أدب الرعب والعام

التقهقر العظيم

 
بقلم : خليل

 

تبدوا جزيرة مبهجة والمياة القريبة منها زرقاء

مرحباً ، أنا خليل ولقد عملت في الكثير من الأماكن في المنطقة العربية ، كنت أعمل في المطاعم والفنادق وأخر ما عملت فيه هو كشك خاص لتحضير القهوة في جمهورية مصر العربية ، كانت لدي أم قبل ميلادي ، في 22 / 2 / 1982 م – ولدتني أمي وبعدها لفظت أنفاسها الأخيرة بسبب خثرة دموية جسيمة ، كذالك والدي توفي في الحرب الأهلية في لبنان – بلدة عين الرمانة – تلقيت تعليمي في مدرسة الأنوروا الأمريكية ولعّل أفضل ما حدث لي في حياتي هو تفوقي الدراسي ، حتى حصلت على منحة دراسية جامعية في الولايات المتحدة الأمريكية – لقد تخصصت في مجال هندسة الشبكات ، وكذالك حصلت على معدل دراسي عالي ، جعّلني أنضم لنقابة المهندسين هناك ! حصلت على الإقامة الأمريكية بعد خمسة سنوات من الدراسة والعمل التطوعي في مدارس الولاية ، في تاريخ 5 / 6 / 2007 م – كنت حينها أعزباً ومازلت ، كنت أعمل في شركة كبرى في الولاية تدعى إكسون – كنت مسؤولاً عن شبكة الخوادم الفرعية – تم ترشيحي للقيام بعملية إستكشاف لمنطقة نائية بغرض الإستثمار وبناء أبراج للهواتف الخلوية ، كان الهدف من إرسالي لهذه المنطقة هو الإستكشاف التقني ! أن أكتشف طبيعة الأراضي الجغرافية هناك ، هل تستطيع الشركة أن تحفر بالأرض لتمديد الكيابل ؟ هل الطقس مناسب وتستطيع الأبراج الخلوية مقاومة الطقس هناك ؟ ما هي تكاليف الجمارك وما هو مستوى الأمن في تلك المنطقة ؟ الكثير من الأسئلة كان مطلوب منّي الإجابة عليها خلال تسعة أيام سأقضيها هناك ، سأقول لكم أين طلب مني الذهاب ، الجميع يعرف نيوزيلندا ، جنوباً بإتجاه البحر هنالك جزيرة في عرض البحر – لا يوجد من يسكنها – هذه الجزيرة بصدد أن تصبح منتجع سياحي ووظيفة شركتنا هي إيصال خدمة الإنترنت والهاتف المحمول إليها ، وبناءً على هذا تم ترشيحي للقيام بالمهمة والتوجه إلى هناك ، في صباح يوم الإثنين 7 / 6 / 2007 م – أقلعت الطائرة الخاصة من أمريكا بإتجاه أوتاجو ومنها إستقليت مركب سياحي إلى الجزيرة ! سأريكم إياها عبر الخريطة ، في حقيقتها تبدوا جزيرة مبهجة والمياة القريبة منها زرقاء ولا يوجد بها الكثير من الحيوانات المفترسة ، إليكم موقعها :

التقهقر العظيم
 

كونها جزيرة وبعيدة عن المدن والتطور ، كان من المستحيل أن أجري إتصالاً أو أن أشارك صورتي السيلفي عبر الفيسبوك مع أصدقائي ! كانت المياه زرقاء والجزيرة هادئة صوت الطيور ، والمياه ، ظننتها رحلة سياحية ، كانت الخطة المرسومة هي أن أرتاح في اليوم الأول وأبدأ بالخطة من اليوم الثاني صباحاً ، في الحقيقة كنت متحمساً ولا أخفيكم أني كنت قلق للغاية من إنتهاء التسعة أيام دون إنجاز المهمة ، وكنت متفائلاً لدرجة عالية بأني سأنجز المهمة بأقل وقت وبالجودة المطلوبة وسأحصل على ترقية أو بونص ، أتذكر أني نظرت للساعة حينها فكانت تشير إلى 7:24 دقيقة والحقيقة تقول أنه وفي هذا الوقت كنت في السماء أطير من أمريكا إلى الجزيرة ، ظننت أن بطارية الساعة قد نفذت أو أن الساعة قد تعّطلت ، أخرجت هاتفي المحمول من جيبيّ وصدمت من ما رأيت ، كانت كذالك ساعة الهاتف متعطلة وظهرت لي عبارة يطلب فيها الهاتف الإتصال بالشبكة لتحديث الساعة وكانت الشبكة من المستحيل أن تتوفر كما قلت لكم أنا في مكان لا يتوافر فيه شبكة بيانات أو شبكة إتصال لاسلكي !

كنت قد تعلمت في عملي وفي حياتي أن أواجّه المشاكل المفاجأة والحالات الطارئة بكل إقدام ! وأتصرف بخطة بديلة فوراً ولاكني هذه المرة كنت عاجزاً عن التصرف فقد كنت أعتمد على الشمس في معرفة الوقت ، وكنت قَلق للغاية حيال ما حصل معي ، أتذكر أن الشمس كانت لم تصل عُمّد السماء أي أنها كانت حوالي الـ 11 صباحاً ، كنت أبيتّ في منزل متواضع لـ خفر السواحل النيوزلندي –

أشعلت المدفأة وإصطدت السمك وأعددت الغداء ، خلدت للنوم

 وكانت الشمس قبيل المغيب أي حوالي الـ 5:30 عصراً ، أذكر أني إستغرقت في النوم كثيراً ، هل تعرف عزيزي القارئ كيف إستيقظت ؟ سأقول لك وأنا حريص للغاية أن أذكر لك ما حصل معي بالتفصيل والحذافير ، لقد إستيقظت وشعري إلى خاصّري ، وقد وُشم على عنقي عبارة تقول ” الدماء إن سالت لن تتوقف ” ! وأظافري طويلة ، الحساسية كانت في كل جسدي من رأسي وحتى قدماي ، كنت خائفاً ومذعوراً للغاية ، أتذكر أني خرجت من محّل إقامتي وكان الطقس بارداً ، كانت حوالي الـ 11 ليلا ، كنت ضائعاً وتائهاً ولا أدري لماذا أنا هنا في هذا المكان الذي يبعد ألف كيلو وأكثر عن أقرب مدينة ، ساعتي معطلة ، لا أستطيع الإتصال أو تلقي المكالمات ، كما قلت لكم أنا مُدرب على الإستعداد لمثل هذه الظروف ولكن كانت دائماً فرضيات لم تكن واقعية ، هذه المرة أنا بِشعر طويل وأظافر أطول ! وعنقي قد وُشم عليه بالدماء نحّتاً عبارة مرعبة ، قررت الترجل والسير لإستكشاف المنطقة ، حملت سِلاحي حينها ، كان من نوع ماغنوم أربعة وأربعين – للحماية الشخصية ولأن من طباعيّ الصراحة فلم أكن محترفاً في إصابة الأهداف ، أذكر أني سِرت وكانت هيئتي مخيفة ، تركت البحر خلفي ودخلت الغابة بالإتجاه الشرقي – كنت أسمع أصوات الذئاب ولكنها بعيدة نسبياً ، كانت الكلاب قريبة وقريبة جداً حتى أني كنت أرى عيون الكلاب تضيئ خلف الأشجار ، وكنت أسير بطريقة المذعور ، سرت حوالي 700 متر داخل الغابة ، وبعدها قررت العودة لمكان إقامتي ، فعلتّ وعدتّ ، حلقت شعري وقصصت أظافري ، كان مكان الوشم مؤلم ، تجاهلت الألم وحاولت تجاهل ما حصل معي وعزمت التخطيط ليوم الغد ، كما هو مرسوم في الأجندة ، من متطلبات اليوم أن أدون وأسجل درجات الحرارة إبتداءً من الـ 12 ظهراً وحتى 12 ليلاً ! وكان الأمر مستحيل فقد تعطلت ساعتي ، تجاهلت المهمة الأولى وإنتقلت للمهمة الثانية ، التي كانت تنصّ على قيامي بجمع عِدة عينات من التراب وحفظها في مغلفات مخصصة ، في ذالك اليوم وعند الشروق توجهت إلى الشاطئ وجمعت عينة صغيرة من التراب ، كذلك من عِدة محاور أخرى من الجزيرة ، الغربية والشرقية ، وكانت الجنوبية ( البحر ) قد جمعتها في البداية ، تبقى حينها المنطقة الشمالية المجاورة لمحل إقامتي ، كانت الشمس قريبة من الغروب ، لا أستطيع تحديد الساعة فقد كنت مُنهكاً حينها ، أتذكر إن لم تخّني الذاكرة أني ذهبت للمنطقة الشمالية وكنت حاملاً مقياس الحرارة في محفظة الأدوات ، وما فعلته أني قِست الحرارة هناك ، لأني كنت متعجباً من الحرارة في ذالك المكان وذالك الوقت ، كان فصل الصيف ، وكنت أرتعش من برودة الطقس ، ما صدمني أن الحرارة كانت أقرب إلى الـ 5ْ درجة مئوية ! تجاهلت الأمر وعندما حاولت جمع عينة من التراب من المنطقة الشمالية التي هي بالأساس منطقة صخرية ، حاولت النحت في منطقة لزجة ، وفعلتّ وتمكنت من إزالة حفنة من التراب ، شعرت بوجود شئ ما تحت التراب ، ظننته في البداية حجراً أملساً أو شئ من هذا القبيل ، لاكني إصطدمت بشئ ثقيل ، وكان من السهل إزالة التراب والطين ، فعلت لفضولي أو لشئّ ما ، حينها صرخت وقلت :

– ”إلهي رحمتكّ ! ” ..

هل تعرف عزيزي القارئ ماذا وجدت ؟ لقد وجدت حقيبة من الجلد ، ولأني إنسان ، فضولي كما الناس ، فتحت الحقيبة .. ولم أكن أتخيل أن أجد فيها هذا الشئ ، توقعت أن أجد رأس هرقل ولا أجد هذا الشئ ، لقد وجدت صورتي ، نعم صورتي ، حينها سرت إلى الشاطئ حاملاً الصورة والحقيبة وكنت أرتعد من الخوف وكان هنالك سيلان من الأفكار السيئة في ذاكرتي ، كنت أعلم أن هنالك أمراً ما لا يسير حسب الطبيعة ، هنالك من يتدخل إلى مجريات الأمور على الجزيرة ، هنالك حالة من عدم الإستقرار لم أعهدها ، صورتي كانت وأنا رضيع ، علمت أن من في الصورة هو أنا ، كيف ذلك ؟ كان من المرفقات مع الصورة ، ورقة قديمة ، صادرة عن المستشفى الذي وُلدت فيه ، يطلب فيها المستشفى نقلي أنا ( خليل ) من المستشفى إلى دار الأيتام – الرعاية الصحية ، بعدما توفيت والدتي وانقطعت الأخبار عن أمي ، أتذكر أني حاولت مسح الصورة ، ومسح عيني ، لم أصدق ما رأيته ، أقسم لكم أنها كانت صدمة لم أتوقعها ! حينها أدركت أن هنالك ما ينتظرني في الجزيرة ، عدت حينها لمنزلي ( مكان إقامتي ) وكانت الحرارة تشير إلى الصفر المئوي .

فكرت كثيراً عن ما سأفعل غداً ، هل ألتزم بالخطة الموضوعة أم أحاول الهرب من الجزيرة ؟ خلدت للنوم وكنت خائفاً للغاية وكان مسدسي بجانبي ، كنت اظن أن من يطاردني من لحم ودم وأني بقتله أو التصدي له سينتهي الأمر ، لم أكن أعلم حجم الغموض في قضيتي ، حاولت النوم كثيراً ولكن الأرق كان قد تمكن مني ولم أستطع النوم حتى الصباح ، أتذكر أنه وفي حدود السادسة صباحاً أو السابعة سرت بإتجاه مدخل الجزيرة ( الميناء ) وكان خالياً من أي شئ ، هنالك حيث أوصلني المركب السياحي ، حاولت البحث عن وسيلة إتصال ، عن سفينة ما قادمة أو متوقفة ، لم أجد شيئاً ، فقط وجدت لوحة كتب عليها :

” من يدخل الجزيرة ، تحت طائلة المسؤولية ، الجزيرة مغلقة حتى إشعار آخر ” ! ..

حاولت حينها الإلتزام بالخطة والإنتقال للأمر الثالث الذي يقضي علي إلتقاط مئة صورة لأماكن مختلفة من الجزيرة وتصوير الساحل واليابسة والتربة وكل شئ في الجزيرة ، أخرجت الكاميرا وتوجهت حينها للشاطئ ، إلتقطت صور عديدة ووجهت الكاميرا نحو قلب الجزيرة ، كانت الساعة العاشرة صباحاً ، إلتقطت صورة ، وشاهدت الصورة ، نعم الأحداث الأن تسير بطريقة لافيزيائية ولاعقلانية ، أنا بنفسيّ لم أصدق ولن أصدق حتى يومناً هذا ماحصل معي ، ما حصل معي أني شاهدت الصورة ووجدت نفسي فيها ، كنت واقفاً حاملاً سمكة وأبتسم للكاميرا ! حينها رميت الكاميرا وصِرت أبكي كالطفل الصغير ، نعم فقدت القدرة على التركيز ، كنت مصدوماً للغاية ! هذه الصورة التي ظهرت لي ..

التقهقر العظيم
 

وأنت عزيزي القارئ مصدوم ، سأقول لكَ شيئاً ، هذه القصة حدثت في الحقيقة ، على الأرض هناك ، حدث كل هذا ! وحدث ما هو أفظع بكثير ، أنا خليل عِشت تسعة أيام لا تنسى في مكان يُسمى اللامكان ، هنالك حدثت معي أمور مروعة ، أنا الأن في صدد كتابة الجزء الثاني من قصتي التي وقعت ، شكراً للقراءة .

 

تاريخ النشر : 2015-04-07

guest
34 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى