منوعات

الدب فويتك : جندي الحرب العالمية الثانية

في مقال سابق لي تحدثت عن استخدام الحيوانات في الجيوش والحروب، لكنني لم أضف الدب فويتك لأنه استحق مقالا منفصلا . حيث أن هذا الدب تربى على يد الجنود وقاتل بشجاعة بالحرب العالمية الثانية وبني له تمثال في حديقة ادنبرة بأسكتلندا . كما أن فرق المدفعيات الثقيلة بالجيش البولندي لا تزال تتخذ منه شعارا لها .

إذن ما هي قصة هذا الدب؟ .

في سوريا ومن الشمال إلى الجنوب يوجد نوع من أنواع الدببة يعرف باسم الدببة السورية . وهي نوع من أنواع الدببة القارتة تتميز بلونها البني المائل للذهبي .

وعلى عكس الدببة الأخرى فإن الدببة السورية هادئة ولطيفة ولعوبة ووفية . خاصة حينما تتربى بين البشر .وقد منح لها الإسم العلمي Ursus arctos syriacus أو الدب السوري البني . ولقد كان هذا الإسم موجودا منذ عهد الولاية السورية بالإمبراطورية الرومانية، حيث أن سوريا موطنه الأصلي .

وتلك الدببة مع الأسف مهددة بالانقراض نتيجة الصيد الجائر لها . ونتيجة اختطاف أطفالها من قبل الغجر في سبيل تدريبهم على القيام بحيل السيرك للحصول عل المال .

تهاجر تلك الدببة في فصل الشتاء إلى العراق ثم إيران، وهنا تزداد عمليات صيدها أكثر وأكثر . وقد أصبحت منسية بل وأعتقد أنها انقرضت في موطنها سوريا لفترة من الوقت . حتى عاودت الظهور بعام 2011 حيث عثر على مجموعة منها بحمص والجولان السوري المحتل .

إقرأ أيضا : قادة للآدميين .. أبرز الحيوانات التي تولت مناصب سياسية!

وإحدى تلك الدببة قد كان له نصيب هائل من الشهرة، وهو الدب فويتك . فدعونا إذن نتعرف عليه .

أثناء الحرب العالمية الثانية احتلت روسيا السوفيتية إيران . وقد قامت بتهجير عدد ضخم من البولنديين إلى إيران على أمل ألا يعودوا إلى بلدهم ووضعت مجموعة من الجنود البولنديين فيها . وحينما انتهى الاحتلال الروسي وبدأ الإنسحاب من ايران قرر المواطنون البولنديون أن يقوموا بالرحيل والعودة لوطنهم بولندا . إلا انه أبقي على بعض الجنود خاصة الذين أعلنوا انشقاقهم عن الإتحاد السوفيتي .

وفي أثناء ذلك عثر صبي على جرو دب قتل الصيادون أمه وكان تائها بالصحراء . وذهب به إلى محطة قطار همدان ليحاول بيعه للجنود البولنديين . فرأت امرأة بولندية الدب ورأته لطيفا للغاية فقررت حينها أن تقنع الجنود بشراءه من الصبي واقتنع الجنود بالفعل وأخذوه معهم .

blank
قرر الجنود البولنديين تربية الدب

قرر الجنود تربية الدب معهم حتى يكبر ويستطيع العيش وحيدا ثم يقومون بتركه بالبرية . وبالفعل أخذوه لخيمهم وربطوه بسلسلة . و كانوا يطعمون الدب الحليب المكثف من خلال زجاجة فودكا مستعملة، وفي بعض الأحيان وحينما يكون لديهم القليل من المال كانوا يشترون له القليل من المربى والعسل .

وما آثار الدهشة لدى الجنود أن الدب لم يحاول الهرب بل ولم يهاجمهم حتى حينما واتته الفرصة . فلم يكن لديهم أدنى معرفة عن تلك السلالة من الدببة وأنها سلالة مسالمة .

إقرأ أيضا : أضخم معركة بين البشر والحيوانات .. من انتصر فيها؟

بعد عدة شهور كبر الدب وبدأت الثقة بينهم وبينه تزداد فلم يعودوا بحاجة إلى ربطه، بل كان أشبه بمساعدة لهم . حيث أنه وفي الليالي الباردة كان الدب فويتك ينام في خيمهم ويدفئهم بفرائه السميك . كذلك كان أشبه بكلب حراسة بالنسبة لهم . وذلك لأن الدببة تملك حاسة سمع وشم أقوى من الإنسان . فكان يستطيع سماع الأصوات البعيدة وينبه الجنود أن هناك دخلاء بالمنطقة . مثل المرة التي حاول أحد المواطنين الإيرانيين دخول المخيم في سبيل سرقة بعض الأشياء واختطاف الدب لكنه استطاع تنبيه الجنود حينها .

blank
الدب فويتك كان يمشي على قدمين

وقد أخذ الدب فويتك عادات الجنود، فكان كل صباح يشرب القهوة معهم كذلك كان يدخن السجائر، في الواقع كان يأكل السجائر فقط لكنه لم يكن يأكلها إلا حينما كان الجنود يشعلونها له . كذلك كان يشرب البيرة معهم وكان يمشي على قدمين مثلهم .

لاحقا تم ضم الوحدة البولندية إلى الجيش البريطاني وتم إرسالهم للقتال في إيطاليا وحينما استعدوا لدخول السفينة رفض قبطان السفينة دخول الدب وامرهم بالتخلص منه .

لم يستطع الجنود ترك رفيقهم لذلك قاموا رسميا بتسجليه داخل الجيش برتبة جندي متطوع ومنحه هوية رسمية ورقم تسلسلي . وأطلقوا عليه الإسم فويتك وهو اسم من اللغة السولفاكية القديمة، كذلك له جذور لغوية باللغات السلافية القديمة ويعني حرفيا “المحارب السعيد” .

إقرأ أيضا : الحيوانات في الحروب والجيوش

كان تجنيد الدب فويتك عبارة عن صدمة لدى البريطانيين، ولقد كانت هناك رابطة مشاعر قوية بينه وبين الجنود الذين قاموا بتربيته . لدرجة أنهم بعد أن أدخلوه للسفينة قالوا “إن فويتك أشبه بابن لنا، لقد قمنا بتربيته ولن نتركه” . أيضا كان للدب فويتك راتب خاص به، وكان يتم منحه راتبه على هيئة لحم وبيرة وسجائر .

blank
كان الجنود يطعمون الدب السجائر المشتعلة والبيرة!

ولم يعد فويتك يخاف من أصوات الرصاص والإنفجارات بل اعتاد عليها . كذلك كان يؤدي التحية العسكرية مثله مثل الجنود ويقف على قدميه ويمشي معهم بانتظام . وذات مرة صدرت أوامر للجنود بتمركز مواقعهم قرب مستشفى لحراسته ، حيث أن كل من فيه من النساء، وقد فرح الجنود بهذا الخبر، حيث تنهم سيتمكنون اخيرا من رؤية وجه امرأة يجلب الإشراق لهم بعد سنين من رؤية وجوه بعضهم البائسة التعيسة .

إلا أنه أثناء تخييمهم أصدرت أوامر بعدم اقتراب الجنود من المشفى أو الحديث مع الممرضات فشعر الجنود بخيبة أمل حينها . إلا أن فويتك شعر بحزنهم فما كان منه إلا أن أخذ حبل الغسيل التي علقت عليه الممرضات ملابسهن الداخلية ثم جره للجنود . حتى خرجت الممرضات لأخذه مجددا وليتمكن الجنود من الحديث معهن قليلا ويروحوا عن أنفسهم .

ما آثار دهشة الجنود حقا هو أن الدب فويتك قد شعر برغبتهم بالحديث لامرأة وأخذ حبل الغسيل دون أن يعطونه اي أوامر! . وأثناء تخييمهم بإيطاليا كان الدب يلعب المصارعة مع الجنود . والأغرب من كل هذا أنه لم يكن يؤذيهم رغم أنه كان ينتصر عليهم . بل كان الجنود يضاحكونه . وفي بعض الأحيان كان يسمح لهم بهزيمته . فمن غير المعقول أن يستطيع جندي إبطاح دبا يزن 200 رطل! . ولشهرة الدب أصبح الجنود من باقي الوحدات يأتون لرؤيته واللعب معه .

blank
مصارعة بين جندي بولندي والدب فويتك
إقرأ أيضا : حيوانات الجبل العجيبة

لقد كانت وحدة الدب فويتك وحدة مدفعية، لكنهم كانوا ببعض الأحيان يتسللون إلى أماكن معينة وكان عليهم أن يخفضوا صوتهم . لقد كان فويتك لا يصدر أي صوت حينما يكونون بمثل تلك المهام . وكأنه يعرف متى عليه أن يصمت .وبعد أن تمركز الجنود في مكان داخل مدينة مونتي كاسينو بإيطاليا بدأت المعركة . وكانت الكتيبة تقوم بقصف مقرات الجيش الإيطالي، و بدأت الذخيرة بالنفاذ فسارع فويتك حينها إلى الشاحنة وبدأ بنقل صناديق الذخيرة للجنود .

اندهش الجنود منه حيث أنه لم يكن يحمل صناديق يحتاج لحملها 4 رجال فحسب لكنه كان يحمل القذائف بطريقة صحيحة كما كان يفعل الجنود، وكان يمشي بها دون أن تقع من قبضته ومخالبه . وبعد أحداث تلك المعركة قد تم ترقية الدب فويتك لرتبة عريف و منح زيادة بالراتب وقد ظل يقوم بنقل صناديق الذخيرة من الشاحنات إلى المستودع وكان يصفها بشكل نظامي . ولقد نقل اكثر من 100 طن من صناديق الذخيرة دون أن يسقط منه صندوق واحد، كذلك قد كان ينقل القذائف الثقيلة التي تزن الواحدة منها 45 كيلوغرام دون سقوط قذيفة واحدة .

وتكريما له ولعمله تم إصدار شعار جديد للكتيبة، وهو شعار دب يحمل قذيفة المدفعية الثقيلة، ولا يزال هذا الشعار مستخدما لدى كتائب المدفعيات عند الجيش البولندي وبعض الجيوش الأوروبية الأخرى .

blank
شعار الكتيبة : الدب فويتك

وبعد نهاية الحرب تم حل الكتيبة وذهب كل واحد من الجنود في سبيله . أما الدب فويتك فقد أخذه الجيش البريطاني إلى حديقة ادنبرة للحيوانات عام 1945 .

إقرأ أيضا : انتقام الحيوانات من البشر

ولكن الدب لم يكن سعيدا، حيث كان يفتقد رفاقه بالجيش . وحتى زوار الحديقة لاحظوا مدى تعاسة ذلك المسكين . وبعدها أصبح رفاقه يأتون من بولندا إلى اسكتلندا لزيارته بين الفينة والأخرى . وقد كان يسعد كثيرا بذلك . وكانوا يلقون له السجائر وعلب بيرته المفضلة . وكما العادة فلم يكن يأكل السجائر الا حينما تكون مشتعلة . فلاحظ الجميع أنه يشعر بالنشاط والفرح بعد كل زيارة لرفاقه .

blank
تمثال الدب فويتك في اسكتلندا

توفي الدب فويتك بالعام 1947 وقد كان خبر وفاته حزينا جدا على رفاقه . لدرجة أن أحد الجنود قد علق ” لقد كان أخا لنا ” .

تم بناء تمثال لفويتك وهو يحمل قذائف المدفعية في حديقة حيوانات بأسكتلندا لتخليد ذكراه . كذلك تم بناء تمثال له في مدينة كراكوف ببولندا . وكان رفاقه بالجيش يأتون لزيارة تمثاله ويضعون بعض علب البيرة المفضلة لديه احتراما له .

لقد استحقت قصة الدب فويتك مقالا كاملا ومنفصلا، فهي قصة غريبة، وحزينة بنفس الوقت .

ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المصدر
WikipediaIndependentThe collector

آريو

-كاتب من سوريا - الكاتب الأفضل في كابوس لشهر اغسطس 2022
guest
50 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى