أدب الرعب والعام

التوتر الشديد

بقلم : ابو العز – سوريا

أشك أنك غداً ستدخل في غيبوبة جديدة وتنسى كل شيء حتى جريمة قتل عائلتك
أشك أنك غداً ستدخل في غيبوبة جديدة وتنسى كل شيء حتى جريمة قتل عائلتك

صحوت من غيبوبتي ..
ممدداً على السرير و في يدي علبة السيروم وعلى يساري سلة صغيرة فيها أوراق وإبر ، و بجانبي سرير آخر فارغ و أشعر بصداع خفيف.
 
ـ أين أنا ؟ هل أنا في المستشفى ؟ لماذا أو ماذا حدث معي لأدخل المستشفى ؟ .. حاولت استجمع ذكرياتي لعلي أتذكر آخر ما واجهته قبل أن أدخل في هذه الغيبوبة.
نعم ، أذكر أنني كنت أقود سيارتي في الشارع واعتقد أنني خالفت الإشارة وضربتني احدى السيارات ، لست متأكد تماماً إن كان هذا حلم أو حقيقة.

ناديت بصوتٍ عالٍ لعل هناك من يسمعني ويشرح لي الأمر ولكن لم يجبني أحد ، ضغطت على زر استدعاء الممرضة ، وماهي إلا ثواني حتى جاءت وصارت تتحدث معي من خلف الباب :

ـ هل صحوت مجدداً ؟.
ـ نعم يا سيدتي ، و أرجو أن تشرحي لي لما أنا هنا وأين أغراضي الشخصية ، النقود ، والمحفظة ، والهوية ؟.
بدأت بالضحك والسخرية و أردفت قائلة :
ـ لا تسأل عن شيء يا سيدي ، أنت فقط يجب أن تهدأ.
ـ أنا هادئ جداً يا سيدتي ، ولكن الواجب يتحتم عليكِ أن تخبريني لما أنا هنا ؟.
ـ أنت هنا منذ مدة وأحياناً تصحو و أحياناً تدخل في غيبوبة أخرى.
ـ يا إلهي أنا هنا منذ مدة دون أن أخبر زوجتي وأطفالي !.
نزعت السيروم من يدي ونهضت من فراشي وسرت نحو الباب ولكنه كان مغلق من الخارج ، فقط نافذة صغيرة مشبكة وكأنها سجن.
ـ افتحي الباب يا سيدتي ودعينا نتحدث.
ـ لا استطيع ، أنا ليس لدي صلاحية في الدخول إلى جناحك.
ـ حسناً ، احضري لي من له صلاحية ، احضري لي مدير المستشفى.
ـ لا يمكن إحضاره الآن ، أنه نائم و سوف تقابله في الصباح ، وداعاً .
بدأت اشعر بالغضب فأنا متوتر جداً على زوجتي وأطفالي وأريد أحداً يشرح لي ماذا حدث معي بالضبط ؟ وفي المقابل هذه الممرضة تتحدث معي بكل برود !.
ـ انتظري ، أين هاتفك ؟ يجب أن نخبر زوجتي وأطفالي أنني هنا في المستشفى ، بالكاد أنهم الآن يبحثون عني في كل مكان.
ـ ليس لدي رصيد.
ـ أرجوكِ اتصلي بهذا الرقم ، إنه رقم زوجتي ، صفر ، تسعة ، أربعة ، ثمانية ، ثمان…..
سمعت صوت خطواتها خلف الباب وكأنها همّت بالمغادرة.
فبدأت اصرخ عليها : عودي أيتها السافلة ، أنا عقيد في المخابرات ويجب أن تتعاوني معي وأنصحك بعدم التورط معي.
 
لقد غادرت هذه اللعينة ، فبدأت أضغط زر استدعاء الممرضة باستمرار لعلها ترجع ولكن دون جدوى.
 
بدأت أصيح : أريد الخروج من هنا ، أنا لدي فوبيا من النوم في المشافي ، و أنا أشعر بالرعب من أصوات المرضى القادمة من الأجنحة المجاورة ، فمنهم من يصرخ صرخات مرعبة من شدة الألم ومنهم من يضرب رأسه في الجدار و أحدهم يضحك ضحكات مرعبة يبدو أنه تأثير المخدر.
 
ـ أخرجوني و أنا أتحمل المسؤولية ، أرجوكم أنا سليم معافى.
 
في الصباح دخل مدير المشفى وبرفقته العديد من الممرضين وحراس الأمن وبدأ الحديث معي :
ـ لماذا كنت تزعج الممرضة ليلة البارحة ؟.
ـ أزعج الممرضة ؟ أولا لا يحق لك أن تسألني هذا السؤال بهذه الطريقة ، فأنا عقيد في المخابرات ولم ادخل هنا بإرادتي ، و ودت لو أخرج الأن من هذا المكان القذر ، ثانياً لم ازعج الممرضة بل طلبت منها أن تخبرني أين أنا و أن تتصل بزوجتي وتُطمئِنها عليّ ، وهذه ابسط حقوقي.
ـ كفاك ثرثرة.
ـ هل تسمي هذه ثرثرة ؟ دعني اخرج على مسؤوليتي فأنت ليس لك صلاحية أن تحجز شخص في هذا المكان ، أنت دكتور ولست سجان ، وأنا لست مذنب لتتعاملوا معي بهذه الطريقة المستفزة.
 
لم يهتم لكلامي ثم التفت إلى الممرضين والحراس وأشار لهم أن يعطوني حبوب مهدئة .
 
ـ اتركوني وشأني أنا هادئ ولا أشكو من شيء ، وآثار حادث السير قد زالت عني واختفت ، يجب أن أخرج.
 
ثم ارغموني على شرب المهدئات وخرجوا دون ادنى مراعاة لشعوري وإحساسي أو رتبتي العسكرية.

ـ سنتحاسب فيما بعد أيها الحثالة ، حالما أعود إلى رأس عملي في مكتب المخابرات ، سوف أعطي أمر باقتحام هذه المستشفى القذرة واعتقال جميع من فيها وتحويلهم للقضاء والسجن ، بل سوف أشرف على تعذيب مدير المشفى والممرضة بنفسي.
 
استرقت النظر خلف الباب و وجدت حارس أمن يحرس غرفتي ، حاولت الحديث معه وطلبت منه أن يتواصل مع زوجتي و أطفالي ، ولكن لم يبادلني أي كلمة وكأنه أصم.
 
يجب الخروج من هنا بأي وسيلة ، ولكن كيف فالمشفى مليء بالحرس والعاملين ؟ لذا قررت الهرب عندما يحل المساء بطريقةٌ ما.
 
بالفعل في منتصف الليل بدأت الخطة حيث بدأت اصرخ بأعلى صوتي لكي أثير الانتباه :
ـ ساعدوني أنني أموت.

سمعت خطوات خارج الجناح فعرفت أن الأمر جاء بنتيجة فزدت الصراخ أكثر وأكثر ، فجأة دخل أحد الممرضين يحمل أبرة وطلب مني الهدوء والتزام الصمت ، امسك يدي ليغرز الإبرة فيها فأخذتها منها و غرزتها في جسده بكل قوة وحقد ،
بدأ بالصراخ من شدة الألم ، سمعنا حارس الجناح فدخل الينا وما إن رأى المشهد حتى ضربته بالكرسي المجاور بكل قوة جعلته يفقد الوعي ، الآن باب الجناح مفتوح ، ولكن أين هاتفي ، أين محفظتي ، كيف أضمن أن طريق إلى الباب الرئيسي خالٍ من الحراس أو الممرضين ؟.

ـ حسناً ، وجدتها.
ارتديت ملابس هذا الحارس اللعين وأخذت بطاقته الشخصية وبعض النقود كان يحملها معه ، وبفضل بطاقته الشخصية استطعت الخروج من المستشفى بكل سهولة ويسر دون أي تدقيق ، فقط مجرد إجراءات روتينية.
 
خرجت إلى الشارع الرئيسي وعرفت المكان ، نعم ، أنا وسط العاصمة وهذه مستشفى السلام.
ـ سأقوم بنفسي في اقتحام هذه المستشفى وسيكون ذلك من دواعي سروري.
ركبت أحد سيارات الأجرة وذهبت إلى منزلي لكي أخبر زوجتي و أطفالي أنني حي و أنني بخير.

كنت اشعر بألم شديد في رأسي ، ربما كانت من آثار الحادث ، ولكن لا بأس سوف أعالج ذلك في مستشفى خاص يقدّرون المرضى ويحترمونهم ،
طلبت الهاتف من سائق الأجرة وبدأت اتصل بزوجتي عدة مرات ولكنها لم تجب ، ربما تكون نائمة فالوقت متأخر جداً.
 
حسناً وصلنا ، نزلت من السيارة وسرت نحو البيت ، كان شديد الظلام جميع الأنوار مطفأة ويعم عليه الصمت والهدوء والاكتئاب والوحشة.
شعرت بالخوف والتوتر من هذا الهدوء والظلام الذي يعم أرجاء البيت ، وبدأ ينتابني شعورٌ غريب وكأن أحداً ما يراقبني.
 
طرقت الباب ولم يجب أحد ، كررت ذلك عدة مرات ولمدة طويلة ولم يكن هناك استجابة ، لا بد أنهم يغطون في نوماً عميق ، وبعد أن يئست قمت بكسر قفل الباب ،
 
دخلت إلى المنزل وأشعلت جميع الأنوار الخارجية لكي أخفف من هذا التوتر ، ثم دخلت إلى غرفتي و وجدت زوجتي و أطفالي يرقدون على سريرٌ واحد في نومٍ عميق ،
 
الآن اطمأن قلبي وشعرت بالارتياح والسعادة وكأن البيت بوجودهم هنا تحول من صمتٍ وظلام إلى نورٍ واحتفال صاخب.
 
ـ مرحباً يا رفاق ، كيف حالكم ؟.
شعروا بوجودي في البيت و بدأوا بالاستيقاظ والنهوض والترحيب بي ، ولم تكن لديهم ردة فعل قوية لعودتي فقد كنت أرى برودة الملامح أو العتاب يظهر جلياً على وجوههم.
 
ـ  أنا آسف ، أعرف أن غيابي هذا قد سبب لكم ضغوط نفسية وقلق شديد ، ولكن أعدكم يا أعزائي أن هذا الأمر لن يتكرر ..
ـ أين كنت كل هذه المدة ؟
ـ هذه قصة طويلة من الصعب شرحها الآن.
 
تعالوا يا أطفالي ، مجد وميس ، كم أنا مشتاقٌ لكم ، وانتي يا زوجتي العزيزة أرجو أن تحضري لي بعض القهوة ، كم اشتقت لمذاق القهوة من يديك !.
بدأت الحديث مع الأطفال والسؤال عن حالهم ومستواهم الدراسي وكيف قضوا حياتهم في غيابي ؟  وزوجتي تُحضّر لي القهوة ، ولكن لفت انتباهي أحد الأسئلة التي وجهها لي ولدي مجد : أنت تكرهنا يا أبي صحيح ؟.

ـ من علمّك هذا الكلام يا بُني ؟ أنا ليس لي في هذه الدنيا إلا أنت وأختك وأمك.
همست ابنتي ميس : بلى أنت تكرهنا يا أبي ، و إلا لما فعلت معنا هذا الأمر.
ـ صدقوني لا حيلة لي بهذا الغياب ، ولكن لا تقلقوا يا رفاقي سوف أعوضكم مدة غيابي هذه ، سأقدم على إجازة قصيرة وآخذكم معي إلى اللاذقية وننسى كل ما حدث معنا.
 
جاءت زوجتي وأخبرتني أن القهوة صارت جاهزة في الغرفة المجاورة.
ـ احضريها هنا.
ـ لا يا عزيزي ، أفضل أن نشربها في الغرفة المجاورة.
ـ حسناً كما تشائين ، هيا بنا يا أولاد.
 
دخلت الغرفة المجاورة و وجدتها مبعثرة جداً والغبار قد ملأ أثاث البيت وهذا الإهمال ليست من عادة زوجتي التي دائماً ما تشرف على نظافة وترتيب المنزل.
أشعلت نور الغرفة وأخذت كأس القهوة ، ارتشفت منه رشفة صغيرة ثم تقيأت ما ارتشفته.
ـ تف تف ، ما هذه القهوة يا عزيزتي إنها باردة جداً كالثلج وقديمة والكأس مليء بالتراب كأنني اشرب تراب ؟.

ـ اسف لم انتبه ، سوف أحضر لك قهوة غيرها.
ـ لا بأس ، لا بأس ، اجلسي و سأقوم أنا بنفسي بصنع القهوة.
 
أثناء دخولي للمطبخ رأيت ثلاثة سيارات شرطة تحاصر المنزل ـ يا إلهي لابد أنهم جاؤوا للقبض عليّ وإعادتي للمشفى !.
هل تم تعميم اسمي بهذه السرعة ؟.
 
أخبرت زوجتي وأولادي أن يضلوا في الغرفة المجاورة و يلتزموا الهدوء ويغلقوا على أنفسهم الباب ريثما أتدبر أمر الشرطة.
 
أخبرتني زوجتي : أنت عقيد في المخابرات ، أخرج لهم هويتك العسكرية و بعدها لن يتجرأ أحد على الاقتراب منك.
 
ـ المشكلة يا عزيزتي أن هويتي وجميع إثباتاتي ضلت هناك في تلك المستشفى القذرة ، حسناً اغلقوا الباب على أنفسكم و أنا سوف أتدبر أمري معهم.
 
بدأت اسمع خطواتهم تقترب من المنزل ، دخلت لغرفتي وفتحت الخزانة حيث أخبئ مسدسي هناك واذكر أن فيه ثلاثة رصاصات ، فتحت بيت النار لأتأكد من وجود الطلقات ، ولكن للأسف وجدته فارغ .
ـ أين ذهبت الطلقات الثلاثة ؟ بحثت في الخزانة وفي المكتبة وجميع الغرفة ولم أجد شيء سوى الغبار الكثيف والفوضى التي تملأ الغرفة.
 
ـ يا الهي أين ذهبت هذه الطلقات فأنا على يقين تام أنها كانت موجودة في بيت النار ؟.
 
وأثناء البحث عنها وبغفلة مني تم اقتحام المنزل والقبض عليّ من قبل رجال الشرطة دون أي مقاومة مني ، لقد سلمت للأمر الواقع وأقنعت نفسي أن كل شيء سيكون على ما يرام ، فغداً بعد استلام هويتي العسكرية والعودة لمكتبي وسلطتي القوية وجنودي ، سأقوم بالتخلص من كل هذه المشاكل التي طرأت عليَّ ، واستعادة مكانتي وإعادة ترتيب حياتي مع عائلتي وعملي.
 
تقدم الملازم رامز نحوي وقدم لي التحية العسكرية وقال لي : أنا آسف يا سيدي العقيد ملحم ، لقد عشت معك أجمل أيام حياتي وتعلمت منك الكثير ، ولكن هناك أمر بالقبض عليك وإعادتك لمشفى السلام ـ الجناح 7 ، بل إن هذا الأمر صادر من وزير الداخلية نفسه نظراً لحساسية الوضع.
 
ـ اذاً أنت تعرفني ، أهلاً سيادة الملازم رامز ، كان يجب أن تدرك الخطأ الذي ارتكبته الآن باقتحامك منزلي بهذه الطريقة وأنت تعرف أن نفوذي قوي في الدولة.
 
ـ أنا عبداً مأمور يا سيدي.
بدأ الشرطة بوضع السلاسل ، حاولت منعهم لأنني لم أرتكب جرماً ليتم تقيدي بهذا الشكل ، ثم سألت الملازم عن مشفى السلام وهل هي مشفى تخص علاج الكسور والمفاصل الناتجة عن حوادث السير أم لا ؟.
 
تردد في الإجابة في بداية ولكنه سرعان ما صدمني بالإجابة.
ـ هذه المشفى لا علاقة لها بالمفاصل أو حوادث السير كما تعتقد.
ثم اشعل سيجارة و أكمل حديثه : في الحقيقة مشفى السلام هي عبارة عن مشفى للأمراض العقلية و إن الجناح 7 الذي تم وضعك به غالباً ما يتم وضع فيه أخطر الأشخاص العدوانيين ، و إن هذا الجناح مليء بالمجانين العدوانيين الذين كنت تسمع صرخاتهم المرعبة طوال الليل.
 
ـ غير معقول ، ما الذي تتحدث عنه يا سيادة الملازم ؟ بالله عليك ما شأني أنا بالأمراض العقلية ؟.
نظر إلى عناصر الشرطة وهمس :
ـ خذوه أيها العناصر فالأمر خطير وليس لدينا المزيد من الوقت.
 
ثم أخذ اللاسلكي و أخبر القسم أنه تم القبض على العقيد السابق ملحم الهارب من المستشفى.
ـ الهارب ؟! حسناً سوف أستسلم للأمر الواقع وأرافقك إلى المستشفى ، ولكن دعني على الأقل أودع زوجتي وأولادي وأخبرهم أنني سأكون في مستشفى السلام ، ربما بسبب مؤامرة ضدي أو سوء تفاهم و أن الأمور ستكون على ما يرام.
 
صمت الملازم قليلاً ثم قال : حسناً سيادة العقيد سأخالف القانون من أجلك وآخذك لترى زوجتك وأطفالك ، ولكن لا تتأخر ، تودعهم في خمسة دقائق فقط كي لا تسبب لي مشاكل مع الجهات المختصة.

ـ تأخذني ؟ أين تأخذني ؟ إنهم في الغرفة المجاورة ، تعالوا معي إلى الغرفة اذا سمحتم.
 
فتحت الغرفة المجاورة ولم أجد أحد : أين ذهبوا بحق الجحيم ؟ مجد ، ميس ، أم مجد أين أنتم ؟ أخرجوا.
 
همس الملازم لعناصره : لا فائدة منه ، لا فائدة.
ثم قال لي : أرجوك يا سيدي تعال معي لا وقت لدينا ، سنخالف القانون قليلاً و نأخذ معنا إلى المقبرة لتودع زوجتك وأطفالك ، إنهم يرقدون هناك في مقبرة باب زغير.
 
كان كلامه صادم ولا يبدوا عليه آثار المزاح ، ومع هذه الصدمة القوية بدأت أخرج من حالة اللاوعي (الخيال) وأدخل في حالة الوعي (الواقع) و بدأت استرجع ذكرياتي الحقيقية : ففي يوماً ما لا أذكر التاريخ بالضبط ولكنني أذكر أن الدولة استغنت عن خدماتي وجردتني من رتبي العسكرية مع غرامة مالية كبيرة وحددت لي موعد محاكمة أيضاً بسبب مؤامرة دبرها أحد المنافسين لي ، فعدت حينها إلى البيت اشتعل ناراً وغضباً ،

لقد تم في لحظة هدم كل ما بنيته منذ سنوات و أذكر وقتها أنني حملت المسدس لأنتحر وحاولت زوجتي و أطفالي منعي ، ولكن و بحالة من الجنون والهيستريا صوبت السلاح نحوهم وأرديتهم جميعاً قتلى بثلاثة رصاصات ، كل رصاصة استقرت في جسد واحداً منهم ، وعندما صوبت على نفسي كانت قد نفذت جميع الرصاصات الثلاثة ،

بعد هذه الجريمة دخلت في أزمة نفسية وعقلية شديدة ، تم حينذاك نقلي إلى المصح النفسي بدلاً من السجن فأنا وقتها لم أتقبل هذه الحقيقة المرة بل عوضاً عن ذلك صنعت لنفسي سيناريو آخر من اللاوعي وصرت أتخيل أنهم ما زالوا أحياء و أنهم ينتظرون عودتي إلى المنزل ، والحقيقة عكس ذلك ، هم أموات ومنزلي مهجور والغبار والفوضى تملأ المنزل ، حتى القهوة في الغرفة المجاورة ما زالت في مكانها منذ مدة.

 
أثناء وجودي في سيارة الشرطة سألت الملازم : منذ متى و أنا في مشفى الأمراض العقلية في الجناح 7 ؟.

قال : أنت هنا منذ خمس سنوات وفشل جميع الأطباء في علاجك ، وبكل فترة تدخل في غيبوبة ثم تصحو وتصنع لنفسك سيناريو جديد وتهرب من المستشفى ثم نجدك في منزلك تتحدث مع نفسك ، و أشك أنك غداً ستدخل في غيبوبة جديدة وتنسى كل شيء حتى جريمة قتل عائلتك.

النهاية …….

 

تاريخ النشر : 2020-06-19

ابو العز

سوريا
guest
11 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى