كشكول

الجينوم: اجدادك مازالوا يعيشون فيك!

بقلم : المنذر محمد عبد القادر – السودان

كم هو رائع تحقق الخيال وكم هو رائع ثبوت الأسطورة ، وبقدر غرابة الخيال والأساطير إلاّ أنّ الحقيقة قد تبدو أحياناً أغرب من الخيال وأروع من الأسطورة.. ما أحاول التحدث عنه قد يبدو شديد الغرابة كجموح الخيال بيد أنه لا يتعدى كونه حقيقة ثابتة لا تحتمل النقاش بالرغم من كونه أشبه بقصص الخيال العلمي أو محض عمل سينمائي.

تخيل لو كان بإمكاننا الإلتقاء بكل الأبطال الذين أعجبنا بهم عبر حقب التاريخ المختلفة والذين أختفوا منذ وقت بعيد في غياهب الزمن وطالهم الفناء أليس لقاءهم مستحيلا؟ ماذا لو أخبرتك أن هذا الطلب ممكن التحقق لذا تعال لآخذك في رحلة نحو الماضي السحيق لنلتقي معا كل من تمنينا لقاءه عبر الحقب من عظماء التاريخ وأساطير الرجال والنساء لنتحدث معهم وننظر إليهم.
لكن كيف ذلك وماذا يجب أن نفعل؟

الإجابة عن هذا السؤال نجدها عند علماء الأحياء والذين يدرسون حقل الوراثة فبإمكانهم أطلاعنا على هذا السر العجيب .

السر يكمن في جسم الإنسان نفسه والذي يحوي لغزا عجيب يسمى الجينوم أي المادة الوراثية للكائن الحي والتي لم يتمكن العلماء من فك أسرارها إلاّ في وقت قريب وحتى تلك الأسرار التي تم حلها ما زالت قليلة مقارنة بما يجب حله ومعرفته عن هذه المادة الغريبة.

لقد إكتشف العلماء عن طريق الدراسة والبحث الدؤوب في جسم الإنسان أن الصفات الجسدية للفرد (كالشكل والجنس) والصفات العقلية والنفسية (كالذكاء وقوة الذاكرة والأحاسيس والشعور والأمزجة وكل ما يميز الفرد من ناحية كونه فردا يحمل صفات خاصة تختلف عن صفات الآخرين بما يحقق له التفرد) والتي يخلق الفرد مزودا بها قد تم تحديدها سلفا وبدقة متناهية عن طريق الجينوم والذي يمثل بدورة كتابا يحتوي على كم ضخم من المعلومات التاريخية التي سجلها الأسلاف الذين يتحدر منهم الفرد ، فليس الأبوين هما المسؤولين فقط عن صفات الفرد الوراثية ولكن كل الأسلاف يشاركون بنسب مختلفة قد تزيد أو تنقص وتحديد نسبة التأثير بحد ذاتها ما زالت لغزا محيرا بالنسبة للعلماء لم يكشف بعد ، فقد تكون نسبة تأثير بعض الأسلاف ضئيلة جدا لا تتعدى لون عدسة العين أو لون الشعر أو درجة لون الجلد وفي بعض الأحيان قد يصل التأثير لدرجة كبيرة جداً تصل لحد يقرب من التطابق بين الفرد وسلفة حيث يشابه الفرد سلفه حتى في أدق الأمور كطريقة الجلوس ونبرة الصوت وحركة تقليب العين وطرق التفكير والمزاج والهوايات وبالمختصر فإن الفرد يبدو في هذه الحالة صورة طبق الأصل عن سلفه ويطلق على هذه الظاهرة تحدر الأسلاف عبر المادة الوراثية للفرد .

إن هذه الظاهرة نادرة الحدوث بقدر ندرة العظماء والعباقرة عبر التاريخ لكنها موجودة فعلا لذا فإن من تمنينا لقآءهم من الرجال والنساء الأسطوريين والذين قضوا منذ زمن بعيد لم يفقدو للأبد إنهم مازالوا يعيشون بيننا من خلال أحفادهم وقد نلتقي بهم إذا ما حالفنا الحظ .

guest
8 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى