تجارب ومواقف غريبة

الشامان سيئ السمعة

بقلم : عابـ الزمان ـر – دولة الإمارات العربية المتحدة
للتواصل : [email protected]

كانت السيجارة لا تفارق فمه

عبدالله سينما

كنت في صغري أحب قصص الرعب بشكل جنوني وأتشوق لسماع حبكته المخيفة وطريقة إلقائها .. حتى أني كنت الوحيد الذي يكثر من السؤال ..! كيف كان شكله ؟ ماذا كان شعورك ؟ كيف كانت حالتك النفسية .. ؟

ولم أكتفي بهذا .. فقد كبرت وكبر فضولي معي .. في جلس ودية والمعتادة والمحبب إلي والتي جعلتها من الامور الاساسية في حياتي .. جلسه خاصة مع والدي .. أطرح فيها بعض الأسئلة عن مسيرة حياته في السابق بشكل عام وعن المواقف المخيفة بشكل خاص .. يقول والدي بين أواخر السبعينات وبداية الثمانينات كنت أعمل شرطيًا وكالعادة تم استدعائي من قبل القيادة للإشراف أنا وبعض من الزملاء على أحد السجناء المشاغبين والمتمردين وهكذا التقيت أول مرة بعبدالله سينما في إحدى سجون الدولة بقضيته المشهورة " النوم في دور السينما " تعجبت أمر استدعائي حيث أن المتهم عبدالله سينما شاب هزيل الجسد شاحب الوجه ويغطي جزءً منه شعره الناعم وجهه ولديه تلك الابتسامة المستميتة وكأنه يجاملنا بها ، تركته لأصحابي كي يتعاملون معه وجلست أنا في غرفة منفصلة اقتل فيها الوقت بقراءة بعض الكتب ، لأتفاجأ بدخول عبدالله سينما علي والسيجارة في فمه وعليه تلك " الابتسامة المستميتة " ، وضعت يدي على المسدس ولكن سبقني بإشارة من أصبعه للأعلى ليخرج المسدس من غمده وليلتصق بالسقف ، توقفت في مكاني وأنا انظر للأعلى لم استوعب تلك الحركة الغريبة ، وقفت مندهشًا وقال لي : لا تقوم بأي حركة مفاجأة حتى لا أؤذيك مثل بقيت زملائك ، أخذت ابلل شفتي بلساني وقلت له : ما تكون أنسي جني ؟؟ ضحك قال : أنا انسي ولست بجني . أشرت إلى الأعلى على السلاح وقلت : ما هذا الذي حدث ؟؟ قال لي وهو ينفث الدخان الكثيف من فمه : قصتي غريبة .

النشأة الغريبة

يقول عبدالله سينما : عثرت السلطات في أحد الدول التي تقع في شرق آسيا على طفل يبلغ الحادي عشر من العمر عربي الهيئة تائه في أحدى الاسواق المزدحمة ، ليتم اخذه إلى دار الايتام والرعاية بالأطفال بعدما عجزوا ان يجدوا أهله ، ووقع اختيار رعايته في أحدى المعابد الموجود هناك وكان الشخص الذي تكفل برعاية الطفل رجل مسن اعمى ، ولكن يملك قدرة على صنع المعجزات والممارسات يطلق عليه بـــ"الشامان" ، كان الرجل مقدسًا كاهنًا في بيئته يعالج المرضى ويساعد الناس ويدل المحتاج على ضالته ويكشف المخبأ ، ففي أحدى الايام طلب الرجل من الطفل ان يتعلم منه جميع القدرات التي يملكه حيث أن الطفل قد كبر وهو في مرحلة يجب أن يعتمد على نفسه في كسب قوته اليومي – ويأخذ عبدالله نفسًا عميقًا من سيجارته ثم يكمل على مضض – ، وتعلم الفتى تلك الطريقة الشامانية بكل سهولة وظهر تميزه فيها وتفوقه ، بعد أن اتم الفتى تعليمه في الاساسيات ولأنه فتى شابٌ نشيط استخدم تلك الطرق في السرقة وإيذاء الآخرين ، فأسقط الرجل المسن لعنة على الشاب بحيث انه لا يترك الدخان كعلامة على انه شامان سيئة السمعة ، وليصادف كذلك أن السلطات في وزارة الخارجية قد امسكت الشاب في احدى السرقات ومع التحقيقات والفحوصات تبين أنه يمتلك الصفات الجينية والوراثية لنفس الطفل المفقود منذ سنوات ، وأن عائلته الحقيقية تنتظر الرد لتأخذه معها بعيدًا عن الرجل المسن وتلك اللعنة الثانية – حسب ما اعتقد – ، ليعيش الشاب حياه غير سعيدة مع عائلته التي لم تتقبله ولكثير من التغيرات التي طرأت عليه – حسب ما تراه عائلتي – ، فقرر الهرب والعيش وحيدًا بعيدًا عن أعين السلطات وبعيدًا عن أعين عائلته – يرمي سيجارته على الأرض ويدعسها بطرف حذائه وهو ينظر إلي ، ويحرك يده أمام وجهي ثم يقبض يده ويفتحها لتخرج بين أصابعه سيجارة مشتعلة أخرى ليبدأ بسحب منها نفس عميق ولينفث في وجهي ذلك الدخان الأبيض الكثيف لأسعل وأسقط مغمى علي ، ولأعلم بعدها من توبيخ مدير دائرة السجون والإصلاحيات بأنه هرب .

الشامان سيئ السمعة

خرجنا أنا وزميلي في سيارة الشرطة لإحدى الجولات الاستطلاعية للمناطق التي بجانب البحر وبحسب الدوريات حيث تكثر الشكاوي بوجود السكارى والمتسكعين من المجرمين والمغتصبين في تلك المناطق ، لاحظنا وجود سيارة بجانب الطريق يتدلى من نافذتها قدمٌ لشخص ودخان كثيف يخرج منها ، وبشكلٍ اعتيادي توقف صاحبي لينزل ويتفقد السائق الذي كان نائمًا في السيارة ، بدأ لي أن صاحبي سأله عن رخصة المركبة ليأخذ منه ، وبشكل غريب يترك صاحبي مكانه ليتقدم ناحيتي ويمد يده لي ويقول : أحس بألم ، اعتقد اني احتاج إلى أن اتبول قليلاً ، فلتكمل التحقيق معه .

أخذت منه الرخصة وأنا أنظر إليه مستغربًا وهو يتجه إلى خلف إحدى الشجيرات ، لأخرج أنا من السيارة واتجه إلى السائق الذي بات ينفث من سيجارته ذلك الدخان الكثيف لأقوله له بصوت حازم : أطفأها حالاً . ولأفاجأ بصاحب المركبة "عبدالله سينما" بجسده الهزيل وشعره الناعم الذي يغطي جزءً من وجهه الشاحب وتلك الابتسامة المستميتة بنفسه ، وضعت يدي على السلاح وطلبت منه أن يقف بجانب المركبة ، وفعل من دون ان يقول شيئًا تقدمت إليه وبشكل سريع رميت السيجارة من فمه وأدرته ثم وضعت الأصفاد في يده وقلت له : لا تتحرك !! ، واتجهت إلى السيارة وأنا ادقق في رخصة القيادة الخاصة به وأكاد أجزم بأن السيارة مسروقة وانا اردد في عقلي : من أين لهذا الصعلوك مالاً ليشتري سيارة كهذه .

نظرت لرقم السيارة الامامي كي اطابقه مع الرخصة ولكنه غير متشابه فنظرت إليه وصرخت قائلاً : من أين سرقت تلك السيارة ؟ أشار برأسه وقال : انها سيارتي دقق جيدًا على الرقم . نظرت مرة أخرى لأفاجأ بأن الرقم قد تبدل وهو مطابق للرخصة نظرت إليه وهو يبتسم ويقول : تأكد من الرخصة الآن . نظرت للسيارة وإذا باللوحة قد تغير رقمها قال لي : لا تقلق لدي رخصة وأنا أتممت ما علي من قضايا فقد سجنت وانتهى .

وفجأة من دون مقدمات يخرج من بين اسنانه تلك السيجارة المشتعلة ويبدأ بأخذ نفسًا منها ، وليقطع علي اندهاشي صراخ صاحبي وهو يستغيث خائفًا خلف الشجرة ويقول : ساعدني لا استطيع التوقف عن التبول !! نظرت إلى عبدالله سينما ورميت الرخصة من نافذة المركبة وأنا احاول ان لا ينفخ علي من سيجارته وأقول له بإشارة من يدي : سنتركك تذهب ولكن لا تعد إلى هنا مرة اخرى ولا تقوم بأي من هذه الألاعيب الشيطانية. رفع يده ليرمي الاصفاد علي وهو ممسكًا بسيجارته ليسحب نفسًا عميقًا جدًا ويركب السيارة ويذهب بها مبتعدًا مع تلك السحابة الدخانية البيضاء التي تخرج من نافذته ، أما صاحبي شاهدته وهو يقوم بسحب السحاب لبنطاله وهو يقول : كدت أموت خوفًا بان لا أتوقف ابدًا .

تاريخ النشر : 2016-07-11

guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى