قصص الافلام

الحاسة السادسة .. هل هناك أشباح حقيقية؟

بقلم : اياد العطار
الحاسة السادسة

فلم الحاسة السادسة …

يعد فلم “The Sixth Sense ” واحدا من أروع الأفلام التي علقت بذهن عشاق السينما عموما، والمولعين بسينما الرعب خصوصا. وتكمن روعته في مداعبته لأوتار قلقة ومتوجسة، وأفكار مشوشة ومرتبكة، تضطرب بعنف في نفس كل منا متى ما تعلق الأمر بالموت وما يجري بعده، وقد أجاد صناع الفلم في العزف على تلك الأوتار ببراعة كبيرة لأنهم لم يحصروا تركيزهم في نطاق إثارة مكامن الخوف والهلع في نفوس المشاهدين، وإنما قدموا مزيجا رائعا متجانسا من الخوف والترقب والخسارة والحزن والإيمان والحب والأمل .. وألبسوا كل ذلك ثوبا إنسانيا قلما عرفناه ولمسناه في أفلام رعب أخرى تطرقت لموضوعة الموت والأشباح، فجعلونا نعيد التفكير في طبيعة العلاقة بين عالمي الموتى والأحياء، وفيما يجري ويدور حولنا، وفي حقيقة ما تراه أبصارنا وما لا تراه.

الحاسة السادسة
مخرج الفلم نايت شيامالان

وقد أنعكس كل ذلك إيجابا على أداء الفلم في شباك التذاكر، فالفلم الذي تكلف 40 مليون دولار حقق مبيعات قدرها 673 مليون دولار. وحصل على إشادة واسعة من قبل النقاد والصحفيين، وتم ترشيحه لست جوائز أوسكار، غير أنه لم يفز بأي منها.

وقد لا يختلف كل من شاهد الفلم في أن قوته تكمن بالدرجة الأساس في السيناريو الذي كتبه المؤلف والمخرج القدير نايت شيامالان، فهو سيناريو بسيط وغير معقد، يتدرج معك في عرض تفاصيل القصة، ويفاجئك دوما بأمور غير متوقعة، وصولا إلى خاتمة قوية ومؤثرة أبدع الممثل بروس ويليس في أداءها أيما إبداع. وقد جاء الأداء المؤثر والقوي للطفل الموهوب هالي أوزمنت ليكون ثالث أثافي تألق ونجاح الفلم.

قصة الفلم

الحاسة السادسة
الطبيب كرو وزوجته يفاجئان بوجود شخص آخر في المنزل ..

الطبيب النفسي مالكوم كرو (بروس ويليس) وزوجته آنا (أوليفيا ويليمز) يعودان إلى منزلهما بعد قضاء أمسية احتفالية أقيمت على شرف الطبيب كرو تكريما لجهوده الطويلة في معالجة الأطفال نفسيا. الزوجان يخططان لسهرة منزلية مفعمة بالحب والرومانسية، لكنهما يكتشفان بأنهما ليسا لوحدهما في المنزل، ففي الحمام المرفق بحجرة النوم يظهر فجأة شاب عاري من الملابس تقريبا وهو في قمة الغضب والاضطراب، وسرعان ما يتضح للطبيب كرو بأن هذا الشاب هو أحد مرضاه السابقين وأسمه فنسنت، فيحاول عبثا أن يهدئ من روعه ويمتص غضبه، لكن فنسنت يلوم الطبيب كرو بشدة لفشله في مساعدته حينما كان يعالجه في طفولته، وفي ثورة غضبه يطلق النار على الطبيب كرو فيصيبه في بطنه ثم ينتحر بإطلاق النار على رأسه. آنا تهرع لمساعدة زوجها المصاب الذي يتألم لبرهة ثم سرعان ما يغادره الألم فجأة ويشعر بالراحة والسكينة.

الحاسة السادسة
الطبيب كرو يحاول كسب ثقة الطفل كول ..

بعد عام على الحادث نشاهد الطبيب كرو جالسا على مقعد في ساحة عامة وهو يراقب منزلا أمامه ويحمل بيده أوراقا تتضمن معلومات عن طفل في التاسعة من عمره يعاني من الهلوسة والانعزال، وهي ذات الأعراض التي كان فنسنت يعاني منها في طفولته. والظاهر أن الطبيب كرو مهتم بمعالجة هذا الطفل المدعو كول (هالي أوزمنت) تكفيرا عن ذنبه وفشله في مساعدة فنسنت. وبعد فترة قصيرة يظهر طفل صغير عند باب ذلك المنزل، يقف لبرهة مترددا ومتوجسا، ثم ينسل راكضا نحو إحدى الكنائس القريبة، فيلحقه الطبيب كرو إلى هناك ويشرع في مبادلته الحديث محاولا كسب ثقته.

الحاسة السادسة
تطارده الأشباح ..

في المنزل، يبدو الطبيب كرو حزينا، فعلاقته مع زوجته آنا تبدو سيئة، فنراها تتجاهله ولا ترد عليه حين يكلمها، وتبدأ بالميل عاطفيا لزميل لها في العمل، وهذه الأمور تحز في نفس الطبيب كرو فيحاول أن يشغل نفسه عنها بالتركيز على عمله مع الطفل كول، وفعلا ينجح في كسب ثقة الطفل بالتدريج ويجعله يبوح له بأسباب خوفه وقلقه الدائم. كول يخبر الطبيب كرو بأنه يستطيع مشاهدة الأشباح والتكلم معها، وبأنها تتبعه في كل مكان وتسبب له الرعب والأذى، وبأن هذه الأشباح لا تدرك بأنها ميتة ولا يمكنها رؤية بعضها، فهي لا ترى سوى ما تريد أن تراه.

الحاسة السادسة
يعطي الشريط لوالد كيرا ..

الطبيب كرو يعتبر كلام كول دليلا على اضطرابه النفسي. لكنه يغير رأيه لاحقا بعد مراجعته لأشرطة صوتية قديمة كان قد سجلها لجلسات العلاج النفسية لفنسنت، والذي كان هو الآخر يزعم بأن الأشباح تطارده، فمن خلال تضخيم الصوت يكتشف الطبيب كرو وجود صوت خافت لشخص ما يبدو بأنه يتحدث إلى فنسنت، على الرغم من أن فنسنت كان يجلس وحيدا حينها في عيادة الطبيب كرو. وهكذا يقتنع الطبيب كرو بحقيقة وصدق مزاعم كول ويسعى لمساعدته في التخلص من الأشباح، فيطلب إليه محادثتها لمعرفة طبيعة الأمور التي تبقيها عالقة في عالم الأحياء. وبالفعل يتغلب كول على خوفه ويبدأ في التكلم إلى الأشباح محاولا حل قضاياها العالقة، وأولى تلك القضايا التي يسعى لحلها هي قضية فتاة صغيرة تدعى كيرا كانت زوجة أبيها تدس محلول التنظيف القاتل في طعامها مما تسبب بموتها، ولم تكتف زوجة الأب الشريرة بقتل كيرا، بل راحت تدس السم لشقيقتها الصغرى. كول والطبيب كرو يذهبان إلى منزل كيرا خلال مراسم العزاء ويصعدان إلى غرفتها في الطابق الثاني حيث يظهر شبحها ليعطي كول صندوقا خشبيا صغيرا يحتوي على شريط فيديو تظهر خلاله زوجة أبيها وهي تدس المحلول السام في طعامها. كول ينزل إلى البهو بحثا عن والد كيرا ليسلمه الشريط، فيقوم الوالد المكلوم بتشغيل الشريط على الفور ليكتشف هول الجريمة البشعة التي اقترفتها زوجته بحق أبنتيه.

الحاسة السادسة
كول يخبر أمه بأنه يستطيع مشاهدة الأشباح ..

خوف كول من الأشباح يبدأ بالتناقص تدريجيا، فيشعر الطبيب كرو بأن مهمته قد أنجزت، ويذهب لوداعه. وخلال لقائهما الأخير ينصحه كول بالتحدث إلى زوجته آنا خلال نومها، لأنها هكذا سوف تسمعه وترد عليه من دون أن تعرف. ولاحقا من نفس ذلك اليوم يصارح كول أمه عن رؤيته للأشباح وذلك أثناء عودتهما بالسيارة إلى البيت، إذ يقع حادث مروري مروع يؤدي إلى قطع السير في الشارع، وخلال انتظارهما في السيارة يخبر كول أمه بأن هناك سيدة ماتت جراء الحادث، فتتعجب أمه من قدرة كول على رؤية السيدة الميتة فيما هما ينتظران في سيارتهما في مكان بعيد نسبيا عن مكان الحادث، فيخبرها كول بأن السيدة الميتة تقف الآن بجوار نافذة السيارة ويصارحها بقدرته على رؤية الأشباح والتواصل معها. الأم تشعر بالخوف ولا تصدق كلام أبنها للوهلة الأولى، لكن كول يثبت لها حقيقة كلامه من خلال أمور قالتها له جدته الميتة وطلبت منه إيصالها لأمه، وهي أمور خاصة لم يكن لأحد ما عدا الأم والجدة أن يعلم بها.

الحاسة السادسة
الطبيب كرو يتحدث الى زوجته النائمة ..

الطبيب كرو يعود إلى منزله ليجد زوجته آنا نائمة على الأريكة أمام التلفاز الذي كان يعرض شريطا مسجلا لحفل زفافهما، كرو يجلس بالقرب من زوجته النائمة ويبدأ في مناجاتها، فيفاجأ في أنها تستطيع سماعه والتجاوب معه تماما كما أخبره كول. آنا تتكلم خلال نومها وتعاتب زوجها على تركه لها، فيتعجب كرو من ذلك ويخبرها بأنه لم يتركها، لكنه لا يكاد يتم جملته حتى يسقط خاتم زواجه أرضا من يد آنا، فينظر كرو إلى يده ويكتشف بأنه فعلا لم يعد يرتدي خاتم الزواج، وترن في رأسه فجأة عبارة كول حول رؤيته للأموات طوال الوقت، وبأن أولئك الأموات لا يرون إلا ما يريدون رؤيته، ثم يبدأ في تذكر مجريات الأحداث التي وقعت بعد إطلاق فنسنت النار عليه .. يتذكر إصابته وسقوطه وزوال الألم فجأة، يتذكر عدم قدرته على القيام بأمور بسيطة مثل فتح باب المخزن أسفل السلم، يتذكر بأنه طوال الفترة التي تلت الحادث لم يكن يتكلم إلا مع نفسه وبأن جميع من حوله كانوا على ما يبدو لا يسمعونه ويتجاهلونه …  وهكذا تتكشف بالتدريج الحقيقة المرة والمرعبة، فيدرك الطبيب كرو أخيرا بأنه ميت، وبأنه فارق الحياة بعدما أطلق فنسنت النار عليه، وهذا يفسر قدرة كول على رؤيته والتواصل معه فيما لم يستطع الآخرون ذلك .. فهو لم يكن سوى شبح!.

الطبيب كرو يجلس إلى جوار زوجته النائمة للمرة الأخيرة وقد أدرك حقيقة موته، يخاطبها قائلا بأنه سيرحل الآن بعد أن أنهى الأمور العالقة التي كانت تمنعه من المغادرة، الأمر الأول هو مساعدة أحدهم مقابل إخفاقه في علاج فنسنت، وقد نجح في ذلك عن طريق الطفل كول، أما الأمر الثاني فهو إخبارها بمدى حبه لها وبأنها أهم شيء في حياته.

هل يمتلك بعض الأطفال حقا القدرة على رؤية الأشباح ؟

في الحقيقة هذا السؤال يقودنا للتساؤل أولا عن ماهية الأشباح .. هل هي حقا أرواح لموتى سابقين ؟.

بطبيعة الحال أكثر الناس سيجيبون على هذا السؤال استنادا إلى معتقداتهم الدينية. وأنا كدأبي دوما لا أحب الخوض في هذه الأمور، غير أني سأتطرق للموضوع على عجالة وباختصار شديد، وذلك لوجود لبس كبير فيما يتعلق بالفترة المحصورة بين وقوع الموت وقيام الساعة. فأغلب الناس، حتى بعض المتدينين، يعتقدون بأننا نصعد إلى السماء مباشرة بعد الموت، وهذا خاطئ – من وجهة نظر إسلامية – لأن أرواحنا تبقى بعد الموت على الأرض لحين قيام الساعة، والمكان والزمان الذي تنتظر فيه الأرواح يطلق عليه أسم البرزخ.

لكن ماذا سيفعل الموتى خلال فترة الانتظار الطويلة تلك ؟ .. كيف سيقضون أوقاتهم؟ .. هل يبقون أحرارا يمشون حيثما شاءوا فوق هذه الأرض ؟ .. أم يحبسوا في قبورهم، يتقلبون في نعيم أو جحيم، حتى قيام الساعة.

من المؤسف أن الأديان عموما لا تقدم لنا صورة واضحة وجلية لما سيجري خلال فترة البرزخ، لا تكلمنا عن ذلك بإسهاب، لا تعطينا تفاصيل كثيرة. هي تحدثنا عن حساب وجزاء مؤقت يلي الموت مباشرة، وحساب ثاني أعظم يوم القيامة. لكن لا يوجد نص ديني صريح يخبرنا عن طبيعة ما سيجري بين الحسابين، هل سيكون بإمكاننا مغادرة قبورنا لنتجول ونتواصل براحتنا مع الأحياء؟ .. وإذا كنا سننتظر في قبورنا كل تلك السنين فما الذي يمنع من مغادرتنا لها من حين لآخر ؟.

الحاسة السادسة
ماذا يجري بعد الموت ؟ ..

سكوت الأديان عن قضية الأشباح يقابله فلكلور وتراث بشري يغص بحكايات الأشباح والأرواح الهائمة، وهذا الإرث الروحي تشترك فيه جميع الشعوب، فلا تخلو أمة من قصص البيوت المسكونة وأرواح الموتى التي تزور أحبابها سواء في الواقع أو الحلم، وهناك أيضا مزاعم كثيرة لأشخاص يقولون بأنهم ماتوا مؤقتا للحظات أو دقائق معدودات سافروا خلالها إلى العالم الآخر فشاهدوا أرواح أقربائهم وأصدقائهم تأتي لاستقبالهم كما يستقبل المسافر القادم من رحلة طويلة.

خلاصة القول أن مسألة وجود الأشباح أو عدم وجودها تبدو ملتبسة ولا تعدو عن كونها من الأمور الغيبية التي يستحيل الوصول إلى حقيقتها مادمنا أحياء نرزق في هذه الدنيا .. لكننا سنموت حتما في يوم ما – أطال الله أعماركم جميعا – وحينها سنرى بالتأكيد كما لم نرى من قبل .. وقد نفاجأ بأمور لم نكن نتوقعها أبدا .. “فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد”.

طيب هل هناك أطفال قادرين على رؤية أمور لا نراها نحن الكبار ؟

نعم هناك أطفال من مختلف أرجاء العالم يزعمون رؤيتهم لكائنات خفية. لكن ما هي طبيعة هذه الكائنات الغامضة .. هل هي أشباح ؟ .. هل هي جن أو شياطين أو ملائكة ؟ .. لا نعلم .. هي بكل الأحوال كائنات غير مرئية نعجز نحن الكبار عن إدراك وجودها. وقد تكون أنت عزيزي القارئ واحدا من أولئك الذين مروا في طفولتهم بتجارب مماثلة، أي أنك شاهدت أطياف وظلال، أو سمعت أصوات، تظهر وتختفي من دون أن يدركها ويشعر بها سواك. وقد تكون أخبرت أهلك وأصدقاءك عن تلك الأمور فلم يصدقوك، أو ربما توقعت مسبقا أن لا يصدقك أحد ففضلت كتمان الأمر والاحتفاظ به لنفسك.

لكن لماذا يرى الطفل ولا نرى نحن ؟

بعض الناس يعتقدون بأن براءة الطفل ونقاء سريرته تعطيه أحيانا القدرة على رؤية ما لا يراه الكبار. ونلمس انعكاس هذا الاعتقاد واضحا في الموروث والمعتقدات الشعبي، فأحيانا نرى أطفال صغار دون العامين يضحكون ويحركون أطرافهم بغبطة أثناء استلقائهم في فراشهم من دون أن يكون قربهم أحد، هذه الحالة تكون عفوية ويفسرها بعض كبار السن بقدرة الأطفال الصغار على رؤية الملائكة المناط بها حراسة كل إنسان وتسجيل أعماله، وهي قدرة يفقدها الطفل بالتدريج كلما كبر سنه وأشتد عوده. ونلاحظ أيضا بأن السحرة والمشعوذين دائما ما يستعينون بفتية وفتيات صغار لكشف المستقبل والمستور، وذلك لكون هؤلاء الصغار تكون لديهم قدرة أكبر على التواصل مع كائنات العالم الآخر التي يسخرها الساحر لخدمته.
ساعدوني .. أبني يرى الأشباح!

هذه العبارة (My child see ghosts! ) مرت بي أكثر من مرة خلال بحثي عن مصادر لهذا المقال. فمن خلال تجوالي وبحثي في المنتديات والمواقع الالكترونية أتضح لي بأن حالة الطفل كول ليست بفريدة في عالم الحقيقة والواقع، وأن هناك بالفعل العديد من الآباء والأمهات الذين يتطلعون للحصول على النصح والعون بخصوص أبنائهم الذي يمرون بتجارب مشابهة لتلك التي عاشها الطفل كول في الفلم.

إحدى الأمهات كتبت تقول : “أبني ذو العشرة أعوام يشاهد أشباحا في منزلنا وهي تلاحقه في كل مكان وتشوش تفكيره وإرادته إلى درجة أنه يعجز عن الكلام .. أخبروني ماذا أفعل أرجوكم ؟ .. في المدرسة يعتقدون بأنه مجنون ويقولون بأني يجب أن أضعه في مصحة عقلية. أنا وزوجي شاهدنا أمورا غريبة في المنزل، وكذلك فعلت أبنتا، ونحن عاجزون عن مساعدة أبننا. هو يقول بأن الأشباح تسلبه إرادته، وهو يتحدث عن وجود العديد من الأشباح في منزلنا، يخبرنا عن فتاة من دون وجه وبلا أطراف!، وعن فتاة أخرى ترتدي ثوب زفاف يرافقها أبوها الذي يقوم باقتلاع عينيه من محجريهما بواسطة فأس. وهناك شبح آخر لصبي يطارده رجل غاضب وهو ينعته بالكلب!. لقد حاولنا تطهير المنزل مرارا، والآن زوجي يشعر بأنه مستنزف ومرهق مما يجري. أبنتنا ذات الثلاثة عشر ربيعا أخبرتنا مؤخرا بأنها هي أيضا شاهدت تلك الأشباح التي يتكلم عنها أخوها، وبأن تلك الأشباح قامت بضربها على وجهها …. ماذا أفعل ؟ .. الرجاء ساعدوني”.

أم أخرى كتبت تقول : “أعيش مع عائلتي في شقة منذ سنتين، وقبل حوالي 4 – 5 أشهر بدأ أبني ذو الأربعة أعوام يتحدث فجأة عن الأشباح، خصوصا عن شبح يعيش في غرفة نومه. أحيانا كنت أجده يتحدث إلى نفسه كأنه يكلم شخصا آخر غير مرئي يجلس إلى جواره. ظننت في البداية بأن الأمر طبيعي، وبأنه مثل بقية الأطفال اخترع صديقا خياليا ليتحدث ويلعب معه. لكن في الأسابيع الأخيرة أصبح أبني في غاية الرعب من شبح غرفة نومه إلى درجة انه يرفض النوم أو اللعب هناك، يقول بأن الشبح سيمسك به إذا دخل الغرفة، أصبح يخاف حتى من مجرد الدخول لجلب ألعابه ما لم أرافقه وأكون إلى جانبه .. لا ادري هل أصدقه ؟ .. وماذا بإمكاني أن أفعل كي أزيل خوفه ؟ .. أرجوكم ساعدوني”.

وكتب أحد الآباء يقول : “أبني عمره ثلاثة أعوام ونصف الآن. وقبل حوالي العام كنت أحلق ذقني في الحمام وتركت الباب مواربا قليلا لأراقبه وهو يلعب في الغرفة المجاورة. وبعد خمسة دقائق على شروعي بالحلاقة سمعته يصرخ : “أوه”. فسألته ما المشكلة، فأجابني قائلا : “إنها المرأة التي في الغرفة .. لقد أمسكت بقدمي”. فظننت بأن الأمر غير مهم وبأن أبني يتخيل أمورا غير حقيقية. لكن عبارة “المرأة التي في الغرفة” استمرت تتردد على لسان أبني لستة أشهر أخرى. واليوم وقع أمر في غاية الغرابة، فقد كان أبني يرسم على الورق، وقد رسم صورة لامرأة شعرها طويل، فسألته ممازحا فيما أذا كان يرسم صورة لأمه، فأجاب قائلا : “كلا .. هذه صورة المرأة التي في الغرفة”. ولقد أرعبني رده حقا، فأنا أعتقد بأن طفل بريء في سن أبني لا يمكنه اختلاق الأكاذيب واختراع القصص .. فهل هو يرى أشباح حقا ؟”.

طبعا هذه القصص هي مجرد عينة صغيرة لقصص كثيرة تدور حول نفس المعنى والموضوع، وللعلم فأن هذه القصص لا تقتصر على الغربيين، ففي بلداننا هناك أيضا قصص عن رؤية الأطفال لكائنات خفية لا يراها الكبار، لكنها عادة ما تنسب إلى الجن وليس إلى الأشباح، وأنا بنفسي كنت شاهدا على إحدى تلك القصص، ففي أحد الأيام طرقت بابنا سيدة كانت قد استأجرت منزلا في الجوار، أتت لتسأل أمي فيما أذا كانت تعرف شيئا عن تاريخ المنزل الذي استأجرته، وعن ما يتردد حول انتحار فتاة حرقا فيه قبل أعوام طويلة. والدتي تعجبت لهذا السؤال كثيرا ونفت سماعها بشيء كهذا علما بأننا نسكن الحي منذ مدة طويلة، واستفسرت من السيدة عن سبب سؤالها، فردت قائلة بأن أطفالها يشاهدون أحيانا في جوف الليل، وهم بين الصحو والنوم، طيف فتاة محروقة تظهر فجأة وتتجول بين حجراتهم، أحيانا تصرخ فيهم بغضب تطلب منهم مغادرة المنزل وأحيانا تسحب الفراش عن أجسادهم، وقد تسبب ذلك برعب شديد للأسرة. وظنت تلك السيدة للوهلة الأولى بأن أطفالها يتخيلون أمورا غير حقيقية، لكن أحد كبار السن في الحي أخبرها بأن هناك فتاة شابة انتحرت فعلا في المنزل قبل أكثر من أربعين عام، أحرقت نفسها في الحمام لأن أهلها أرادوا إرغامها على الزواج من رجل عجوز. وحين أخبرتني والدتي عن قدوم تلك السيدة وحديثها عن طيف الفتاة المحروقة عادت بي الذاكرة سريعا إلى أيام الطفولة، فتذكرت بأن إحدى العائلات التي سكنت ذلك المنزل قبل سنوات بعيدة كان لديهم ولد في نفس عمري أسمه ياسر، كان يلعب معنا في الشارع أيام الطفولة، وكان يحدثنا عن فتاة محروقة تظهر فجأة في حجرته ليلا، لكننا لم نكن نصدقه، كنا نظن بأنه يريد تخويفنا فقط.

وسطاء روحيون

بعض الناس، كما ذكرنا أنفا، لا يتكلمون عن قدراتهم الروحانية ويبقونها طي الكتمان خوفا من أن لا يصدقهم أحد أو أن يتهموا بالجنون، وعلى العكس من ذلك فهناك آخرين استغلوا تلك القدرات فتجاوبوا مع الكائنات الخفية وحاولوا فهم ماذا تريد منهم، أي تماما كما فعل الطفل كول في الفلم، وهذه القدرة على الاتصال مع كائنات العالم الآخر أكسبت هؤلاء الناس صيتا وشهرة واسعة، فصاروا يعرفون بالوسطاء الروحيون، وبلغوا أوج شهرتهم وشعبيتهم خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث وجدت الأمور الروحية سوقا مزدهرة ورائجة في أوروبا وأمريكا الشمالية وظهرت الكثير من المؤسسات والجمعيات الروحية المهتمة بالتواصل مع كائنات العالم الآخر.

الحاسة السادسة
الشقيقات فوكس ..

ويزعم معظم الوسطاء الروحيون بأنهم مروا بتجارب مخيفة في طفولتهم، تماما كتلك التي مر بها الطفل كول في الفلم، وعن طريق تلك التجارب اكتشفوا مواهبهم الخارقة في التواصل مع كائنات العالم الآخر. ولعل أشهر القصص في هذا المجال هي قصة الشقيقتان كاتي ومارغريت فوكس (Fox sisters )، فأينما ذهبت الطفلتان كانت هناك أصوات مجهولة المصدر تلاحقهم كظلهما، كانت تشبه صوت الدق والطرق على الجدار، وعن طريق تقليد تلك الأصوات قيظ للشقيقات فوكس التواصل مع الأشباح المزعومة، ولاحقا أصبحت الشقيقتان، إضافة إلى شقيقتهن الكبرى ليا، من أشهر الوسيطات الروحانيات في أمريكا القرن التاسع عشر.

الحاسة السادسة
كلارا سكوت ..

من الوسيطات الشهيرات أيضا في القرن التاسع عشر اللائي مررن بتجارب مماثلة في طفولتهن هي الوسيطة الحسناء كلارا سكوت (Cora L. V. Scott ) التي اكتشفت في سن الثانية عشر قدرة غريبة على منح جسدها للأشباح لكي تتكلم وتكتب من خلاله. كلارا كانت تدخل في حالة تحول مؤقت، فيتغير صوتها، وتبيض عيناها، وتتيبس ملامحها، ثم تبدأ يدها بالتحرك سريعا لتكتب على الورق ما تقوله الأشباح. الأمر مشابه تماما لمشهد الوسيطة الروحية العجوز في فلم الرعب الآخرون “The Others ” من بطولة نيكول كدمان.

هناك في الحقيقة عدد كبير من الوسطاء الذين مروا في طفولتهم بتجارب مماثلة لتلك التي مرت بها الشقيقات فوكس وكلارا سكوت، وقد نعود لذلك كله في مقال مفصل عن الوساطة الروحية وجلسات تحضير الأرواح. لكن مما ينبغي ذكره هنا، هو أن بعض تلك القصص لا تخلو من الكذب والدجل والاحتيال، فالوساطة الروحية كانت وما تزال سبيلا سهلا لابتزاز الأموال من جيوب الناس المتطلعين للاتصال بأرواح أحبائهم الراحلين. وهناك قضايا وفضائح شهيرة لبعض هؤلاء الوسطاء الدجالين.

ختاما فأن الطفل كول على ما يبدو ليس فريدا من نوعه في هذا العالم، وان هناك الكثير من الأطفال حول العالم يمتلكون موهبة رؤية الأشباح وإدراك وجودها، لكن بما أننا في هذا الموقع دأبنا دوما على تحكيم العقل والمنطق، فلابد أن نسأل .. هل هذه القصص هي انعكاس حقيقي للواقع أم أنها في حالات كثيرة لا تعدو عن كونها تخيلات وهلوسات ازدحمت في عقل طفل صغير مازال يلتمس طريقه لمعرفة أبعاد هذا العالم.

المصادر:
………………

1- The Sixth Sense (1999)
2- The Sixth Sense – Wikipedia
3- Does my child see ghosts?
5- Cora L. V. Scott
6- منزل عائلة فوكس المسكون

تاريخ النشر 24 / 02 /2013

guest
89 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى