أدب الرعب والعام

الخوف من صديق

بقلم : ملاك – أرض الله الواسعة

الخوف من صديق
أنا أسقط .. أنقذني أرجوك

جبل شامخ لم يضعف أمام السنين الطويلة التي مرت عليه , أشجار خضراء شاهقة , وأمامها منحدر حاد .. وصديقان حميمان في وسط هذا المكان .. لنقل أنهما في رحلة يريحان بها نفسيهما بعد ما انهكتهما الأحرف المضطربة في الكتب الدراسية .
أحمد يلتقط صوراً للجبل الشاهق ويوسف يقف عند المنحدر يراقب الوادي أسفله :
– يوسف صارخاً : أحمد أنا أسقط
– أحمد يستدير بسرعة ليجد يوسف يقهقه ضاحكاً : هل أخفتك ؟
– أحمد : تباً لك يا يوسف كفاك مزاحاً ودعني ألتقط الصورة .

استدار أحمد مجدداً ليلتقط الصورة ، وما إن لامست أهدابه العدسة حتى سمع مجدداً صراخ يوسف لكنه لم يلتفت واكتفى بالتذمر من صرخات يوسف الذي كان يطلب النجدة :

– كفاك مزاحاً …
ثم سمع صوت جسم يهوي من الأعلى للأسفل وارتطام عنيف بالأرض ، حينها فقط التفت لكنه لم يجد يوسف : 
– يوسف كفاك مزاحاً أنت فعلاً تخيفني …. يوسف ….
أطل أحمد من فوق المنحدر وهو يضيق عينيه كأنه يخبرهما ألا يشاهدا ما يوجد أسفل المنحدر ، ولكنهما اتسعتا رغماً عنه حينما وجد صديقه يوسف وسط بركة من الدماء وعيناه معلقتان للأعلى كأنما يحدق به ..

استفاق أحمد من نومه فزعاً وقد تزاحمت الأنفاس في صدره : 
– تباً لقد نسيت أن آخذ الحبوب المنومة ” إلى متى سأبقى هكذا أذكر ذلك الحادث الذي مر عليه أكثر من عشر سنوات ! إلى متى سيبقى يرافقني في أحلامي كلما نسيت أن آخذ هذه الحبوب .. إلى متى !! وألقى بالحبوب بعيداً عن ناظريه وألحقها بكأس الماء بعد أن فرغ من تناولها …صوت ارتطامها يذكره بارتطام صديقه…. تباً

أشرقت شمس صباح اليوم التالي ، أشعتها سوداوية وصباح مشؤوم بالنسبة لأحمد , أيام رتيبة مملة , ارتدى ملابس العمل ووقف أمام المرآة ، حملق في وجهه جيداً كان شاحباً ومتعباً, رموشه الكثيفة ألقت ظلالاً زاد من تلك الظلال التي ألقاها السهر أسفل عينيه ..
هذب شعره مسرعاً وخرج من المنزل ، الجو خارجاً كان يميل للبرودة ، أحس وكأنما مازال طيف صديقه يلاحقه في الطرقات الرمادية الخالية ، فأسرع ليصل للعمل حيث هناك من يشكو همه له ..

خالد : صباح الخير .. ما بك يا أحمد تبدو شاحباً
أحمد : وما الجديد , ذلك الحلم المزعج , أحس به يرافقني في كل مكان ، ما إن أنسى أخذ تلك الحبوب حتى أجده ينتظرني في الحلم
– خالد : ما رأيك يا أحمد أن تذهب في إجازة لمدة شهر إلى إحدى الأماكن الخضراء ، فأنت منذ تلك الحادثة لم تخرج سوى للعمل ، هذا أفضل من السموم التي تنهك جسمك بها ، وسترى الفرق بنفسك صدقني .
أحمد وقد تلألأت الفكرة في رأسه : من الممكن أن يكون هذا جيداً .. حسناً إذاً ، سأقدم على إجازة ..

في اليوم التالي وصل أحمد إلى تلك الرقعة الخضراء التي يتوسطها كوخ قديم كان لعائلته فيما مضى ، وكم قضى من أوقات ممتعة هنا وهو طفل لا يتجاوز العاشرة ، يا لها من ذكريات منسية تراكم عليها غبار الأيام ..
الشمس تزول ووقت الغروب قد حل ، قرر أحمد أن يأخذ الآن فترة كافية من النوم , وضع رأسه على الوسادة وغفا بسرعة فالطريق كانت متعبة جداً بالنسبة له , بدأ شبح ذلك الحلم يخيم فوق رأسه كالعادة فزعاً وصرخ : 

– أين الحبوب أين الحبوب, ياللهول , من فعل هذا … 

كانت كل الحبوب مسحوقة وملقاة على الأرض … الوقت الآن الواحدة بعد منتصف الليل .. أعلنت الساعة حينما نظر لها أحمد وصوت قادم من عمق رأسه : 
– حسناً ستكون ليلة ممتعة, بدأ الصوت يقترب أكثر فأكثر ، وطيف يجول في المكان : 

– لماذا تركتني أسقط ؟ لمَ لم تلتفت ؟ ألم أكن صديقك ؟ لماذا ؟ ما السبب ! أنا هنا وهناك سأرافقك حتى تنهي حياتك بيدك .

أحمد واضعاً يديه على أذنيه : يا له من خيال كفى كفى , تباً لك يا خالد وتباً لفكرتك الشمطاء
الصوت : ولكنني لم أنته بعد .. إنها تساؤلات كثيرة تحوم كطيفي الذي يرافقك
أحمد : أنا لم أقصد يا يوسف ، ظننتك تمزح صدقني
الصوت يدوي في رأسه : وهل من مازح يستغيث نصف ساعة وهو يبكي ؟! لقد كنت عالقاً بحافة المنحدر ، لو استدرت لأنجدتني ولكنك خائن .. أنت صديق سيئ .

أذان الفجر يعم المكان ، حل صباح جديد وقرر أحمد أن يذهب هناك وحيداً لعله يلتقي من فقده منذ عقد كامل ليريح ضميره ويريح صديقه ، هو ليس خائناً إنما هو مخطئ ونادم على عدم استجابته للنداء الطويل , نداء الاستغاثة ، ولينهي خوفه من أن يكون خائناً أو متعمداً

الرابعة عصراً ، الآن أحمد يتجول حول المنحدر يتذكر كل التفاصيل .. كل شيء ، يتلمس الحجارة ويحدق بالأشجار لعله يودعها اليوم ويودع هذه الحياة ، لربما ينهي حياته هنا حيث ذكراه المؤلمة وضميره الذي يعذبه وأحلامه الطفولية التي ماتت هنا أيضاً حيث صديقه ….

صوت رياح هوجاء تعم المكان ، الطيف هنا الآن ، أحس أحمد به, ولأول مرة يراه ، صورة حية يوسف صديقه !!
جلس على المنحدر وقال بابتسامة حزينة :
– أتذكر … هنا تماما كنت أنا حيث كنت أنت هناك ، ما رأيك 
أن نعيد تصوير الحدث مرة أخرى ؟ مشهد تلو مشهد

أحمد : ولكنني أخبرتك يا يوسف ، ما كان بيدي حيلة ، لقد كنت مخطئاً جاهلاً ، قل ما تريده ولكنني لم أكن خائناً ولا متعمداً هل من عاقل يقتل صديقه … أخاه .

جلس أحمد حيث يوسف, نظر له ,كان وجهه مدماً بالكامل ، لكن أحمد لم يخف مطلقاً , وقف يوسف وهم بالقفز ليسقط من جديد ، وما إن هوى حتى أمسك أحمد بيده مسرعاً و قال : 
– هذا ما كنت سأفعله تماماً ، لن أدعك تموت ، لا .. لم أكن لأدعك

حينها فقط ودعه يوسف بابتسامة :
– صديقي كنت أعلم أنك صديق حقيقي ..
وترك يده واختفى للأبد في ذلك السقوط الشبحي

جلس أحمد يبكي بحرقة حينما هزته يد من الخلف ، كان خالد .. نظر له وابتسم: 
هكذا إذاً لقد انهيت الأمر … هكذا هي مخاوفك إما أن تواجهها وتقضي عليها وإما أن تتملكك وتقضي عليك .

تاريخ النشر : 2017-05-16

guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى