تجارب من واقع الحياة

الجريمة

بقلم : عائشة عبد الرحيم محمد نقد – امدرمان السودان

الجريمة
كلمة جريمة في حد ذاتها مخيفة لأن مرتكبها يكون قد ارتكب فعلا شنيعا يجرم عليه القانون

 

كلمة جريمة في حد ذاتها مخيفة لأن مرتكبها يكون قد ارتكب فعلا شنيعا يجرم عليه القانون ، ولكن ليست كل جريمة توضع في اطارها المناسب ، وقد تطرق مسامعك بعض منها مما يصيبك بالقشعريرة وقد تطال كل الفئات العمرية ….ومنها ما يصيب شرائح الأطفال كمجهولي الأبوين الذين يجدونهم على الطرقات عرضة للكلاب الضالة أو البيئة والمناخ السائد من حر أو برد . وفي أحسن الحالات يجئ بهم إلى دور إيواء الايتام .. ولكن ماذا لو كان هذا الطفل ولد برباط شرعي ؟ ولد في النور ليموت بسبب الجهل والظلم الذي يدثر تلك النفوس فيحيلها إلى سواد يفوق الليالي المظلمة دجى !!

ذكرت أمي أن في نهاية العام 1961 أراد عمي الزواج . وذهبت إليه والدته وأثنته عن ذلكم الزواج وطلبت منه أن يتزوج من الوطن وبالتحديد من ولايته ، فقد كانت سيدة قوية تحب أن تحكم قبضتها علي أولادها واذا اختار الأبن الزواج من الخارج فربما كان هذا من شأنه أن يبعد ابنها عنها … وعندها عاد عمي بغية إرضاء والدته (التي هي جدتي لأبي) إلى أرض الشمال حيث الكثبان الرملية واشجار النخيل الشامخة ومزارع المانجو المترامية والحقول المخضرة ليتم اختيار احدي الحسناوات وتزف له عروس 

انقضت فترة الاجازة وعاد إلى عمله وبشر بالتلغراف أن زوجته حبلي ، وأخذ يرقب الأشهر إلى أن وضعت له مولوداً ذكرا أسمته أحمد ، اسم نقد الحقيقي الذي رأوا أن ينادونه بنقد حتي يعيش بمعنى عبد الله …أعد العدة للعودة وهو يحمل من الهدايا الغالي والنفيس وأخص ابنه بألعاب حتي وهو بعد في أشهره الأولي ، وقد كان السفر بين القطرين بالإبل فاستأجر ناقتان وسايسهم ليحملانه إلي مسقط رأسه شمال السودان ، وكله شوق لرؤية ابنه البكر ..

عندما وصلوا إلى الديار أراد للنوق أن تنزل علي ديار زوجته فقد كانت تختلط عليه المشاعر فهو يحب أمه وكان له أن ينزل عندها بالأول ، لكن شوقه أيضا لرؤية طفله أقوى … ما لم يكن يعلمه هو أن رحي الحرب قد دارت بين أمه وأم زوجته التي كانت صغيرة السن لا حول لها ولا قوة .

كانت الجدة للأم تخطط لافشال علاقة الزواج ولا يتسني لها ذلك . في ذلك الوقت الطلاق كان موجوداً ولكن في عائلة الجدة يمنع الرجل طلاق الزوجة أن كان لها ابن فعمدت إلي التخلص من الطفل بتعذيبه ووضعه علي الرمال الحارقة وإرضاعه على فترات متباعدة مما سبب له اضراب في الامعاء وقد امتلأ جسده الصغير بالفقاعات الناتجة عن سخونة الرمال الحارقة ولم تجدِ توسلات والدته نفعا ولا بكاءه المستمر ، إلى أن أصبح صوته خافتاً واهناً . وأغمض ذات صباح عينيه مودعا الحياة حتي أنه لم يعرف لماذا قتل وبأي ذنب استحق كل هذا العذاب .. يا الله !!

**

القصة الثانية قصتها إحداهن بأن أخاها أصيب بالمرض النفسي وقد كانت تعتريه حالات من الغضب ويريد أن يضرب كل من هم حوله ، وذات يوم وهو في ثورته تلك تناول طفل أخته ذو الخمسة أعوام أخذه وألقاه خارج سور المنزل ، ولحسن الحظ لم يتصادف مرور أحدهم . استخرجت للطفل شهادة وفاة بأنه وقع من على حنطور وكسر عنقه . وجه الغرابة من صاحب الحنطور الذي شهد شهادة الزور !

**

القصة الثالثة .. عندما تحصل على معلومات تري أن فضولك يريدك أن تخبر أحد ، فأنت من باب الاحتياط ستذكر الأمر بعيداً عمن يتسببون لك في المتاعب . ذكر الراوي أنهم سمعوا صراخاً آتياً من منزل جيرانهم ، وقد هب الجميع إليهم فوجدوا أن فتاتهم والتي كانت تزور بين الحين والآخر المشفي الخاص بالصحة النفسية قد انتحرت ويطلب المساعدة في إنزالها من علية الغرفة ، وعملوا علي استخراج شهادة وفاة للفتاة دون الحاجة لشهادة وفاة علي أساس أن الفتاة مريضة مرض نفسي وقامت بقتل نفسها شنقاً …الحقيقة أن اخوتها هم من قاموا بقتلها حتي لا تتضرر شقيقاتها بسبب أن أحدهم قد غرر بها وهي حبلي ولكي لا يكشف سرها … ماتت ولم يعرف حتي من أستغل حالتها وغرر بها ..

**

القصة الرابعة .. وهي تفرض السؤال لمن تزوج ابنتك ؟
الضحية أخت صديقتي وأنا أعرفها تمام منذ الطفولة ربطتنا الجيرة والمدرسة الواحدة ، وكما قلت هي الأخت ما قبل الأخيرة لصديقتي بالدراسة أي الابنة الثالثة ..اعرف كيف تربوا فقد تربوا بحب كبير مبدؤه من الأب الذي كان نعم الأب والأم التي كانت نعم الأم  والتي تخاف خوف شديدا أن يقع سوءاً بأحد أبنائها ، لم يجعلوهم يحتاجوا إلى شيء ، فقد كان والدهم مهندساً ميسور الحال ، توفي بداء القلب ولم يبلغ الستين بعد .

لم يكن لوالدتهم ان تعاني بالذهاب إلي السوق فقد كان الوالد يقوم بكل شيء عندما تحتاج البنات إلى شيء
فهي تحاول أن تحضره لهم بنفسها وتقلق عليهن إلي ان يعدن إلي البيت وتصحبهن في المناسبات العائلية ، وبعد وفاة الوالد قام الأعمام بواجبهم علي اكمل وجه حتي جاء الوقت وعملت الابنة الكبري “صديقتي” بعمل جيد وأخاها الذي يصغرها وتواصلت وقفة الأعمام والأخوال ، ولا يكدر صفوهم أمر الا ان البنات كبرن وهن جميلات وكثر الخطاب وكثر من يتم رفضهم لأن مسألة الزواج أمر ليس باليسير أن تعطي ابنتك لمن . تزوجت الابنة الكبرى وكانت الأقرب لقلب أمها .

قمنا بعمل جمعية للبنات بالحي نجتمع كل يوم خميس وكان الهدف أن تزداد الدائرة لتشمل الحي بأكمله لكنا اكتفينا بحلتنا فقط لنتفقد أخبار بعضنا البعض ، ومن ثم بدأت الدائرة بالتناقص فقد تزوج بعضهن ورحلن بعيداً ، و منهن من أخذ العمل منها وقتا طويلاً . البنت “الضحية” كانت محبوبة من كل من يعرفها أو يراها اول مرة ، وكل الجيران ، فهي حسنة الخلقة والخلق ، تطبق المقولة القائلة تبسمك في وجه أخيك صدقة ، فهي مرحة تضفي جواً من المرح في حال وجودها ، واذا تغيبت لأي امر عن الجمعية يكون هنالك نوع من الضجر ، وقد لاقت نهاية صادمة للجميع بما فيهم شخصي الضعيف نظرا لمجريات الأحداث ..

كنا نذهب إلى الجيران في المناسبات ، وللأهل ممن هم بالدرجة الاولي من القرابة . و في إحدى المناسبات رآها أحدهم وسأل ابنة من هذه أخبروه وقد كانت والدته تقربهم بالأم بينما أبو الشاب تربطهم به المصاهرة . طلب الفتاة للزواج وقد كانت الأم قد رفضت أحد المتقدمين للابنة بسبب أنهم لايستطيعون مصاهرة بعض الناس لأسباب توارثوها ..  المهم ، انقبض قلب الأم ولم ينشرح صدرها لهذا الزواج وقد أرادت الابنة أن تتزوجه بعد أن بدأ يظهر لها مودته وتعلقه بها ولم تشأ الأم أن تكسر قلب ابنتها فوافقت على مضض ، وحتى شقيقتها الكبرى “صديقتي” لم ترتح لهذا الإلحاح ، وقد كانت تري ان يمهلوهم بعض الوقت وبدا هو متعجلا وكان أن عمل عقد بعد أن ارتأت عائلتها بعدم التعجيل بالزواج ، وقد اجتهدوا مع الفتاة علي إثنائها عن هذا الزواج ، لم تكن علة الرفض واضحة ولكن كان هنالك أمرا مبهما .

تم الزواج في حفل بهيج وقد كانت فيه كالبدر المكتمل وحازت على اعجاب الجميع إلا أن الزوج لم يحظي بأي قبول من المعلقين كما هي العادة في تلكم المناسبات ، وكان يكبرها بعشرين عاماً ، مفتول العضلات ذا بنية قوية إلا انه يبدو صامتاً تخلو ملامحة من أية نوع من التعابير ، وكأنك تنظر الي وجه مصنوع من الجص . تم الزواج ورحلت العروس التي كانت محط اعجاب من أخوات العريس السبعة اللاتي فرحن بزواج أخيهن الوحيد الذي أخذ في العزوبية وقتاً بالرغم من عمله الذي يدر عليه الربح الوفير ، وبالرغم من تلك الثروة الهائلة التي تركها له والده الذي قام قبل وفاته بتخصيص جزء مما يدخل في نصيب الفتيات بضمه إليه .

نشأ عابساً مدللاً كثير المشاحنات والشجارات ، وضرب رفقائه في مراحله الدراسية الاولي الي ان تسيل دماؤهم ، متعاطي في مراحل الشباب لجميع انواع المسكرات وقد عمل علي اخفاء هذا الامر عن عائلة زوجته ….في الأيام الاولي افتقدت الام ابنتها العروس وهي في المسجد او الزاوية التي تقع قرب المنزل ، فقد كانت تذهب مع امها اينما ذهبت ، فهي ترافق امها لتصلي الصبح في الزاوية . وبينما الأم خارجة من المسجد سهت وسارت باتجاه خاطئ ، رأتاتها جارتها وسألتها عن سبب شرود ذهنها فقالت أنها تفتقد ابنتها ، فطمأنتها وقرأت عليها ما يطمئنها ، فهي سيدة فاضلة وقد كانت مغسلة العروس في المشرحة بعد مقتلها تتأسف علي النهاية التي لاتتناسب مع طبيعة الفتاة التي عرفوها منذ صغرها ..

بدأت الحياة بالنسبة للعروس تختلف كلياً ، فهذا الذي اختارته تملؤه الغيرة من أن تتعامل زوجته مع من كان حتي صديقاتها ، تملؤه الهواجس بأنها يوماً ما ربما تختار طائعة الخروج من حياته وقد فعلت ولكن … وضع لها الكثير من القيود يذهب بها إلي المحال العامة ويطلب منها أن تبقي بالسيارة ومن ثم يحضر المشروب او الطعام ، لا تزيحي زجاج السيارة ، اتصلي باهلك وصديقاتك بتلفوني ولا داعي لان تتملكين جهاز ، و و و… كثرت الأوامر والقيود و أخذت الامور في التطور .

حبلت العروس وكان يتضايق اذا أرادت الذهاب إلي اهلها واصبح عندما يزيد في تعاطيه يمد يده إلي زوجته واخواته ذات يوم اتي إلي المنزل وحاله سيئة ، اجتمعوا وتناولوا العشاء وبدا يفتعل الشجار مع اهل بيته ومن ثم اتجه إليها وقد فعلت به المسكرات ماتفعل قام بخنقها واستطاع اهله ان يخلصوها منه ثم نزل مرة اخري تحت ، أخذت تليفونه اتصلت با اختها وأخبرتها أن زوجها قد خنقها وبالكاد استطاعت بمساعدة أحدي شقيقاته أن تتخلص منه وانه بعد ان تظاهر بالهدو نزل إلي الشقق الأخري ينتوي افتعال المشاجرات .

في البداية عندما حملت العروس طلبت الفتيات أن يقوم الابن بتعديل الوراثة حيث ان الاب قد سجل له ما لا ينبغي له فرحاً بولده الوحيد في وسط بناته الكثيرات . أسوأ رواية يمكن أن تسمعها عائلة العروس ممن يعرفون عائلة الزوج هو سبب طلاق إحدي اخوات الزوج ، بسبب أن الابنة التي تزوجت وأنجبت توأم طفلتين وبعد مرور اربعة عشر عاما اوخمسة ولم يرزقا سواهما قامت أحداهن بقتل شقيقتها بدافع الغيرة وعللت ان والداها يحبانها اكثر منها ، صمت الزوج ورثي لحال زوجته غير أنه خاطب زوجته اذا كانت أبنتك وهي صغيرة قامت بقتل شقيقتها فإنكما ولاشك قاتلاتي ، سأبتعد بهدوء .. ولم تذهب القضية إلي الشرطة ابدا ، فقط حديثا هامسا يتداول وسط نسائهم ، فالنساء ابرع من الرجال في الحصول علي المعلومات …

ورويدا رويدا تكشفت المزيد من القصص … لم تسمع صديقتي الكبري لأختها لانها لم تكن تبارك هذا الزواج في البدء ، وقد ظنت أن الأمر مشاجرة بسيطة ويعود كل شيء
إلي طبيعته . لم تجد الفرصة لتصادق أناس كثر فقط واحدة اخبرتها برغبتها في الأنفصال في أقرب فرصة ، لم تستطع الصديقة ان تظهر نفسها ولا أن تقول كل ما أخبرتها به خوفاً من بطش العائلة .

اخذت الكوابيس تنتاب صديقتي وتنادي أختها الميتة وتصرخ وتقول بأنها راتها تقف قبالتها وهي تستنجد بها . ماذا حدث اخذ منها الموبايل بعد أن صفعها ذهبت إلى البلكونة وهي باكية تستنشق هواء فقد كانت حبلي بالشهر الخامس ولها ثمانية أشهر من الزواج ، ذهب إلي المطبخ واحضر مدية وقام بضربها علي مؤخرة راسها وهي التي لم تضرب طوال حياتها التي ودعتها ، وهي في خواتيم الثلاثينات بقبضته القوية ، فقد كان قويا بادي العضلات ، فكسر عظام مؤخرة الراس فسقطت دون حراك . اتصل بأخته فصعدت إليه دون أن توقظ البقية ، لفتها معه علي بطانية وأنزلا الجثة تحت

رآهما أحد الجيران من علي بلكونته ولكأنما يحملان شيئا وينزلانه تحت ، تم الاتصال بالاهل ليخبروهم بأن ابنتهم قد سقطتت من الطابق الثالث إلي الارض وأنهم
في طريقهم إلي مشفي الحوادث الكبير ، فهلع الجميع وطاروا إلي هناك قبل وصولهم اخبروها أنها ماتت . جزعت الأخوات والام واخاهن الصغير ، وصلوا وقد ابدي الزوج عدم رغبته في التشريح وأن يسلم جثمان زوجته ليقبره ويريد شهادة الوفاة . رفض الطبيب أن تحرر شهادة الوفاة بالرغم من اجتهاد الزوج وشقيقته المتسترة في صياغة الأمر والأم مذهولة لم تستطع حتي البكاء .

في وقت لاحق جاءت الشرطة طلب طبيب التشريح وقبض علي الزوج . جيء بجارة الأسرة لتقوم بغسلها لأنها سيدة فاضلة متدينة والتي تحدثت عنها قائلة أنها كما لو كانت حية ، جسدها غير متيبس نظيفة كما اعتادت حتي في موتها تستخدم القليل من الماء فيكون كما صببته نظيفا وشعرها مسدل طويلا كما هو حال العوائل ذات الاصول التركية المختلطين بالسودانيين منذ القدم ، وقد حملوا بعض صفات عوائلهم الاصل ، غير كسر واحد علي موخرة الجمجمة وبقية العظام سليمة بدون كسر او رضوض وهذا مايتعارض مع السقوط من مكان عال كالطابق الثالث .

بدأ الزوج في سرد الكثير من الروايات قبل أن يتم تعيين المحامين الذين تم إحضارهم له كل واحد يعطيه رواية مختلفة عن الأخرى . روايته الاولي ورجال الشرطة يستجبونه أن زوجته كانت نائمة فأخذها حمار النوم لتلقي حتفها سقوطا من الطابق الثالث إلي الارض ، وبالرغم من ان سور البلكونة يزيد عن المتر وانه استيقظ ولم يجدها حتي وانها عندما سقطت كانت مغطاة ايضا ببطانيتها ….وكثرت الروايات من قبله وكثر محاموه وقامت عائلة الضحية بتععين محامية ومحامي …قامت عائلته بمحاولة مع اهل الفتاة بطلب العفو عن ابنها لكونه ولدا واحدا ردت الاسرة بانكم حرقتم قلوبنا وكبدنا بابنتنا ولن نتنازل عن حقها وحقنا في القصاص 

ولكن هل ياخذ القانون مجراه واهل الفتي يجتهدون وقد فعلوا بأن أحضروا تقارير بواسطة طبيب نفسي بان ابنهم يعاني من خلل ما بعقله كي يعفي من المسؤولية القانونية وهي تقارير حديثة وليست قديمة أي بعد الحادثة والتي أكملت عاما والقضية تتداول جلساتها من جلسة لأخري واهل الزوج يصرون علي اخراج شقيقهم من تلك الجريمة باية صورة .
كان هو يبدو مجرما خطيرا عنيفا اكثر منه مريض ولا يظهر عليه أية خلل في فترة العقد والزواج هذا ما سنعرفه فيما بعد إما أن تنتصر عدالة القانون او يخرج من تلك الجريمة البشعة وكأنه لم يفعل شيئاً فتقتص منه عدالة السماء ..


تاريخ النشر : 2019-01-08

guest
23 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى