فدخلت السكرتيرة تحمل بعض المستندات و وضعتها أمام جون بلباقة .
ثم قال بعد خروجها :
هل أنتم جاهزون من أجل جلسة قضية صوفت ميديكال ؟.
أجابه تايلر مجدداً :
في الواقع نحن حشرنا شركة ميست في جُحر و لن تستطيع الخروج منه ، فميديكال أنجزت كل ما طلبناه منها بهدوء فالعبوة المصادرة اختفت من داخل مستودعات الحكومة لقد أنجزوا ذلك باحتراف ، أعتقد أنهم لم يكونوا بحاجة إلى رأينا .
تحدثت جازمين و هي تستدير بالكرسي موجهة خطابها إلى مديرها :
– في الواقع تعتبر ميست قد انهارت فالغرامة التي ستتكبدها تساوي النصف من رأس مال الشركة و سحب مبلغ كهذا من شركة ضخمة يعرضها للإفلاس الفوري .
تمتم مديرهم بفخر و هو ينقر بقلمه على الطاولة :
– أحسنتم .
قالت جاسمين و هي تغمز لتايلر و تحرك مجسم الهرم الصغير من نقطة إلى أخرى :
– أتساءل ما الذي نقلته شركة ميست لصالح ميديكال من أوربا إلى أمريكا ؟.
رد تايلر وهو يحدق بعيداً :
– مهما كان فهو خطر و لا يرغبون بأن يُكشف أمرهم أو أمر عبوتهم القذرة .
قاطعهم رئيسهم محذراً بعينيه :
– طالما سنحصل على أضعاف مالنا لا يهم أي جحيم نقلوه إلى هنا .
رنّ هاتف جاسمين فاعتذرت و غادرت المكتب و استدارت خلفها فرأت تايلر يتبعها بنظره من خلف الزجاج .
ردت :
– برايدن أتمنى أن تكون قد وجدتهم.
أتاها صوته :
– فالواقع وجدت دايفيد أوين ، يمتلك مطعم صغير في ضواحي تكساس .
أجابته و هي تنظر لتايلر الذي لا يزال يستمر بمراقبتها :
– و الشاحنة ؟.
– واجهت صعوبة فيها ، أمهليني بعض الوقت .
– حسناً أشكرك فقط تعجل قليلاً فالأمر مهم .
أنهت الاتصال على ذلك ثم عادت للمكتب و همت بجمع أوراقها و قالت :
– أعذروني فلدي أمر طارئ و علي أن أغادر .
تساءل رئيسها :
– هل ستتغيبين عن الجلسة ؟.
ردت معتذرة :
– نعم ، أنا آسفة ، لقد راجعنا كل التفاصيل ولم يتبقى شيء فذهابي لن يؤثر ، الأمر مهم و علي أن أغادر .
غمغم و هو يشير بيده :
– كما تشائين.
و خرجت مسرعة ، ثم أتاها صوت تايلر ، قفز قلبها من مكانه و لكنها تجاهلته مما أضطره لمجاراتها في مشيها :
– هل كل شيء بخير ؟.
نظرت لعينيه الزرقاوين المختبئتين خلف النظارة و أجابت :
– نعم ، كل شيء بخير .
إحساس غريب حرك مشاعره من الداخل عندما تأمل وجهها النضر فابتسم ثم قال :
ً-  إذا احتجت لشيء اتصلي بي.
أومأت له بالإيجاب ثم غادرت
* * *
في الريف الغربي لضاحية تكساس شُيد مطعم أنيق نصفه يقع في الهواء الطلق و الآخر بداخل سقيفة ضخمة ذات أعمدة و أرضية خشبية .
قال النادل عندما اقترب منه دايفيد أوين ” تلك الشابة تنتظرك منذ ثلاث ساعات ” .
أمعن النظر إليها من بعيد و قد علت الدهشة ملامح وجهه و بالرغم من أن آخر مرة رآها فيها عندما كانا في الخامسة عشر من عمرهما فقد تعرف عليها مباشرة فتمتم بخفوت :
– لا زلت كما أنت .
ثم نظر للنادل وهو يمد له مفاتيح سيارته و قال :
– لا تدخلها .
– بالتأكيد ، كما تشاء سيدي .
ثم توجه إلى داخل الرواق الذي يؤدي إلى مكتبه .
أما جاسمين بمجرد دخوله فقد عرفته و علمت بأنه لن يستقبلها ثم تمتمت :
– الأحمق !.
وضعت الحساب على المنضدة و توجهت إلى النادل ، رفعت رأسها لأعلى فرأت كاميرة مراقبة سوداء مستديرة استقرت في السقف ، أخرجت ورقة و قلم و شخبطت شيئاً ثم لوّحت به في وجه الكاميرا .
* * * *
جلس أوين في مكتبه شبه المعتم و هو يسترجع ذكرياته معها و كيف تعاهدوا على الافتراق من أجل حماية أنفسهم ، أشعل مشغل الموسيقا و استمع لأغنية أديل شخص يشبهك و يضع يده على ذقنه و عندما رفع بصره إلى شاشة المراقبة التي بقربه رأي جاسمين تلوح بورقة رُسم عليها شيء .
عندها انتقلت أغنية اديل لمقطع :
– صديقي القديم لماذا أنت خجول هكذا ؟.
– ليس من شيمك التراجع أو الاختباء من الحقيقة !.
ابتسم بسخرية حتى بدت أسنانه الأمامية و هو ينقر على المؤشر لتقريب الصورة .
و …. ظهر رسم لشعار كان قد رآه كثيراً في السابق ، شعار مألوف ضاربة جذوره في القدم مُنذ عهد الإغريق و بداية أُسطورة إكسليبيوس و هو عبارة عن عصى يلتف حولها ثُعبان و ترمز للطب أو الشفاء و بعد انفصال الطب من الصيدلة حديثاً رُمز للأخيرة بالكأس و للأولى بالعصى مع ثعبان لكلاهما ، دليل على أنه يتم استخلاص الدواء من الداء و يظهر ذلك جلياً في اللقاحات .
تأفف أوين و رفع سماعة الهاتف و تمتم :
– أسمح لها بالدخول .
ثلاث نقرات على الباب و فُتح ، دخلت جازمين و شعرت بالغرابة فلم تر شيئاً في بادئ الأمر و عندما اعتادت عيناها على إنارة الغرفة الخافتة رأته يجلس خلف مكتب فخم من ينظر إليه لا يتخيل بأن يكون داخل هذا المطعم المتواضع .
قالت له بحذر و هي تقترب منه :
– آسفة على إزعاج سباتك و لكن قد ظهروا أصدقاءنا مجدداً !.
نهض من كرسيه و أغلق مشغل الموسيقى و نظر إليها بثقة :
– لا يمكن !.
اقتربت منه حتى وقفت قبالته و قالت :
– ألم تكن تستيقظ كل صباح و أنت تطرد شبحهم و تحاول استئناف حياتك و أنت في قرارة نفسك تعلم بأنه من الممكن أن يجدوك في أي لحظة و لن يكون أمامك حينها سوى المجابهة ؟ .
أرجع أوين شعره إلى الخلف بتوتر و هو ما بين تصديق ذلك أو عدمه ، ولكن جاسمين لم تكن لتكذب عليه أبدا .
و همست له :
– لقد تمت مهاجمتي صباح اليوم .
أمسك أوين بيدها و أجلسها على إحدى الكراسي و استقر هو أمامها :
– من هاجمك ؟.
– أشخاص في شاحنة .
عندها فكر أوين هل يتكرر ما حدث معهم قبل خمسة عشر عاماً .
* * * *
في المساء كانا يسيران جنباً إلى جنب و هواء مارس المعتدل حرك ثيابهم قليلاً و كذلك ذكرياتهم فبادرت جاسمين بسؤاله :
– إذاً هل تماثلت والدتك للشفاء ؟.
توقف أوين و تطلع إلى النجوم اللامعة و قال بنبرة يعتريها الألم :
– لقد تأخرت .
ثم أردف مغيراً مجرى الحديث كما يفعل دائماً عند سؤاله عن والدته :
– درستي المحاماة لتستردي حقوقك المسلوبة ؟ .
نظرت إلى البعيد ، و فكرت كم هي قاسية تلك اللحظات ، عندما تُحاصرك المصائب من كل الجهات و يكون بحوزتك خيارين فقط إما المواجهة أو الفرار ، ثم قالت :
– لم أسترد شيء ، تركت الوضع كما هو .
كانا قد وصلا إلى منزل أوين الآن سيراً على الأقدام ، توقعت أن يكون استقر الآن و أنشأ عائلة و لكن عندما دخلا للمنزل كان كئيباً خالياً .
قال أوين وهو يشعل الأضواء :
– تفضلي بالجلوس سأجلب لك شيئاً تشربينه .
منزله معتم كحياته هكذا فكرت جاسمين وهي تتجول بنظرها في أرجاء المنزل قديم الطراز و قد احتوى على ثلاث نوافذ ضخمة شكلت نصف مُعين و قد أُسدلت عليها ستائر ثقيلة بلون الكرز ، ثم وقع بصرها على عدة صور عائلية لتايلر مع والدته في مختلف مراحل طفولته .
و استقرت بتعب على أحد مقاعد الجلوس العتيقة ذات الحواف المذهبة .
عاد وهو يحمل كوبين من العصير ثم نظر لها بجدية وهو يمده لها و قال :
– كيف حدث ذلك و قد دُمرت بشكل كامل ؟.
– حقاً لا أعلم .
ثم رنّ هاتفها و كان المتصل :
– برايدن هل وجدت مالك الشاحنة ؟.
أتاها صوته الهرم :
– اضطررت أن ألجأ لبعض الأصدقاء في شركات نقل خاصة و صدف أن تمت معاملة بينهم .
قالت جاسمين وهي تضع كوب العصير من يدها و تضغط إذنها بالهاتف :
– إذا من هو مالكها ؟.
أجابها بحذر :
– بل من هم ؟.
ثم صمت لبرهة و أردف :
– مجموعة شركات صوفت ميديكال الطبية و هي الآن متورطة بقضية شحنة خطيرة .
لعنت جاسمين بصوت عالي و هي تنهض من مكانها.
تمتم أوين :
– إهدائي يا إمرأة .
ثم قال برايدن :
– يمتلكون العلم و المال و بما أن النفوذ يأتي بالمال فهم ذوو نفوذ .
– نعم أعلم ، أعلم ذلك ، شكراً لك على كل شيء .
أغلقت الهاتف و هي في حيرة من أمرها ، أتاها صوت أوين منتزعاً إياها من شرودها :
– إذاً صرتي تعرفين من هاجمك و هذا بالطبع ليس له علاقة بالماضي و إنما مشاكل عملية أخرى بينكم ، إذاً عليك وضع الماضي جانباً و أعرفي لما هاجمتك الشركة التي ترافعتي لأجلها و أخرجتها من ورطة .
قالت جاسمين وهي تستقر على أحد الكراسي متجهمة :
– لا أعلم.
ثم استرخت و أغمضت عينيها محاولة تصفية ذهنها و إيجاد رابط ما بين الأمرين ، عملها في السلك القضائي جعل عقلها يعمل كالحاسبة و يظهر الخيارات و النتائج سريعاً ، و ما هي إلا ثواني حتى تفتق ذهنها عن فكرة شيطانية .
* * *
في الرابعة فجراً كانا في نيويورك و توجها لبرج فروزن ، صعدا حتى الطابق الحادي و العشرون و قرعا جرس إحدى الشقق الفخمة .
صدمة قوية بدت على مالك الشقة عندما وضع عينه على عدسة الباب فقد رأى جاسمين و معها شخص بشعر بني داكن ينسدل حتى عنقه و قد قام بإرجاعه إلى الخلف مع لحية خفيفة ، بدى كرجل عصابات بقميصه المُقلم المفتوح على فنيلة زرقاء ، أزاح قفل الأمان و فتح الباب .
حاولت جاسمين رسم ابتسامة :
– مرحباً تايلر.
خرج صوته متلعثماً و جاهد ليسيطر عليه :
– أهلاً بكم .
حاول أوين تلطيف الموقف :
– نحن آسفان على إزعاجك و لكن الأمر طارئ
– لا مشكلة ، تفضلا بالدخول .
تكلمت جاسمين بهدوء وهي تتطلع من حولها في أرجاء الشقة الأنيقة :
– يبدو بأنك كنت مستيقظاً ، هذا صديقي ديفيد أوين
رحب تايلر به ببرود :
– تشرفت بلقائك يا سيد ، تفضلوا بالجلوس .
– إذاً يا تايلر اختصاراً للوقت .
قالت جاسمين ذلك بلغة سريعة ثم أردفت :
– بما أنك توليت الزيارات الميدانية أعطني كل المعلومات المتوفرة لديك عن صوفت ميديكال ؟.
أجابها بصوته الهادئ وهو ينظر لأوين :
– و ما علاقة صديقك هذا بميديكال ؟.
رفع أوين يديه ببراءة و ردّ :
– نحن على عجلة من أمرنا ، فقط نود أن نتأكد من بعض الأشياء و لقاءنا هذا ليس له أي علاقة بقضيتكم لا من قريب أو بعيد .
ابتسم تايلر بسخرية وهو يعدل من نظارته الأنيقة :
– بما أنها ضخمة ومتخصصة في كثير من الأشياء فتعتبر مجموعة شركات خاصة تحت مسمى صوفت ميديكال و تمتلك مصانع أدوية منها كيميائية و أخرى طبيعية ، و العديد من المختبرات الفرعية في أنحاء البلاد ، و الرئاسة كما تعلمين هنا في نيويورك .
انتقلت جاسمين بالقرب منه و قالت بحذر :
– أعطني معلومات أدق و تفاصيل ذات أهمية و ليست مقتطفات أحصل عليها بنقرة إصبع من غوغل ؟.
أجابها تايلر بحماس :
– شركة قابضة تسيطر على عدة شركات هنا و هناك عن طريق الأسهم ، يديرها حالياً أربعيني مقيت لا تودين مقابلته حتى في أسوأ كوابيسك ، اسمه كارلوس و يلُقب ب هونتر أو الصيّاد .
سرت قشعريرة باردة في جسد جاسمين فضمّت نفسها بيديها ، ثم نهض تايلر من كرسيه و هو ينظر للوحة الين و اليانغ المعلقة على جداره و هي عبارة عن حلزونين قصيرين متداخلين بالأبيض و الأسود و معاً يُشكلان دائرة ثم أردف :
– سمعت بعض الأشياء عن عمليات احتكار لأدوية و اختبارات غير قانونية تجريها الشركة ، هذا طبعاً زائد قضية الشحنة الغامضة التي تورطت بها و الشخص الوحيد الذى فحص الشحنة و رأى ما بداخلها اختفى دون أثر .
قال أوين بفضول :
– ما نوع تلك الاختبارات .
تجاهله تايلر ثم تحركت جاسمين من موقعها و وقفت بالقرب منه و هي تتحسس نتوءات الألوان التي تركت أثراً على سطح اللوحة ثم همست :
– سبق لك و أن زُرت مقرها ، هل يمكن اختراقه ؟.
أجابها :
– المقر الرئيسي حصين كقلعة ، مررت بأربعة أجهزة فحص آلي و فتشوا حقيبتي في الدخول و الخروج ، هذا غير تصريح الدخول الذي يقوم بتصديقه المدير التنفيذي .
قال أوين محاولاً تذكريهم بأنه هنا :
– و من هو المدير التنفيذي ؟.
قال تايلر ساخراً من أوين و من سؤاله الذي رأه غبي :
– بالطبع هونتر ، هل ظننت بأنه سيترك التحكم في تصاريح دخول الزوار لغيره .
قالت جاسمين بلهجة آمرة لتايلر :
– ستعود للمقر بأي حجة لتعرف لي بعض الأشياء فسبق لك و أن كنت هناك .
خرج صوته مستنكراً :
– لا ، لن أفعل ، فذلك المفترس هونتر سيلتهمني فوراً إذا شكّ فقط في سبب مجيئي .
نظرت إليه و قد تخيلت منظره و هو يُكبل و يُجر إلى أحد السجون المظلمة و سيطرت على ابتسامة كادت أن تُفلت منها ثم تمتمت :
– يجب أن أقابل هونتر ذلك ، هل حكم القاضي في القضية ؟.
– ليس بعد ، فقد تم تأجيلها .
ابتسمت كمن وجدت ضالتها و هي تنظر لعيني تايلر و تقول له بثقة :
– في الصباح الباكر ستتصل بخصومنا في ميست للنقل و تقول لهم بأننا سنستجوب مدير ميديكال الجلسة القادمة و أنا سأتدبر أمر الاستدعاء من المدعي العام ، و حذاري أن يعلم رئيسنا بذلك ، سنضعه أمام الأمر الواقع .
قضّم تايلر شفتيه بعصبية و ذهول قد ارتسم على وجهه و تمتم :
– المصائب في طريقها إلينا .
و فكرت جاسمين : لنرى يا هونتر هل لك علاقة بالماضي أم لا .
* * *
عندما وصل هونتر لفناء المحكمة المزين بالقليل من الأزهار تلقفه الصحفيون و بدأوا بطرح العديد من الأسئلة عليه ، تقدم قليلاً فظهر الميزان المرسوم أعلى بوابة المحكمة الحجرية الضخمة فالأعلى خلفه و قال لهم بلهجة حذقة تنُم عن خبرة :
– نحن نعمل في مجال الأدوية منذ العام 1955 و تاريخنا أبيض من الثلج ، و ما فعلته شركت ميست بادعائها أن العبوة المشبوهة و المفقودة حالياً تعود لنا ستتحمل نتائجه اليوم و أمام الجميع و سنعقد مساءً مؤتمر صحفي و جميعكم مدعوون .
ثم غادر إلى الداخل بشموخ .
* * * *
في قاعة المحكمة جلس أربعة قُضاة على منصة خشبية ضخمة و قد اتجهوا ناحية الخصوم ، و استقر محامو الطرفين في الصفوف الأمامية ، بينما قبع المدعي العام في الطرف البعيد وحيداً يتربص بهم .
عند دخول هونتر اختلس نظرة سريعة إلى جاسمين و لكنها لم تلاحظه فقد كانت عيناها مستقرتان على أوراقها ، بينما المدعى العام رفائيل لاحظه و ابتسم و هو ينظر إلى جاسمين ، و حينها رفعت عيناها فتلاقت نظراتهما لبرهة ثم تمتم بخفوت :
– نهايتك اليوم كارلوس .
ابتدأ القاضي المحاكمة و طلب من محامي شركة ميست أن يتفضل .
نهض مرافع الشركة و قد كان رجلاً كهلاً غطى الشيب كامل رأسه ، ثم ابتدر بسؤال هونتر الذي كان خلف الحاجز الخشبي :
– سيد كارلوس متى تعاقدت مع شركة ميست العالمية للنقل ؟.
أجاب هونتر بوقار :
– في الحادي و العشرون من ديسمبر العام المنصرم .
– ماذا كانت تحوى الشحنة ؟.
أجابه ببرود :
– مواد كيميائية تدخل في صناعة بعض الأدوية و قد راجعتها شركة ميست قبل الشحن .
ثم أردف بخبث :
– و هذا يعني أن ميست كانت تعلم ماهية الشحنة .
هنا أنهى المحامي حديثه و قال :
– لا مزيد من الأسئلة سيدي القاضي .
قال القاضي بصوت جهور و هو ينظر لهيئة دفاع ميديكال :
– هل تود هيئة الدفاع سؤال موكلها ؟.
نهض مدير شركة المثلث جون ليجيب :
….
فصاح صوت أنثوي بثقة :
– نعم سيدي.
و نهضت جاسمين و توجهت إلى موكلها هونتر فارغة اليدين عدا من قلم في يدها اليُمنى ، و تهاوى جون على كرسيه متوجساً و قال هامساً لتايلر الذي يجلس بالقرب منه :
– لم نتفق على ذلك ، ماذا تفعل ؟.
خرج صوت تايلر مبحوحاً و هو يحاول إنقاذ نفسه إلى بر الأمان قبل انفجار الوضع :
– ألم ترها لقد ارتجلت ، ولا علم لي بشيء .
اتسعت عيني هونتر العسليتين و بدت الحيرة عليه و لكن برع في إخفائها ، و سألته جاسمين سريعاً :
– إذاً تم إنشاء الشركة عام 1955 م ، أين كان مقرها في ذلك الوقت ؟.
ردّ عليها ببرود و هو يتأمل ملامحها الدقيقة و عينيها الرماديتين المألوفتين :
– فيلادلفيا .
– و المقر الذي في نيويورك و يعتبر مقر ميديكال الرئيسي الآن ، متى تم إنشائه ؟.
– مطلع عام 2002م.
أجابها و هو يحاول تخمين ما ترمي إليه ، أصلحت ياقة قميصها و أخذت نفساً لبرهة فقد أتت للجزء المثير و قالت :
– و أنت كنت تعمل معهم في ذلك الوقت ؟ .
– لا ، كنت أعمل في شركة أخرى .
رد سريعاً محاولاً إنقاذ نفسه و لكنه وقع في فخها ، ثم قالت :
– في الواقع يا سيد كارلوس أنت كنت تعمل في تلك الفترة لصالح شركة كورن ذات السمعة السيئة .
همس جون لتايلر بغضب :
– ما هذا الهراء ، هل تحاول نسف ما بنيناه ؟ .
زمَّ تايلر شفتيه و غاص في كرسيه مراقباً فقط كأن الكلام ليس موجهاً له !.
تجولت جاسمين قليلاً في المساحة التي ما بين القضاة و هيئة الدفاع ثم اقتربت خطوتين ناحية موكلها و قد أشارت بالقلم و هي تقول :
– حدث انفجار ضخم في شركة كورن للأدوية عام 2001 م و بعدها بفترة قليلة تم إفتاح فرع نيويورك تحت مظلة ميديكال و لم تكن الأخيرة بحاجة إليه .
ثم أردفت و هي تفرقع بإصبعيها :
– و خلال بضعة أشهر فقط تم نقل الرئاسة من فيلادلفيا إلى نيويورك و غُيّضت أموال ضخمة لصالح الرئاسة الجديدة .
ضيّق هونتر عينيه و هو يرمق رئيس هيئة دفاعه جون بنظرة حادة و أجاب :
– لم أعمل لصالح كورن مطلقاً .
– هل تنكر عملك في كورن سيد كارلوس ؟.
هنا تصرف بذكاء و قال :
– لن أجيب على هذا السؤال .
– أين كنت يوم انفجار منشأة كورن سيد كارلوس ؟.
رمش بتوتر و فكر عليه أن يسيطر على الوضع سريعاً و دمدم :
– أعترض سيدي القاضي فمن الواضح أن موكلتي انحرفت من مسار قضيتنا ، و انتقلت من الشحنة المشبوهة إلى كورن التي انفجرت و دُمرت قبل أكثر من عقد .
– اعتراض مرفوض .
قال القاضي ذلك بصوت جهور ، ثم همست جاسمين لهونتر :
– كيف نجوت من الانفجار ؟.
…..
و عندما لم تحصل على إجابة تابعت بلغة سريعة موجهة كلامها إلى القضاة :
– سيدي القاضي كورن و ميديكال شيء واحد و لكن بعدما دُمرت كورن تم إنقاذ أبحاثها و استولت عليهم ميديكال و استأنفت هذه الأخيرة ما لم تُنهيه تلك ، و الجميع يعلم بأن كورن عندما دُمرت كانت متهمة بعدة قضايا لأدوية و تجارب مشبوهة .
و لأجل إيقافها كان لا بد لهونتر أن يهمس لها بخفوت كالأفعى التي تنفث سماً :
– أعرف من أنتِ .
تصلبت عضلات فكها و تبادلت معه النظرات لثواني بدت طويلة ثم قالت :
– لقد أنهيت أسئلتي .
لم تكن بحاجة للمزيد فقد حصلت على ما أرادت و أكثر .
* * *
بعد انتهاء الجلسة خرجت سريعاً من المحكمة و كان أوين بانتظارها في سيارته التايوتا إنتاج الثمانينات ، دلفت إلى الداخل و بادر بسؤالها :
– هل استطعت معرفة شيء ؟.
أجابته و هي تراقب محيطهم فرأت هونتر من بعيد و هو يمسك بياقة رئيسها جون و قد بدأ بتعنيفه :
– نعم ، خاصتنا يعرف الكثير .
و غادرا لأحد المطاعم لتناول الغداء و انتظار تايلر الذي عاد إلى شقته .
* * *
عندما دخل تايلر إلى شقته وجد هونتر بانتظاره كالشيطان بالداخل ، فتجمد في مكانه و سأله مستفسراً :
– كيف دخلت ؟.
أجابه هونتر وهو يتفحص اللوحة باهتمام مبالغ فيه :
– لوحة تحمل في طياتها الكثير ، الينغ و اليانغ ، الأنثى و الذكر ، الضوء و الظلام ، الماء و النار ، الخير و الشر متلاحمان للأبد .
ثم أردف :
– تفضل بالجلوس تايلر فهذا منزلك .
ابتلع تايلر ريقه و قال :
– هل أحضر لك شيء تشربه ؟.
ابتسم منه ساخراً و هو يستقر على أحد الكراسي و يكرر :
– اجلس تايلر لنتحدث بهدوء .
ثم إنصاع لكلامه و جلس قبالته و قال هونتر :
– إذا كُنت تُحب جاسمين فستبعدها عن طريقي و إلا لجأت لأساليب أخرى و أنت تعلم ما هي ، فقد كنا شريكين في الإطاحة بميست .
ثم أردف :
– أوه نسيت كدنا نطيح بها .
قال تايلر معتذراً :
– أنا آسف لذلك و لكن أنت من بدأت بملاحقة جاسمين دون أسباب واضحة .
أجابه محذراً بيده و هو ينهض :
– أعترف لقد كان خطأ ولن يتكرر ، و لكن إذا استمرت جاسمين بنبش الماضي فستكون عواقب ذلك وخيمة .
ثم اقترب هونتر من تايلر الذي لا يزال جالساً في كرسيه ، فنزع منه نظارته بعدوانية و قال له محذراً :
– ستفعل ما قلته لك و آمل ألا يخونك ذكائك .
* * * *
استقلوا سيارة تايلر السوداء ذات الدفع الرباعي موديل 2015 و قال وهو يدير المفتاح :
– أين نذهب ؟.
أجابت جاسمين و قد جلست في المقعد المجاور له :
– منزل هونتر .
قال بتوتر و هو يضرب على المقود :
– لم قد نذهب لمنزل الرجل و قد استجوبته منذ ساعات ؟ توقفي عن ذلك .
ابتسمت له و هي تضع حزام الأمان :
– تحرك تايلر و إن لم نجده و كانت الحراسة غير مشددة سندخل خلسة و نرى من هو كارلوس .
– لو كنت سألتني عنه لأجبتك .
ثم أوقف محرك السيارة و تمتم :
– لن نذهب .
قالت جاسمين ناقمة :
– بك أو بدونك سنذهب لذلك المنزل ، فهل سترافقنا أم لا ؟.
شتم في سره ثم أستسلم و أدار محرك السيارة و هموا بالذهاب .
و تساءل :
– لما فعلت ذلك لقد أفسدت قضية الرجل و بدلاً من أن يصدر القاضي الحكم فقد أجلها ، و الآن تحاولين اقتحام منزله ، أي جنون ذلك ؟.
أجابته بنفاذ صبر :
– الرجل أرسل أشخاص لمهاجمتي لا تنس ذلك .
– لقد رأيته عندما همس لك ، ماذا قال حتى أزعجك هكذا ؟.
لم ترد على سؤاله و عمّ الصمت داخل السيارة و بعد ساعة من القيادة السريعة توقفوا في تلّة خضراء مليئة بالأعشاب الطويلة و الكثير من الأزهار البرية التي تناثرت هنا و هناك .
ظهر منزل هونتر منحدراً أسفلهم و تكونت إطلالته من الزجاج فكشفت ما بداخله ، تمتم أوين و هو يراقب المنزل من داخل السيارة :
– غريب أمر هذا الرجل ، يسكن خارج المدينة و أقرب جار له على بعد كيلومترين !.
همس تايلر برعب و هو يستكشف محيطهم بتوتر :
– لهذا يلقبونه بالصيّاد .
قالت جاسمين و هي تتناول منظار مقرب من أحد أدراج السيارة :
– الأفلام أفسدت تفكيرك .
مدير شركة المثلث جون جعل منهم كالعملاء الفدراليين فقد كانت سيارة تايلر كبرج مراقبة متحرك ، احتوت على كُل أداة من الممكن أن تحتاجها لتتبع أحدهم و تتصيّد أخطاءه ، و لم يتبقى له إلا أن يخضعهم لتدريبات عسكرية ، و يكون بحوزتك جيش فعلي من المحامين .
ثم ترجلوا ثلاثتهم و كانت الشمس قد بدأت بالغروب تدريجياً ، و قالت وهي تضع المقرِّب على عينيها فكشف لها عن غرفة الجلوس و المطبخ و مكتبة أنيقة ضخمة :
– سنذهب أنا و أوين و أنت يا تايلر ستنتظرنا هُنا .
أجابها وهو يبتسم :
– هذا يُناسبني عزيزتي فأخر ما أطمح إليه هو تطفلي على منزل ذلك الصيّاد ! .
نزلا معاً منحدر التل بصعوبة و كان المنزل يبعد حوالي ثلاثمائة متر إلى الأسفل وعندما وصلا كان الظلام قد أسدل ستاره و لم يجدا أي حُراس حول المنزل ، اختلسا النظر و بدا المنزل خالياً ، استدارا حول المنزل فظهرت البوابة الرئيسية مع كاميرا مراقبة في الزاوية حاولا تجنبها و الالتفاف عليها ثم لاحظ أوين أعمدة المنزل الهندسية و قد كانت متعرجة ، تسلقها حتى الطابق الثاني و وجد فتحة تقود لنافذة زجاجية و لكنها صغيرة لم تكن لتستوعب جسده الضخم فصفر لجاسمين و أشار لها أن تتسلق و تلحق به ، و خلال دقائق كانت بالداخل بعدما كسر أوين النافذة .
في الداخل تفقدت أغلبية الغرف و من ضمنها غرفة هونتر و مكتبه ، جلست على الكرسي الدوار و سحبت أحد الأدراج فوجدت عقود النقل ما بين ميديكال و ميست و دار في خلدها بأن الشحنة ستكون في الأرض السابعة الآن ، نظرت إلى سطح المكتب فرأت صورتين إحداهما لهونتر برفقة إمرأة و طفل رضيع و الآخر لطفل بدا بسن الثالثة ، كان شكل الطفل الأكبر مألوفاً للغاية لم تدري أين رأته من قبل ، و في الواقع لم يكن هذا الطفل سوى أوين و أخيه غير الشقيق إيثان .
في الخارج تقدم تايلر قليلاً ناحية المنزل مراقباً محيطه باحترافية غير عادية ! ، و في البعيد لمح سيارة هونتر تقترب من المنزل أمسك بهاتفه و همس :
– غادرا فالرجل قادم .
أجابته جاسمين و هي تعيد الصورة إلى مكانها :
– سنخرج حالاً .
ثم تسلقا عائدان و خلال دقائق كانا في الخارج ، الظلام كان حالكاً و الصعود لأعلى مرهق ، ثمة شيء سريع أمسك بجاسمين و طرحها أرضاً فدفعه أوين بعيداً ثم ساعدها على النهوض و ركضا .
و صرخت من البعيد :
– تايلر أركض .
و لكن تايلر تسمّر في مكانه و لم يحرك ساكناً حتى صارا بالقرب منه و دمدم له أوين :
– اللعنة تايلر أركض .
ركض ثلاثتهم إلى داخل السيارة و انطلقوا مسرعين وسط الحشائش و قال تايلر و قد تسارعت أنفاسه :
– ما كان ذلك ؟. .
رد أوين و هو ينظر للخلف بحذر :
– لست واثقاً ، لم أتبين شيء في الظلام ، ربما كان كلباً .
انفجر تايلر ضاحكاً :
– فالواقع لم أرى كلباً في الجوار غير هونتر .
همست جاسمين و كان شعرها قد تبعثر على أكتافها و وجهها و اتسعت حدقتا عينيها :
– سنذهب إلى الطبيب .
قال تايلر و هو ينطلق سريعاً بعدما انعطفت السيارة و استقرت في الطريق المسفلت :
– هل خدشك ذلك المستذئب ؟.
قال له أوين ساخراً :
– نحن في القرن الحادي و العشرون و أنت شخص متعلم و ذكي تعمل في شركة محاماة مرموقة ففكر على هذا الأساس .
رمقه تايلر بنظرة غاضبة ثم قال :
– هل وجدتي ما تبحثين عنه في الداخل و أنتظر منك تقرير مفصل آنستي ؟.
أجابت جاسمين و هي تفتح النافذة الأمامية و قد تطاير شعرها بفعل الهواء :
– لا شيء سوى خزنة ضخمة مغفلة بإحكام ، و سنتحدث عندما نصل للطبيب .
نظر تايلر بعيداً و هو يتشبث بالمقود و يفكر في طريقة يبعد بها جاسمين من هونتر فالرجل كان جاداً في تحذيره و إذا علم بأنهم هم من اقتحموا منزله لن يتوانى عن فعل ما توعّد به .
* * * *
دخل أوين و تايلر و جاسمين إلى عيادة الطبيب غيبسون التي كانت شبه خالية ، و استقبلهم الطبيب العجوز في مكتبه الرحب ثم قال موجهاً حديثه لتايلر :
– إذاً ما المشكلة كنت متعجلاً ؟.
أجابه تايلر و هو يستقر في الأريكة المقابلة لهم :
– صديقاي قد تعرضا لمواد كيميائية قبل مدة و يريدان إجراء بعض الفحوصات .
سأل الطبيب باهتمام :
– أي نوع من المواد ؟.
أجابته :
– لا نعلم ، فقد كنا صغاراً .
قال الطبيب محاولاً أن يشرح لهم :
– في الواقع عادةً ما يتخلص الجسم من هذه السموم تلقائياً عن طريق الكبد و إذا لم تظهر أي أعراض سلبية خلال ستة أشهر ، فهذا يعني أن الجسم قد تخلص من هذه المواد ، و عدة أعوام فترة أكثر من كافية .
قالت جاسمين وهي تنهض من مكانها و تحدق لحوض الأسماك الملونة الذي كان قرب النافذة :
– و ربما لا تزال موجودة و قد اندمجت مع خلايانا .
أجابها الطبيب العجوز و هو يعدل نظارته السميكة :
– لا يوجد شيء كهذا في عالم الطب ، إذا كان هناك أي أضرار ستؤثر على الأعضاء الرئيسية في الجسم الكبد و الكلى و القلب ، و هذه الأعوام كافية لتتضرر هذه الأجهزة ، هل شعرتما بأي شيء خلال تلك الفترة ؟.
قال أوين و هو ينقر على طاولة المكتب :
– كالحصان لم أصب حتى بنزلة برد .
– و أنا أيضاً لم أعاني من شيء .
قالت جاسمين ذلك ، ثم رفع الطبيب سماعة الهاتف و اتصل بالممرضة و طلب منها الحضور ، فأتت حاملة إبرتين و سحبت عينتي دم من كلاهما و قال بعد خروجها :
– ستظهر نتائج التحاليل غداً مساءً ، ولكن كيف تعرضتما لتلك المواد ؟.
قالت جاسمين و هي تضغط على مكان وخز الإبرة :
– شركة كورن الطبية .
* * *
منشآت كورن أكتوبر 2001م ، في الأرضية التي رُسم عليها شعار شركة كورن و هو عبارة عن عصى يلتف حولها ثعبان ، جلس ثلاثة أولاد في مقاعد كالطلاب الذين ينتظرون أستاذهم ، كانوا ذكرين و أُنثى واحدة .
دخل عليهم الطبيب وقال :
– سبق و أن أخبرناكم بطبيعة التجربة و لكن سنكرر ذلك مرة أخرى و بمجرد توقيعكم على تلك الأوراق التي أمامكم تكونوا قد وافقتم عليها و لا رجوع ، لذلك أصغوا جيداً لما سأقول لآخر مرة .
صمت برهة ثم أردف :
– هي تجربة تتعلق بالجاذبية و الغرض منها محاكاة البيئة خارج كوكبنا ، قمنا بصنع غرفة تُحاكي أجواء الفضاء ، هي غرفة عادية مثل منزلكم و لن تلاحظوا أي اختلاف ، فقط نحن من نلاحظ ذلك في أجهزتنا و ستتم مراقبة جميع وظائفكم الحيوية عن طريق طوق سيوضع على معصمكم .
سألت الأنثى :
– يوجد أضرار ، ما هي ؟.
– بالطبع يوجد ، قال ذلك ثم اقترب منها و أردف :
قد تعانون من صداع و دوران و بعض الاضطرابات المعوية و لكن لا تقلقوا لن تؤذيكم هي مثل الدواء الذي لديه أعراض جانبية ، و سنعطيكم بعض العقاقير و ستخفف من تلك الأعراض .
حسناً يا أطفال التجربة مدتها عشرة أيام لا تزيد ولا تنقص ، من فضلكم الآن وقعوا على تلك الأوراق و كما قرأتموها الغرض منها حفظ حقوق الطرفين .
* * * *
تم وضعهم في غرفة على عُمق خمسة أقدام تحت سطح الأرض ، بمساحة خمس و سبعون متر مربع ، ذات حوائط إسمنتية بسمك عشرة إنشات ، و نظام للتهوية يقوم بنقل الهواء من السطح إلى الداخل بعد مروره بعدة فلترات ذات تقنيات متقدمة .
تم تزويد غرفتهم بكل وسائل الراحة التي يحتاجونها ، القليل من أدوات الرفاهية من تلفاز و ألعاب ما عدا أجهزة الهاتف أو أي وسيلة تربطك بالسطح .
في الوقع لقد تم خداعهم و التجربة ليست لها أي علاقة بالجاذبية !.
بعد خروجهم من عند الطبيب اتصلت جاسمين ببرايدن و طلبت منه أن يجد لها إيثان قبل حلول الصباح ، ثم ذهب ثلاثتهم إلى شقة تايلر .
جلس أوين مسترخياً على أحد الكراسي ثم تذكر شيئاً :
– لقد تم استهدافنا منذ البداية .
ردت جاسمين :
– ماذا تقصد ؟.
ثم قال :
أخبرني إيثان عندما كنا بالداخل أن والده بالتبني أفلس بعد دخوله في شراكة فاشلة ثم وجد له أحد الأصدقاء عملاً هنا ، و أنا صرفت كل الأموال على علاج أمي ، و علمت لاحقاً بأنها بحثت عني بعد ذهابي لكورن فقصة الوظيفة تلك لم تنطلي عليها ، واصلت بحثها عني لعدة أيام حتى وصلت إلى منشآت كورن و لكن تم صرفها .
قالت جاسمين وهي تشبك يديها :
أنت و إيثان تم استهدافكم و أنا ؟.
قال تايلر موضحاً :
أن يتم جمعكم بصورة عشوائية ثم يتضح بأنها لم تكن كذلك هذا أمر في غاية الصعوبة و يحتاج للكثير من الجهد .
قالت جازمين و هي تستقر بجانب تايلر :
في الواقع هناك رابط مشترك بيننا وقد يكون أوين محقاً ، انتقلنا إلى نيويورك في أوقات متقاربة و لأسباب مختلفة ، و لكن جميعاً عانينا من أزمات مالية مفاجئة و غريبة .
صمتت لبرهة ثم أردفت :
– والد إيثان أفلس بعد الشراكة و انتقل إلى هنا و زوج أمي بعدما صرف كل مدخراتنا وجد عمل هنا و انتقلنا .
تابع أوين :
– و أنا كانت والدتي مريضة بالسرطان و دون سابق إنذار قرر المركز المعالج نقلها إلى نيويورك .
نهض تايلر بعدما سمع صافرة آلة القهوة ثم قال :
– لطالما سيطرت دول على أخرى بالمال فقط .
همس أوين لجاسمين :
– أنتِ لم تكوني بحاجة ماسة للمال لما شاركت ؟.
– بربك أوين لقد أعدمني الرجل السنت ، و لكن في حالتي هذه لم تكن مشاركتي مضمونة فأنا بالرغم من ذلك كان وضعنا ميسور ، المحير في الأمر كان من الممكن أن يأخذونا عنوة فلماذا تكبدوا عناء جلبنا بهذه الطريقة ؟ .
عاد تايلر و هو يحمل أكواب القهوة و قال :
– كان احتمال أخذكم بالقوة وارد إذا لم تتطوعوا بأنفسكم مقابل المبلغ الضخم ، و لكن ما السبب الذي يجعلكم مميزين عن غيركم ؟.
تمتمت جاسمين :
– سنعرف قريباً بعد ظهور نتائج التحاليل .
ثم أردفت :
– إذاً من هو كارلوس يا تايلر عدا بأنه المدير التنفيذي لميديكال من يكون هذا الرجل الذي بدأ بالركض خلفنا و هو من أنقاض كورن ؟.
أجابها تايلر :
– إنه خطأي أنا.
ثم أخذ رشفة من كوب قهوته و أردف :
– عندما اجتمعت مع هونتر في ميديكال لمناقشة حيثيات القضية وردتني مكالمة منك ، و أنا أضع صورتك خلفية ، فرآها الرجل و بدا عليه الاهتمام ، يبدو بأنه تعرف عليك بعد مرور العديد من السنوات .
همست جاسمين :
– أعتقد بأن الأمر أقدم من ذلك .
قال أوين مفسراً :
– ربما شخص علم بأمر تجربتنا لاحقاً ، و لكن السؤال المهم ما الذي يريده الرجل منا بعد كل تلك الأعوام ؟.
قال تايلر و قد بدا عليه الحماس و الفضول :
– بل سؤال المليون دولار كيف خرجتم من كورن ؟ .
رنّ هاتف جاسمين و كانت رسالة من برايدن تحوي عنوان ثالثهم إيثان ، فطلبت منهما أن يذهبا إليه و يجلباه علهم يحذرونه أو يساعدهم .
* * *
في أحد الأبراج العالية التي تقع في قلب مدينة نيويورك ، اقتحم رجل في الأربعين من عمره عيادة الطبيب غيبسون ، كان ذا شعر بنى فاتح يميل للأشقر و عينين عسليتين و ذقن حليق حاد ، يرتدي بدلة جلدية متوسطة الطول و توجه مباشرة إلى الطبيب ، منعته السكرتيرة ولكن لم يأبه بحديثها ثم قال وهو يدلف للداخل :
– دكتور غيبسون أطلب من سكرتيرتك أن تدعنا وحدنا قليلاً .
قال الطبيب وهو يشير بيده :
– لا بأس يا آنسة .
– إذاً تعرف من أنا ؟.
قال ذلك هونتر وهو يتجول في المكتب ثم أجابه مُحدثه :
– نعم ، فتاريخك مُشرف !.
ابتسم هونتر بعصبية و تلقائياً وقع بصره على حوض الأسماك الملونة فتوجه إليه و غمس يده بداخله و أمسك بواحدة و رماها أمام الطبيب في مكتبه ، فأخذت تتلوى و تتخبط ، فسأله غيبسون وهو يحدق فيه باستغراب :
– ماذا تريد ؟.
أجابه و هو يسحب منديلاً من جيبه و يجفف يده :
– ظهرت النتائج أليس كذلك و لا بد بأنك رأيت شيء غريب تحت المجهر ؟.
قال غيبسون و هو يمسك بالسمكة و يعيدها سريعاً إلى الحوض :
– نعم ، لقد رأيت هالة غريبة تُحيط بكريات الدم الحمراء ، و تفصل كل واحدة عن الأخرى .
راقب هونتر السمكة و هي تُحرك زعانفها ببطيء بعدما عادت للحياة ثم قال :
– نعم ، فهم يعانون من فيروس خطير و حتى نُضعفه حاولنا فصل كريات الدم الحمراء عن بعضها بهذه الهالة ، و بالطبع هم لا يعلمون بذلك .
– كيف أُصيبوا بذلك الفيروس ؟.
– ليس من شأنك !.
أجابه ثم قبض على حنجرته و رفعه للأعلى و أردف :
– أمسك بهاتفك و اتصل بتايلر ثم أخبره بما رأيت و أحقن الفتاة بهذا .
ثم أخرج شيء من جيبه و أفلت الطبيب بعنف ركع إثر ذلك على الأرض وهو يلهث محاولاً استنشاق بعض الأوكسجين ، و جثى هونتر أرضاً في مواجهته ثم قال وهو يضع المصل في كف دكتور غيبسون :
– ستجد بعض المال في حسابك ، و إذا سألك أحدهم ستقول بأن تايلر هو من طلب منك حقن جاسمين بهذا ، و إياك أن تحاول التذاكي علي .
ثم غادر رِفقة شره و هو يفكر حان وقت إزالة الهالة .
* * *
شعرت جاسمين بألم حارق بعد عودتها من الطبيب في جميع أنحاء جسدها ، و رأسها أوشك على الانفجار من الصداع و انسحبت الحرارة من جسدها فجعلت أوصالها ترتعد من البرد ، غيمة حجبت بصرها لدقائق ثم تلاشت ، فصعدت للأعلى بصعوبة حيث غرفة تايلر ، ثم توجهت للحمام و غمرت حوض الاستحمام بمياه دافئة و غطست فيه و لم تستيقظ إلا بعد عدة ساعات .
عندما استفاقت كانت قد تحسنت قليلاً من السابق ، لفت نفسها بمنشفة ثم توجهت لخزانة تايلر علها تجد شيئاً ترتديه ، ولكن كانت الخزانة لا تحوي شيئاً سوى الملابس الرجالية ، فتايلر كان وحيد كراهب عدا محاولات تقربه منها ، و رفعت حاجبيها بتعجب عندما وجدت فستان جديد أزرق متوسط الطول في علبة و كانه وُضع لها ، فارتدته و سرحت شعرها ثم تركته طليقاً ، نزلت للأسفل و ألقت نظرة على هاتفها فوجدت مكالمات عديدة من تايلر فعاودت الاتصال به و بعد أن أتاها صوته سألته :
– هل وجدتم إيثان ؟.
صمت لبرهة ثم قال :
– نعم وجدناه ، ولكن ..
– لكن ماذا ؟.
شتم في سره ثم قال :
– و نحن في طريق العودة افترقت عنهم لبضع دقائق فقط و عندما عُدت وجدتهم قد اختفوا .
قالت وهي تنهض من مكانها :
– هل تم اختطافهم ، أهو هونتر ؟.
قال مستاءً :
– أنا آسف جاز .
– لقد طفح الكيل .
تلفظت بتلك الكلمات و قال لها آمراً :
– إهدائي ولا تتهوري ، انتظري عودتي .
– لا أستطيع فهؤلاء أصدقائي .
قالت ذلك ثم أغلقت الهاتف و عاود تايلر الاتصال ولكنها لم ترد عليه .
جلست قليلاً تفكر هل من الممكن أن تعيد كورن اختباراتها عليهم تحت غطاء ميديكال ؟ إذا كانوا ينوون فعل ذلك فلن يستطيع أي شيء ثنيهم عن هدفهم ، لقد تم استهدافهم منذ البداية ولكن ماذا يريدون الآن و قد نُسفت كورن و أنطوى معها الماضي ؟
لقّمت سلاح تايلر الفضي الصغير كانت قد وجدته في غرفته و توجهت لمنزل هونتر .
* * *
جلس وحيداً و هو يسترجع ذكرياته في كورن و إنجازه العظيم الذي حققه ، فالمصل الذي قد طوره لاحتواء السم الذي بجسد أولئك الأطفال لم يكُن دائماً ، و الهالة التي صنعها لتحتوي كريات الدم الحمراء لتضعف من أدائها و بما أنها جسم غريب فكانت دفاعات الجسد تلقائياً تقوم بمهاجمتها و تجعلها تختفي بمرور الوقت لذا كان يجب إعطائهم جرعات دورية كُل عدة أعوام من أجل السيطرة على السم الذي بداخلهم .
عندما وصلت جاسمين لمنزل كارلوس وجدت الباب مؤارباً ، و توغلت قليلاً إلى الداخل بحذر ، فاستقبلتها ردهة فسيحة تناثرت في زواياها الأربعة فازات أرجوانية كبيرة احتوت على أزهار برية مجففة و عبق الجو برائحة هي مزيج ما بين اللافندر و الفانيليا ، ثم رأت أمامها صالة مستطيلة يتوسطها طقم جلوس عصري بلون الزهر الفاتح ، فلمحته يجلس على كرسي صغير واضعاً قدم على أخرى و هو يراقب قرص الشمس من خلف الزجاج و قد أوشك على الاختباء .
تقدمت منه ببطء وضعت السلاح على رأسه و همست له :
– أين هما ؟.
أتى صوته عميق كأنه قادم من الجحيم :
– هما بأمان الآن و لكن أنت لست كذلك ! .
– موقفك الضعيف لا يخول لك بالتهديد .
قالت ذلك ثم استدارت لتواجهه و رأت أشعة الشمس الصفراء قد انعكست على وجهه فبرقت عيناه العسليتان كأحجار الكهرمان و قال لها :
– صديقك تايلر أحمق و في منتهى الغباء ، هل ينتظرك في الخارج ؟.
طباعه الحادة لا تُلائم جنة مأواه ، هكذا دار في خُلد جاسمين ثم قالت و هي تحوم حوله :
– يكفي ما فعلته بنا كورن ، ماذا تريد منا الآن هونتر ؟.
ابتسم بمكر :
– أنا ؟ بل أنت ما الذي تريدينه ؟ ظللت تحومي حولي و تنتهكي خصوصيتي بكل جرأة أنت و أصدقاءك الحمقى ، اندفاعك أعمى بصيرتك .
– لقد أرسلت أشخاصاً يراقبونني على مدار الساعة و تنتظر مني السكوت على ذلك .
غادر كرسيه برشاقة و حدق إلى التل المرتفع فدمدمت جاسمين :
– إياك أن تتحرك مجدداً سيد كارلوس ، أقسم بأنني سأطلق عليك .
– هل أنتِ خائفة ؟.
ثم رفع يديه و أردف :
– أنظري أنا أعزل ، ولكنها الغريزة ياسمين عند وجود الخطر كل الكائنات الحية تستشعر ذلك .
تراجعت خطوتين إلى الوراء ثم قالت :
– هل كنت في كورن عند الانفجار ؟.
ابتسم وهو ينظر لعينيها الكحيلتين :
– نعم ، كنت هناك و أنا من أمَّنت خروجكم بسلام قبل انفجارها بدقائق .
– أنت تكذب .
– تعلمين في قرارة نفسك بأنني لستُ كاذباً ، ألم يكن الأمر سهلاً ، الناجون الوحيدون من كورن .
ثم أردف و هو يضع راحتيه على الباب الزجاجي :
– أول جرعة لكم كانت عند مولدكم و كل فترة أبدأ بمراقبتكم الثلاثة .
صمت لبرهة وهو يحدق بعيداً و أسترسل في حديثه :
أولئك الشبان كانوا جدد في الوظيفة ، لم يكن يفترض بهم مهاجمتك ، الأوامر كانت واضحة ، مراقبة فقط و لن يشتبكوا معك لأي سبب من الأسباب و أنت لن تلاحظيهم و عندما رأوك اكتشفتي أمرهم حاولوا إخافتك فقط ، و قد عاقبتهم لذلك .
ثم سحب الباب فهبت نسمات باردة و غادر إلى الخارج ، كانت الشمس قد اختفت و أسدل الظلام ستاره .
– أتهوى التجول ؟ اثبت مكانك .
قالت ذلك ثم لحقت به مصوبة فوهة سلاحها ناحية قلبه ، فهمس لها و بالكاد التقطت كلماته :
– شقيقاك بخير ، لا تقلقي .
– ماذا تقصد أيها الرجل ليس لدي إخوة ؟.
– في الواقع لديك أوين و إيثان إخوانك غير الأشقاء .
– أي هراء ذلك ؟ تحدث بمنطق .
ثم صوبت سلاحها على جبينه مباشرة و قال لها :
– أستقتلين والدك ؟.
لفح الهواء فستانها الأزرق فشعرت ببرودة تسري في كامل جسدها لم تدري من البرد أم من حديثه ثم تمتمت :
– أبي ميت منذ ولدت .
– هل رأيت جثته ؟ هل تذكرين كيف كان ؟.
قال ذلك ثم أردف :
– لنكمل حديثنا في الداخل لقد أصبح الجو بارداً هنا إبنتي و أنزلي ذلك السلاح فقد أصبح يزعجني الآن و أغلقي الباب خلفك .
فسار ببطء و هي خلفه و لكن تركت الباب مفتوح قليلاً لتؤمن خروجها اذا تأزم الوضع فالرجل ماكر بحق ، ثم جلسا في الصالة ، و أمسكت جاسمين سلاحها بحذر و هي تصوب عليه :
– لما تلاعبت بحياة أطفالك إذاً ؟.
– سواءً رضيت أم أبيت أنا والدك و أنت نسخة مني منذ طفولتك ، و قد فعلت ذلك لمصلحتكم ، و منحتكم حياة طبيعية لبقية عمركم حتى ..
ثم أشار بإصبعه و قال :
– حتى أتى صديقك تايلر و اقتحم منزلي لقد أصبح التلصص علي عادة لكم .
و أردف و هو ينزع بدلته :
– لقد سبق و حذرته ، ظننته لطيفاً و قد لاق بكي كثيراً بالرغم من فارق السن بينكم و لكن اكتشفت بأنه لص .
ثم نهض و توجه للمطبخ و قد حرصت جاسمين على إبقاء سلاحها مصوباً على هدفها و سألت :
– ماذا سرق ؟.
– ألم يحقنك الطبيب بشيء ؟.
– في الواقع فعل ولكن ما العلاقة ؟ .
– تايلر هو من طلب منه ذلك بالطبع بعد سرقتي .
قال ذلك كارلوس و هو يُخرج صحناً من أحد الخزن و وضع فيه عدة حبات من التفاح الأحمر و تناول سكيناً صغيرة و شرع بتقشير واحدة و هو يفكر يجب إبعاد تايلر الآن .
و أتى صوته هادئاً :
– إذاً بما تشعرين الآن صغيرتي ، هل أنت بخير ؟.
أجابته سريعاً :
– في أحسن حالاتي .
فتقدم باتجاهها قليلاً و لكنها ثبتته مكانه بإيماءة فقط و قال وهو يشير بالسكين :
– حتى الآن !.
خيم الصمت بينهما لبرهة ، ثم نظر بحذر إلى الخارج فومضت أضواء سيارة لعدة ثواني ثم خبت و كان ذلك تايلر و بمجرد دخوله من الباب دمدم هونتر :
– لم أكن أتوقع أن تكون بهذه الجرأة لتعود مجدداً .
فقال تايلر بقلق و هو يحتوي جاسمين :
– هل أنت بخير ؟.
نظرت إلى عينيه بحنان و قد اغرورقت مقلتيها بالدموع و صاح هونتر من بعيد :
– أطلبي منه الرحيل الآن .
قال تايلر وهو يضع وجهها بين يديه :
– ماذا فعل لك هذا الرجل ؟.
نظرت لعينيه المتلهفتين لرؤيتها المنتظرتين لإجابة ، و لكن كانت مرتبكة لا تدري من أين تبدأ ، و عندما لم تستطع أن تقول له أنت من فعلت ذلك أسندت رأسها على صدره بهدوء و أطلقت العنان لدموعها .
راقبهم هونتر و هو يتأفف ثم أخرج زجاجة حليب من البراد و سكب بعضاً منه في كوب و وضعه بالقرب من إناء التفاح و قال بخفوت :
– فليرحل حالاً و إلا سيسمع بقية الحديث و حينها ستندمين .
قالت جاسمين مترجية :
– تايلر اذهب .
– لن أتركك ورائي .
قال ذلك و هو يسحبها ولكنها تحررت منه و تراجعت ثم همست :
– سآتي إليك أعدك ، فقط ارحل الآن .
غادر تايلر و لكن ليس فعلياً فقد انتظر خلف التل و هو يراقب المنزل ، و هنا قد أخفضت جاسمين سلاحها فلم تعد بحاجته فسبق و أن هُزمت .
– والآن صغيرتي تقدمي .
ثم حمل كوب الحليب و إناء التفاح و وضعهما على المنضدة و استقر هو على أحد الكراسي و أردف بثقة :
– تناولي هذا كوجبة أخيرة تسندين بها نفسك ، فخلال بضع ساعات لن يكون طعمه مستساغاً .
تقدمت منه قليلاً ، ثم تناولت كوب الحليب و أخذت رشفة منه كي تبلل حلقها الذي جف و همس لها و هو يفرد ذراعيه :
– مرحباً بك في العائلة .
نظرت إليه و قد بللت قطرات من العرق جبينها و تسدل شعرها الأسود على جانبيها ، فحاولت جاهدة السيطرة على أنفاسها المتسارعة و هي تقول :
– أي واحدة ؟.
غادر هونتر موقعه بسرعة البرق و وقف قرب الباب الزجاجي و قد ضاقت عينيه و هو ينظر للأفق المظلم فلمح تايلر بِكل وضوح من على بُعد ثلاثمائة متر بداخل سيارته المُستقرة في التل و قد كان يتلصص عليهم و تمتم كأنه يُحدث نفسه :
– الملعونة و المنتصرة دائماً على مر العصور .
قالت جاسمين و هي تنهض و تقذف بكوب الحليب حتى تحول لشظايا :
– جميعُهم ملعونون فأي واحدة ؟.
همس في إذنها :
– التي تقتات على الدماء .
نظرات قاتلة رمت بها جاسمين على والدها هونتر و أردف محذراً :
– ابتعدي عن حبيبك تايلر هذه الفترة فلا أظنك تمتلكين القوة الكافية لتحمل عذاب الضمير بعد أن يُصبح غذاءً لك !.
و ما لم يستشعره كارلوس طيلة لقاءاته مع تايلر هو أن الأخير كان شيئاً آخر قد برع في إخفاء هويته ، شيئاً تزداد قوته بشكل مرعب أيام اكتمال القمر و قد سمع كُل حديثهم و الأكاذيب التي ألقاها بحقه و هو الآن غاضب .
النهاية …

تاريخ النشر : 2019-11-21

guest
27 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى