أدب الرعب والعام

الحب الكاذب

بقلم : الامير الحزين – مصر
للتواصل : [email protected]

ماتت أجسادهم ولكن أرواحهما ما زالت تطارده أينما ذهب

 

ما هو الحب ؟ هل هو مجرد مشاعر نشعر بها نحو الشخص المحبوب ، أم هو أفعال أتجاه هذا الشخص ، أم هي مجرد كلمة نقولها حين تتسارع نبضات قلبنا عند الوهلة الأولى ، إن الحب له معاني كثيرة  وأشكال مختلفة ، ليس منا من يعرف هذه الكلمة ، ليس لمعناها ، ولكن للشعور المتعلق بها ، وفى هذه القصة سنبين إحدى معاني هذا الحب ، وهو الحب الكاذب.

في كتب الروايات يُحكى عن أثنان التقيا في وقت من الأوقات و وقعا في الحب من النظرة الأولى ، و في أخرون عرفوا الحب من التقرب ، و منها روايات عديدة و كثيرة ولكن هنا الوضع مختلف قليلاً .

يُحكى أنه كان هناك شاباً وسيماً في منتصف العشرينات يمتلك المال الوفير الذى يمكنه من العيش السعيد وحيد في الدنيا ، ليس له أحد سوى عمه ، والداه قد توفيا في حادث منذ صغرة وقد أعتنى به عمه حتى كبر وتخرج من الجامعة وأصبح مهندساً وله شركته الخاصة التي تركها له والده ، و في إحدى المرات وقعت عينيه على فتاة للوهلة الأولى و قد حس بتسارع في القلب

و تعرق و لمعان في العين وكأن الزمن قد توقف به ، كانت تجلس في أحد المطاعم ، أقترب منها وابتسم ابتسامة تدل على التوتر والقلق وقال لها : لماذا قد ترغب فتاة في جمالك في أن تحدّث شخصاً مثلي ؟ ، فابتسمت ابتسامه رقيقة وكان ردها كالاتي

: و لما لا اتحدت إلى شخص مثلك ، فجلس معها وتبادلا الحديث  وظل يتواعدا إلى فترة من الزمن ، حتى زاد هذا الحب والقرب بينهما و حان موعد الزفاف ، و تزوجا وعشا معاً في تناغم وحب و قرب من بعضهما البعض .

و لكن ليست هذه هي النهاية ، و بعد مرور سنة من الزواج كان قد بدء يتغير ، بدأت الديون تتراكم عليه  وأصبح يشرب الخمر باستمرار وأصبح عنيفاً معها ، إلى أن بدأت تنفر من تصرفاته ، أصبح كثير الإهانة لها والضرب في بضع من الأحيان ، إلى أن تركته وذهبت إلى بيت عائلتها ، وهو أصبح يشرب أكثر فأكثر من بعدها وأصبح شبه منعزل ، و بعد مرور وقت ليس بكثير ذهب إليها وأحضر معه حفنة من الورود التي تحبها وأعتذر لها وأخذها و سافرا للخارج ليقضيا وقتاً معاً ، ثم عادا إلى المنزل وجلسا سوياً يتحدثا كالسابق ، و ذهبا واستلقيا معاً ونظرا لبعضهما البعض وهما يبتسمان إلى أن غلبهما النعاس .

و في اليوم التالي استيقظ و هو سعيد ومغمور و نادى عليها فلم تجبه ، ثم نادى عليها مراراً وتكراراً فلم تجبه بشيء ، وذهب إليها و وضع يده عليها و وجدها  لا تتحدث وجسدها بارد ولا تتنفس.

أستدعى الطبيب ، إلى أن جاء وكشف عليها وطلب الإسعاف لتأخذها بسبب ضعف في نبضات القلب ، و في المشفى قال له الطبيب : لقد أنتقلت روحها إلى الخالق !.

اندهش كيف هذا ؟ لقد كنا نتحدث سوياً بالأمس ، رد عليه الطبيب لقد حدث لها هبوط حاد في الدورة الدموية و هذا ناتج على الإجهاد الشديد ، وهناك أمراً أخر ، لقد كانت حامل في شهرها الثاني ، حامل ! وهنا قد وقعت عليه الصدمة ، ما هذا الذي حدث ؟ ، لماذا قد يحدث شيء مثل هذا ولا يحدث إلا الأن و في هذا الوقت ، لماذا ؟ ، وظل ينتحب عليها في ذهول و صدمة ، لقد انتهت قصة الحب الكبير ة التي نشأت بينهم ، قام بدفنها ، لقد تركت له أيضاً مالاً وفيراً بسبب بوليصة التأمين على الحياة التي كانت تمتلكها ، قام بتسديد ديونه  و سافر إلى الخارج لفترة حتى يبعد عن الذكريات الأليمة هذه .

ولكن هذه ليست النهاية ، و بعد فترة من الزمن عاد إلى بيتة والى المدينة و قام بمباشرةً بأعماله  و قرر أن يبدأ حياته من جديد ، و في يوم من الأيام و هو جالس في نفس المطعم الذى نشأ فيه حبه الأول و على نفس المنضدة التي كانت تجلس عليه زوجته السابقة ، وجد فتاة أخرى ، و وجد فيها إحساس ، نعم هو يعلم هذا الإحساس جيداً ، ظل جالساً قليلاً يفكر ، أذهب أم لا ، اذهب أم لا ؟ إلى أن أتخذ القرار المناسب و ذهب إليها  و وقف نفس الوقفة وابتسم نفس الابتسامة ، وقال لها : لما قد ترغب فتاة في جمالك أن تحدث شخصاً مثلي ؟ ، وكانت المفاجأة في الرد ، قالت له: و لماذا لا اتحدت إلى شخص مثلك ؟ ، نظر إليها في دهشة غامرة في عينيه و ظل ساكنا ًوقالت له : ما بك ، ماذا حدث ؟ ، رد عليها : لا شيء ، لقد تذكرت أمراً ما ، ثم جلس و تبادلا الحديث ، وظلا يتواعدا وقت من الزمن ، وكأن الزمان يعيد نفسه ، و بعد فترة ليست بكثيرة  تزوجا ، لقد قضيا شهر عسلهما في سعادة واستقرار  و فرح ، إلى أن عاد إلى المنزل ، وبدء يباشر حياته العادية من جديد ، إلى أن حلت عليه ليلة و هو بين الحلم واليقظة وجد زوجته السابقة وهى نائمة بجانبه وتقول له : لقد اشتقت إليك كثيراً ، أستيقظ مفزوعاً وهو يتصبب عرقاً حتى سألته زوجة : ما الأمر ، قال لها : لا شيء ، و ظل هذا الأمر يراوده طوال اليوم ، وكان قد بدء ينسى أنه مجرد حلم ، و حل الليل من جديد و ذهب إلى الفراش لينام ، و ما أن ذهب في النوم ، حتى وجد نفسه في غرفة المعيشة يشاهد التلفاز و ينادى على زوجته أن تحضر العشاء ، حتى تجيبه أنها قادمة ، ليجد زوجته السابقة تحمل سكيناً كبيراً و تنظر إليه نظرة غضب و كره و تحمل في يدها الأخرى إناء ، و تضربه ضربة حتى يسقط رأسه في الإناء ليستيقظ مفزوعاً من النوم و ظل يرتجف من شدة الخوف ، تقريباً لم يستطع النوم و أصبح كل يوم معرّض للكوابيس ، إذا ما نام يحلم بها في أشكال مختلفة إما تريد حرقة أو تريد تقطيعه أو ترميه في بركة من الأفاعي ، أو تطلق عليه الكلاب المفترسة لالتهامه ، وأكثر من ذلك .

أصبح مهووساً ، لا ينام سوى نصف ساعة في اليوم ليستيقظ مفزوعاً و مرعوباً ، إلى أن أقنعته زوجة أن يعرض نفسه على الطبيب النفسي ، ذهب إلى الطبيب و بدء يتلقى العلاج ، كان يأخذ باستمرار مهدئات حتى ينام ولكن تطور الأمر و أصبح يراها في يقظته ، يراها في كل مكان و في الشارع ، في العمل ، في أركان المنزل ، أصبح متوتراً عصبياً ، ثم توقف عن تلقيه للعلاج وعاد إلى الشرب مجدداً و أكثر ، إلى أن جاء يوم وهو عائد إلى المنزل في المساء وجد زوجته تتحدث إلى شخص وتقول له : إن زوجها أصبح كالمجنون ، و أنها لا تستطيع أن تستمر معه في هذا الوضع و أنه يجب أن يجد لها حلاً ، عندما سمع ذلك دخل عليها فجأة ، وهنا ارتبكت ، قال لها : مع من تحدثين ؟ ، أخبرته أنه أحد أقاربها يطمئن عليها ، هنا أرتباه الشك ، زاد الأمر معه و أصبح يرى في أحلامه أن زوجته الأولى والثانية يقومان بتقييده على السرير وتقوم كل واحدة منهما بطعنه بالسكين و هما يضحكان بهستيريا ، ظل يعانى من هذه الكوابيس ، كان يحلم بزوجته الأولى والأن يحلم بالاثنتين معاً ، يقوما بقتله بأبشع الطرق ، ظل يراقب زوجته وهي تتحدث في الهاتف ، يراها تهمس و لا يعلم مع من تتكلم ، زاد قلقه وغضبه و أصبح يعاملها بقسوة و لا يقبل منها أي شيء و لا يحدثها كالسابق ،

إنه يعتقد أنها تخونه ولكن لم يستطع أن يمسك عليها أي شيء ، ولكن هل سيترك الأمر هكذا ؟ ، في كل مرة يراها تتحدث في الهاتف يثير جنونه ، قرر في كنانة نفسه أن يقتلها ، نعم ، يقتلها ، لن تكون أغلى من الأخرى ، دخل عليها وهو يحمل الورد وقال لها : إنه كان في الفترة الأخيرة يعانى من ضغط العمل ، ثم أخذها و ذهبوا في رحلة لمدة يومين وعادا إلى المنزل ، و وضع لها السم في الشراب -نوع من أنواع السموم ، لا يُكشف بالتحليل أو تشريح الجثة ، و يظهر أن سبب الوفاة هو هبوط في ضغط الدم – وجلسا معاً يتحدثان ، ثم نظر إليها و قال لها :

– هل تحبيني ؟.

– بالطبع احبك

– هل أنتِ صادقة في كلامك ؟.

– ما بك يا حبيبي ، ما الأمر ؟.

– لا شيء ، ولكني أردت أن أعرف ما مقدار حبك لي .

– أحبك كثيراً ، و لكن دعني أقول لك ، هل ما زلت تحبني ؟.

– كنت أحبك.

– كنت تحبني ،  ثم بدء عليها التعب و الإرهاق و ردت عليه قائلة : ما معنى كنت تحبني ، هل أصبحت تكرهني ؟.

– و لم لا أكرهك ؟.

نظرت إليه مندهشة من كلامه : لماذا تقول ذلك يا حبيبي ؟.

– هل عندما تخون الزوجة زوجها تستحق حبه ؟.

بدء ألم السم يراودها و بدأت تحس بالتعب الشديد : من هي الخائنة

– ومن تعتقدين ؟.

– هل تشك بي أنا ؟.

– أنتِ وعشيقك تدبرون لي أمراً حتى تقضوا علي.

و في ألم شديد من السم : أنا لست خائنة ، أنا أحبك كثيراً.

ابتسامة خبيثة : و أنا أيضاً كنت ،حبك لفترة من الزمن ، و لكن حان وقت ذهابك مع الأخرى حتى تأنسوا بعضكم ، لا تقلقي إن هذا السم مفعوله سريع و لن تتعذبي كثيراً ، مثلك مثل الأخرى.

وصل السم إلى مراحله الأخيرة : من الأخرى ، زوجتك ؟ أنت من قتل زوجته الأخرى ! لماذا؟.

– لا شيء ، كانت تتذمر مثلك ، لقد أحببتها كثيراً أيضاً ولكن ضاق بي الأمر ذرعاً ، خسرت أموالي و أصبحت مديوناً ، و بدأت تشتكي كثيراً ، ففكرت لم لا أتخلص منها  وأخذ بوليصة التأمين ؟ إنه حقي ، أنا من وضع هذه البوليصة لها ، فوضعت لها السم مثل هذا السم فماتت و لم يعلم أحد هذا السر إلا أنتِ و الأن وداعاً .

ماتت الثانية بنفس السم ، أخذها على السرير و وضعها ، ثم نام بجوارها ثم استيقظ في الصباح و أتصل بالطبيب وقال له : أحضر في الحال إن زوجتي لا تجيبني ، حضر الطبيب و كشف عليها و قال له : نبضات قلبها ضعيف لنأخذها إلى المشفى.

و ذهبت إلى المشفى و حاول الأطباء إنعاش القلب و لكنها فارقت الحياة ، قال له الطبيب ، سبحان الخالق لقد ماتت هذه أيضاً بهبوط في الضغط ، ذرف دموعاً وقال للطبيب : إنه القدر ، دفنها هي الأخرى ، وأيضاً أخذ بوليصة التأمين على الحياة منها .

هل انتهى الأمر ؟ ، بالطبع لم ينتهي ، ظل يعاني لفترة كبيرة ،  كانت الأولى تأتى له في كوابيسه و الأن أصبحت الاثنتان تأتيان له في كوابيسه بل في حياته ، ماتت أجسادهم ولكن أرواحهما ما زالت تطارده أينما ذهب ، ترك عمله و ترك كل شيء و أصبح يشرب باستمرار ، أصبح يراهم وهو مستيقظ ، أصبحتا يأتيانه ليل نهار ، يراهم في كل مكان ، إلى أن جاء يوم طرق عليه أحد الباب ليرى طبيبه النفسي ليخبره أنه كان مسافر خارج البلاد فترة وقد جاء منذ أيام ، وعندما علم بهذا جاء ليعزيه ويقول له : أن زوجتك قبل أن تموت كانت تكلمني على الهاتف و تتابع معي حالتك و أنها كانت لا تريد أن تخبرك بذلك حتى لا تجرح مشاعرك ، نظر إليه وقال : إذاً أنت من كانت تهمس لها في الهاتف ؟ ، نظر إليه الطبيب في شفقة وقال له : أتمنى أن تأتي إلى المصحة للعلاج ، لقد ظلم الأخرى وقتلها أيضاً ، ظل يعانى من الكوابيس و الهلاوس ، بدء يفقد عقله شيء فشيئاً ، أصبح يخاف النوم و يخاف الظلام ، أصبح سكيراً و مهووساً ، وانقطعت أخباره لمدة كبيرة ، إلى أن جاء يوماً اشتم الجيران رائحة كريه منبعثة من ناحية المنزل ، أتصل أحدهم بالشرطة ليداهموا منزله ليجدوه قد مات و في يده زجاجة والأخرى قلم ، كان يكتب أخر رسالة ، امسكها الشرطي وبدء يقرئ فيها :

لقد تعبت كثيراً ، أنا لا أنام و لا أكل و لا أشرب ، لا أفعل أي شيء سوى الشرب ، أني أراهما أمامي  تريدان قتلي ، تخبراني أنهما تريدانني معهم لكي ينتقما مني من على ما اقترفت في حقهما ، أنا خائف ، أنى أراهما تجلسان بجانبي ، أسمع أصواتهما ، أحس بأيديهما تلامسني ، لقد تعبت سوف أفارق هذه الحياة ، لقد ارتكبت كثيراً من الأخطاء في حقهما ، كم أكره نفسي ، كم أتمنى الموت ، الأن أصبحت لا أخاف ، أنا استحق العقاب ، نعم أستحقه وأنا ذاهب إليهما ليفعلا بي ما تشأن ، سأشرب السم ، هذا السم ، و ليغفر لي الله .

ربما نحن حقاً لا نعلم ما هو الحب ، ربما نعتقد أن شخصاً يستخدم الرقة أو العطف معنا فهذا هو الحب  ، و ربما نرى أن من يعاملنا بحزم أو بقليل من القسوة يكرهنا بشدة ، إن للحب سمات في كل شيء حولنا في الأنسان والحيوان حتى فيما لا تراه أعيننا ، ولكن هل يستطيع أن يخبرني أحد ما هو الحب الصادق ؟.

النهاية…..

تاريخ النشر : 2018-11-20

guest
12 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى